كلمة السيد أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري في نهاية الجولة الأولى من مؤتمر جنيف 2 بتاريخ 31_1_2014
مكتب رئيس الائتلاف الوطني السوري
جنيف، سويسرا
31 كانون الثاني، 2014
أيتها السوريات أيها السوريون
ستخرجُ عليكم أبواقُ النظامِ بالمزيد من الأكاذيب التي ينسجُها خيال ماكينات التضليل حول المفاوضات. سيحاولُ إسدال ستار من دخان على حقيقة ما جرى في مؤتمر جنيف 2. ستسمعون – كما جرت العادة – أنه انتصرَ، في معركة أخرى من معاركه الوهمية، التي لا ينتصر فيها إلا على أجسادنا.
لن تسمعوا منه شيئاً من الحقيقة. حقيقة أن جلبَه إلى طاولةِ المفاوضاتِ هو بدايةُ النهاية. هي معركةٌ سياسيةٌ خضناها في جنيف أياماً سبعةً ,كانت أطولَ من دهر، وقفنا خلالها وجهاً لوجه أمام ممثلي نظامٍ يحترفُ استهلاكَ الوقتِ، ويقتاتُ على موائدِ الدماء.
لم تكن العملية سهلةً علينا. أحدثكم بلسان كلِّ واحد منا. كنا كمن يتجرعُ السم، والمجرمُ يقتل نساءنا وأطفالنا وشبابنا وشيوخنا.
لكن ما كان يعزّينا هو أن النظام الذي جثم فوق صدورنا جميعاً أكثر من خمسين عاماً وصلَ إلى جنيف ليحفرَ قبرهُ بيديه، فكأنّهُ يُساقُ إلى الموتِ وهو ينظُر. لم يدرِ أن كل رصاصةٍ غادرةٍ أو شظيةٍ خائنةٍ تخترقُ جسدَ طفلةٍ أو طفلٍ من أبنائنا، هي مسمار آخرُ يُدقُّ في نعشه الذي يُصنع في جنيف.
كنت أود أن أحدثكم اليوم وقد ارتسم مستقبلٌ أفضلُ لسورية، أو اتفقنا مع أبناء وطننا على ردمِ الهوّة وتحقيق الأمن والسلام. كنا صادقين في عزمنا على البناء، بناءِ سوريةَ الجديدةَ الديمقراطيةَ الحرةَ لجميع أبنائها. سوريةَ الصفحِ الوطنيِّ، سوريةَ المحبةِ حيث لا كراهيةَ ولا انتقام.
كنت أود أن نفرغ من هذه المعركة للعودةِ إليكم، نقبلُ رؤوس أمهاتِنا .. أمهاتِ شهداءِ الوطن كله، اللائي فقدنَ فلذاتِ أكبادهنَّ في محرقةِ مجنونٍ دمرَ البلادَ والعباد.
لم تكن العملية سهلة علينا... أحدثكم بلسان كل واحد منا... كنا كمن يتجرع السم... ولكننا عبرنا النفق الأسود بخطى ثابتة نحو هدف أساس كنا عقدنا العزم على إنجازه ... وقد أنجزناه ولله الحمد... وانكشف الأسد ونظامه... ونلنا الدعم الدولي الذي أردناه.
يوم اتخذنا قرارنا التاريخي بالمشاركة بجنيف ٢، وتجاوزنا قطوعات عدة ...ليس أقلها وحدة المعارضة وهواجس الثوار على الأرض... يومها كان الأسد يتأمل أن نصل حفاة عراة...ليسدد ضربته بتمرير الجولة الأولى من دون أي تقدم...
أما نحن... فلم نكن من السذاجة أو التهور... لنتوهم بأن نظام الكيماوي... سيقدم على طاولة التفاوض جائزة مجانية للسوريين.
ما أردناه من هذه الجولة هو تعريته ونظامه أمام الرعاة والدعاة إلى جنيف ٢ على اختلافهم ... وقد حصل... نعم حصل ما أردنا... وهو ما لم يكن يتوقعه ذاك الأسير في قصر الشعب.
