الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.

بيان رئاسة الحزب السوري القومي الإجتماعي في ذكرى التأسيس

أيّها المواطنون والرفقاء

أمام السادس عشر من تشرين الثاني قد يتساءل البعض: ما كان هدف سعاده من تأسيس الحزب، ولماذا لم يكتفِ بالتعاليم التي وضعها بما أنّه طلب مرارًا وتكرارًا من رفقائه “إلهجوا بعقيدتكم”. أليس “الحزب”، أو غيره من الأشكال وسيلةً لتحقيق الغاية التي وضعها وأرادها؟ ونستحضر سعاده – الحاضر أبدًا في حقيقة الأمّة – للإجابة عن هذه الأسئلة في خطاب الأول من حزيران 1935: “ليس الحزب السوري القومي الاجتماعي، إذًا، جمعيّةً أو حلقة، كما قد يكون لا يزال عالقًا بأذهان بعض الأعضاء، الذين لمّا يسمح لهم الوقت بالوقوف على المبدأ الحيوي الّذي ينطوي عليه الحزب القومي الاجتماعي وعلى حاجة الأمّة السورية في هذا العصر. إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي لأكثر كثيرًا من جمعيّة تضمّ عددًا من الأعضاء أو حلقة وجدت لفئة من الناس أو من الشباب. إنّه فكرة وحركة تتناولان حياة أمّة بأسرها، إنّه تجدّد أمّة توهّم المتوهّمون أنّها قضت إلى الأبد، لأنّ العوامل العديدة الّتي عملت على قتل روحيّتها القومية كانت أعظم كثيرًا من أن تتحمّل أمّة عادية نتائجها ويبقى لها كيان أو أمل بكيان، إنّه نهضة أمّة غير عادية – أمّة ممتازة بمواهبها، متفوّقة بمقدرتها، غنية بخصائصها – أمّة لا ترضى القبر مكانًا لها تحت الشمس.”

هذا الحزب – الأمة السورية مصغّرة، ليس مجرد شكلٍ يفي غرضًا موقّتًا، ويمكن استبداله عندما يتحقّق هذا الغرض. هذا الحزب بنظام الشكل المنبثق عن نظام الفكر والنهج، هو المعبّر عن حياة الأمة، لذلك يحتفل السوريّون القوميّون الاجتماعيّون كلّ عامٍ بتأسيس الحركة التي تعني حياة الأمّة ورقيّها.

ويتساءل آخرون: وماذا فعلتم على مدى ثمانين حولاً ونيّف؟ ماذا أنجزتم وحقّقتم من المبادئ والغاية التي أقسمتم على الالتزام بها؟ ومن المؤسف أنّ بعض المتسائلين هم من “القوميّين” أو حتى من بعض الرفقاء الذين سمحوا لبذور الشك أن تتسلّل إلى نفوسهم، وعلى هذا نجيب: “…إنّ تغيّر عقليّة شعبٍ هو عملية طويلة. وفي المنظّمات يجب أن تكون المعالجة منظّمة، فمتى رأت الإدارة العليا وجوب هدم حاجزٍ وجب على كلّ عضوٍ من أعضاء المنظّمة القيام بنصيبه من عملية الهدم، ليتمّ ذلك سريعًا ويكون كاملاً لا قيام له بعده. ومتى رأت الإدارة العليا أنّه يجب بناء جدارٍ أو حاجز، وجب على كلّ عضو أن يقوم بنصيبه من عمل البناء، فواحدٌ يأتي بالطين أو الإسمنت وآخر يأتي بالحديد، وغيره يقتلع الحجارة، وغيره يقطعها، وغيره يشذّبها، وغيره ينحت أطرافها، وغيره يجرّ العربة، وآخر يرفع الأثقال، وآخر يقدّم الطعام وكلّ ذلك بنظامٍ في خطّة مرسومة. أما أن يقوم فردٌ واحدٌ بالتخطيط، وبالهدم، وبالتعمير، والآخرون يساعدونه بالآراء، والانتقادات، والنصائح، والتمنّيات، بينما المعاكسون يهاجمون ذلك الفرد ويرمونه بالافتراءات ويطعنون فيه عند مئات من الناس، يصغون السمع لأولئك المعاكسين، فافتراضٌ صادرٌ عن عقليّة يجب أن تتغيّر بعد لتصبح أصلح للقيام بنصيبها من النهضة.” (“الزوبعة” العدد 59، مقالة “معلومات وانتقادات واقتراحات”، يناير 1943). فالإنجاز والتحقيق الذي تمّ هو نتاج فعاليّة الإمكانيّات العاملة والإمكانات المتوفّرة، وهذا الإنجاز ينمو ويظهر كلّما نما الحاصدون عددًا وعدّةً روحيّةً – مادية، وندعو كلّ السائلين عن طيب طويّة أنْ هلّموا إلى الحصاد، فالنهضة تستنفر أبناءها للعمل – الإنتاج، وقد دأبت رئاسة الحزب على توجيه الرفقاء وحثّهم إلى العمل في جميع المناسبات، وآخرها الاجتماع الإداري الأخير في أيار الماضي؛ أما السائلون تعطيلاً فنقول لهم نحن تعاقدنا مع الزعيم على قضيّةٍ تساوي وجودنا، ولن يعطّل هذا الوجود بعض التشكيك والتقاعس.

