بيان من رئاسة الحزب السوري القومي الإجتماعي بمناسبة الأول من آذار 2015
أيّها المواطنون والرفقاء
في تسامي الحياة ورقيّها تكتسب التقاليد معنى جديدًا يخرج عن كونها طقسًا جامدًا لتصبح، في استعادتها، بناءً جديدًا يعبّر عن هذه الحياة – الإنسان –
المجتمع، وعن تطلّعاته. من هذه التقاليد الاحتفال بالأول من آذار عيدًا لمولد الزعيم، المعلّم، كاشف حقيقة الأمّة وباني النظام الجديد المقيل للأمة من عثراتها وموجّهها إلى الحياة الجديدة.
في الأوّل من آذار عام 1938 أعلن سعاده: “بعد أن وضعت مبادئ القضية القومية التي هي مصدر جلاء الأفكار ووحدة العقيدة والاتّجاه وأوقفت الاختلاطات السياسية الدينية في المسائل القوميّة من الوجهة النظريّة شرعت في إيجاد الوسائل العمليّة لتحقيق القضيّة القوميّة. ولم تكن المهمة هيّنة في جوٍّ موبوءٍ كجو الحالة المناقبيّة والأخلاقيّة السيّئة التي أشرت إليها.ولكنّي وضعت قاعدةً أساسية أتمشّى عليها وهي البحث عن العناصر الجديدة السليمة وتعليمها المبادئ الجديدة وإفهامها قضيّة الأمّة وتكوين حزبٍ منها ينشأ بمعزل عن الاختلاطات المذكورة آنفًا نشأةً صحيحةً قويةً بمعنويّاتها، حميدةً بمناقبها، سليمةً بروحها صالحةً لحمل أعباء القضيّة…”لقد أكّد سعاده، وعلّم، أنّ مناقب الثقة والإخلاص والأمانة هي الأساس الذي تُبنى عليه نهضة الأمّة، وفلاحها، “فالحركة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة تقوم على مبدأ الثقة لا على مبادئ الشك والخيانة والغدر، ونظامها يكفل جعل الثقة عقيدةً راسخة، وما من أحد عمل بهذا النظام وخضع لأحكامه مقدّمًا الإرادة العامة الممثّلة بالنظام على إرادته الخصوصية وأهوائه إلا كان آمنا على حقّه وحقّ غيره.وما من حالةٍ خرج فيها بعض القوميّين عن النظام ومبدأ الثقة المجموعيّة إلا واضطرب فيها حبل الأمانة وضاع الحقّ والصحيح في تيارات الأهواء الفرديّة والمآرب الخصوصيّة والادّعاءات الشخصيّة…” (سعاده، “اتّق شرّ من أحسنت إليه”، الزوبعة، العدد 79، في 12 آب 1944).الثقة، واليقين والإيمان بأصالة الشعب هي عماد البناء الصحيح، وما تسلُّل الأفكار الغازية والفاسدة، إلا نتيجة اهتزاز الثقة، وما تسلّل المفسدين والمعتدين إلا ناتج الشكّ النابع من فوضى الأهواء الشخصية غير المتوافقة مع طبيعة الحياة – المجتمع. الثقة واليقين والإيمان هي ما تجعل من القومي الاجتماعي، وقدوته حضرة الزعيم، العاملَ والمجاهدَ المثابر لتحقيق مصلحة سورية، يسير إلى النصر بخطى ثابتة مطمئنّة. هذه المناقب هي ما يحوّل احتفالنا الدائم بالأول من آذار من “تقليدٍ” نقليّ، إلى تقليدٍ عقليّ متجدّد عن إرادة النصر في شعبنا.وما أشبه الجو الموبوء الذي وصفه سعاده، بل ربّما قد يكون اليوم أسوأ، بحال كياناتنا اليوم، من تفتّت وخراب وضياع هويّة وتآمر وعدوان، وويلاتٍ تطال كلّ نواحي الحياة، في هذه الكيانات، وتاريخ شعبنا وتراثه وحضارته وثقافته ومستقبله.ففي الشام تستعر الأزمة المستمرّة منذ ما يقارب السنوات الأربع، حيث يستمرّ القتل والذبح والخطف والتدمير وتخريب كلّ مقدّرات الكيان. ويتنقّل العنف من مكانٍ إلى آخر، ومن محافظةٍ إلى أخرى، وتعود بعض مظاهر العدوان لتظهر في قلب العاصمة دمشق بالتفجيرات الإرهابية، فضلاً عن الاعتداءات اليومية بالقذائف والصواريخ، وأيضًا في بعض المدن التي خرجت من دائرة العنف كحمص وغيرها.
