الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.

بيان من رئاسة الحزب السوري القومي الإجتماعي بمناسبة الثامن من تموز 2013

أيّها المواطنون والرفقاء

فجر الثامن من تموز 1949، نُفّذت – وبشكلٍ لا يمتّ إلى الحق والحريّة والاستقلال بصلة – إحدى حلقات المؤامرة التي يحوكها أعداء الأمّة منذ زمن، ويستمرّون إلى اليوم في محاولاتهم لتحقيق مطامعهم.

فجر ذلك اليوم، تحقّق قول سعاده: “أنا أموت أما حزبي فباقٍ”، فالحزب باقٍ ومستمرٌّ بالبطولة المؤيّدة بـ”صحة العقيدة وشدّة الإيمان وصلابة الإرادة ومضاء العزيمة”. لم يتحقّق ظنّ الواهمين أنّ “موت الراعي يبدّد القطيع”، لأنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس حزبًا بالمعنى التقليدي في أمّتنا، والقوميّين الاجتماعيّين ليسوا جماعةً – موجة، كريشةٍ في مهبّ رياح من يقودهم، إنّما هم جماعة تحقّق فيهم الوعي لحقيقة الأمّة فالتزموا مع الشارع صاحب الدعوة بمبادئ تشكّل قواعد الانطلاق بعثًا للنهضة التي “… تعيد إلى الأمّة السورية حيويّتها وقوّتها، وتنظيم حركة تؤدّي إلى استقلال الأمّة السورية، استقلالاً تامًا…”.

أيّها المواطنون والرفقاء

ليس الجهاد وفعل الشهادة، اللذان مارسهما سعاده، حدثًا جديدًا في أمّتنا، فالزعيم هو المعلّم القدوة لأنّه كشف ما في النفس السورية من حقٍّ وخيرٍ وجمال. الجهاد والشهادة هما التزامٌ واعٍ بمصلحة الأمّة، منطلقًا وغايةً، فصار للزعامة وللسياسة معنىً جديد، ليكون القائد من يقي الضعفاء بجسده، ويسير بجنوده إلى النصر، لأنّ “القضيّة قضيّة مبدأ لا قضيّة فرصة”. وقد قال سعاده عاملاً: “نحن جماعة تقول إنّ العيش لا قيمة له. إنّ القيمة هي في المبادئ التي تمثّل نفوس الجماعة. إنّ القيمة هي المبادئ الأخلاقية والمطامح السامية التي تفيض بها النفوس لا في الشؤون المادية من العيش ولا بأية قيمة من الحياة المادية. لذلك نحن جماعة لم تفضّل، لا أنا شخصيًا ولا واحد من هذه الأمّة الناشئة كلها، يومًا أن تترك عقيدتها وإيمانها وأخلاقها لتنقذ جسدًا باليًا لا قيمة له.”

أيّها السوريّون

أزمنة عديدة مرّت، والويلات لا زالت تتوالى على أمّتنا من كلّ حدبٍ وصوب، وحاول كثيرون من أبناء شعبنا الذين وعوا حقيقة الشعب أن يعملوا على إصلاح الحال، إلا أنّ عملهم لم يؤتِ النتيجة المتوخّاة إذ “إنّه لأمر سهل أن يقف إنسان وينادي: اتّحدوا ففي الاتّحاد قوة وهبّوا لنيل الحرية والاستقلال. ولكنّه ليس هيّنا إيجاد الأسباب التي تنتج الاتّحاد والخطط التي تؤدّي إلى الحرية والاستقلال. ولذلك ذهبت صيحات الداعين إلى الاتّحاد والحرية والاستقلال مع الريح. أنا لم أقف كهؤلاء المشعوذين داعيًا إلى الحرية والاستقلال بل درست وفحصت ووضعت قواعد الوحدة القومية وهيّأت أسباب الاتّحاد ووضعت أمام شعبي المثل العليا التي تبرّر طلب الحرية والاستقلال وتحفز الشعب على طلبهما. إنّ القضية السورية قد أصبحت قضيةً واضحةً وحقيقةً مفهومةً ومعقولة لأنّها قائمةٌ على أساس الحقّ والعدل تمكّن كلّ سوري من أن ينال نصيبه من الحقوق والواجبات العامة من غير فارق ديني أو عائلي”. هذا ما ميّز سعاده عن غيره من أبناء هذه الأمّة، فتوّج إدراكه للحقّ بدمه الذي أريق قربانًا في مثل هذا اليوم منذ أربعةٍ وستين عامًا، ورغم هذه التضحية وهذا العمل لم تفتأ أمّتنا تعاني ويلاتٍ جديدة بالشكل، إلا انّها نتيجةٌ واحدة لـ”فقدان الوجدان القومي” – المرض الأساسي الرابض على صدر شعبنا.

