بيان من رئاسة الحزب السوري القومي الإجتماعي بمناسبة الثامن من تموز 2014
أيّها المواطنون والرفقاء
فجرَ الثامن من تمّوز عام 1949، أصبح لـ”شكرًا” معنًى جديد، معنًى يرفع إلى مراقيَ جديدة، معنًى منبثقٌ من الثقة بأنّ في النفس السوريّة كلّ حقٍّ وخيرٍ وجمال، رغم كلِّ ما قد يطرأ من مثالب ومساوئ، هذه الثقة هي نفسّها التي جعلت المحكوم “بالإعدام” يقف أمام جلّاده رابطَ الجأش باسمًا، “كأنّما نُفّذ فيه حكم الإعدام مرّاتٍ من قبل”، وهي نفسُها التي جعلت هذا المحكوم يعود من مغتَرَبه في مطلع الثلاثينيّات ليعمل على إنهاض أمّته من ويلاتها، وهي التي جعلته يعلّم تلامذته بالقدوة – قولًا وعملًا: “بفضل جهادكم وبفضل إيمانكم المتين، وبفضل صبركم على الشدائد وصبركم على الأذيّة، تتلقَّونها من إخوانٍ لكم من أبناء شعبكم ووطنكم الذين، لأنّكم تحاولون إنقاذهم من عاداتٍ وأمراض تملّكت بهم، أصبحوا يلطمونكم، لأنّ العادة فيهم أصبحت أقوى من حبّ الشفاء.
بفضل هذا الصبر، وهذا الجهاد الذي تألّم كثيرون منكم فيه، وفقد كثيرٌ منكم من شؤونه ومصالحه شيئًا كثيرًا، من وسائل حياته المادّية، بفضل هذا الجهاد نقف اليوم تحت سماء الوطن أحرارًا نتكلّم بحرية، مخاطبين أبناء قومنا الذين لطمونا والذين لم يلطمونا لنصارحهم بما يؤول لخيرهم وعلائهم ومجد أمّتهم.” (خطاب الزعيم في عين زحلتا – الشوف، أيلول 1948)
أيّها الرفقاء والمواطنون
منذ العشرينيّات، كتب سعاده عن الويل الذي تتخبّط فيه أمّتنا، وكتب عن علاج هذا الويل، ولا زلنا حتى اليوم نعاني، لكن نعمل بثقة، بالثقة التي أيقظها فينا سعاده منذ أن أسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1932، على الرغم من كلّ الآلام التي نلقاها، وكلّ العقبات المُساقة علينا.
ففي الشام، تستمرّ الأزمة والصراع الدائر منذ ما يزيد على الثلاث سنواتٍ، وتتوالى المعارك والعنف والدمار والقتل، إلا أنّ المؤسّسات صمدت، والاقتصاد صمد، رغم الصعوبات والمشاكل التي يعانيانها، أمّا ما يبرز اليوم فهو الإنجازات التي يحقّقها الجيش في الميدان، والتي باتت تفرض قواعد جديدة في الأزمة، وأبرز نتائجها ما جرى بالنسبة لمحاولات تحويل الأزمة إلى نزاعٍ حول الشرعية، بمحاولة تغيير العَلَم والتشكيك بشرعية مقام الرئاسة.
فعلى الرغم من كلّ المحاولات لتغيير العَلَم لا يزال عَلَم الجمهورية رمزًا للكيان، ولوحدته، وقد ازداد التمسّك به بعد انكشاف هزال ما سمّي “معارضة”، وبروز الحركات التكفيريّة – وفي طليعتها “داعش” – حاملةً لواء “المعارضة”. ورغم كلّ المحاولات لمنع الانتخابات، بادّعاء عدم شرعيّتها، ومنع الشاميّين من التصويت في السفارات الموجودة في بعض دول الاغتراب في اعتداءٍ سافر على سيادة الدولة، إلى محاولات التهديد بالوضع الأمني واتّهام “النظام” بالتحضير لأعمالٍ إرهابيّةٍ بكلّ سخفٍ ووقاحة، إلا أنّ العنفوان – بصرف النظر عن النسب المئوية – دفع المواطنين الشاميّين إلى إعلان قرارهم بالحفاظ على المؤسّسات، وهذا ما شاهدناه في أعداد الذين اقترعوا في الشام، أو في كيانات الأمّة، أو حتى في الدول التي رَعَت “المعارضة”، وفي النشاطات التي قام بها الشاميّون في الدول “الديمقراطية” التي منعتهم من الإدلاء بأصواتهم. إنّ هذه الانتخابات كانت تعبيرًا عن الإنجازات التي حقّقتها الشام في حربها ضدّ الإرهاب، وفي تنازع المصالح عليها، وتفويضًا من الشعب للرئيس والجيش، وإصرارًا على وحدة الشام ورفض التدخّل الخارجي، فأفشلت الأهداف الاستراتيجية للعدوان. وقد قلنا في المؤتمر الصحفي الذي عقدناه لإعلان موقفنا من الانتخابات إنّه يجب الفصل بين الاستحقاق الدستوري لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، وبين العمليّة السياسيّة التي تشكّل مدخلًا لحلّ الأزمة في الشام، ولقد شاركنا في الانتخابات انطلاقًا من التزامنا بمصلحة الكيان التي تستوجب الحفاظ على المؤسّسات فيه ومنع تنازع الشرعية. كما قلنا إنّنا نوافق على ترشيح الرئيس بشار الأسد لأنّنا وجدنا أنّ في استطاعتنا التعاون في المستقبل لمعالجة الأزمة وحلّها، وبناء مؤسّسات “الدولة الجديدة” التي تضع مصلحة الوطن والشعب فوق كلّ مصلحة.