رافق ذلك الاعتداء اليهودي الارهابي الأخير على مزارع الأمل في القنيطرة، وارتقى فيه ثلّة من شهداء المقاومة، من أعضاء حزب الله والعميد الإيراني، كما يرافقها العدوان التركي المستمرّ، وآخر مظاهره اختراق أراضي الكيان ونقل رفاة سليمان شاه المزعوم وجودها من مكانٍ إلى آخر داخل حدود الكيان المصطنعة، التي وضعها سايكس وبيكو بالاتفاق مع الأتراك لاسترضائهم. أما اشتراك الجيش التركي المباشر في معارك شمال حلب فلا يمكن تجاهله، خاصةً أنّه أتى فاضحًا للدور التركي في الأزمة الشاميّة، بعد أن كان الإعلان عنه محصورًا بـ”دعم الثوار المعتدلين” في الشام. ومن مهازل الأزمة، أنّ حماية مقام سليمان شاه كانت بالتنسيق التام مع “داعش” التي لم تُبقِ جامعًا أو كنيسةً أو تمثالاً أو مقامًا إلا ودنّسته، أو دمّرته، أو أحرقته بحجّة مخالفته “للشرع الإسلامي”.وبعد أن كنّا قد أوضحنا مرارًا منذ بدء الأزمة، أنّ تركيا وبعض دول الخليج العربي، السعودية وقطر، تنفيذًا لأوامر سيّدهم الأميركاني هم من يدعم ويوجّه ويسلّح ويدرّب ويسرّب المعتدين والإرهابيّين إلى الشام، تأتي اليوم معارك شمال حلب لتؤكّد وتفضح صلف الأتراك ودورهم الأساسي في الأزمة، من خلال إشراف الجيش التركي على المعارك وتغطية المسلّحين بالقصف المدفعي، في محاولةٍ لاستعادة سيطرة “السلطنة العثمانية” على الأمم التي احتلّتها – كما يقول محلّلون.
في مواجهة هذه الاعتداءات واستمرار المعارك، ورغم الاستنزاف الذي يتعرّض له جيشنا في الكيان الشامي منذ بداية الأزمة، فإنّ الإنجازات التي يحقّقها – مع حلفائه – لا زالت سببًا مباشرًا في مقاومة المواطن الشامي لمغريات الهجرة، وللاستسلام لليأس، وسببًا مباشرًا في استمرار صراعه مع مظاهر هذه الأزمة ونتائجها من تردٍّ اقتصادي ومعيشي وخدماتي في معظم المحافظات. والانتصار الذي تحقّق في جبهة القلمون لم يتمكّن الإرهابيون من تغييره، رغم كلّ محاولاتهم، ورغم معارك الكرّ والفرّ التي تجري في الجبهة، ولم يستطيعوا استعادة السيطرة على تلك المنطقة ، بل تحوّلت المعارك إلى تنازعٍ داخلي بين الجماعات الإرهابيّة لاحتكار السيطرة، والمعركة الحاسمة في الجنوب الشامي أدّت إلى إعادة النظر في وضع الجنوب، حيث كان العدو اليهودي يسعى إلى إقامة منطقة عازلة، و”جيش لحدٍ” شامي يتكوّن من الجماعات الإرهابية كما فعل في جنوب لبنان سابقًا، إلا أنّ محاولاته حتى الآن باءت بالفشل، ولا ننسى دور عملية شبعا الأخيرة – التي قام بها حزب الله جزءًا من الردّ على اغتيال المجاهدين في القنيطرة – في ردع المحاولات اليهودية في المنطقة، كما أنّ تحرير أجزاء من شمال حلب من الإرهابيّين واستعادة الجيش الشامي السيطرة عليها أفشل محاولات تركيا إقامة منطقة عازلة بحكم الواقع وبصرف النظر عن فشلهم في استدراج قرارٍ “دولي” لتحقيق ذلك.