ففي لبنان حيث عمل “الفكر” الانعزالي، ويعمل على قلب الحقائق والتعامي عن الواقع الاجتماعي الطبيعي وتزييف “الوعي” عند اللبنانيين بهدف إبعاد لبنان وعزله عن محيطه الطبيعي في الأمّة السورية، تحت عناوين تختلف شكلاً وتتوحّد مضمونًا، من “خصوصية لبنان” إلى “سويسرا الشرق”، إلى “الحياد المطلق”، وآخرها ما سُمّي بـ”النأي بالنفس”، نرى استمرار مفاعيل السياسة الخرقاء التي انتهجتها حكومة “قولنا والعمل” في إنهاك الكيان ومؤسّساته على جميع المستويات، رغم ما أثبته الواقع المرير من هفت تلك العناوين، منذ اغتصاب فلسطين واحتلال العراق إلى أزمة الشام، حيث اضطرّ المكابرون إلى الاعتراف بالصلة العميقة الجذور بين الكيانات ولو من باب “التأثّر” الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ورغم سوء وبشاعة الأحوال في كيانات أمّتنا، فإنّ المضحك المبكي أنّ هذا التدهور أبرز في الإدراك المباشر الوحدة الحياتية الطبيعية الاستراتيجية للأمّة.

وما نراه اليوم من انقساماتٍ وشروخٍ عميقة ومدمّرة في بنية الكيان اللبناني هو نتيجة تلك السياسات الضيقة المبنية على ما ذكرناه من “قواعد”، فسهّلت بجهلها، أو تجاهلها لغاياتٍ أنانيةٍ في أنفس أصحابها – “يعقوب”، دخول الدول الطامعة، وما أكثرها، لفرض إملاءاتها وتحقيق مصالحها على حساب مصلحتنا القومية العليا، فأصبح لبنان ملعبًا غبّ الطلب لجميع الراغبين، وصارت مؤسّسات “دولته” تعمل وفقًا لمصالح تلك الدول وأولويّاتها إدارةً وتخطيطًا وتنظيمًا، فإنْ هي باركت قُضي الأمر وإنْ عارضَت دخلنا في أتون النزاعات. فالمجلس النيابي يفشل في وضع قانون انتخابي جديد يلائم مصالح “المتزعّمين”، فيلجأ للتمديد لنفسه مصادرًا إرادة الناخبين، ويرافق ذلك عجز المجلس الدستوري عن الانعقاد للقيام بدوره في حماية الدستور والقانون من الحسابات “السياسية”، والحكومة مستقيلة والرئيس المكلّف يفشل حتى الساعة في تأليف حكومةٍ جديدة تُرضي الجهات المختلفة بـ”مصالحها” دون مصلحة الشعب، والإدارات فاسدة متهرّئة معطّلة بالمحسوبيّات الطائفية، وصولاً إلى الأخطر في المشهد السياسي كلّه، وهو تخلّي الحكومة عن مسؤوليّاتها الأمنية ومحاولات تعطيل الأجهزة الأمنية والقضائية بنقل انقساماتها ومشاكلها “السياسية” إلى تلك المؤسّسات التي لا يُنتج تعطيلها إلا مزيدًا من الفوضى والضياع للكيان.

كما يظهر موقف رئيس الجمهوريّة في العلاقة بين الكيانين اللبناني والشامي، وتقديمه الشكوى إلى الأمم المتّحدة، وبصرف النظر عن الجدل الذي قام حول مدى دستوريّة هذا التصرّف أو عدمها، فإنّ حلّ المشاكل بين الكيانَين يكون أجدى بالعلاقة المباشرة المفتوحة.