هذه الانتخابات تضع رئاسة الجمهورية والجيش وكافة مؤسّسات “الدولة” أمام مسؤوليّاتها في مرحلة ما بعد الانتخابات. هذه المرحلة نأمل أن تكون مختلفة، وهو ما يطمح له الجميع، ويتوافق مع ما صرّح به وزير الخارجية عند إدلائه بصوته يوم الانتخابات، وهو المشروع الذي سنتعاون عليه مع مؤسّسات “الدولة”، وهو أيضًا ما طالبنا به منذ بداية عام 2000، أي الإصلاح ومكافحة الفساد، وتعزيز ثقة المواطن بالجيش والمؤسّسات، ومنع الاتّجار بدماء الشهداء، وذلك يكون بخطواتٍ عملية على مختلف الصُعُد الاقتصادية والتربوية بالإضافة الى الجانب السياسي، تُعيد التواصل بين المواطنين، وبينهم وبين المؤسّسات، وتؤدّي إلى إلقاء السلاح، والعودة إلى حضن الوطن.
والانتخابات أيضًا هي الخطوة الأولى في بداية الحلّ للأزمة، الحلّ الذي يقرّره الشاميّون بين بعضهم على أرض الشام، بعد أن قرّروا التمسّك بالمؤسّسات الشرعية، وبعد فشل من يدّعون “تمثيل” الشعب في الشام في تحقيق أيّ إنجازات لصانعيهم، وبعد فشل إيجاد “معارضةٍ” معتدلة تحقّق ولو القليل من التقدّم الميداني لتستطيع الدول المعتدية أن تفرض شروطها في التسويات. هذا الحلّ وسيلته الوحيدة تكون في المصالحة و”الحوار” – الحلّ الذي طرحناه منذ بدأت مظاهر الأزمة واقترحنا إنشاء الوزارة بناءً على اقتناعنا به – بدأت خطواته في المصالحات الاجتماعية التي تتحقّق في بعض المناطق، ويتمّ وضع أسسها في مناطق أخرى، وبدأ يتحوّل إلى ثقافة للمواطنين، حيث يتعامل المواطنون مع بعضهم على قاعدة التسامح، دون التنازل عن الحقوق، بل باللّجوء إلى المراجع المختصّة، المؤسّسات الرسمية التي هي المخوّلة الوحيدة حماية الحقوق وحماية مصلحة المواطن، فينتصر أبناء الشعب ببعضهم ضدّ العدوان الخارجي المتمثّل بأبشع مظاهر الإرهاب. هذه الخطوات تستكمل شروطها في المرحلة المقبلة بالاضطلاع بمسؤوليّات الإصلاح ومكافحة الفساد، المشروع الذي قرّره الشاميّون بإقبالهم على الانتخابات.
وفي مواجهة هذه الخطوات ستلجأ الدول المعتدية إلى التصعيد مجدّدًا، فهي هُزمت سياسيًّا بإجراء الانتخابات، وعسكريًّا بإنجازات الجيش في الميدان، لذلك ستسعى لإطالة أمد الاشتباك باستمرار الدعم المالي والتسليحي والتدريبي للمجموعات المسلّحة، وباللّجوء إلى خطواتٍ تصعيدية في الكيانات المجاورة، وستحاول تحقيق الإنجازات غير المباشرة بوسائل أخرى تحت سُتُرٍ مختلفة، منها سابقًا ما سُمّي المساعدات الإنسانية، وغيرها من الوسائل التي تشكّل غطاءً لدخولها من الباب الخلفي إلى الكيان.