لقد نجحت المصالحات المحلّية التي قامت في بعض المناطق في إعادة بعض الذين حادوا عن سواء السبيل إلى جادة الصواب، واستعادة السلطة قدرتها على تأمين حاجات المواطنين وحمايتهم، كلّ ذلك يتمّ تمهيدًا للمصالحة الوطنية التي لا تكون إلا بالتقاء مختلف الأطراف الشاميّة على طاولة واحدة للبحث في وسائل تحقيق مطالب المواطن والخروج من الأزمة وحقن الدماء، دون شروطٍ مسبقة، وعلى قواعد وحدة الشعب والأرض، ورفض التدخّل الأجنبي، والعمل لإيجاد النقاط المشتركة فيتمّ الانطلاق منها لبناء “النظام” الذي يحقّق كرامة المواطن، ويحفظ مصلحة الكيان. في مقابل التطوّرات العسكرية نجد التطوّرات السياسية التي كانت تحصل في الفترة الماضية تحت الطاولة، وبدأت اليوم تظهر إلى العلن، فزيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى الشام هي دليل على محاولات إيجاد سبيل لاستعادة العلاقات مع الشام، مع حفظ ماء الوجه، بعد إدراك حقيقة أنّ الإرادات الغربية لن تستطيع تجاوز واقع اضطرارها للتعامل مع الواقع في الشام، وتطوّر العلاقات الروسيّة – الأميركانيّة إلى حدّ إعلان الأميركاني دعم الجهود الروسيّة في عقد الحوارات بين “المعارضات” الشاميّة والسلطة، بالإضافة إلى التطوّرات في ملف “النووي الإيراني”، إلى حدّ التبشير باحتمال إنهاء النزاع في الموضوع – مما أغضب نتنياهو ودفعه إلى طلب مخاطبة الكونغرس الأميركاني دون العودة إلى البيت الأبيض في ذلك، وأدّى إلى نشر تحقيقاتٍ استخباريّة قديمة حول البرنامج النووي اليهودي الذي يتمادى في صناعة الأسلحة النوويّة، كون دولة الاغتصاب رفضت التوقيع على الاتفاقيّة الدوليّة المتعلّقة بحظر الصناعة الحربيّة النوويّة – فبرز النزاع اليوم بين الإدارتين الأميركانيّة و”الإسرائيليّة”، هذا بالإضافة إلى إعلان “الحرب على الإرهاب”؛ كلّ ذلك أدّى إلى خفض سقف الأهداف الأميركانيّة من “إسقاط النظام” إلى محاولات إيجاد السبل للتفاوض معه، دون أن نغفل أنّ إعلان الحرب على الإرهاب ليس سوى واجهةٍ تحفظ ماء وجه الأميركاني، حيث تقوم طائرات التحالف بقصف بعض المواقع من جهة، وتزوّد المسلّحين بالعتاد والذخائر من جهة أخرى، وقد تناقلت بعض وسائل الإعلام أخبارًا عن مشاهدة طائراتٍ أميركانيّة ترمي الذخائر لمسلّحي “داعش” في العراق.
