الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.

بيان من رئاسة الحزب السوري القومي الإجتماعي حول ذكرى التأسيس للعام الحزبي الثالث والثمانين

أيّها المواطنون والرفقاء

يعود عيد التأسيس علينا، وقد يتساءل البعض: هل من عيدٍ وحال الأمّة على ما هي عليه: الأخطار محدقةٌ من كلّ جانب، والأهوال لا تستثني كيانًا أو منطقةً؟

ويأتي التساؤل عن صدق شعورٍ بالحزن على ما آل ويؤول إليه حال أمّتنا كلّ يوم، وعن إخلاصٍ في البحث عن جوابٍ يكون المخرج فيه من أزماتنا، من “الفوضى الخلاّقة” التي جرّها ويجرّها علينا عدوّنا الوحيد – اليهود، بواسطةٍ محلّية أو إقليميةٍ أو دولية، وبغير واسطة.

هذا السؤال يدفع إلى البحث عن الحقيقة التي تخرجنا من هذه الحالة. وقد يقول قائل إنّ الأخطار مداهمة، وليس الوقت وقت البحث عن الحقيقة؛ “إنّ هذا النوع من التفكير هو مسؤولٌ عن جرّ الأمّة من تخبّطٍ إلى تخبّطٍ آخر…عالجت هذه الأمّة مسائل عديدة باستعجال، وكانت النتيجة خسائر، صارت معالجة مستعجلة لقضية جزءٍ من الوطن في الشمال كيليكية والاسكندرون، وآخر المعالجات المستعجلة كانت فلسطين وجميع هذه المعالجات أدّت إلى نتيجة واحدة، تراجع وانكسار وانخذال وخسارة. وأجزاء ثمينة لا يمكن استرجاعها إلا بجهاد مضنٍ عنيف وتعبٍ شديد ومثابرةٍ على العمل.” (خطاب سعاده في طلبة دمشق، 1948)

للسائلين نقول نعم إنّه عيد. لأنّ “الغرض الّذي أُنشئ له هذا الحزب غرض أسمى، هو جعل الأمّة السورية هي صاحبة السيادة على نفسها ووطنها. فقبل وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي كان مصير هذه الأمّة معلَّقًا على إراداتٍ خارجية وكانت أنظارنا دائمًا تتّجه إلى الإرادات الخارجية بعد أن نكيّف أنفسنا وفاقًا لها. أمّا الآن فقد غيّر وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي الموقف.” (سعاده، الخطاب المنهاجي الأول)

إنّه عيد، لأنّ بهذا التأسيس انبثق فجر الحقيقة بين أبناء شعبنا، وبه أخذت الأمة بإرادتها تستحضر قوّتها الكامنة فيها تحت طبقات الأوامر المفروضة منذ معاهدات سيفر ولوزان وسايكس – بيكو و…. فـ”نحن القوميّين الاجتماعيّين قد سلكنا طريق المعرفة واخترنا هذه الطريق على طولها وبطئها، على جميع الطرق الأخرى الاعتباطية المستعجلة التي تريد الخطوة الأولى ولا تدري أيّ خطوة تعقبها، نحن فضّلنا السير في طريقٍ واحدة إلى أهداف صحيحة اهتممنا أن نعرفها قبل أن نسير- وسط الأخطاء والتخبّط وقفنا ونظرنا وبحثنا في المشاكل والطرق وعوّلنا في الأخير على أهداف صحيحة وطريق واضحة” (خطاب سعاده في طلبة دمشق، 1948). إنّه عيد لأنّ طريقنا واضحة وغايتنا جليّة ومصلحة سورية أصبحت في إدراك العارفين المؤمنين – فوق كلّ مصلحة.