هذه الانتخابات أيضًا حقّقت نصرًا لـ”محور المقاومة” في مواجهة مخطّطات عدوّنا الأوحد، الذي يستمرّ في اتّخاذ الإجراءات الاحتياطية، ومحاولات إنشاء شريطٍ عازلٍ على “الحدود” الجنوبية للشام، كما يستمرّ في دعم المجموعات المسلّحة استشفاءً ومالًا وتدريبًا وتسليحًا.
أمّا في العراق، فالمريب حقًّا ليس مجرّد عودة التفجيرات الأمنية والمعارك العسكرية، واكتساح “داعش” للعديد من المحافظات العراقية، بل التوقيت السياسي الذي يكشف علاقتها ووظيفتها المباشرة بمسار الصراع في وطننا ومحاولة تغيير ميزان القوى القائم، ويكشف أيضًا فراغ الادّعاء بمحاربة الإرهاب، حيث “حوربت” “داعش” في العراق – إعلاميًّا – ودُعمت في الشام، في حين رفض الأميركاني – الذي تربطه مع العراق معاهدة دفاع مشترك – استخدام القوى العسكرية لمحاربة الإرهاب فعلًا، وطرح عنوانًا ملتبسًا للحلّ، يقوم على ضرورة تشكيل حكومةٍ “توافقيّةٍ” في العراق، أي القفز فوق نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، وبالتالي تحقيق مصالح الأميركاني في “المنطقة” وتعطيل مسار الحكومة الحاليّة. لقد استعرت هذه العمليّات عندما أثبت العراق أنّه قادر فعلًا على الوقوف وإعادة بناء الدولة المركزية خاصةً بعد الانتخابات النيابية، واستعادة النهج المقاوم ودعمه، ومقاومة مشروع الإرهاب في المنطقة. إنّ تحريك “داعش” – الواجهة لهذه العمليات – ودعمها وتوسّعها يأتي محقِّقًا للمَثَل القائل “عصفوران بحجرٍ واحد”، وقد يكون أكثر من ذلك: أولًا استهداف وحدة العراق عن طريق إثارة الحرب المذهبية تمهيدًا للتقسيم وفق رؤية الجنرال بريمر: “دولة شيعيّة – دولة سنّية – دولة كرديّة”. وقد بدأت معالم وملامح فكّ “الكونفدراليّة” بين العراق وإقليم كردستان تظهر، مع اتّجاهٍ واضحٍ للتنسيق و”للتطبيع” مع الكيان الغاصب في فلسطين؛ وثانيًا تأجيج الحرب الداخلية في دمشق عن طريق تغذية وتوسيع نفوذ “داعش”، التي أصبحت بين ليلةٍ وضحاها أغنى وأقوى منظّمةٍ إرهابيةٍ في العالم، وهو هذا التمويل والتسليح اللذان وعدت بهما الولايات المتحدة ما يُسمّى “المعارضة” في الشام.
هذا التسارع في الأحداث، تحت ستار المذهبية، ليس سوى تعبيرٍ عن صراع المشروعين الكبيرين في أمّتنا، والرّد عليه يجب أن يكون مركزيًّا، أي بمعنى آخر من الجيش والمؤسّساتِ الرسمية – هذا الجيش الذي يرفض الأميركاني حتى الآن تدريبه وتسليحه ليصبح قوةً حقيقيّةً على الأرض – أو حتى بالمقاومة الشعبية، دون أن تحمل صبغةً مذهبيّةً، مع غطاءٍ سياسي. المشروعان هما مشروع المقاومة والمشروع العدواني المغتصب لأمّتنا. وهذا التسارع هو أيضًا محاولةٌ لاستدراك فشل الأميركاني في العراق، وللفشل في الشام، والفشل في ملفّ النووي الإيراني، وملفّ المفاوضات في ظلّ استمرار بناء المستوطنات في فلسطين المحتلّة واستمرار الاعتداءات الغاشمة على المواطنين. أمّا مواجهة هذا المشروع فلا تكون إلا بالتنسيق بين كيانات الأمّة على قاعدة “الحدود المفتوحة” التي فتحها واقع الميدان، وعسكريًّا خارج الإطار المذهبي، وفي هذا المجال تبرز إنجازات الجيش الشامي وتشكّل حافزًا لباقي الكيانات للعمل لبناء جيوشها.