وأمام عيد التأسيس ننظر نحن إلى حال الأمّة وما يجري فيها، فنرى الويل الذي تحدّث عنه سعاده يعيث خرابًا ودمارًا، تقهر عتمتَه أحيانًا بعض النقاط المنيرة التي تعبّر فعلاً عن حقيقة شعبنا المصارع رغم كلّ الأهوال.

ففي فلسطين النازفة يوميًّا تأتي انتفاضة الشباب، أو هبّة الشباب، أو انتفاضة السكاكين، أو ما شاكل من أسماء تُطلَق على العمليات التي يقوم بها أطفال وشباب شعبنا بالسلاح الأبيض، مبتسمين، في مواجهة أعتى دولةٍ، وجيشٍ، ومستوطنين، لتُثبت أنّ فينا قوّةً تفعل لتغيّر وجه التاريخ. لم يرضخ هؤلاء للأوامر المفروضة للاعتراف بدولة الاغتصاب، ولا لاتّفاقيات السلام الاستسلامي، ولم يخنعوا في مواجهة “حقّ” القوّة، بل استمدوا القوّة من حقّهم، فكانوا العين التي قاومت المخرز، وارتقى منهم شهداء أباة صانوا كرامة الشعب، ورغم كلّ محاولات العدو لكسر عزيمتهم، ورغم العدوانات التي محت مدنًا وعائلاتٍ في الماضي القريب، ورغم اعتقالات الأطفال التي تتزايد يومًا بعد يوم، ورغم محاولات تخريب الأقصى وخلخلة أسسه بحجّة وجود هيكل سليمان المزعوم تحته، إلا أنّه – هذا العدو – لم يستطع حتى طمأنة “مواطنيه” المذعورين.

في العام 1973، أرسل الحزب عبر الرفيق جورج عبد المسيح رسالةً إلى “أبو عمار” يحذّره فيها من استفراد الفلسطينيّين في الصراع مع العدو اليهودي، وكان قبلَه سعاده قد حذّر أمّتنا من أنّ الخطر اليهودي على فلسطين يطال كلّ كيانات الأمة في وجودها ولا ينحصر في فلسطين، فأثبتت الأيام ما كنا نقوله أنّ دول العالم العربي التي هي صنيعة المستعمر لن تعمل لمصلحتنا، بل وتخلّت عن ادّعاء الدفاع عن فلسطين، وها هي تحارب الفلسطينيّين المستفرَدين، حتى في الرياضة، فترفض السعودية أن يلعب منتخبها ضد الفريق الفلسطيني في رام الله بحجة “رفض التطبيع”، حقًّا “ما أفصح القحباء…”؛ ويتسارع منهم من يصرّح بأنّ السعودية بلغت من النضج السياسي ما يجعلها قادرة على اختيار متى تنشئ علاقة مع الكيان المغتصِب لأرضنا وكيف تكون هذه العلاقة، وحتى لم يتجرّأوا على استنكار الأعمال العدوانيّة التي يمارسها جنود الاحتلال في مواجهة المصلّين من شيوخ ونساء… أضف إلى ذلك، الكيل بمكيالَين في دول العالم “المتقدّم”، تحديدًا الاتحاد الأوروبي وأميركانيا، اللذَين لا يزالان يدعمان العدو مالاً وسلاحًا وحتى بتصريف إنتاجه، وآخر تصريحات أوباما يصرّ فيها على “حماية مصالح إسرائيل”، وعلى حقّ الاحتلال في “الدفاع عن نفسه”، أي حقّ أكثر الجيوش تسلّحًا في الدفاع عن نفسه بمواجهة سكين المطبخ… أفلا من يرى ويعقل؟