في المقابل، يرى السائلون من شعبنا الأهوال، فتشتدّ الهموم على كواهلهم، ففي الشام، ومنذ ما يقارب الأربع سنوات، تدمير وقتل وتشريد وسرقة آثار ومحاولة لمحو الهوية الحضارية، وخطف واعتقال…، واستهداف أعلامها ومبدعيها – آخرها اغتيال المهندسين النوويين الخمسة في برزة – ووضع اقتصادي متردٍّ، والمعاناة من النقص في مشتقات النفط، ومعارك، واحتلال الإرهابيين وسيطرتهم على بعض مناطق، يقابله إنجازاتٌ رائعة للجيش، وتمنع الإرهابيين من تحقيق أهداف، واستعادة السيطرة على مناطق هامة… بعد الانتصار في القُصَير والقلمون وحلب… يرافق ذلك مصالحاتٌ محلّية في بعض المتّحدات نجحت في إعادة المؤسّسات الرسمية إليها للعمل وتأمين حاجات المواطنين، والعمل على استعادة الثقة بين أبناء المتّحد الواحد بعودة المضلّلين منهم إلى جادة الصواب، أما من أصبحوا عناصر في المشروع الخارجي، فيبقون خارج المصالحات وخارج الثقة.

ويأتي وضع النازحين المؤلم أيضًا، في أماكن انتشارهم، ورغم أنّنا نؤمن أنّ الموجودين منهم في كيانات أمّتنا إنّما انتقلوا في أرضهم من مكانٍ لهم إلى مكانٍ آخر لهم، إلاّ أنّ عملنا على إعادتهم إلى بلداتهم ومدنهم الأساسيّة – حيث حُسمت المعارك واستعادت الإدارة الرسميّة سلطتها ودورها – يأتي حرصًا على استعادة دورة الحياة الطبيعيّة في كافّة متّحدات أمّتنا، وعلى استعادة دورهم كإمكانيّاتٍ فاعلة لمصلحة المجتمع.

في سياق العمل الحثيث على إيجاد المخرج الآمن من الأزمة، تكثر الاقتراحات والمساعي الدولية، التي تلعب فيها الدول الحليفة دورًا هامًّا، وإذا بالأفكار العدوانية من الدول المشاركة في الحرب على الشام بشكلٍ غير مباشر، من اقتراح مناطق معزولة السلاح على حدود الكيان، إلى غيرها من محاولات التسلّل تحت عنوان المساعدات الإنسانية، ويأتي اقتراح المبعوث دميستورا الأخير بتخصيص مناطق مجمدة النزاع لتعلن السلطة في الشام أنّه قابل للدرس، بناءً على تفاصيل الاقتراح الخاضعة لقرار الشام، خاصةً إذا نصّ على وقف العدوان على الجيش والمؤسّسات والمواطنين، ليقابَل بإيقاف العمليات العسكرية وإجراء المصالحات المحليّة برعاية “الدولة”، المخوّل الوحيد حماية المواطن وتأمين حاجاته.

ثم إنّ إعلان ضرورة “مكافحة الإرهاب” القديم المتجدّد، وتشكيل “التحالف الدولي” بقرار من مجلس الأمن، وقيام هذا التحالف بالضربات الجوية لـ”ضرب” “داعش”، في حين أنّ عين العرب – كوباني رزحت تحت الآلام الناتجة عن وحشية هذا التنظيم مدة، وفعليًّا لم يدافع عنها إلا أهلها. إنّ هذا التحالف، الذي لم تنضمّ إليه كثير من الدول المشاركة في العدوان على الشام، ليس إلا تكتيكًا جديدًا في الاستراتيجية الأميركانية، في محاولة إيجاد أدواتٍ جديدة تحقّق للمعتدين أهدافًا أكثر ممّا فعل “الائتلاف”، الذي فشل في إقناع العالم بأنّ الحرب في الشام هي نزاع على الشرعية، كما كان يبغي صانعوه، فتخلّوا عنه غير مأسوفٍ عليه. إنّه محاولةٌ لكسب أوراقٍ جديدة لتعديل موازين “اللعبة” في الشام، حيث أثبتت مجريات الأمور أنّ الشرعية لا زالت في قرار الشاميّين؛ ولتعديلها في العراق أيضًا حيث بدأت السيطرة الأميركانية المقنّعة بالتراجع. إنّ مكافحة الإرهاب لن تكون إلاّ في تجفيف منابع التمويل والتسليح والإمداد للمقاتلين وبالمقاتلين.