إنّ من مظاهر انقلاب المقاييس في أيامنا هذه، هو “الترحّم” على الثنائيّ المجرم سايكس وبيكو، إذ لم تعد المشكلة معرفة مساوئ مفاعيل معاهدتهما، التي قسّمت وجزّأت سياسيًّا بلادنا فأضعفتنا، وهدفت إلى تحويلنا إلى جُزُرٍ طائفيّةٍ و”إثنيّةٍ” وفئويةٍ يأكل بعضها بعضًا دون رادع، بل أضحت المشكلة التمسّك بتلك المعاهدة والحنين إليها ليصدُق علينا القول المأثور: إن كنت تدري فتلك مصيبةٌ… ولعلّ “داعش” رغم دمويّتها ووحشيّتها أدركت قبل كلّ المترحّمين معنى وجدوى وحدة الوطن فبادرت لبسط سيطرتها ونفوذها على جزءٍ من المدى الطبيعي الحيوي الواحد – الهلال الخصيب. لكنّ العلم والتجربة أثبتا أنّ الدولة الطائفيّة الدينيّة مهما تلبّست لبوس الدولة الوطنيّة الجامعة، تبقى كيانًا منافيًا للقوّة والوحدة والسيادة – العوامل الأساسية لقيام الدول واستمرارها وارتقائها، بالإضافة إلى أنّ هذا المشروع هو أحد مظاهر “الشرق الأوسط الجديد” الذي أعلنه الأميركاني ويعمل له بشكلٍ حثيثٍ منذ احتلال العراق.
لقد آن لحكام الكيانَين – العراق والشام – أيضًا أن يدركوا الخطر الداهم المشترك الذي يستدعي اليوم قبل الغد، ليس مجرّد التعاون والتنسيق لمواجهته، بل السعي الحثيث نحو الوحدة وإزالة الحدود المصطنعة توافقًا مع كوننا أمّةً واحدة في وطنٍ واحد، وحدةً طبيعيّةً استراتيجيّةً، وإعلان دولةٍ قوميّةٍ على أسسٍ وطنيّةٍ جامعة، تعيد الاعتبار للولاء القومي الاجتماعي – الولاء للمجتمع – بدلاً من أيّ ولاءٍ وهميٍّ آخر، طائفيٍّ أو “إثنيّ”. إنّها دعوة لاستكمال ما بدأه الرئيسان حافظ الأسد وأحمد حسن البكر في السبعينيات، وما شجّعناهما عليه يومَها، وتوقّف بضغط التدخّلات الأجنبيّة التي أصرّت على إبقائنا في حبوس كيانات سايكس – بيكو، الحاملة بذور إخفاقها وتعثّرها، بطبيعة إنشائها وطبيعة الأنظمة القائمة عليها المخالفة لحقيقة كوننا أمةً واحدة – مجتمعًا واحدًا.
وها لبنان، هذا الكيان الذي “صُنع” ضعيفًا بقواعد دستورية تترك الباب واسعًا للاجتهادات والتأويلات، وبنظامه السياسي الهشّ، حيث تكمن بخبثٍ مصالح الطوائف المعرقلة للعمل والانتظام العام، وهي تخالف لا لتُعرف، بل لتحصل على أكبر قدرٍ من المكاسب؛ لذلك يستمرّ متخبّطًا بأزماته الداخلية، التي تبرز بقوّةٍ وحِدّةٍ عند الاستحقاقات السياسيّة الكبرى، وآخرها رئاسة الجمهوريّة، تليها الانتخابات النيابيّة. وتخبّطه هذا لا يعود إلى طبيعة الاستحقاقات ذاتها، بل إلى الانقسامات العميقة السياسيّة – الطائفيّة – الفئويّة التي تنعكس توتّرًا عاليًا عند أيّ استحقاقٍ سياسي، أو اقتصادي، أو اجتماعيٍّ – مطلبي، مثل سلسلة الرتب والرواتب، أو تفريغ أساتذة الجامعة اللبنانية، حيث تُقدّم مصالح الطوائف على حساب مصلحة الكيان؛ يزيد من تخبّطه ضعف الوعي القومي العام، الذي يجمع ويوحّد أبناءه، فنراه ينتظر دائمًا الحلول والتسويات من الخارج، فيكون ساسته مجسّدين بالكامل لثقافة القطيع – الجماعة الموجة. ويزيد تخبّطه بلّةً أيضًا عودة التوتر الأمني والتفجيرات الإرهابيّة، التي تؤكّد عدم إمكانيّة عزل لبنان عن محيطه الطبيعي ومصيره، خصوصًا في دمشق وبغداد.
ومن الطامات الكبرى، تجرّؤ البعض على المؤسّسات العسكريّة، مع ما تمثّله من سيادة الدولة وهيبتها، سواء بالاتّهامات أو التهديدات، أو حتى بالأعمال الإرهابية، خاصةً بعد نجاح هذه المؤسّسات العسكريّة في كشف بعض المخطّطات، والقبض على بعض المجرمين والمشتَبَه بهم، وإعادة الاستقرار النسبي إلى بعض المناطق، ولن يكون للكيان خلاصٌ من الخلايا الإرهابيّة الكامنة إلا بترك هذه المؤسّسات تعمل دون تدخّل، وتأمين الغطاء السياسي لها لتضرب دون هوادة كلّ من تسوّل له نفسه أن يتطاول على أمن المواطن وهيبة المؤسّسة العسكرية.