أما لبنان “النائي عن نفسه”، فلا يزال تحت وطأة التنازعات السياسيّة بين دول القرار، فلا انتخاب لرئيسٍ للجمهوريّة، رغم وجود المرشّحين، والموعودين بالتوافق، والمجلس النيابي الممدّد لنفسه للمرّة الثانية بحجّة وضع قانون انتخابٍ جديدٍ “يحقّق” التمثيل الصحيح، أو انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، هذا المجلس لا يقوى على الانعقاد، والحكومة التي كانت تمارس الحدّ الأدنى من مهامها أصبحت بحاجةٍ لـ”آليّة عمل” لتقوم بحماية مصالح المواطنين، ومصلحة الكيان. ورغم ما يقوم به بعض الوزراء من مكافحةٍ للفساد في نطاق صلاحيّاتهم، إلا أنّ المطلوب منهم يتجاوز بكثير ما يقومون به من واجباتٍ طبيعيّة. أما الجيش، الدرع الحقيقي الحامي للوطن والمواطن، فلا تزال المناكفات السياسية تحرمه من القرار بالتسليح، ورغم ما تمّ تحقيقه من إنجازاتٍ منذ أحداث طرابلس الأخيرة، والخطط الأمنية التي وضعها ونفّذها في بعض المناطق، إلا أنّ الغطاء السياسي لم يُرفع بعد عن بعض المتطاولين عليه، ولا تزال مخاطر الخلايا النائمة قائمةً تهدّد أمن المواطن، ولو ترك للجيش أن يتّخذ الإجراءات المناسبة منذ أحداث البيرة في عكار، مرورًا باغتيال الرائد بشعلاني والتصريحات المسيئة إلى هيبة المؤسّسة وكرامتها، لما وصلنا إلى هذه الحالة، ويبقى الجرح نازفًا منذ آب الماضي، حيث لا يزال مخطوفو الجيش والقوى الأمنية في قبضة الإرهابيّين، يستعملونهم دروعًا بشريّة لتحصين وجودهم في الجرود، والحلّ الوحيد لمواجهة التهديد القادم من الجرود هو في التنسيق بين جيشَي الكيانَين اللبناني والشامي، وبين الحكومتَين اللبنانيّة والشاميّة، دون مكابرةٍ ومراعاة إراداتٍ غريبة، فالعلاقة بين كيانات الأمّة، وتحديدًا بين لبنان والشام علاقةٌ عضويّة، ولن يكون لهذه الكيانات فلاحٌ إلاّ بالتنسيق الفعلي على مختلف الصُعُد، فتكون حزمةَ يصعب كسرها ولا يُستفرَد كلٌّ منها فيخضع لمن يملي عليه قراراته. وتأتي مبادرة الجيش في قصف معاقل المسلّحين في الجرود خطوةً في طريق تخليص لبنان من خطرهم، على أمل أن تُستتبع بالاجراءات الكفيلة بإنهاء خطرهم.أمّا بالنسبة “للحوار”، ثنائيًّا كان أو متعدّد الأطراف، فهو من الأمور الطبيعية التي تجري عادةً في مجلسَي السلطة، سواء النيابي أو الوزاري، إلا أنّ “خصوصيّة” “النظام” اللبناني أدّت إلى قيام هذا الحوار خارج المجلسَين، ويبقى الأمل أن تكون هذه الحوارات بقصدٍ حقيقيٍّ للتلاقي والعمل معًا في ما يحقّق مصلحة الكيان، لا مجرّد لقاءاتٍ شكلية لا تخرج عن إطار التجامل بقصد تمرير الوقت لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور في اللعبة السياسيّة بين الأقطاب الكبار في العالم. ويبقى الأمل في أن يعي اللبنانيون أنّ من يجب أن يتّخذ القرار في لبنان هم اللبنانيّون أنفسهم.وفي العراق، وبعد أن استطاعت “داعش” – بسحر ساحرٍ، وتحت أنظار الأميركاني الذي يحتفظ بمراكز عديدة تخوّله أن يعرف ويواجه مسبقًا أيّ تحرّك، كما تخوّله أن يدير ويوجّه ويسلّح – استطاعت أن تسيطر على أجزاء كبيرة من أراضيه، وأن تمارس أسوأ أنواع التنكيل المذهبي، حتى وصلت جرائمها إلى المواطنين من المذهب السني، والجريمة العظمى، في الأمس القريب، تدمير محتويات متحف الموصل من تماثيل ونُصُب تحمل في حناياها ما يعبّر عن نفسية شعبنا، ولم يوقف تقدّم “داعش” ويرغمها على التراجع سوى المقاومة الشعبيّة في العراق، والعشائر، وما تبقّى من جيش. والمتابع يرى كيف تنتشر اليوم الأبحاث والتحليلات التي توجّه الاتّهام المباشر لوكالة المخابرات المركزية الأميركانيّة وحلف شمال الأطلسي، في تمكين “داعش” من السيطرة على الموصل، وتتهمّها بإخراج العملية بنجاح.