قلنا منذ بداية الأزمة – واليوم يتّجه كلّ الصادقين نحو الحل الذي اعتمدناه – إنّ الحلّ والمخرج الآمن من الأزمة لن يكون إلاّ بالحوار، الحوار دون شروطٍ مسبقة، ودون إقصاءٍ وإلغاء، بين الشاميّين الملتزمين بالثوابت الوطنيّة – وحدة الأرض والشعب ورفض التدخّل الخارجي، ووضوح وتحديد من هو العدو. وهذا ليس حلاًّ سياسيًّا، إذ إنّ ما يسمّى بـ”الثوار” ليسوا كلّهم من الشاميّين المطالبين بالإصلاحات المحقّة، بل معظمهم من المرتزقة، وكثيرون أيضًا أصبحوا عناصر في المشاريع الخارجية الساعية إلى تدمير الحضارة والتراث وإضاعة الهوية السوريّة، وهنا يأتي دور المصالحات المحلّية التي ذكرنا، والتي أُنجزت في الكثير من المتّحدات، في غربلة المضلَّلين الذين يعودون إلى سواء السبيل، من الإرهابيّين غير القادرين على العمل لمصلحة الشعب. ومن هذا المنطلق أيضًا قلنا إنّ القوميّين الاجتماعيّين لن يدخلوا في النزاع إلا دفاعًا عن النفس – الشعب – المجتمع، دفاعًا عن وجودنا، وحقّنا في أرضنا ووحدتها، كما دأبوا منذ 1932، في فلسطين ولبنان والعراق والشام. يكون الحوار عندها الوسيلة الأساسية لتحشيد القوى الوطنية في مواجهة الإرهاب والمشاريع التفتيتية، التي لن يكون منها “مصلحة” إلا للعدو الغاصب في جنوبنا.