لقد قلنا سابقًا إنّ وضع لبنان مرتبطٌ بوظيفته ككيان، خاصرة رخوة ووسيلة ضغط على الكيانات الباقية في صراعنا مع اليهود، من هنا يمكن أن نفهم عودة التفجيرات والتوتّر الأمني كوسيلة ضغطٍ في الصراع الدائر في الشام والعراق، وعلى “محور المقاومة” بهدف التنازل عن ملفّاتٍ خلافيّةٍ منها رئاسة الجمهورية. فمعركة رئاسة الجمهورية في لبنان كانت ولا تزال معركةً حول النهج وليس حول الشخص، نهج كلّ فريق من الأفرقاء، المتوافق مع رؤيته وتطلّعاته، وهو في الواقع نهج الدول الراعية لهؤلاء الأفرقاء. أما تطييف وحصر اختيار الرئيس العتيد بالطائفة المارونية وحدها بشكلٍ أساسيّ فهو أمرٌ منافٍ للدستور اللبناني الذي ينصّ على أنّه “رمز وحدة البلاد”، كما أنّه أمرٌ معارضٌ لمبدأٍ من مبادئ “الديمقراطية” حيث ينتخب مجلس النواب الرئيس، وليس فقط نواب فئةٍ أو طائفةٍ بعينها، فهو في الدستور “رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة”. هذا بالإضافة إلى إحجام المجلس النيابي – الممدَّد له قسرًا – عن التشريع فيما يحقّق مصلحة المواطن، من قانون الانتخاب، إلى قانون سلسلة الرتب والرواتب، إلى… وهنا نعود إلى وضع الكيان القائم بإرادة المستعمر – المحتلّ، فهو لم يختر يومًا رئيسًا من رؤسائه، من رئاسة الجمهوريّة إلى المجلس النيابي إلى الحكومة، ولا حتى نوابه، حيث كانت صندوقة الاقتراع وستظلّ انعكاسًا وتعبيرًا عن الإرادات الخارجيّة الدوليّة والعربيّة، وهو سيبقى في “محطة انتظار” القرارات الكبرى – انطلاقًا من وظيفته ككيان – فهي التي ستحدّد مساره ومصيره، في عالم المحاور الجديد الذي يشقّ طريقه ويرسم معالم خرائط تحالفاتٍ سياسيّة دوليّة وإقليميّة جديدة.
أما آن للّبنانيّين، أبناء الشعب العظيم صاحب الحضارة والإنجازات الثقافيّة الباسقة، أن يُخرجوا الساسة المتاجرين بقُوْتهم وعرقهم ودمائهم من هيكل الوطن المقدّس؟ ثقتنا أنّ شعبنا – وهو الأساس – سيدرك أنّ دوره مركزيّ، فيُقدم على عملية تغيير النظام العفن الذي يكبّله ويؤخّره، باعتماد نظامٍ فكريٍّ جديد مستوحًى ومرتكز إلى تعاليم النهضة القومية الاجتماعية القائلة بالمواطنة أساسًا للانتماء، وبالتساوي في الحقوق والواجبات مدخلًا للولاء الصحيح للمجتمع، وتنظيم الاقتصاد على أساس الانتاج، وإعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في حماية وصيانة المجتمع…
وفلسطين المغتصبة، لا تزال تعاني من استمرار بناء المستوطنات رغم مظاهر المصالحة الداخليّة الحائرة بين الولاءات المتنوّعة “للأنظمة العربية”. ويستمرّ اليهود في رفع سقف التفاوض رغم هشاشة وضعهم الأمني والاقتصادي، ويأتي اليوم العدوان المتجدّد على غزة زيادةً في التأكيد على أن لا “سلام” مع العدوّ، مهما زُيّنت ولُمّعت صورة “المفاوضات” التي تبقى استسلامًا وتنازلًا عن الحقّ. يُضاف إلى ذلك خطف الأطفال وتعذيبهم، وحتى توقيفهم وتفتيشهم في طريقهم إلى المدارس. إنّ كلّ ما يمرّ به الفلسطينيّون يعود ليؤكّد على أنّ “ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة”، وأنّ المفاوضات، المساومات الاستسلامية، لا تكون بين صاحب الحقّ ومغتصبه، ولكن القوة يجب أن تكون المعبّرة عن الشعب، وليست “قوةً” فئويّةً خاصة، لا تلبث أن تسقط في حساباتٍ سياسية فتفقد دورها، وتضطر للمساومة. إنّ ما يقوم به مواطنونا في فلسطين اليوم من محاولات مقاومة هذا العدوان قد يبشّر بقيام انتفاضةٍ ثالثة نأمل أن يشتدّ أوارها فتستعيد ولو جزءًا من حقوقنا المغتصَبة.
