المبادرة الوطنية للتغيير .. من أجل تحول آمن نحو الديمقراطية في سورية .. إطار تصوري وخطة عمل
**المبادرة الوطنية للتغيير**
**من أجل تحول آمن نحو الديمقراطية في سورية**
إطار تصوري وخطة عمل
ليست لدينا أي نسبة شكٍ على الإطلاق، أن سورية ستشهد عاجلاً أم آجلاً احتجاجات شعبية متصاعدة في عدة مدن ستقود في النهاية إلى مظاهرات عارمة وستنتهي بإسقاط النظام بطريقة أو بأخرى، يجب علينا أن نتوقف عن الجدال والمماحكة بالخصوصية السورية، فالمشترك مع تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية -التي تشهد اليوم احتجاجات شعبية عارمة- هو أكبر بكثير مما نعتقد.
في البداية، هناك فهم خاطئ تولّد لدى الكثير من الأنظمة العربية ومنها السوري بالطبع، أن ما بدأ في تونس ومصر وتصاعد فيما بعد إنما هو نتيجة تدهور الظروف الاقتصادية وارتفاع البطالة وفقدان فرص العمل، وهو ما دفع بهم إلى بعض الإجراءات الاقتصادية غير الدائمة من مثل زيادة الدعم للمواد الغذائية الأساسية أو إعطاء زيادة محدودة في الدخل لدى العاملين في القطاع العام وغير ذلك، فاعتقدوا أنهم بذلك يطوون صفحة الاحتجاجات الشعبية إلى الأبد. في الحقيقة ما جرى هو ببساطة ثورة الكرامة الإنسانية؛ فالكرامة لديها قيمة خاصة لدى الإنسان بشكل عام، والعربي بشكلٍ خاص، فالتونسي و المصري والسوري والليبي الذي تعرض لعقودٍ طويلة من الإهانة في فروع المخابرات، والموت تحت التعذيب في أقسام الشرطة والأمن الجنائي، والتمييز الفاضح في حقه في التعليم والترقي في المناصب العامة والصحة بناءً على أساس انتماءات حزبية، وإلى السرقة عبر الفساد وغياب الشفافية، كل ذلك إنما يدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في إذلال الكرامة الإنسانية التي غالباً ما لا تُدرك الأنظمة الشمولية قيمتها ولا تكتشف قوتها إلا بعد أن تطيح بها ثورات شعبية.
إننا وبوصفنا مواطنين سوريين أولاً، حلمنا الأول والأخير هو أن نرى بلدنا الأجمل والأكثر تقدماً في العالم، وبما أننا نشهد من حولنا تغيرات عميقة "ثورية" لم تشهدها المنطقة العربية منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وبما أننا لا نريد أن تسقط قطرةَ دمٍ واحدة من أي سوري، فإننا نرغب بأن نأخذ الدروس من غيرنا ونعمل على تطبيقها، بدءً من تجارب التحول الديمقراطي في أوروبا الغربية في السبعينيات و أمريكا اللاتينية في الثمانينيات و أوروبا الشرقية في بداية التسعينيات من القرن الفائت، وما يشهده العالم العربي اليوم من ثوراتٍ شعبية نجحت في إسقاط أنظمة حكمت لمدةٍ تزيد عن ثلاثة عقود أو أكثر.
إن سورية اليوم أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، إما أن يقود النظام الحاكم نفسه مرحلة التحول الآمن باتجاه التحول الديمقراطي وهو ما يخالجنا شكٌ كبير في رغبة وقدرة النظام القائم بالقيام بذلك؛ أو أن ندخل في مرحلة الاحتجاجات الشعبية لتنتهي بنا إلى ثورة شعبية تسقط النظام وندخل بعدها في مرحلة التحول بعد موجةٍ من العنف والاضطرابات.