وقد نبّهنا مرارًا، في بياناتنا السابقة وخاصةً في بيان التأسيس 2012، والأول من آذار 2013، أنّ الفتنة المدفوعة على شعبنا في الكيانات كلّها بالتوالي تستهدف أولاً تعطيل الإمكانيّات العسكرية في الجيش والقوّات المسلّحة، التي تشكّل صمام الأمان في هذه الكيانات، لمنعها من القيام بدورها الحقيقي في حماية الشعب ومصلحته، وقلنا إنّ البطولة الحقّة تكون بالمبادرة إلى نزع فتيل التوتّر والانفجار قبل الوقوع في الكارثة، ولنا من أحداث طرابلس والبقاع والجنوب اللبناني خير دليل، وأحداث صيدا مؤخّرًا تقع مسؤوليّتها على عاتق الحكومة التي “نأت بنفسها” عن التعامل بحزمٍ مع ظاهرة الخطاب الفتنوي وقطع الطرقات وإطلاق التهديدات، والأعمال المخالفة للقانون، حتى وصلت الوقاحة بأصحابها إلى تجرّؤ الاعتداء على الجيش اللبناني بدمٍ بارد و”عينٍ مفتوحة”، ولم يتورّع بعض “الساسة” و”العلماء” عن الدفاع عن هذا الاعتداء وعن اتّهام الجيش والمطالبة بمحاسبته ولو بشكلٍ مقنّع.

إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يرى أنّ التطاول على الجيش اللبناني، مؤخّرًا في صيدا أو ما سبقه، وحتى ما يمكن أن يُحضّر له، هو اعتداء على أمن الكيان، بهدف إشغال الجيش بنزاعاتٍ داخلية ضيقة فتُنزع عنه الصورة الجامعة للبنانيّين لإظهاره كأنّه فرقة طائفية تقاتل فرقة طائفية أخرى، وكنّا قد حذّرنا سابقًا وطالبنا المسؤولين بإعطاء الجيش الغطاء السياسي الضروري ليمارس صلاحيّاته ودوره الطبيعي.

ويؤكّد الحزب أنّ مؤسّسة “الشرف والتضحية والوفاء”، العاملة بموجب الدستور والقوانين والمبادئ الأخلاقية التي مصدرها الشعب كلّه، لن تكون بحاجةٍ عند الضرورة لأيّ غطاءٍ سياسي، فأمن الكيان ومصلحة الشعب فيه تكسب الجيش الغطاء الشرعي الذي يعمل بموجبه فوق كلّ الحسابات السياسية الضيقة، وما أُطلق من نظرية “تحييد” الجيش عن الاقتتالات الداخلية أثبت مخرقته منذ عام 1975 في الحرب اللبنانية ومآسيها، واللبنانيّون بغنى عن استعادة مرارة تلك التجربة.

أما في الشام، حيث لا تزال الأزمة تفرض ويلاتها على الشعب بكامله، وحيث نرى مستوى العنف في ارتفاع، ترتفع معه نسبة الدماء المهدورة والحقوق الضائعة والمهاترات السياسية تحت غطاء ادّعاءٍ ديني حينًا، وادّعاءٍ حقوقي حينًا آخر، إلا أنّنا قلنا سابقًا، ونقول اليوم إنّ هذه الأزمة شارفت خواتيمها، وما هذا التدهور الأمني إلا نزاع الربع ساعة الأخير لمحاولة نيل مكتسباتٍ إضافية، والدخول في الحوار تحت ضغط الدماء، ليستطيع المعتدون والطامعون أن يحصّلوا بالحوار ما لم يستطيعوا تحصيله بالعنف.

ولا نغفل الوضع المعاشيّ والاقتصاديّ المتردّي، وتراجع القيمة الشرائية للّيرة، نتيجةً لما سُمّي العقوبات الاقتصادية على الشام – هذه التي حذّرنا منها، وقلنا إنّها ستطال المواطنين وليس المسؤولين – ونتيجةً للتدخّل المباشر من قِبل دول الخليج بضخّ الليرات الشاميّة المخزّنة لديها في السوق الشامي، وفي هذا السياق لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة مراقبة أداء الحكومة الحاليّة والقيام بالتعديلات الضرورية في بعض الوزارات، التي لم ترتقِ لتكون وزارات إدارة أزمة، مع التشديد على أولويّة أنْ تُحسّن الحكومة والمؤسّسات المعنيّة أداءها، لتخفيض مستوى الاستفزاز الداخلي من خلال معالجة بعض الملفات بشكلٍ أسرع وأكثر شفافيّة، كملفّ المعتقلين والموقوفين، وتسريع المحاكمات، وتسوية الأوضاع بما ينعكس ارتياحًا لدى المواطنين.