في كلّ ما يجري في كياناتنا، وفي بعض دول العالم العربي، اليهود هم المستفيد الوحيد، حيث تقوم عنهم دولٌ “عربيّة” بحياكة المؤامرات وتنفيذ مشاريع التفتيت، دعمًا وتمويلًا وتسليحًا. يبقى أن يأخذ الفلسطينيّون عبرةً من المسار “التفاوضي”، وأن لا يبيعوا المواقف في “بازار” الأنظمة “العربية” على حساب “القضية”، وأن يقلعوا عن اعتبارها قضيةً دينيّةً لأكثريّةٍ معيّنة، إنّها مسألةٌ حقوقيّةٌ تاريخيّةٌ لأمّةٍ بأسرها.
وفي الأردن، الذي يتحوّل – بسياسة حكومته – إلى قاعدةٍ خلفيّةٍ للعدوان على الشام والعراق، من خلال تشكيل غرفة عمليّاتٍ على أراضيه بإدارةٍ تركيّةٍ – سعوديّةٍ – أميركانيّةٍ – يهوديّة، تخطّط لكلّ ما يحصل في وطننا، لا يزال الوضع الأمنيّ ممسوكًا حتى الآن، إلا أنّ الخطر الذي تواجهه باقي الكيانات من “داعش” وشبيهاتها ليس بعيدًا، وتبرز التصريحات من المسؤولين في دولة الاغتصاب معربةً عن استعدادهم للدفاع عن الأردنّ، أو حتى عن اعتبارهم أمن الأردنّ من أمن دولتهم، لتكشف نواياهم تجاه الكيان، لتحويله تابعًا يتمّ ترحيل الفلسطينيّين إليه، إلا أنّ الخطر الداهم للإرهاب دفع بالأميركانيّ إلى عدم الاعتراض على الدعم الروسي للعراق، وعلى قيام الطائرات الشامية بقصف مواقع لـ”داعش”، بالإضافة إلى إمكانية اللجوء إلى العشائر لمواجهة “داعش” يجعل الأردنّ في موقعٍ قويّ، هذا بالإضافة إلى جهوزيّة الجيش الأردنّي، وانتشار المتقاعدين الجاهزين للعودة إلى صفوف الجيش، وصمود الشام، والتغيّرات في مصر، عسى أن يدرك الأردنيّون هذه القوة، فيعود الأردنّ إلى محوره الطبيعي، ليستطيع حماية نفسه من الأخطار الداهمة، وليتمكّن من الخروج من سيطرة الإرادات الأجنبية – وفي طليعتها العدوّ الغاصب – على إرادته وقراره.
أما الكويت، فتُبرز الأخبار اليوم وجود كبار المموّلين للمجموعات المسلّحة فيها، تحت ستار الجمعيات أو حتى بصفاتٍ فردية، عبر المواقع الإلكترونيّة، وعبر كلّ الوسائل المتاحة. لا شكّ أنّ الدول الكبيرة الداعمة لهذه الجماعات تعرف بالتفاصيل والعناوين أسماء وأماكن ووسائل عمل هؤلاء المموّلين، ومنهم من هو في أراضيها (الولايات المتّحدة أو بريطانية) لكنّ تصاعد الإرهاب “الداعشي”، وتهديده لكلّ الدول، أدّى إلى تسريب هذه المعلومات وكشفها، وهو ما ليس مستغرَبًا، بما أنّ الكيان أنشئ أيضًا، بوظيفةٍ محدّدة، حتى لا يكون مالكًا قراره؛ ونهيب بالمسؤولين فيه أن يعوا المخاطر المحيقة، وأنّ الكيان ليس بمنأى عما يجري في باقي الكيانات، وتحديدًا العراق، فيعيدوه إلى محوره الطبيعي لأنّ قوّته لن تكون إلاّ بانخراطه في وحدته الطبيعية، سورية.
وتبقى قبرص وكيليكيا والإسكندرون والأهواز وقوس الصحراء، شاخصاتٍ بأنظارهنّ يناديننا لنعيدهنّ إلى الحضن الطبيعيّ الدافئ والآمن للوطن الأمّ سورية.