وفي لبنان، الكيان الذي أنشئ ليكون ريشةً في مهبّ رياح الإرادات الخارجية المسيطرة على الأطراف السياسية فيه: تعطيل المؤسّسات الدستورية مستمرّ، فلا رئيس للجمهورية – بصرف النظر عن الدور الذي سُمح له به بعد اتفاق الطائف – والمجلس النيابي – بعد أن مدّد لنفسه مرةً أولى بذريعة وضع قانون انتخابٍ جديد مصادرًا إرادة اللبنانيّين – ورغم أنّه لم يتوفّر نصاب عقد جلساتٍ لمعظم فترة التمديد الأولى، عاد ومدّد لنفسه مرةً جديدة، بذرائع الأوضاع الأمنية؛ والطريف في هذا المجال أنّ الأوضاع الأمنية في الشام والعراق أسوأ بكثير من الوضع الأمني في لبنان، لكنّ الكيانَين تمكّنا من إجراء الانتخابات في مواعيدها، لأنّ الإرادة لإجرائها توفّرت فيهما! والحكومة اللبنانية، ورغم عدم تصريحها بموقف “النأي بالنفس” كما سابقتها، إلا أنّها لا زالت بالفعل تنأى بنفسها عن “النفس”، وما الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية والأمنية – العسكرية والغذائية و… – في الكيان، سوى دليل على هذا النأي… والمجلس الدستوري لا زال معطّلاً، رغم أهميّة دوره – المحدود في قانون إنشائه وشروط انعقاده-، والقضاء لا يتمكّن من القيام بمهامّه بسبب “التوازنات السياسية” التي تلعب دورًا كبيرًا في “حماية” الحقوق، و”ضمانها”. ويأتي في قمة النأي عن النفس ما يعانيه الجيش اللبناني من هجماتٍ كلامية، واعتداءات آثمة تطال خيرة ضباطه وعناصره، أولاً من “نواب الأمة اللبنانية” (بحسب نص الدستور اللبناني)، وتاليًا والأكثر خطرًا من الجماعات التكفيرية التي بدأت اعتداءاتها منذ كانون الثاني عام 2000، وفيما بعد في نهر البارد، وفي عبرا وعرسال منذ اغتيال النقيب بشعلاني، ولولا هذه المعاناة من “التوازنات السياسية” لكان الجيش تخلّص من خطر هذه الجماعات منذ ذلك الحين، ولو مارس القضاء صلاحيّاته التامة لما أدار هؤلاء جرائمهم من السجن، ولو أُخذت تصريحات ومعلومات وزير الدفاع السابق على محمل الجدّ كما يحصل في الحالات الطبيعيّة لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، ولما خُطف العسكريّون، من جيش وقوى أمن، في عرسال رغم أنّ الجيش حقّق تقدّمًا في المعركة، ولولا التدخّل تحت عنوان حماية المدنيّين، لكان الحال على غير ما هو عليه اليوم، ولحُفظت كرامة العسكريّين وأهاليهم، وكرامة الجيش. ويأتي هنا قبول “الدولة” في لبنان بالتفاوض المذلّ، والرضوخ لطلبات الإرهابيّين وابتزازهم، لاستعادة العسكريّين المخطوفين، مع ما يرافق ذلك من تصرّفاتٍ تسمح لهم بالحفاظ على القدرة لفرض الشروط في المفاوضات، معبّرًا عن هذه التوازنات، والجدير ذكره أنّ من يطالب الخاطفون بإطلاقهم من السجن هم أنفسهم الذين اعتدوا على الجيش سابقًا! ويبقى الأمل في أن يستطيع اللواء عباس ابراهيم أن يتّخذ ما يناسب من إجراءاتٍ لإعادة هؤلاء العسكريّين دون إهدار ما تبقّى لهم وللجيش و”للدولة” من كرامة. وتكرّرت المحاولات لإضعاف الجيش وهزّ الثقة به، في معارك طرابلس، وحالات الفرار التي بقيت في الحد الأدنى، ولم تؤدّ الغاية المرجوة منها بهزّ المؤسّسة العسكرية، إلا أنّ الجيش عاد واستلم زمام الأمور، وحقّق إنجازاتٍ رائعة – جنّبت لبنان واللبنانيّين أهوالاً أخطر وأعظم من الذي يجري – من حسم المعركة في طرابلس، إلى كشف أبرز الرؤوس المنفّذة للعمليّات الإرهابية، وإلقاء القبض على بعضهم.

وتبقى الحاجة ملحّةً لاتّخاذ القرار السياسي – وليس فقط بالإعلان الفارغ – بترك “الأمر” للجيش في التعامل مع هذه المجموعات والضرب بيدٍ من حديد كلّ من يتجرّأ على المسّ بالمؤسّسة العسكرية ولو بالكلمة، كما اتّخاذ القرار بمحاسبة كلّ من سوّلت له نفسه التطاول، كلاميًّا وعمليًّا، على أمن لبنان المتمثّل بمنعة جيشه وقوّته.

والحاجة الملحّة الأخرى هي القرار بتسليح الجيش، والاستفادة من الفرص المتاحة والهبات المقدّمة، دون الرضوخ لصفقاتٍ وشروط مقيِّدة، والاقتناع بأنّ مقولة “قوة لبنان في ضعفه” لن تجدي نفعًا في مواجهة عدو يتربّص بنا، ويخطّط منذ أكثر من ألفي سنة لإخراجنا من أرضنا لأنّها “موعودةٌ” له من إلهه الدموي.