إلاّ أنّه لا بدّ من الإشارة في هذا المجال، إلى أنّه، ورغم كلّ الضغوط لتحويل “دولة” الكيان الشامي إلى دولة فاشلة تعجز عن تأدية التزاماتها تجاه المواطنين، فهي لا تزال صامدة.

وقد كشفت معركة “القُصَيْر” جانبًا خطيرًا في السياسات الغربية الداعمة للمسلّحين في الشام، فالأصوات العالية من أعلى المنابر الدولية، معترضةً على ضرب المسلّحين والقضاء عليهم في القُصَيْر، تشي بوضوح أنّ الهدف هو إطالة عمر الأزمة والاقتتال رغم كلّ الدعاية الإعلامية عن وجوب السعي لحلٍّ سياسي يوقف النزف.

وقد أثبت الجيش في الكيان الشامي قدرته على المواجهة وتحقيق الإنجازات في القصير وغيرها من المناطق، كما أثبت شعبنا في كياناتنا جميعها وحدته أمام الشدائد، رغم ما قد يعبّر عنه السياسيّون من مواقف متضاربة تفرضها عليهم خياراتهم الناتجة عن منطلقاتٍ فرديةٍ لا تمتّ إلى حقيقة أمّتنا بصلة.

لذلك نلاحظ تراجع الحماسة لانعقاد ما يُسمّى مؤتمر “جنيف 2″، مع ما يرافقه من ضبابية في المشهد العام، حيث لا تعيين لزمانٍ أو مشاركين أو حتى جدول أعمال، ونلاحظ محاولات إعادة التوازن بين أطراف الأزمة في ما يُشبه حالة “لا غالب ولا مغلوب” اللبنانية، وهذه الحالة، لا تهدف إلاّ إلى إدامة الاشتباك لاستمرار القتل والتخريب، وهما الهدف الأساسي.

ونلاحظ أيضًا تراجع الأميركاني عن التزاماته بمضمون بيان قمة الدول الثماني الأخير، لأنّه لا يمتلك حتى الآن الأدوات الكافية للذهاب إلى المؤتمرٍ الدولي لتحصيل مكاسب فيه، وتحضير المنطقة لإدخال عددٍ من الملفات الأخرى في التفاوض مع الروسي، مثل الملفّ الفلسطيني، والملفّ اللبناني، ووضع العراق، والملفّ النووي الإيراني.

ولا نغفل دور الدول الصديقة في دعم مصلحة شعبنا وإيجاد حلٍّ للأزمة في الشام، إلا أنّنا في الحزب السوري القومي الاجتماعي، مع شكرنا وتقديرنا لجهود هذه الدول، نشدّد على لزوم أن يكون الحلّ نابعًا من الإرادة السورية، وقرار الشعب السوري، فلا تنسينا المصاعب والشدائد هوّيّتنا وسيادتنا واستقلالنا، ونؤكّد على أنّ المؤتمر الدولي، الذي نوافق عليه، هو المؤتمر الذي يكون هدفه تهيئة البيئة المناسبة لالتزام الدول المتدخّلة في الحرب على الشام بالإسهام في وقف العنف ومحاربة الإرهاب، وإعداد الأرضية المناسبة لإطلاق الحوار التفاعلي بين الشاميّين، ليقرّروا مستقبلهم بأنفسهم، وليس ليذهب ممثّلوهم ويبصموا على ما يتوافق عليه الروسي والأميركاني لتحقيق مصالحهما، فيصبحوا شهود زورٍ عن الشاميّين.