لقد أعلناها منذ اليوم الأول بوضوح... نحن مع جنيف واحد الذي توافق عليه جميع الرعاة بما فيهم روسيا... ودعينا الطرف الآخر للتوقيع فورا... وكنا نطاردهم طيلة الأسبوع ويواجهوننا بفرار يليه هرب ...ووضعنا أصبعنا في عينه وحولنا حديثه عن الإرهاب الى محاكمة لإرهابه المستمر منذ خمسين عاما , بل لا ولاستيراده الإرهاب من خارج الحدود واستدعائه التدخل الأجنبي باستعانته بالمليشيات الطائفية المرتزقة من لبنان والعراق.
وباستثناء موافقته المبدئية على مرجعية جنيف واحد... لا يمكن الحديث عن أي التزام جدي من قبل ممثلي الأسد.
كان المشهد هزليا بالفعل... فأمامنا ممثلون لنظام مجبول بالكيماوي، محمي بمرتزقة الحقد الطائفي... يرقص على جثث ١١ ألف معتقل... و يحاضر بالإرهاب ويحاضر بالعفة!
كان نظامُ الكراهيةِ يعتقدُ أنه الأكفأُ سياسياً، ويظن أن حبلَ السياسةِ سيصلُ ما انقطعَ من حباله العسكريةِ والاجتماعيةِ في سورية. ظنَّ أنهُ بعدما فشلَ في القضاءِ على شعبِنا وثورتِه، قادرٌ على تعويضِ خسائرِهِ في غرفِ التفاوض، ولكنْ هيهات. لقد أثبتنا أن الحقَّ عندما يقفُ في وجهِ الباطل، ينتصرُ في ميدانِ السياسة كما في ميادين النزال.
كان رهانُ النظامِ على جنيف لتكسيرِ وحدةِ شعبنا، فإذا بالمواجهةِ المباشرةِ معه تجدد وحدةَ هذا الشعبِ العظيم، كما وحّدتهُ الثورة. بل انكسرَ الدكتاتورُ عندما وجدَ ممثلوه أنفسَهم مضطرين إلى الخوض في مصيره، وما بعدَ بعدَ مصيرِه، للمرةِ الأولى منذ خمسةِ عقود.
في جنيف تولد جمهورية سورية جديدة، حتى لو لم نوقع اتفاقاً سياسياً بعد. فقرارُنا التاريخي بالمشاركة في جنيف 2 قد أنهى احتكارَ نظامِ الفسادِ والاستبدادِ لسورية. أصبحَ نظامُ الوريثِ مجرّدَ طرفٍ بين أطراف، غيرَ قادرٍ على الزعمِ بتمثيلِ بلادنا، بل ولم يدرِ أنه وقعَ في الفخِّ الذي أرادهُ لنا، وأنه يفقدُ شرعيتَه كل يومٍ تحت سقف الأمم المتحدة.
فلقد رأيتُم يا إخوتي وأخواتي، كيف ماطلَ النظامُ في فتحِ ممرٍّ آمنٍ للمساعدةِ الإنسانيةِ إلى حمصَ القديمة طوالَ أسبوعٍ كامل. وكيفَ تعاملَ مع معتقلينا من النساءِ والأطفالِ كأوراقٍ تفاوضية، بينما كان وفدُنا المفاوضُ يحملُ كل يومٍ في عقلهِ وروحهِ أسماءَ الشهداءِ والمعتقلين، وهمَّ المحاصَرين، وخطةَ بناءِ سوريةً الحرةِ الكريمة.
إلا أن تنصله من التزاماته لم يكن مجانياً هذه المرة. لقد ربطنا سلفاً حضورنا جنيف 2 بتوفير وسائل الدفاع عن شعبِنا على الأرض.
أطمئنُكم بأن تعهداتِ الدول أصبحت نافذة، وبدأت وتيرةُ دعم ثوارنا بالتصاعد كما سمعتم في الأيام القليلة الماضية. وكلما ازداد النظام مراوغةً وتهرباً من الالتزاماتِ التي جئنا بناءً عليها إلى العملية السياسية في جنيف 2، فسيزداد التسليح الدفاعي لثوارنا المدافعين عن عِرضِنا وكرامتِنا كماً ونوعاً حتى يلتزمَ النظامُ بحرفيةِ جنيف 1، الذي يؤدي إلى تجريدِ بشار الأسد من كلِّ صلاحياتهِ تمهيداً لعزلِه ومحاسبتِه.