ونعود هنا للتأكيد أنّه لن يكون حلٌّ لمسألة فلسطين إلا على يد أبناء شعبنا الموحّدي الاتجاه والغاية، في صراع الحق مواجهًا باطل الاحتلال والتآمر، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ خطوات السلطة الفلسطينية الأخيرة في إلغاء أيّ تعاون أمني وسياسي مع العدو المحتلّ هي خطوة في الاتجاه الصحيح، ونتمنى أن يلحق بها انفصالٌ اقتصاديٌّ حقيقي عن العدو، ما يقرّب بين مسارات القوى الفلسطينية المتباينة ويجعلها تلتقي من جديد على أسس مصالحةٍ فلسطينية حقيقية لرسم معالم النضال المستقبلي لتحرير كلّ فلسطين.

أما في الشام، وبعد ما يقارب السنوات الخمس من العنف والدمار والخراب والقتل والخطف و… كلّ أشكال الظلام والظلم، تبرز اليوم إلى الواجهة إنجازات الجيش الشامي، الذي لم يصمد مثله جيشٌ في العالم بالإمكانات المتواضعة التي يملكها، مظهرًا بالرغم من ذلك المعنويات العالية لضباطه وأفراده في التصميم على الصمود وردّ العدوان. فالإنجازات العسكرية الأخيرة التي يُحقّقها الجيش، مقابل التردّي المالي والاقتصادي، وهجرة الأدمغة بشكلٍ خاص والهجرة بشكلٍ عام، أعادت الأمل إلى المواطن الذي كان يهتزّ على شفير اليأس. يُضاف إلى ذلك نجاح المصالحات المحلية في المناطق التي استكملت ظروف المصالحة واستعادت مؤسّسات الدولة دورها فيها، ما أسهم في إعادة العمل على بناء الثقة بين المواطنين وأولئك الذين عادوا إلى حضن الوطن.

منذ بدء الأزمة في الشام، وإلى اليوم، لم نتراجع يومًا عن موقفنا بأنّ لا خلاص إلا بالحلّ السياسي، بين الشاميّين، دون إقصاءٍ أو انتقاء، ودون تصنيف، بل على القواعد الثابتة برفض التدخّل الخارجي، والحفاظ على وحدة الشعب والأرض، وعلى مؤسّسات الدولة. واليوم رضخ الأطراف الدوليون إلى أنّ محاولاتهم لتقويض الشام ككيان باءت بالفشل، خاصةً مقابل صمود الجيش والمؤسّسات، ومقابل إصرار حلفاء الكيان على عدم التنازل عن دعمه، وآخر أشكال هذا الدعم التعاون العسكري بين الشام وروسيا – المبني على اتفاقاتٍ واضحةٍ بين البلدين – لتأمين التغطية الجويّة لعمليّات الجيش.

ولم يعد خفيًّا على أحدٍ اليوم، ما كان جليًّا منذ بدء الأزمة لكلّ متبصّر، وهو دور العدو اليهودي، ليس فقط في إيواء وتدريب ومعالجة المصابين من الجماعات المسلّحة، بل أيضًا قيادتهم المباشرة في ساحات المعارك في الشام وفي العراق عبر ضباطٍ من الأجهزة العسكرية في الكيان الغاصب.