ولا بدّ من التذكير بأنّ قرارنا بإطلاق المقاومة الشعبية ليس، ولن يكون يومًا، ردّ فعلٍ أو مجرّد سبقٍ إعلامي، بل هو منبثقٌ من إيماننا، وطبيعة حركتنا – حركة الفداء القومي، وحقّنا الطبيعي في أن نستثمر هذا المفصل التاريخي في حياة أمّتنا، دون أن نربطه بالمتغيّرات السياسيّة في أمّتنا والعالم العربي، فنكون حركةً قادرةً على إثبات كلمتها ودعمها بالقوة، التي هي القول الفصل في إثبات الحقّ القومي أو إنكاره.

وفي العراق، تُظهر الاحصاءات الرسمية أنّ شهر حزيران الفائت شهد أكبر نسبةٍ من الشهداء والجرحى منذ الاحتلال الأميركاني عام 2003، جرّاء الانفجارات والاغتيالات التي طالت أرض الرافدين.

تلك الاستهدافات أغراضها واضحة، أهمّها: منع قيام حكومةٍ مركزية قادرة على اتّخاذ القرارات المصيريّة وإعادة بناء المؤسّسات وفي مقدّمها الجيش العراقي، إضافةً إلى العمل الحثيث على إلحاق العراق بالمعسكر الغربي، لا سيّما الولايات المتّحدة الأميركية، ضمانًا لمصالح هذه الأخيرة وصيانةً لأمن دولة الاغتصاب في فلسطين، دون أن ننسى عرقلة وتعديل مواقف العراق من الأزمة في الشام في محاولته للعمل على دعم الكيان دون الانجرار في لعبة المواقف والإسهامات الدولية في تأجيج الاقتتال. فرغم أنّ العراق تخلّص من الاحتلال العسكري، إلاّ أنّ مفاعيله لا تزال مستمرّةً في المؤسّسات المؤثّرة في سياسة الحكم، ما يمنع هذه المؤسّسات من القيام بدورها المطلوب بالشكل الأمثل، وهذه المفاعيل والبقايا هي ما يجب أن يعمل العراقيّون للتخلّص منه، كما تخلّصوا من الاحتلال العسكري وبالسرعة المطلوبة.

رغم ذلك، نرى لزوم التنويه بدور الجيش العراقي في محاربة الإرهاب وقطع طريق الإمداد للمسلّحين داخل الشام، آملين أن لا يتعرّض الجيش العراقي لما يعانيه الجيش اللبناني من الحاجة إلى غطاءٍ سياسي في كلّ مهمّةٍ وطنيّةٍ وقوميّة يقرّر فيها التصدي لأيّ عدوان.

ولا بدّ هنا من تهنئة شعبنا في العراق بالخروج من التدابير الواقعة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة، ممّا سيتيح للعراقيّين استثمار مواردهم بشكل أفضل.

وفي خضمّ العراك الدائر في أمّتنا والعالم العربي، تستمرّ دولة الاغتصاب في فلسطين بتنفيذ مخطّطها القديم، فتنال موافقة الكنيست على بناء مئات المستوطنات في الأراضي المحتلة، ويستمرّ العمل على تهويد القدس حثيثًا، باستغلال تلهّي أصحاب الحقّ – أبناء شعبنا في كياناتنا جميعها – بنزاعاتٍ داخليةٍ لا تؤدّي إلا إلى المزيد من التشرذم وضياع الحقوق، واهتزاز ثقة الشعب بنفسه.

ويبدو أنّ مساعي كيري، في زيارته الأخيرة، لتجميد الاستيطان مؤقّتًا تمهيدًا للعودة إلى طاولة المفاوضات لم تؤتِ نتيجة، فعاد إلى بلاده خالي الوفاض.

وتُرخي النزاعات الداخلية بين الضفة والقطاع بظلالها على المشهد العام، في حين يثبت أنّ الرهان على مصر – الإخوان المسلمين لم يُجْدِ نفعًا، فعسى أن يفهم الساسة في غزة والضفة، وفي كياناتنا الباقية، معنى المقولة: “كلّ جسمٍ يدور على محور غير محوره يهلك ويسقط”.

إنّ طبيعة شعبنا في فلسطين، كما في باقي الكيانات، تدفعه إلى الدفاع عن حقّه القومي بالفطرة، وهذا الشعب هو من يضفي الشرعية على أيّة حركةٍ تسعى للتعبير عنه، عند التزامها بمشروع المقاومة والتحرير، وإنّ أيّة حركةٍ تتخلّى عن هذا المشروع سيرفضّ، من داخلها ومن حولها الفلسطينيّون، ليجدوا حواضن أخرى لمشروع التحرير. إنّ من يخدم الفلسطينيّين هو من يحمل راية تحرير فلسطين بكامل ترابها، من النهر إلى البحر.