ويظهر دعم العدو الغاصب لهذه الجماعات الإرهابية – والذي صرّح به مسؤولون يهود – بشكلٍ سافرٍ في ما جرى في معركة بريتال التي باءت بالفشل، ومحاولات دعمهم للمسلحين ودفعهم إلى معارك تؤدّي – باعتقادهم – إلى استنزاف الجيش وإلهاء المقاومة عما تقوم به في صدّها للعدو، من خلال التسلّل من شرق لبنان الجنوبي في المناطق التي يشرف عليها الاحتلال – ومن خلال دعمهم اللوجستي أيضًا في الجنوب الشامي، في الجولان المحتلّ، وتقديم الإسعاف والتدريب و… للإرهابيّين – بالإضافة إلى الخلايا الإرهابية النائمة الموجودة، فأتت عملية شبعا المزدوجة، بمكانها وزمانها، وإعلان “حزب الله” مباشرةً مسؤوليّته عنها، رسالةً واضحةً للعدو وللجماعات الإرهابية، أنّنا لسنا بغافلين عن مساعيكم الغاشمة. ويظهر أنّ العدو أدرك خطر الدخول في حرب غير مضمونة النتائج، في ظلّ استعداد المقاومة وسهر رجالها على حماية الحدود.

وفي فلسطين السليبة، تأتي الاعتداءات اليهودية اليومية في كل المدن والمناطق، لتؤكّد أن لا لقاء بيننا وبين أعدائنا سوى لقاء الحديد بالحديد والنار بالنار. فبعد الانتصار الذي تحقّق في مواجهة العدوان على غزة في تموز – آب الماضي، ورغم كلّ المآسي التي جرّها والشهداء الذين حصدهم – وقد تكون المرة الأولى التي يتألّب فيها الرأي العام العالمي ضد العدوان رغم القرار السياسي المخالف لإرادة الشعوب – إلا أنّ المواطن في فلسطين لا يزال صامدًا، وتحديدًا في غزة، رغم الحصار المستمرّ، والدمار المريع، والحرمان من أبسط الحاجات المعيشية؛ والعدو لا يزال مستمرًّا في غيّه، والأطراف الفلسطينية تتبادل الاتّهامات في المسؤولية عن العدوان على غزة. تبرز مقابل ذلك بعض العمليات الفدائية والاستشهادية، بوسائل بسيطة، لتؤكّد أن “ما مات حقٌّ وراءه مطالب”، وأن ليس من طريق لتحرير فلسطين – كلّ فلسطين – إلا بالنهج الصراعي الواعي الخارج عن قيود الطائفة، وليس بمفاوضات الاستسلام المذلّة التي – بأدنى تعديل – تعترف للعدو بوجوده في أرضنا التي احتلّها كواقع مقبول، مشاركةً في العدوان على حقّنا الطبيعي في أرضنا ووطننا.

من “المعالجات المستعجلة” التي اعتُمدت للمسألة الفلسطينية اعتبارها خاصةً بالفلسطينيّين وحدهم، في حين أنّها مسألة تخصّ الأمّة السوريّة كلّها، والشعب السوري بأكمله، دون تدخّل من الإرادات الخارجية، مهما أُسبغ عليها من صفات “الشرعية” “الإقليمية” أو “الدولية”، وقد سقطت هذه “الشرعية” بمعاييرها المتمايزة في تعاملها مع شعوب العالم، واستنسابيّتها في “الدفاع” عن الحقوق، وهي في الواقع تعمل لمصالح ومطامع المسيطرين عليها.

أما في العراق، وبعد كلّ ما سُلب ونُهب من ثرواته وآثاره، وبعد تقسيمه، وبعد بدايات تحقيق نجاح العراقيّين في عملهم لاستعادة كيانهم، ومحاولات التنسيق مع محيطهم الطبيعي – كيانات الأمة، وبسحر ساحر، ورغم قدرة الأميركانيّين على كشف كلّ ما يجري بواسطة موظّفيهم المدسوسين في العراق، واستخباراتهم المنتشرة في كلّ دساكر الكيان، فقد اجتاح “داعش” أراضي واسعة منه، ومارس وحشيّته وهمجيّته على أهله، بصرف النظر عن طوائفهم، رغم أنّ الإعلام عمد إلى إبراز هذه الوحشية الممارسة ضد طوائف دون غيرها، فكيف يمكن لـ”داعش” أن يحقّق هذه الإنجازات رغم الحرب المعلَنة ضد الإرهاب منذ أيلول 2011، إذا لم يكن غضُّ النظر قد مورس في مكانٍ ما، لغايةٍ ما في نفس “يعقوب”؟ وما يعيد بعض الأمل للمواطن القلق هو ما يحقّقه اليوم الجيش العراقي في استعادة بعض المواقع الهامة، وفي مواجهة هذا التنظيم الإرهابي.