بعض أسباب التحوّل في الموقف الدولي من أزمة الشام هو الصمود الذي أثبته الجيش ومؤسّسات الدولة في الميدان، رغم الإمداد المستمرّ للمسلّحين بالمال والعتاد وحتى العديد، بالإضافة إلى التوصّل إلى الاتّفاق مع إيران حول الملفّ النووي، وإصرار روسيا على استعادة مكانتها في العالم لمكافحة سيطرة القطب الواحد، وكان للتعاون العسكري الشامي – الروسي على الأرض في الشام دورٌ كبيرٌ في تعديل موازين القوى، لكنّ الأميركاني معروفٌ بتعديل تكتيكاته، وبالتالي يتكيّف الآن مع الوضع الجديد، ويحاول التوصّل إلى إنجازٍ سياسي ليقطع الطريق على الروسي في الإنجاز العسكري، ما دفعه إلى القبول بمشاركة حلفاء الشام – أو “محور الشر” – في فيينا، وهنا لا بدّ من الإيضاح: أتى مؤتمر فيينا بعد جنيف وموسكو، وهو بالتالي تعبيرٌ عن ظرفٍ دوليٍّ وإقليميٍّ وداخليٍّ جديد، وينسخ ما قبله بل يُعتبر النسخة الأخيرة المتوافَق عليها من قِبل اللاعبين الدوليّين والإقليميّين، في حين لم تقل بعد “الدولة” في الشام ومواطنوها كلمتهم في الموضوع. إنّ مؤتمر فيينا هو نتيجة سبقٍ روسي على الأرض الشامية مقابل انكفاءِ وتضعضع المشروع الغربي في الشام، وهو أيضًا حاصل براغماتية روسيا، وقناعتها أنّ وجودها هو لتعديل موازين القوى وليس لتحقيق انتصارٍ نهائي، لذلك تستخدم روسيا إنجازًا عسكريًّا بهدف استعجال الحلّ السياسي. أما بالنسبة إلينا فنرى أنّ فيينا خطوةٌ في الاتّجاه الصحيح لأنّها تطرح مشروع الحلّ السياسي جديًّا على طاولة الدول الكبرى والإقليميّة المعنيّة، لكن لنا ملاحظاتنا حولها، وبعضها يتلخّص فيما يلي:

1- يشوبها تغييب جزءٍ كبير من شعبنا في الشام عن طاولة الحوار عندما تقتصر الدعوة على “المعارضة” و”الموالاة” فقط دون غيرهما من تعبيرات الشاميّين، وهذا تراجع لما قبل وثيقة جنيف.

2- ما زال مصطلح “المعارضة” المعني بالثقة غير واضح، ممّن تتشكّل وما هو حجم تمثيل كلّ “طرفٍ” فيها.

3- خلطت وثيقة فيينا بنسختها الانكليزية بين مفهومَي “الحكومة” و”الحكم”، وهو التباسٌ وغموضٌ يجب إزالتهما وتوضيحهما.

4- الرقابة الدولية على الانتخابات أمرٌ مرفوضٌ بالنسبة لنا، ويمكن الموافقة على مواكبة للانتخابات من الدول الحليفة ولكن لا رقابة، حفاظًا على سيادة الكيان واستقلاله، وحمايةً لإرادة شعبنا فيه.

5- “وقف إطلاق النار الشامل” مرفوضٌ لسببين: الأول أنّ المصطلح في القانون الدولي يحوّل المشهد في الشام إلى نزاعٍ على الشرعية بين طرفَين شرعيّين، وليس ذلك هو الحال في الشام، ويجب تعديله بـ”وقف الاعتداء على الجيش ومؤسّسات الدولة والمواطنين مقابل وقف العمليات العسكرية للجيش وقوى حفظ النظام”. والثاني كيف يمكن أن يشمل “وقف إطلاق النار كافّة الأراضي” الشامية – كما نصّت الوثيقة – ولدينا تنظيماتٌ إرهابيّة نحاربها على الأراضي الشاميّة كافّة.

ونخلص إلى التشديد على أنّ دور “المجتمع الدولي” يجب أن ينحصر في: 1- تأمين الظروف المناسبة لاجتماع الشاميّين على طاولة “الحوار” دون شروطٍ مسبَقة، للمشاركة في الحرب على الإرهاب مع الجيش الشامي، وتطبيق قرارات مجلس الأمن الثلاثة ذات الصلة بها، و2- الحوار يجب أن يكون في دمشق وبإدارة شامية. أما بالنسبة إلى فيينا 2 الذي انتهى أمس، فلا بدّ من التأكيد أنّ من يحدّد مَن هي “المعارضة” التي ستحاور الحكومة الشامية ليس ديمستورا، فالمعارضة هي نهجٌ سياسيٌّ اقتصاديٌّ اجتماعيٌّ لقوى حقيقيّة موجودة على الساحة الشامية، ولا تحتاج شهادة منتج من ديمستورا أو غيره.