والأردنّ لا يزال خاضعًا للأمر المفعول في قراره السياسي، وشعبه يعاني ما يعانيه من أمراضٍ تتكرّر صورها في غيره من الكيانات، ولو كانت مغطاةً بمظاهر الاستقرار، وكلّ المحاولات للخروج من هيمنة القرار الغربي، سواء في ما يتعلّق بفلسطين أو الشام تواجَه بتهديد الكيان بتفلّت الأمن وانتشار الفوضى، ومنها الضغوط الخليجية والتهديدات التي تعرّض لها عندما أراد الملك أن يمنع تدفّق المال والسلاح والمقاتلين من الأردن إلى الشام، والتطمينات الأميركانية أنّ النار لن تطاله إذا دخل اللعبة، مع التشديد على خطورة منظومة الباتريوت، وبعض الطائرات والمقاتلين الأميركان الذين استُبقوا في الأردنّ على “حدوده” مع الشام للقيام بمهمّاتٍ عدوانيّة.

أما قبرص المنقسمة بين احتلالين مقنّعين، فهي تعاني الأمرّ اليوم بسبب الأزمة الاقتصادية في اليونان، والأزمات السياسية في تركيا، فربّما يصدُق المثل “ربّ ضارةٍ نافعة”، وتعود النجمة إلى أحضان أمّها، إذ لا نجاة لأيّ جزءٍ من هذه الأجزاء إلا بوحدة شعبنا وقراره.

والكويت أيضًا تعاني من مشاكلها السياسية، وكلّ ذلك لأنّها أُخرجت عن محورها الطبيعي بعلاقتها مع باقي كيانات الأمّة.

أيّها السوريّون

يومًا بعد يوم، تُثبت الاكتشافات العلمية والأبحاث الاجتماعية، كما تُثبت الأحداث السياسية المتسارعة في الآونة الأخيرة في العالم عامةً، والعالم العربي تحديدًا، أنّ سعاده المستشهد في الثامن تموز 1949، لا زال متقدّمًا كثيرًا بالكشف الذي وضعه والاستشراف الذي يعبّر عنه مثلنا الدارج: “ما بيصحّ إلا الصحيح”. وها مصر اليوم التي سُرقت ثورتها من قِبل الإخوان ومشروعهم السياسي الغائب الشخصية، تستعيد حقّها وسيادتها بمبادرة الجيش إلى حماية مصر وشعبها من صداماتٍ دموية، وحمايتهما أيضًا من ارتجاليّةٍ في الحكم لم تحقّق لمصر إلا مزيدًا من الفوضى، على أمل أن يحقّق المصريّون طموحهم بحكمٍ عادل يعمل لمصلحة مصر.

وها تركيا أيضًا تشهد قيامة شعبها لمواجهة مزاجية حكم أدخلها في صداماتٍ ونزاعاتٍ مع الدول المحيطة دون أن يُكسبها نفعًا.

وما نشهده في مصر وتركيا، وحتى تونس، هو في أبسط دلالاته سقوط “الإسلام السياسي” في تفرّده بالحكم.

كما نرى البلبلة في المواقف الدولية المعتدية تجاه الأزمة في الشام وتراجع حدّتها بشكلٍ عام في محاولات لاسترجاع ماء الوجه والاحتفاظ بما قد يبقى من مصالح لها في أمّتنا والعالم العربي.

ونعيد القول إنّ شعبنا يعمل عند الشدائد من وحي وحدته، لو لم يدركها فعليًّا، حتى ولو منعت ذلك “السياسات” الخرقاء في كياناتنا، حيث يظهر التوجّه الطبيعي العفوي في تفاعل المواطنين بين الكيانات، وفي مواقفهم وأعمالهم، لأنّ دورة الحياة واحدة، والمصلحة واحدة، والمصير واحد في الأمّة الواحدة.