إنّ الدافع الأساسي للاحتلال الأميركاني للعراق لم يكن سوى السيطرة على منابع النفط، وتفكيك العراق إلى دويلات مذهبيّة، متنازعة فيما بينها، فتتشرذم قوة الكيان. وكان عنوان “الحرب على الإرهاب” مجرّد واجهةٍ استُعملت لإخفاء الطابع الاحتلالي أمام الرأي العام العالمي، فيأتي تصريح المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي مؤخّرًا، المعلن أنّ الولايات المتّحدة هي التي أنشأت الظروف المساعدة لتواجد القاعدة في العراق، مجرّد إعلان ما أصبح مكشوفًا أمام كلّ من رأى ووعى خطورة وأهداف السياسة الخارجيّة الأميركانيّة التي تدار من أصحاب رؤوس الأموال اليهوديّة الساعية لتحقيق وهم “أرض الميعاد”.وفي فلسطين الرازحة تحت وحشيّة الاحتلال، وبعد تدمير غزّة وقتل أبنائها وإفناء عائلاتٍ بكاملها في القطاع، تستمرّ محاولات تهويد القدس، والاعتقالات العشوائيّة التي تطال حتى القصّر العزّل، أما الخطير والخفي، فهو التنسيق الأمني الذي تفرضه الاتفاقيّات الاستسلامية على الطرف الفلسطيني، مما يسهّل على الاحتلال تحقيق أهدافه واغتيال بعض أهمّ قادة المقاومة الفلسطينيّة، كما أنّ بعض المدرّبين الأميركانيين الذين كانوا مكلّفين بمهام تدريب الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة أعلنوا أنّ الهدف من التدريبات هو تطبيق القانون للتمكّن من العيش “بسلامٍ” مع اليهود، هذا بالإضافة إلى قرصنة اليهود لأموال ضرائب السلطة الفلسطينيّة، وبالتالي حرمان الموظّفين من رواتبهم منذ ما يزيد على الأربعة أشهر، دون أن نغفل باقي الاتفاقيّات المذلّة التي تربط كلّ مقدّرات الكيان بالقرار اليهودي ولو بشكلٍ غير مباشر، ومنها اتفاقيّة الغاز.
إنّ الحلّ في فلسطين لن يكون أبدًا بالمفاوضات الاستسلامية التي تُخضع الكيان أكثر فأكثر لسيطرة الاحتلال، كما لا يكون أيضًا بمقاومةٍ مذهبية، الحلّ في فلسطين يكون فقط بتحريرها كاملةً على يد أبناء شعبنا متّحدين، فلقاؤنا مع اليهود هو لقاء الحديد بالحديد والنار بالنار…أما الأردن المستَلَب القرار والإرادة، فقد صار معبرًا للإرادات العدوانيّة على الشام، ومقرًّا لتدريب المسلّحين تمهيدًا لنقلهم إلى الشام، ومركزًا لغرف العمليّات الأميركانيّة المنسّقة مع اليهود في إدارة المجموعات الإرهابيّة في جنوب الكيان الشامي، ناهيك عن الأردنيّين من قادة “جبهة النصرة”. هذا بالإضافة إلى القمع الذي تمارسه السلطة الأردنية بحقّ المقاومة الفلسطينيّة، وإفساح المجال أمام العدوان على العراق بفتح الحدود معه… وكما يعاني الجيش اللبناني من عدم اتّخاذ القرار لدعمه، والجيش الشامي من الاستنزاف، وكما عانى الجيش العراقي من التفكيك على يد الأميركاني، جاء دور الجيش الأردني اليوم، حيث أُلغيت خدمة العلم، ويتم العمل على تحويل الجيش إلى فرقٍ صغيرة لتكون حرس حدود للعدو، بدل أن يكون دوره هو الآخر حماية أمن المواطن الأردني، وحماية مصلحة الكيان من العدوان.هذا دون أن ننسى الاتفاقيّات الاستسلاميّة مع العدو، وسيطرته على مياه الأردن وتحكّمه بـ”الاقتصاد” الأردني.وقد جاء استشهاد الطيّار معاذ الكساسبة بالطريقة البشعة المعبّرة عن “داعش” وممارساتها، ليعطي الفرصة المناسبة للسلطة الأردنيّة – إذا أرادت – للتخلّص من “داعش” ومثيلاتها المتواجدة داخل الأردن، إلا أنّ القرار كان بالانتقام من داعش خارج الأردن! يبقى للأردن منفذٌ وحيدٌ للخروج من حالته هذه، هذا المنفذ هو بالعودة إلى مجاله الطبيعي، والتنسيق مع الشام والعراق في مكافحةٍ حقيقيّة للإرهاب.والكويت، الكيان المصطَنع الخاضع منذ إنشائه لإرادة منشئيه، يسير خبط عشواء، ويشكّل معقلاً لمموّلي الجماعات المسلّحة تحت عناوين متعدّدة وأسماء لجمعيّاتٍ خيريةٍ في العَلَن، ولم يدرك بعد أنّ خيره لا يكون إلاّ في حضنه الطبيعي.