أيّها المواطنون والرفقاء،
قلنا سابقًا إنّ ما سُمّي بـ”الربيع العربي” ما هو إلاّ مشروعٌ تقسيميٌّ لسورية والمنطقة على أسسٍ مذهبيّةٍ، وعرقيّة، تشكّل مبرّرًا لقيام دولة الاغتصاب العنصريّة في فلسطين، هذا “الربيع” فشل في تحقيق أهدافه في مصر باستلام الجيش مقاليد السلطة، ونأمل أن يستمرّ في حماية مصالح الشعب المصري رغم كلّ المحاولات الأميركانيّة، عبر السعوديّة أو بشكلٍ مباشر، لاستعادة النفوذ في مصر، كما فشل في باقي الأماكن، حيث حيويّة الشعب المدرك لمصلحته تفعل فعلها في إثبات إرادته، وسيفشل في أمّتنا مهما طال أمد الاشتباك، لأنّ ما بُني على باطل هو باطل، لكنّ هذا الفشل تُسَرِّع في إنجازه يقظة شعبنا – وحكّامه – لوحدة حياته ووحدة مصيره، فتكون إرادته هي الحامية لمصلحته، وقد بدأنا نرى ذلك في الشام، وفي العراق بعد خروج الأميركانيّ، واليوم في التنسيق الضمنيّ غير المعلَن بين الكيانَين في مكافحة الإرهاب. والظروف الدوليّة اليوم مساعدةٌ على تحقيق التنسيق بين الكيانات حيث أنّ المحور الصاعد – دول البريكس تستطيع أكثر فأكثر فرض إرادتها على التوازنات الدوليّة، وحيث يصل العمل على ملفّ النوويّ الإيراني إلى تسوياتٍ مقبولة، وحيث تغيّرت أمزجة الشعوب في الاتّحاد الأوروبي بعد انكشاف الخديعة في العدوان الأميركانيّ على العراق، وبعد تهديد الإرهاب لهذه الدول – الداعمة له سرًّا – لأمنها في عقر دورها. إلا أنّ التسوية الكبرى بين القطبَين الكبيرَين – الروسي والأميركاني – لم تنضج بعد، ولا زالت لعبة عضّ الأصابع مستمرّةً، والصراع مستمرٌّ حتى تستطيع إحدى الإرادتَين أن تفرض شروطها، ونحن نستطيع أن نفرض شروطنا إذا وعينا وعملنا على مقياس مصلحة الأمّة فوق كلّ مصلحة.
أيّها الرفقاء والمواطنون
قال الزعيم في خطاب أول آذار 1938: “إنّ الاختبارات والتجارب التي مرّت بالحزب السوري القومي وهو بعد في مهده كانت اختباراتٍ وتجارب عظيمة فاقت بقسوتها كلّ الاختبارات والتجارب التي مرّت بالكائنات الحيّة الشبيهة بالحزب السوري القومي. وما خروج الحزب السوري القومي سليمًا من هذه الاختبارات العظيمة والتجارب الشديدة سوى الدليل القاطع على قوّته التي لا تُغلب وعلى جدارته بالبقاء وعلى تفوّقه في النزاع العنيف بينه وبين القوات العاملة على قتل الأمّة في سبيل حياتها هي.” هذه الصعوبات والتجارب ما فتئت تتزايد وتكبر مع تقدّم الزمن، ومع استمرار ضعف الوجدان القومي في بلادنا، إلاّ أنّ أكتاف الجبابرة التي وثق بها سعاده تتحمّل وتصمد. هذان التحمّل والصمود – رغم اللطمات – يقويان ويتعزّزان بتضافر جهود القوميّين جميعًا في العمل لبعث النهضة في سورية، هذه الدعوة التي بادرنا إليها منذ عام 1991، ليس على أساس التراكم الكمّي بالجمع والضمّ والتسويات، بل هي لا تكون إلا بالتفاعل الطبيعي بين القوميّين على الأسُس التي وضعها سعاده وانتهجها لحزبه – دولة الأمّة مصغّرة، للتمرّس بوحدة الرؤية ووحدة الاتّجاه.