والأردن المسلوب الإرادة لدرجة محاولة تعديل الكتب المدرسية وإلغاء اسم فلسطين من الخريطة، بالإضافة إلى إلغاء كلّ ما يمسّ بالعدو الغاصب في هذه الكتب، ولا من يحرّك ساكنًا باستثناء بعض المتابعين الواعين الذين يعتمدون المقياس الأساس “مصلحة سورية فوق كلّ مصلحة”، فقد تحوّل الكيان إلى ممرّ لتنفيذ المخطّط العدواني على الشام والعراق، بتمرير المسلحين، وتمرير التمويل والسلاح لهم، واليوم يطرح مشروع نشر 15 ألف جندي أميركاني على الحدود بين الأردن والشام، في محاولةٍ للالتفاف على رفض العدوان العسكري الأميركاني على الشام؛ والكيان أيضًا يرقد على فوهة البركان، لما يختبئ فيه من الاتّجاهات التكفيرية التي لا بدّ أن يأتي وقت تشغيلها يومًا ما، فيقع الكيان في محذور الاعتراك. هذا دون أن ننسى القيود التي تمّ تكبيله بها في “المعاهدات” والاتفاقيات التي عقدت مع العدو، والتي تتناول حتى مياهه.

كما تستمرّ الكويت في التغريد خارج سرب كيانات الأمة، ويستمرّ فيها المموّلون للتنظيمات الإرهابية تحت ستار المساعدات الإنسانية،

ولا ننسى قبرص وكيليكيا والاسكندرون والأهواز، التي تقبع منتظرةً من يستجيب نداءها للعودة إلى رحاب الوطن الأم.

إنّ المضحك المبكي في حال كياناتنا أنّ الحال المزري الذي يمرّ في أمّتنا أثبت لمواطنينا في دويلاتنا – باستثناء المكابرين منهم – وحدة الحياة والمصير والمصلحة بين هذه الكيانات، فلولا الإنجازات التي حقّقها الجيش الشامي وحلفاؤه في القصير والقلمون، لوصل الإرهابيّون إلى تحقيق حلم إماراتهم في لبنان، ولولا تفكيك الجيش العراقي على يد الاحتلال الأميركاني المستمرّ بموظّفيه وأدواته رغم الخروج العسكري لما استطاع الإرهابيّون تحقيق ما حقّقوه في العراق والشام، وأثبتت معركة عرسال وجرودها أنّ التنسيق بين الجيشين اللبناني والشامي ضرورة ملحة، كما أثبت تقدّم “داعش” في العراق ضرورة التنسيق بين الشام والعراق في مواجهة مصيرية مع قوى الإرهاب.

أيّها المواطنون والرفقاء،

إنّ الحرب الدائرة رحاها على أرضنا وفي العالم العربي هي حربٌ بين مشروعين، مشروع التفتيت إلى دويلات طائفيّة تبرّر قيام دولة الاغتصاب في فلسطين، ومشروع الكرامة المتمثّل في النهج الصراعي المحقّق لمصلحة الشعب؛ بين مشروع “النظام العالمي الجديد” أحادي القطب، تسيطر عليه رؤوس الأموال الكبيرة وصندوق النقد الدولي الذي يحكمه اليهود، ومشروع التوازن بين الأقطاب، وفي هذه الحرب كلّ الملفات مطروحة للنقاش والمساومات، من النووي الإيراني، إلى الحرب على الشام، إلى المفاوضات الاستسلامية في فلسطين… رغم المواقف الحادة المعلَنة معظم الأحيان، في محاولة لأن يحقّق كلّ لاعبٍ مكاسب أكبر من خصمه تساعده في فرض شروطه في النقاش.