تبقى قبرص والاسكندرون وكيليكيا والأهواز وسيناء شاخصةً إلينا تنادي أعيدوني إلى مداي الحيوي…أيّها المواطنون والرفقاء،إنّ الناظر بعين المحلّل إلى الأحداث المتنقّلة في العالم، من سيدني إلى فرنسا – تشارلي إيبدو وغيرها – إلى الدنمارك، يدرك أنّ هذه الأحداث هي حلقاتٌ من خطّةٍ واسعة، لها أهدافها المستترة، فالمجرمون الذين يقومون بالأعمال الإرهابيّة في هذه الدول هم – بحسب إعلان السلطات – من المطلوبين للعدالة، أو من الخارجين من السجون، ومنهم من أُرسل إلى الشام حيث تدرّب وشارك في القتال، ثم عاد إلى بلده، فأين يد السلطة عنه لتقيَ المواطنين من خطره دون الاكتفاء بمراقبته ووضع العين عليه؟ لماذا تنتظر هذه السلطات حتى يقوم هؤلاء الإرهابيّون بجرائمهم لتلاحقهم بعدها؟ ربّ قائلٍ إنّ هذه الشبكات هي صنيعة أجهزة المخابرات العالميّة، وعلى رأسها الموساد ووكالة الاستخبارات الأميركانيّة، تخبّئها لخطّتها المبيّتة للحاجة، تمامًا كما يحدث في بلادنا، وبشكلٍ خاص في العراق والشام، لتكون “الحربُ على الإرهاب” وسيلةً – ليس للقضاء على هذه المنظّمات – بل لاستعمالها حيث تحقّق لسيّدها موضع سيطرة بمختلف أشكالها، وكلّنا يذكر من أنشأ وموّل وسلّح ووجّه “القاعدة” في أفغانستان، وإلى ماذا آلت الأمور.وتأتي هذه الجرائم – الموجّهة ضدّ اليهود في هذه الدول معظم الأحيان – مقدّمةً للنتيجة: “ليس لليهود أمن وسلام إلا في دولتهم “إسرائيل”، فيا يهود العالم لا تتأخّروا عن الهجرة إلى “أرض الميعاد””، كما أعلن نتنياهو في زيارته الأخيرة لفرنسا، لتتكرّر خديعة “الهولوكوست” بسيناريوهاتٍ جديدة ومتعدّدة لدفع اليهود إلى المجيء إلى أرضنا في فلسطين، فيكون هدفها قيام دولة الاغتصاب اليهودي بتوسيع الاستيطان تحت مرأى العالم، دون رادعٍ حتى من أصحاب الحقّ، وبالتالي تكون وسيلةً من وسائل العدوان على شعبنا في المحصّلة.