أيها المواطنون والرفقاء

“نحن، القوميّين الاجتماعيّين، جماعة حقيقةٍ لا جماعة أباطيل، نفتخر بأنّنا وصلنا إلى هذا الانطلاق بقوّتنا فحسب، ونفتخر بأنّنا يوم زجّ منّا المستعمر المئات في السجون لم نركع ولم نتساقط على ركبنا مبتهلين إلى الله أن ينصر المستعمر. نفتخر بأنّنا حاربنا بشيءٍ أساسي، بوعينا لحقيقتنا وإيماننا بها، بهذا الوعي والإيمان ظللنا ثابتين، وانهزم الأجنبي. لم نحتَج إلى التضرّعات لنصر المستعمر ولم نحتَج إلى الميَعان للإبقاء على نفوسنا. إنّنا نعتقد أنّ لنا نفوسًا، يمكن أن تذوب وتفنى. قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود ولا يمكن أن تزول. وفي حربنا لم نستغِث ولم نستنجد. في جهادنا لم نطلب نجدةً ولم نستنجد. في جهادنا حملنا حقّنا وسِرْنا، وسِرْنا مؤمنين. هذه حقيقة الجماعة الواعية لنفسها. هذه حقيقة مجتمعٍ حيٍّ يدرك قيم الحياة ولا يقبل أن يبقى دون هذه القيم- حقيقة مجتمع أصبح يرفض أن يكون للإنسان غاية غير غاية مجتمعه وخير مجتمعه وعزّ مجتمعه.”

إنّ المسؤوليّة الأولى تقع على عاتق القوميّين الاجتماعيّين، لأنّهم وعوا وأدركوا واقتنعوا واعتنقوا حقيقة الأمّة، والتزموا العمل لبعث نهضتها، وهم من ينقذون شرف الأمّة. إنّ حربهم مقدّسة لأنّها حربُ تَحَقُّقِ شخصيّة الأمّة وواقعها ومصلحتها التي هي المنطلق والغاية، وما أعلنّاه من انطلاق الجهاد لتحرير الجولان ليس إلا تمرّسًا بما أسّسه الزعيم منذ عام 1932، في طريق تحرير أجزائنا السليبة والمغتَصَبة كلّها؛ والتوجّهُ، اليوم ودائمًا، إلى كلّ من أدركوا هذه الحقيقة، أنِ افعلوا وتمرّسوا بالحقّ، “فاليومَ أمرٌ”، والحزب بمؤسّساته يفتح ذراعيه لاستقبال أبناء سورية جميعًا، من مقيمين ومهاجرين، ومنتظمين أو غير عاملين، والأمّة تنتظر أبناءها البررة ليعيدوا مجدها ومكانتها أمّةً معلِّمةً وهادية للأمم.

“لا يمكن سورية أن تتقدّم إلا بقضيّةٍ سوريّةٍ قوميّة، ولا خلاص للأمّة السوريّة من الفوضى، التي هي أشدّ خطرًا على حياتها من اليهود والتي لم يتفاقم الخطر اليهودي إلاّ بفضلها، إلاّ بامتداد الوعي السوري القومي وباهتمام الشعب السوري بنهضته القومية الاجتماعية التي تجعل مصيره في يده لا في يد اتّفاقات إنترنسيونية ولا في إراداتٍ أجنبية يتزلّف إليها النفعيّون من أبناء البلاد ويبيعون إليها مصالح الأمّة ومَرافقها مواد البلاد الأولية.”

لتكن دماء الثامن من تموز في شرايين أرضنا من شاطئ بيروت إلى كامل تراب الوطن، نارًا على الباغين والمعتدين، ونورًا لأبناء الأمّة الميامين المجاهدين.

وتحيا سورية حياة سعاده

المركز، 8 تموز 2013

رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

الرفيق الدكتور علي حيدر

المعلومات الأساسية

تاريخ الصدور

2013/11/06

اللغة

العربية

نوع الوثيقة

بيان

كود الذاكرة السورية

SMI/A200/556348

شخصيات مرتبطة

كيانات متعلقة

لايوجد معلومات حالية

يوميات مرتبطة

لايوجد معلومات حالية

درجة الموثوقية:

الوثيقة

  • صحيحة
  • غير صحيحة
  • لم يتم التأكد من صحتها
  • غير محدد