أما في لبنان حيث يستمرّ نأي الحكومة عن نفسها وعن شعبها، فقد برزت في الآونة الأخيرة أزمة لا تقلّ خطورةً عن كلّ الأزمات الأخرى، فالنفايات التي ملأت شوارع وأزقة العاصمة وضواحيها ليست سوى نتيجةٍ لغياب التخطيط و”للسياسات” التي لا تصبّ إلا في جيوب “المسؤولين”، يرافقها ملف الكهرباء الشائك منذ انتهاء الحرب اللبنانية، والمياه، وسلسلة رتب ورواتب الموظّفين التي لا يؤمل حتى اليوم بإبصارها النور، واستغلال الأملاك البحرية بشكلٍ فاضحٍ دون مردودٍ عادلٍ للخزينة،… تتعدّد المشاكل – النتائج، والسبب الأوّل هو تركيبة الكيان الطائفيّة التي جعلته ورقةً في مهبّ رياح السياسات والمصالح الدولية، حتى فاقت غطرسة الطغمة الحاكمة كلّ حدٍّ للخجل أو محاولة الإيهام بالمعالجة، ولم يعد تمديد المجلس النيابي لنفسه مرّتين، مصادرًا إرادة المواطنين، ولا عدم انتخاب رئيس للجمهورية، ولا تعطيل الحكومة والقضاء، ولا حتى الامتناع عن تسليح الجيش ودعمه بالغطاء السياسي ليتمكن من القيام بواجبه، لم تعد هذه كلّها الاهتمام الأول للمواطن اللبناني. ومن مهازل هذه التركيبة أيضًا توزيع المطامر طائفيًّا. في مواجهة هذه النتائج انبرى المواطن اللبناني الذي بدأ يصحو لمخاطر استمرار”السلطة” على هذا الشكل، انبرى بعض المواطنين – ونحن منهم – للتعبير عن سخطهم، والمطالبة بحقوقهم الطبيعية، فتعاملت معهم السلطة بشكلٍ لم تتجرّأ على اعتماده مع الإرهابيّين الذين خطفوا العسكريّين ولا زالوا يحتفظون بهم، وكأنّ هؤلاء ليسوا من المعبّرين عن كرامة “الدولة” ومؤسّساتها. وما أبرع هؤلاء المتحكّمين بمؤسّسات الكيان ومقدّراته في إيجاد التبريرات والاجتهادات للعمل على ما يحقّق مصالحهم، من تشريع الضرورة وغيره، وفي تأجيل بحث الملفّات الحياتيّة الملحّة للمواطن ولسلامته وأمنه. دون أن ننسى الفشل في إيجاد السبل لاستثمار ثروة لبنان النفطية التي قد تُخرجه من تحت نير الدين العام.

لقد لجأ هؤلاء المواطنون إلى القضاء اللبناني – حامي الحقوق، واثقين بأنّه لا زال هناك من يعمل للحقّ رغم بروز الفساد والتعطيل، وإذا أمهل القضاء، فإنّ ثقتنا أنّه لن يهمل حماية المواطن وهو ملاذه الأخير. ويأتي الإنجاز الأخير في كشف الشبكة التجسّسية في جنوب لبنان والقبض على أعضائها، وما سبقه من كشف شبكاتٍ إرهابية نقطةَ ضوءٍ تنير العتمة التي يغرق فيها الكيان رغم محاولات النجاة.

ويأتي التفجير الإرهابي الذي وقع في منطقة برج البراجنة من ضاحية بيروت الجنوبية، والذي أزهق دماء مواطنين أبرياء آمنين في شوارعهم، ليُثبت أنّ الكيان كان قد بدأ يتلمّس طريق الخروج من أزماته، ليعيد تسعير الاصطفاف المذهبي، وشعور المواطن بانعدام الأمان، ليعود للّجوء إلى طائفته التي ستحميه، وهذا التفجير ما هو إلا محاولة في إطار إعادة خلط الأوراق في لبنان ولإلهاء “حزب الله” وتشتيت انتباهه، وهي محاولةٌ لن تنجح كما سابقاتها.

وهنا نؤكّد أنّ طريق الخروج من الأزمات هذه لا تبدأ إلا بتعديل قانون الانتخاب لاعتماد لبنان دائرةً انتخابيّةً واحدة، خارج القيد الطائفي، وعلى قاعدة النسبية، فيخرج مواطنونا من دوامة المذاهب إلى المواطنة القائمة على التساوي في الحقوق والواجبات، لجميع المواطنين، أمام القانون والقضاء.