وعندما يتوقف نظام الأسد عن العدوان على شعبنا بالدبابات والطائرات والبراميل وقتها يمكنه المطالبة بوقف دعمنا بوسائل الدفاع عن النفس.
أيتها السوريات أيها السوريون:
الآنَ وقدِ اتضحت الصورة، تعلمونَ أننا لم نكن من السذاجةِ أو التهور، لنتوهمَ أن نظام الكيماوي سيقدّمُ على طاولةِ التفاوضِ جائزةً مجانيةً للسوريين. فالتفاوضُ معه ليسَ طاولةً في جنيف، بل مساراتٌ سياسيةٌ وعسكريةٌ وقانونيةٌ وإنسانيةٌ وإعلاميةٌ متوازية، كما يفعلُ النظامُ نفسه.
لقد أعلنّاها منذُ اليومِ الأولِ للمؤتمرِ بوضوح: نحنُ معَ جنيف 1 الذي تَوافَقَ عليهِ جميعُ الرعاةِ بما فيهم روسيا، ودعونا الطرفَ الآخرَ للتوقيعِ فوراً، وكنا نطاردهُ طوالَ الأسبوعِ ويواجهنا بفرارٍ يليهِ هرب، ولم يفعلْ أكثرَ من موافقةٍ مبدئيةٍ على مرجعيةِ بيانِ جنيف.
ونعلنُ اليومَ لأصدقائِنا أنه لا يمكنُ الحديثُ عن التزامٍ جدّيٍ حصلَ من قبلِ ممثلي الأسد، رغم أننا التزمنا بإنجاحِ مؤتمرِ جنيف 2، ونجدد التزامَنا بالعودةِ إلى جنيف بعدَ أيام، لاستكمالِ الحل السياسيِّ وعمليةِ انتقالِ السلطة للشعب السوري، فالضمانةُ الوحيدة لشعبِنا هي إنشاءُ الهيئةِ الحاكمةِ الانتقاليةِ كاملةِ الصلاحياتِ التنفيذية، التي تديرُ مؤسساتِ الدولةِ المدنيةِ والعسكرية، وتعيدُ هيكلةَ الجيشِ وأجهزةِ الأمنِ والمخابرات، وتعبرُ بسورية نحو برِّ الأمان.
أيتها السوريات أيها السوريون:
كلنا يعلمُ كيفَ حوّلَ هذا النظامُ حياةَ بلدٍ وشعبٍ إلى جحيمٍ يتنقلُ بين مقبرةٍ جماعيةٍ ومجزرة، كيف جوّعَ وعذّبَ شعبَنا وأطفالَنا، وما صورُ أحدَ عشرَ ألفَ معتقلٍ - على الأقلِّ – شاهدناها في الأيامِ الأخيرةِ إلا شاهدٌ على إجرامهِ القريبِ والبعيد. كل ذلكَ لكي يبقى وديعةَ ملالي طهران متربعاً فوق عرشٍ من جماجمِ السوريين.