إنّ هذه الحرب مقوّمها الأساسي الحرب النفسية التي تعظّم فظائع الإرهاب، فيتمكّن من السيطرة حتى قبل وصوله إلى أهدافه؛ مقابل الثقة النابعة من الإيمان بحق الشعب في أرضه ووطنه. إنّ معظم الباحثين والإعلاميّين الغربيّين اليوم يناقشون في مدى كون “داعش” السلاح الأميركاني الأفعل في فرض سيطرة أميركانيا على العالم، بخديعة الحرب على الإرهاب، التي شكّلت الذريعة الأساسية في احتلال العراق، وفي فرض العقوبات على كلّ من يخالف الإرادة الأميركانية، ومن ورائها اليهودية العالمية؛ إنّ “داعش” وأخواتها – بصرف النظر عن الطائفة – هي أبرز تعبير عن الذهنية الإقصائية التي لا تقبل التنوّع والتفاعل، وهي مسألة ثقافيّةٌ، تناقض طبيعة الحياة التفاعلية المتسامية، والتخلّص منها يكون بتحصين أبناء شعبنا ضدّ هذه الذهنية بالعمل الحثيث على نشر الوعي الديني والاجتماعي بالعقل الذي هو الشرع الأعلى، والعمل على حلّ المشاكل الاقتصادية في كياناتنا، وتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي بينها، لتجفيف البيئة الحاضنة “للثقافة” التكفيرية الإقصائية.

أيّها الرفقاء والمواطنون،

“الأمة لا يمكن أن توجد إلا بمناقب الثقة والإخلاص والأمانة. والتعاليم القومية الاجتماعية التي جاء بها سعاده تنقض جميع الحكم والتعاليم المنافية لوحدة الأمة وثقة القوميّين الاجتماعيّين بعضهم ببعض في جميع أعمالهم وتصرّفاتهم. فالحركة السورية القومية الاجتماعية تقوم على مبدأ الثقة لا على مبادئ الشك والخيانة والغدر، ونظامها يكفل جعل الثقة عقيدة راسخة” (سعاده، مقالة “اتّقِ شرّ من أحسنت إليه، 1944). هذه الثقة هي التي يعمل بها القوميّون الاجتماعيّون، الثقة بالنصر الأخير، انتصار إرادة الأمة التي لا تردّ.

يكثر الحديث والسؤال اليوم عن وحدة القوميّين الاجتماعيّن، وتكثر “المشاريع” الساعية إلى “تحقيق” هذه الوحدة، وقلنا منذ 1991، ونقول إنّ وحدة القوميّين الاجتماعيّين هي بمثابة “الأوكسيجين” للكائن الحي، لكنّ هذه الوحدة لا يمكن أن تكون بالضمّ والتجميع والتوليف، هي لا تكون إلا بوحدة الفكر والنهج، وحدة الاتّجاه ووحدة الروح التي أسّسها سعاده وبعثها فينا. كلّ قوميّ اجتماعي تعاقد مع حضرة الزعيم على القضيّة التي تساوي وجودنا، هو إمكانية تحتاجها النهضة لانتصارها في الشعب، و”تعدّد” المؤسّسات يدلّ على تعدّد “وجهات النظر”. إنّ القومية الاجتماعية هي وجهة نظرنا الواحدة، أمالآراء المتنوّعة فهي إغناءٌ للإنتاج، وتبقى أهميّتها في أنّها آراء قد تستفيد منها الإدارة الحزبية في قرارها، لكنّ أهميّتها تبقى في أنّها آراء.