والنظام في الأردن يستمرّ في الاستلاب للمستعمر الذي أنشأه، وللإرادات الخارجيّة التي لم تتوانَ يومًا عن خدمة عدوّنا اليهودي، وتستمرّ معسكرات التدريب للإرهابيّين، وتسلّلهم، كما تسلّل التمويل عبره، إلى الشام ولبنان والعراق، بالإضافة إلى مشاركته في استمرار التصرّفات العدوانية لليهود في فلسطين عبر “حياديّة” يعلنها، وتجاهلٍ يمارسه لدوره في تعزيز الممانعة في شعبنا ولو حتى بموقفٍ جريء. دون أن ننسى ارتباطه بالاتفاقيّات الاستسلامية مع العدو التي أخضعت كلّ مقدّرات الكيان – على قلّتها – للسيطرة اليهوديّة.

وفي العراق، وبعد أن استطاع تنظيم “داعش” أن يسيطر على نسبةٍ كبيرةٍ من أراضي الكيان ومحافظاته، دون أن “يتمكّن” الأميركاني المتواجد في كلّ المراكز الحساسة من استباق هذه السيطرة، رغم ما يعلنه من “حربٍ على الإرهاب”، وبعد أن مارس هذا الإرهاب أبشع أنواع التنكيل بكلّ آثاره المكتشفة أو غير المعروفة بعد، ليس في العراق فحسب، – فضلاً عن التنكيل بالإنسان – وبعد سرقتها وبيعها بالدرجة الأولى لليهود سواء عبر وسطاء أو بدونهم، بعد كلّ ذلك، وبعد إنجازات “الحشد الشعبي” في مواجهة التنظيمات الإرهابية وقطع طرق الإمداد في بعض المناطق، وتحرير بعضها الآخر، بدأ الكيان يعمل على التنسيق العسكري مع الشام في مكافحة الإرهاب، وهو الحلّ الوحيد الذي يمكن من خلاله لكيانات أمّتنا أن تكافح خطر “داعش” ومثيلاته، على أمل أن يلحق به تنسيقٌ سياسي واقتصادي يؤمّن حاجات الكيانات ويُسهم في إخراجها من الخضوع لشروط الخارج.

أليس من الغريب أن يستطيع الروسي أن يقضي على أبرز معاقل التنظيمات الإرهابية في الشام بعددٍ قليل من الطلعات الجوية، في حين تستمرّ غارات التحالف الدولي ضدّ الإرهاب منذ ما يتجاوز العام دون أن تكون نسبة أهدافها المحقّقة مشابهة لتلك التي حقّقها الروسي؟ والكلّ يعرف الدور الأميركاني في إنشاء الجماعات المتطرّفة الإرهابية منذ أفغانستان إلى داعش اليوم، وإسهام الأميركاني مباشرةً أو عبر واسطة بإذكاء هذه الجماعات وتمويلها وتسليحها.

وتستمرّ حكومة الكويت في إيواء المموّلين والمحرضين والمخططين للمنظّمات الإرهابية، دون أن تتمكّن من الإقدام على خطوة احترازية في هذا المجال تحميها من تفجيراتٍ شبيهة بما عانينا منه أوائل الصيف الماضي.

وقبرص لا تزال تنتظر عودتها إلى رحاب الوطن الأم، وتبقى مثلها مثل الأجزاء السليبة: الاسكندرون وكيليكيا والأهواز وسيناء تتقاذفها إرادات المستعمر بانتظار أن يعيدها أبناؤها – نحن – إلى محورها الطبيعي، الوطن السوري.

أيّها الرفقاء والمواطنون

إنّ العالم كلّه اليوم على شفير أزمةٍ مالية شبيهةٍ بما حدث عام 2008، وبدأت بعض الدول تعدّ العدة لتجنّبها، كما تخشى بعض هذه الدول من الأزمات الغذائية القادمة بفقدان الاحتياطي الذي سبّبته خسارة مخازن الحبوب الكبرى في أفغانستان، وفي العراق، وفي الحرب الأخيرة في الشام، وهي تبحث اليوم عن الوسائل التي تحميها من الوقوع في هذه الأزمة.