رغم فظاعة الجرائم التي ذكرنا، ألم يكن العدوان الأخير على غزة أفظع، أوليس تفتيت العراق وتهجير أبنائه والسيطرة على مقدّراته أخطر؟ أليست جرائم القتل والذبح والتهجير والتدمير المستمرّة في الشام أكثر بشاعة؟ أليس أكثر “إنسانية” أن يتداعى زعماء العالم للقيام بخطواتٍ حقيقيّة ضدّ الإرهاب في بلادنا ووقف التسليح والتدريب والتمويل للجماعات المسلّحة، دون أن يكتفوا بتنظيم مسيرةٍ حاشدةٍ في باريس ضدّ جريمة تشارلي، يرافقهم فيها الوجه الأبرز للإرهاب – نتنياهو؟أيّها المواطنون والرفقاء،في كلّ ما ذُكر من حروب ومعارك، يبقى الدور الأساسي للحرب النفسيّة التي يديرها العدو بنجاح عبر وسائل الإعلام العالميّة، وتنضمّ إليها وسائلنا الإعلامية بـ”حسن نيّةٍ” أحيانًا، أو بقصدٍ أحيانًا أخرى، فقط لأنّها تفتقد المقياس النقدي، وتسعى إلى السبق الصحفي، فتروّج مصطلحاتٍ أُفرغت من معناها، مثل “الإرهاب” و”الاحتلال”، وتنتشر أحيانًا كثيرة تحقيقاتٌ وصور غير مدقّقة، وننجرف مع “البروباغندا” دون أن نتوقّف لحظةً لنفكّر: أين مصلحتنا في هذا؟ لقد تسابق الجميع – تحت عنوان حرّية التعبير – للقول “أنا تشارلي”، وقلّ المبادرون للحديث عن الطفلة ملاك الخطيب مثلاً ذات الخمسة عشر ربيعًا التي اعتقلها الاحتلال في فلسطين. وإنّ الرأس المدبّر لـ”داعش”، والجماعات الإرهابية، يلعب هذه اللعبة بحِرَفيّةٍ ممتازة، فنجد الأفلام الفظيعة التي تنقل جرائم هذه الجماعات بالتفاصيل مع مؤثّراتٍ إخراجية تحتاج تمويلاً عاليًا وخبرةً دقيقة، لبثّ الرعب في مواطنينا ليخسروا المعركة حتى قبل أن يخوضوها، تمامًا كما فعل اليهود بتناقل أخبار المجازر في بدايات دخولهم إلى فلسطين، واستطاعوا أن يخلقوا أسطورة الجيش الذي لا يهزم، حتى بدأت العمليات الفدائيّة والاستشهاديّة، فكسرت هذه الأسطورة، واستطاع شعبنا أن يحقّق انتصاراتٍ باهرة أبرزها انتصار عام 2006.اليوم، نحن بأمسّ الحاجة لأن تقوم دويلات كياناتنا – ليس فقط بالتنسيق العسكري والسياسي لمواجهة الهجمة عليها – بل أيضًا بالتنسيق في وضع خطّة إعلاميّة، وتربويّة، ودفاعيّة تنمّي لدى المواطن ثقته بنفسه – بشعبه وأمّته – هنا يكمن خط الدفاع الأول، في بناء الثقة وإرساء اليقين بأنّنا أصحاب المصلحة، وأنّنا وحدنا القادرون على حماية شعبنا وأرضنا. أيّها المواطنون والرفقاء،قال سعاده في الأوّل من حزيران 1935 “ليست القوميّة إلاّ ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمّة على نفسها. ومن هذه الجهة نرى أن مبدأنا هذا يكسبنا الحيويّة المطلوبة لجعل شخصيّتنا القومية ذات مثالٍ أعلى خاص وإرادةٍ مستقلّة هي أساس كلّ الاستقلال.” هذه الثقة تقوم على الإيمان بأصالة نفسيّة الشعب وبقدرته على اجتراح المعجزات عندما يدرك مصلحته، فيفرض إرادته.