أيّها الرفقاء،

“نحن لم نتلكّأ عن واجبٍ لأنّ الواجب مبدأٌ أساسي من مبادئنا الأخلاقية ولم نتراجع عن معركة، ولكنّنا جماعةٌ أرادت قبل كلّ شيء المحافظة على إيمانها وحقيقتها فلم تدخل في ما أراد البعض أن يجرّنا إليه من منازعاتٍ لا تمثّل غير قضايا شخصية، لا في لبنان ولا في الشام ولا في أيّة بقعةٍ من بقاع وطننا السوري الجميل، بل كنّا حريصين على الاحتفاظ بحقيقتنا بين مختلف الأعمال الاعتباطية التي عُرض علينا المساهمة فيها وأبينا أن نساهم فيها لأنّها لم تكن أعمال قضية قومية.”

“إنّ هذا العمل يعني حياة الوجدان وإدراك عظمة النتائج من مجرّد معرفة الأسباب ونوع الأعمال…

“إنّ هذه النهضة العظيمة قامت بالنفوس العظيمة، لا بالعدد العظيم، وبالعقيدة الصحيحة والإيمان العظيم أمكن أن تصير الحركة السورية القومية الاجتماعية حركةً عظيمةً بعددها وقوّتها ونظامها، فرهبتها الدول وقام الاستعمار المحتلّ أرض الوطن بالجيش المسلّح يحاربها بلا مهادنة ولا توان”. (خطاب سعاده في اللاذقية عام 1948)

هذه الوحدة الرائعة، وحدة الروح، تتجلّى في “الجهاد المنظّم” في نظام شكلٍ منبثقٍ ومعبّرٍ عن نظام الفكر والنهج، لنتعالَ كلّنا إذن إلى رحاب سعاده، ولننبذ أسباب الفرقة المضلّلة، “فقوّة إيماننا وأساس قوّتنا المعنوية هي في عقيدتنا القومية الاجتماعية الصحيحة فالأفراد يذهبون ويجيئون ويتبدّلون ويتغيّرون، أمّا العقيدة فتبقى راسخة لا تتبدّل ولا تتغيّر ولا تتزعزع مع النفوس المتزعزعة… إنّ أساس قضيّتنا هو في عقيدتنا المقدّسة – في مبادئنا، الّتي لا قضيّة بدونها. وإنّ نظامنا هو الطريق الوحيد لتحقيق قضيّتنا. وجميع الأفراد الّذين سقطوا من صفوفنا لم يقدروا مع كلّ غرورهم وادّعائهم، أن يكونوا شيئًا. ونحن نثق أنّ جميع المتمرّدين والمنحازين هنا سوف يكونون معنا والّذين ضلّوا سيعودون إلينا لأنّ قضيّتنا هي قضيّة أمّة واحدة. هي قضيّة الجميع والجميع سيدركون شيئًا فشيئًا أنّهم يجب أن يكونوا للقضيّة إذا كانوا يريدون أن تكون القضيّة لهم.”

إنّ تأليف القلوب وجمع فئات الأمّة في مطلب واحد وعقيدة ونظام واحد وإرادة واحدة وقيادة واحدة هو أوّل ثقافة يجب أن تُعنى بها الأمّة السورية الّتي اخرجتها الفتوح البربرية عن محور حياتها وأفقدتها مثلها العليا وخطط نفسيتها… الثقافة القومية الاجتماعية هي أساس كل ثقافة.” (خطاب الزعيم في ذكرى التأسيس الحادية عشرة).

تحيا سورية حياة سعاده

المركز 16 تشرين الثاني 2014

رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

الرفيق الدكتور علي حيدر

المعلومات الأساسية

تاريخ الصدور

2014/11/15

اللغة

العربية

نوع الوثيقة

بيان سياسي

كود الذاكرة السورية

SMI/A200/556287

شخصيات مرتبطة

كيانات متعلقة

لايوجد معلومات حالية

يوميات مرتبطة

لايوجد معلومات حالية

درجة الموثوقية:

الوثيقة

  • صحيحة
  • غير صحيحة
  • لم يتم التأكد من صحتها
  • غير محدد