أيّها الرفقاء
تطالعنا في كلّ يومٍ الدعوات لوحدة القوميّين، عن حسن نيّةٍ وغيرةٍ على الحزب في الغالب، لكنّ الفوضى لا تُنتج إلاّ الفوضى، والتجميع على أسُسٍ غير واضحة لا يحلّ الوضع. إنّ القوميّين موحّدون بقَسَمهم وإيمانهم بزعيمهم، ويبقى أن تُترجم هذه الوحدة في نظام الشكل المنبثق عن نظام الفكر والنهج المؤسَّس في العقيدة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة. إنّ النيات الحسنة لا تكفي لتحقيق المطالب الكبيرة، وإنّما النيّات بالأعمال النابعة من الأخلاق العقلية. عندما أيقظ سعاده الثقة فينا، كان يؤسّس لخطّةٍ سياسيّةٍ وحربيّةٍ تنطلق من حقيقة المجتمع، وتُحقّق مصلحته، هذه الخطّة قال عنها: “كلّ خطّةٍ سياسيّةٍ وكلّ خطّةٍ حربيّةٍ مهما كانت بديعةً ومهما كانت كاملةً لا يمكن تحقيقها إلا بأخلاقٍ قادرةٍ على حمل تلك الخطّة، بأخلاقٍ متينة، فيها صلابة العزيمة وشدّة الإيمان وقوّة الإرادة واعتبار المبادئ أهمّ من الحياة نفسها”. صلابة العزيمة وشدّة الإيمان وقوّة الإرادة التي عيّنها سعاده نابعةٌ من المقياس العِقَديّ الصحيح، ومن الغاية الأساس: بعث النهضة في سورية.
أيّها الرفقاء والمواطنون
في مقالة “نحن أمّةٌ لا تستكين” قال سعاده: “إنّ الإرادة التي تقرّر مصير سورية هي الإرادة المنبثقة من القوّة الكبيرة التي ولّدها ونظّمها الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ لتكون الأساس الراسخ لتشييد كيان الأمّة على الثّقة بالنفس والاعتماد على النفس…. صحيحٌ أنّ الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ هو حزبٌ أعزل لا يملك مالًا ولا دبّاباتٍ ولا مدافع، ولكنّ الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ هو حزبٌ قويٌّ لأنّه يمثّل الأساس الذي يقيم وحدة الحياة ويعيد رباطها من نواحٍ لا تطالها العوامل الهدّامة، ولأنّه يمثّل النهضة الفاعلة التي تطلق من مكامن الأمّة روحيّةً تسيطر وتستنبط وتتغلّب.” الثقة بالنفس والاعتماد على النفس تستوجبان العمل الحثيث في نشر العقيدة والتفاعل مع مواطنينا، في إيقاظ الوجدان القومي وإزالة ركام الاستعمار، وتحقيق الاستقلال النفسي طريقًا للاستقلال الاقتصادي والسياسي، وعدم الاستسلام للشائعات التي لا تهدف إلا لتشتيت الانتباه وشرذمة العمل وتأخير المسير. إنّهما تستوجبان المعادلة صواب – صدق – صبر، المعرفة – معرفة المجتمع ذاته – التي تحرّر، والأخلاق العقليّة التي تنبثق من مصلحة سورية وتعمل لها، والصبر على الشدائد واللطمات، الناتج عن الثقة بالنفس وبالانتصار الأخير الذي لا مفرّ منه، هذه الأقانيم الثلاثة هي الصراع، الصراع بين الحقّ والباطل الذي ستكون نهايته انتصار الحقّ، حقيقة الأمّة.
منذ تأسيس الحزب ونحن نسابق الزمن، لأنّ إرادتنا لم تكن قد قرّرت بعد مصير أمّتنا. أما اليوم، وبالأقانيم الثلاثة للصراع، نحن نقرّر الزمن بعملنا وجهادنا والتزامنا.
أيّها الرفقاء
الثقة التي أيقظها فينا سعاده هي ما دفعه لتأسيس الحزب ورفض التنازلات والتوجّه إلى عمود “الإعدام” بالبسمة المعهودة، وإلا لما كان للثامن من تمّوز هذا المعنى الذي نُحْيِيه بالمواكبة فجرًا، وبالتمرّس بالمبادئ القوميّة الاجتماعيّة، بالقَسَم، كلّ لحظة.
أيّها القوميّون،
أيّها السوريّون
“حافظوا على إيمانكم العظيم وعلى تقاليدكم ونظامكم القوميّ الاجتماعيّ وناضلوا فالنصر لحركتكم لأنّها حركة الحقّ!”
المركز في 8 تمّوز 2014
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي
الرفيق الدكتور علي حيدر
المعلومات الأساسية
تاريخ الصدور
2014/07/07
اللغة
العربيةنوع الوثيقة
بيان سياسي
البلد المستهدف
الكويتفلسطينالعراقالأردنلبنانالولايات المتحدة الأميركيةتركياكود الذاكرة السورية
SMI/A200/556292
الجهة المصدرة
الحزب السوري القومي الإجتماعي - الانتفاضة - علي حيدرشخصيات مرتبطة
كيانات متعلقة
لايوجد معلومات حالية
يوميات مرتبطة
لايوجد معلومات حالية