أيّها القوميّون الاجتماعيّون”إنّ مبادئنا القوميّة الاجتماعيّة قد كفلت توحيد اتّجاهنا، ونظامنا قد كفل توحيد عملنا في هذا الاتّجاه ونحن نشعر أنّ التغيير يفعل الآن فعله الطبيعي”. لم يُقدم أحدٌ من الرفقاء على أداء قَسَم الانتماء إلى الحزب إلاّ معتنقًا لهذه المبادئ، وموقنًا أنّ فيها وحدها فلاح سورية وعزّتها. إنّ كلّ ما طرأ على القوميّين الاجتماعيّين، وما نشكو منه، وما يُسمّى “تعدّد مؤسّسات”، ليس سوى طفرةٍ سطحيّةٍ قابلةٍ للعلاج، بصدق الإيمان بحقيقة هذه الأمّة، وثبات العزيمة للعمل لتحقيق مصلحتها، وهذان ينبعان من الثقة بالنفس، واليقين بالانتصار الأخير الذي لا مفرّ منه.لم يمرّ يومٌ على حزبنا، إلا وكانت الأقاويل تعلو أو تخفت، والإشاعات تطال الرفقاء، والاتّهامات طاولت حتى الزعيم، يبثّها من أدركوا خطورة المناقب القوميّة الاجتماعيّة على منافعهم الشخصيّة، مدفوعين بفرديّتهم وجهلهم، يستفيد منهم عدو الأمة فيُعمل في شعبنا تفرقةً حتى يسود، كلّ هدفه أن لا يستعيد شعبنا ثقته بنفسه، ويقف وقفة المارد رادًّا كلّ الرياح الهائجة.
أيّها الرفقاء،كلّنا مسؤول، ومسؤوليّتنا الأساس هي بعث النهضة، والنهضة هي الخروج من “التفسّخ والتضارب والشك إلى الوضوح والجلاء والثقة واليقين والإيمان والعمل بإرادةٍ واضحةٍ وعزيمةٍ صادقة”، ومن أركانها الانتظام في نظام الشكل النابع من نظام الفكر والنهج. السوريّون القوميّون الاجتماعيّون – ولا أعني بذلك من ينتظمون إداريًّا في الحزب فحسب، بل أعني كلّ من رفع يده زاويةً قائمةً دليل الوضوح واليقين والثبات – هم لا يطلبون “الوحدة” على أساس تجميع “مؤسّساتٍ” وجمعٍ وتوفيق، هم يتمرّسون فكرًا – فعلاً بالمبادئ التي اعتنقوها، ويتفاعلون فيما بينهم، ومع أبناء شعبهم مجاهدين لإعلاء إرادة سورية وتحقيق سؤددها. هذا المشروع، هو مشروع بناءٍ كان من لبناته المؤتمر الذي عقدناه بمناسبة عيد التأسيس في دمشق، تحت عنوان “سوريا وصراع الوجود ودور السوريّين القوميّين الاجتماعيّين”، فعمل الحزب ورؤيته يحتاجان تضافر كلّ الإمكانيّات والجهود لتحقيق الغاية – النهضة، وما بادر إليه القوميّون من تثمير طاقات الرفقاء الخلاّقة في الحزب – نظام الفكر والنهج ونظام الشكل – هو دليلٌ حقيقيٌّ وعمليّ على أنّ “الوحدة” تعبيرٌ عن وضوح الرؤية وقوّة العزيمة في الانخراط في مشروع الحزب، ودفع قوّته إلى قمّة جديدة من قمم العز.
أيّها المواطنون والرفقاء،”رسالة الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى الأمّة هي رسالة الثقة والإخلاص والنظام وسيسحق الحزب كلّ إثم يعترض تحقيق هذه الغاية العظيمة الجميلة!” (سعاده، “اتّق شرّ من أحسنت إليه”، “الزوبعة”، العدد 79، في 12 آب 1944).
ولتحيَ سورية حياة سعاده
المركز في الأول من آذار 2015
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي
الرفيق الدكتور علي حيدر
المعلومات الأساسية
تاريخ الصدور
2015/02/28
اللغة
العربيةنوع الوثيقة
بيان سياسي
البلد المستهدف
فلسطينإيرانالأردنلبنانالولايات المتحدة الأميركيةتركياكود الذاكرة السورية
SMI/A200/556281
الجهة المصدرة
الحزب السوري القومي الإجتماعي - الانتفاضة - علي حيدركيانات متعلقة
شخصيات مرتبطة
يوميات مرتبطة
لايوجد معلومات حالية