وتأتي أحداث باريس الأخيرة على هذه الدرجة العالية من الإجرام الإرهابي، لتبرز إلى الانتباه قدرة الإرهاب على الوصول إلى معاقل مموّليه، وخطورة تهديداته. لقد سمّيت هذه الأحداث بـ”11 أيلول” فرنسا، فهل تكون نتيجتها سياسةً دوليةً تشبه تجربة ما بعد 11 أيلول أميركانيا؟ لقد أشرنا سابقًا ومراتٍ عديدة إلى أنّ دعم هذه المجموعات الإرهابية يشبه تربية الأفعى في الحضن، ولا بدّ أن تتغلّب عليها طبيعتها فتلدغ من تصل إليه دون تفريق بين الخصم وبين من قام بدعمها و”تربيتها”.

أيّها المواطنون والرفقاء

قال سعاده في ددّه، الكورة، في 22 تشرين الأول 1948: “ما يعنيه وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي هو ثورةٌ ضدّ الاتّكالية والاستعباد والاستعمار تحت أيّ ستار، هو نداءٌ إلى الشعب السوري أن يعيَ نفسَه ومقدرته. قيمته لا يمكن أن يعبّر عنها إلا هو. هذا هو وجوده. إذا نهض أبناء «القلع» وقاموا في غاية تخطّط لهم المواسم والطرق والأنوار والمياه والري إذا قاموا في غاية من هذا النوع واختاروا من يعبّرون عنهم… فإنّهم يصلون إلى هذه النتيجة لأنّهم يكونون وراءها.”

لن تقوم أيٌّ من الإرادات الغريبة على حمايتنا وتحقيق مصالحنا، وهي، حتى في تحالفنا معها، تعمل بناءً على تقاطع مصالحنا ومصالحها؛ ليس لنا من منقذ ومقيل من هذا الويل سوى إرادتنا النابعة من ثقتنا بحقيقتنا وبأمّتنا، بشعبنا. وهذه الثقة هي نتاج إدراكنا لحقيقتنا، هي التي تدفع بابن الحادية عشرة إلى أن يحمل سكينه ويطعن من سرق بيته واغتصب أرضه ودنّس ترابها. وهي التي تدفع بالجندي الذي لم يرَ عائلته منذ بداية الأزمة في الشام إلى مقاومة كلّ ضروب الإغراءات والتخاذل، وتدفع ببعض المواطنين للاكتفاء بكسرة خبزٍ مبلولةٍ بالماء غذاءً يسدّون به جوعهم، ليصمدوا في وجه الإرهاب. وهي التي دفعت بالشباب اللبناني للّجوء إلى القضاء ليحاسب الفاسدين والمفسدين، وغير ذلك من النقاط المنيرة التي بدأت تضيء عتمة الليل الطويل الرازح فوق أمّتنا منذ عصور. فانتفض أيّها الشعب وانفض عنك غبار الانتظار، قد حلّت ساعة القرار.

أيّها الرفقاء، أيّها القوميّون

لقد تعاقدنا مع زعيمنا على قضيّةٍ تساوي وجودنا، “لا تجعلوا قضيّتكم صغيرة لئلا تدلّوا على أنّ نفوسكم صغيرة. لا تنزلوا قيمة نهضتكم ومؤسّساتها إلى درك القضايا الصغيرة الحقيرة التي لا تتعدّى نطاق: من يدفع هذا القرش وماذا يفعل الزعيم بهذا “المال” ولماذا التبرّعات ومن سيتولّى عليها الخ.

…إرفعوا نفوسكم عن الدنايا من كلّ نوع وعن جميع المسائل الحقيرة الشائنة لتكونوا جديرين بنعمة النهضة السورية القومية الاجتماعية وبالحياة المثالية الجميلة العزيزة التي تؤهّلكم لها تعاليمها ومن فيها ونظرتها السامية إلى الحياة والاجتماع والكون.” (سعاده، رسالة إلى أنطون ضاحي، 2 آذار 1946)

هذا التعاقد المتجلّي في الانتظام في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي، يعني التزامًا بنظام الحزب وبقوانينه، نابعًا من الالتزام بالأخلاق العقلية والعقلية الأخلاقية التي أسّس لها سعاده، وقبله علّم بها زينون، وكثيرون ممّن تمرّسوا بحقيقتهم، وهو ما يجعل القومي الاجتماعي “يُشار إليه بالبنان”.