فالنظامُ لم يترك منطقةً في سوريةَ إلا وحوّلها إلى مشروعِ جنازةٍ مفتوحةٍ متنقلةٍ. من تلك المناطقِ التي دكّها بنيرانِ حقده، إلى تلك التي استخدمَ أبناءَها وقوداً لحربهِ على أبناء جلدتِهم. نعم يضحي هذا النظامُ بأحفاد صالح العلي وأبناءَ بدوي الجبل، في حربٍ على قياسهِ وقياسِ سُعاتِهِ ورُعاتِهِ الإقليميين. إنه نظام يستمدُّ فائضَ قوتِهِ من ضعفِ الذاكرةِ الجماعية، وإلا كيف يمكن أن نصدقَ أن قاتلَ صلاح جديد ومحمد عمران، والذي صدّرَ إلى العالمِ ثقافةَ المنتحرين بثلاثِ رصاصات وعلى رأسهم "غازي كنعان"؛ كيف يمكن أن يحميَ ساحلَنا المخطوف ويصونَ الجبلَ الذي حفرهُ البدويُّ عميقاً في ذاكرتنا؟
ومن ذا الذي يصدقُ أن النظامَ الذي شرّدَ إخوتَنا المسيحيين، ونكّلَ بمثقفيهم، وسلبَ ثرواتِ تجارِهم يريدُ أن يحميَهم من إخوانِهم الذين يشاركونَهم صحنَ مأساتِهم اليوميةِ المعمّدِ بالدمِ والدموع؟ ثم من يتوهمُ بأن الذي حاصرَ تاريخَ سلطان الأطرش وإرثَه، وسلبَ الكردَ السوريينَ حقوقَهم وهويتَهم، يمكن أن يحميَ أو يحملَ هويةَ سوريةَ وقضيتها؟
أيتها السوريات أيها السوريون:
أصبحَ العالمُ أكثرَ اقتناعاً اليومَ بأحقيةِ ثورتِنا بعدما خُضنا المسارَ السياسي. أَحرجَ النظامُ نفسَه بحضورِ جنيف 2، الذي ظنَّه سيخرجُ شعبَنا من معادلةِ الحل، تحتَ شعارِ أننا لا نريدُ تسويةً تحقنُ دماءَ شعبِنا؛ فإذا به كمن يسيرُ في جنازةِ نفسِه، لأنَّ إقرارَهم ببنودِ بيانِ جنيف1 هي بدايةُ النهاية .. بدايةُ تسليمِ السلطةِ من الدكتاتورِ إلى الشعب، فأرادَ الهروبَ من التزاماتٍ يلفظُ معها أنفاسَه الأخيرة. وما براميلُ حقدهِ التي يمطرُنا بها إلا دليلَ مأزِقِه.
لكننا دخلنا من البابِ الواسعِ للتغيير، ووَضَعنا وفدَه أمام المعادلة الصعبة. فلم يوقعْ ولم يلتزمْ إلى هذهِ اللحظة، والأممُ المتحدةُ شاهدٌ حيّ. حتى الممراتُ الآمنةُ ضاقوا ذرعاً بها، والعالمُ كله يشهدُ اليومَ على نظامٍ يراوغُ ليتنصلَ من فتحِ ممراتٍ إنسانيةٍ لمناطقَ ربعُ سكانِها بين ميّتٍ أو معرَّضٍ للموتٍ جوعاً، ويحدثونَك عن الإرهاب.
أيتها السوريات أيها السوريون ..أيها الثائرونَ .. يا ملحَ الأرض، يا من صَدَحتْ حناجرُكم:
الشعبُ يريدُ إسقاطَ الأسد، والشعبُ السوري واحد.
أتوجه إلى كلِّ أمِّ ثكلى فيكم، وإلى كلِّ ثائرٍ يحملُ دمَهُ على راحتيه .. إلى كلِّ طفلٍ سوريٍّ يسرقُ الجوعُ نومَ عينيه، وتزنرُ أحلامَه براميلُ النارِ والعار.
أتوجّهُ إليكم جميعاً، أشدُّ على أياديكم التي نستمدُّ منها العزةَ والمنعةَ والرفعة، لأؤكدَ لكم بأن مأساتَكم وأحلامَكم ومطالبَكم طوقٌ بأعناقنا، و قد تقطع الأعناق ولكن يستحيل أن تسقط الأمانة.
شكراً لكم.
رابط كلمة السيد أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في نهاية الجولة الأولى من مؤتمر جنيف 2 بتاريخ 31/1/2014: اضغط هنا
المعلومات الأساسية
تاريخ الصدور
2014/01/31
اللغة
العربيةنوع الوثيقة
كلمة / إحاطة
الأحداث المرتبطة
مسار جنيفكود الذاكرة السورية
SMI/A200/484815
الجهة المصدرة
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريةيوميات مرتبطة
شخصيات مرتبطة
كيانات متعلقة
لايوجد معلومات حالية