أيّها القوميّون

إنّ رحاب النهضة تتّسع للجميع، لكن كما قلنا مرارًا، مستنيرين بحضرة الزعيم، ليس على قاعدة الضمّ والتوفيق والتلفيق، بل على قاعدة نظام الفكر والنهج المنبثق عنه نظام الأشكال، ولحضرة الزعيم شرحٌ في مقالة “اليمين” (“الزوبعة”، العدد 65، 1 أيلول 1943) واضح: “وليس أسوأ عاقبة من الحنث باليمين وفسخ العهود ونقض البيعة التي بها قيام القضايا والاطمئنان الأكيد بالتضامن في الحياة. القضايا تتحقّق بالمجهود العامّ. فاليمين الّتي توجب التضامن الوثيق في المجهود العامّ تصبح القاعدة اللازمة لهذا المجهود والشرط الّذي لا يمكن قيامه إلاّ به. وكسر اليمين خرق لحرمة المجهود العامّ وتعريض لهذا المجهود لأخطار غير منتظرة، مع ما يلزم ذلك من إمكان وقوع العذاب والتعذيب على الأوفياء الثابتين على إيمانهم بسبب فشل ضعيفي الأخلاق وتزعزعهم. وإذا تركنا احتمال وقوع العذاب والتعذيب ونظرنا فقط في الآلام والمتاعب الّتي يورثها تقلقل الصفوف من جراء تزعزع ضعفاء الأخلاق لكفى ذلك مجالاً للتمعّن في بعض نتائج خرق اليمين السيّئة…..”

أيّها الرفقاء،

إنّ انبثاق السلطة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، هو شكلٌ فريد في أنظمة الحكم، يعبّر تعبيرًا دقيقًا عن نظام الفكر والنهج، وعن الأخلاق العقلية، والعقلية الأخلاقية التي امتاز بها شعبنا منذ بدأ يعي وينظّم حياته في قوانين وفي تشريعاتٍ واختراعاتٍ وهديٍ للأمم.

في شرحه لمضامين الزوبعة، يقول الرفيق جورج عبد المسيح: “… فالثبات ظاهرٌ في عبارة القَسَم التالية “لا تطوّعًا ولا تحت أي نوع من أنواع الضغط”. وكم هو عظيم هذا الثبات الذي يثبت في وجه العنف وفي وجه الإغراء على السواء. إنّه ثباتٌ في وجه العناصر الخارجية وفي وجه الضعف الداخلي في ساعات الضعف التي تعتري الواحد منا أحيانا. إنّه ثباتٌ أقوى من النفوس العادية وأعظم منها”. (مقالة “رمز إيماننا الزوبعة”)

هذا الثبات النابع من الثقة هو ما يجعل القومي الاجتماعي قدوةً، وهو ما يمايز بينه وبين أبناء شعبنا الذين لم يعوا بعد حقيقتهم. هذا الثبات لا يسمح لبذور الشكّ المبنيّ على شائعاتٍ يستطيع أيًّ كان أن يدرك زيفها، لا يسمح له بالتسلّل إلى النفوس ولا أن يحيدها عن الطريق القويم، طريق النهضة المعبّر عنها نظام الحزب. “إنّ التقيّد بعقيدة حزبنا وخططه وأهدافه والطاعة لقوانينه وفروض نظامه هما شرطان لا غنى عنهما لحقيقة عضوية الحزب السوري القومي الاجتماعي” (رسالة إلى مطانس ضاحي 29 تموز 1946).

إنّ طريق المعرفة “الطويلة والبطيئة” كما وصفها حضرة الزعيم في حديثه في طلبة دمشق 1948، لا تقصر إلا بعملنا، وسباقنا مع الزمن لن يقترب من خط النهاية إلا بثباتنا الواعي المريد لليمين التي قطعناها على أنفسنا، فهلمّوا، الطريق أنارها الزعيم، والحصاد جهّزته الأمة، ويبقى أن يشحذ الفعلة قلوبهم وعقولهم ويشمّروا عن سواعدهم فتنتصرَ النهضة، وتكون لنا الحياة كلّها – كما أردناها – وقفة عزٍّ فقط.

المركز في 16 تشرين الثاني 2015

رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

الرفيق الدكتور علي حيدر

المعلومات الأساسية

تاريخ الصدور

2015/11/16

اللغة

العربية

نوع الوثيقة

بيان سياسي

كود الذاكرة السورية

SMI/A200/556263

شخصيات مرتبطة

كيانات متعلقة

لايوجد معلومات حالية

يوميات مرتبطة

لايوجد معلومات حالية

درجة الموثوقية:

الوثيقة

  • صحيحة
  • غير صحيحة
  • لم يتم التأكد من صحتها
  • غير محدد