الخيار الأول تبنته عدة دول، أشهرها بالطبع إسبانيا بعد نهاية حكم فرانكو الديكتاتوري، حيث قام رئيس الوزراء حينها بالتعاون مع الملك في قيادة مرحلة التحول، كما أن عدداً من قادة الأحزاب الشيوعية في عدد من دول أوربا الشرقية وخاصة بعد أن رأوا ما جرى في بولندا وألمانيا الشرقية بادروا إلى ما ُسمي حينها مفاوضات الطاولة المستديرة بينهم وبين زعماء المعارضة من أجل وضع خطة آمنة للتحول الديمقراطي تجنب البلاد الفوضى ومرحلة الاحتجاجات الشعبية، وكان أشهرها تشيكوسلوفاكيا التي تطلق على ثورتها بالثورة المخملية كدلالة على إنجازها التحول الديمقراطي في غياب تام للعنف تقريباً، وأيضاً هنغاريا الذي قام الحزب الشيوعي نفسه بالمبادرة من أجل البدء بمفاوضات تقود إلى التحول الديمقراطي، بيد أن دولاً أخرى لم تقرأ الدرس جيداً وكررت نفس الموقف الذي نسمعه اليوم من النظام السوري وبعض الأنظمة العربية القائل بالخصوصية وعدم التأثر بما جرى، فكانت نهايتها مختلفة وأكثر دموية كما جرى في رومانيا وكما يجري هذه الأيام في ليبيا.
سورية إذاً عند منعطف طرق، وأفضلها أن يقوم النظام الحاكم نفسه بقيادة التحول الديمقراطي من أجل تجنيب البلاد مرحلة العنف أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي، لكن كيف يمكن أن تتم مرحلة التحول في سورية؟
إن سورية الديمقراطية في المستقبل كما نرى سوف تواجه أربع تحديات رئيسية:
**1- الإصلاح السياسي والدستوري:**
إن القيام بإصلاح سياسي جذري يبدأ من تغيير الدستور وكتابة دستور ديمقراطي جديد يضمن الحقوق الأساسية للمواطنين، ويؤكد على ما يسمى ( Checks and Balances) بين السلطات أي التوازن مع الفصل التام بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، وهو يشمل أيضاً إصلاح جذري للمؤسسة أو الجهاز القضائي الذي انتشر فيه الفساد وفقد المواطنون الثقة الضرورية فيه، وبالطبع إعلان رفع حالة الطوارئ وإلغاء كافة المحاكم الاستثنائية والميدانية وعلى رأسها محكمة أمن الدولة وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإصدار قانون عصري للأحزاب السياسية بما يكفل المشاركة لكل السوريين وبدون استثناء، وتحرير قانون الإعلام بما يضمن حرية الإعلام وإصدار قانون جديد للانتخابات، وتشكيل هيئة وطنية للحقيقة والمصالحة من أجل الكشف عن المفقودين السوريين والتعويض عن المعتقلين السياسيين، وفوق ذلك كله بالطبع يأتي إعطاء كافة الحقوق الأساسية للكرد وإلغاء التمييز المنهجي الواقع عليهم وإعطاء المنطقة الشرقية الأولوية فيما يتعلق بمشاريع التنمية و البنى التحتية.
**2- التنمية الاقتصادية:**
بعد عقودٍ من السياسات الاقتصادية الخاطئة وصلت سورية إلى مأزق اقتصادي عميق، يتعمق مع الأيام ويزداد بحكم افتقاد سورية للموارد الضرورية والاعتماد بشكل رئيسي على النفط الذي كان يشكل أكثر من 80% من الميزانية السورية وانخفض الآن ليصبح أقل من 30% ،ومع انعدام البدائل الأخرى وأهمها بناء قطاع زراعي وصناعي قوي فإن الأمورتفاقمت بشكل كبير ومن المستحيل على سوريا ان تخرج من ازمتها الاقتصادية بالسياسات الاقتصادية ذاتها والتي ترتبط بالسياسة الداخلية والخارجية بشكلٍ أو بآخر، فهناك جفاف بالمنطقة الشرقية منذ عام 2007 أدى الى نزوح اكثر من مليون مواطن من المحافظات الثلاث (الحسكة ودير الزور والقامشلي)وفقاً للأمم المتحدة، وليس لسوريا اي امكانية مادية لضخ الحياة من جديد في هذه المحافظات الثلاث، وبعد عقودٍ من الاهمال والفساد الذي رافقه نمو سكاني يعيش السوريون يومياً عذاب تدني خدمة النقل والمواصلات والخدمات الصحية والتعليمية فوفقاً لنائب رئيس الوزراء فإن سورية تحتاج الى 74 مليار دولار من أجل بناء بناها التحتية. في حين لا تمتلك سوى 3 مليار دولار أو أقل، هذا إذا علمنا أن كل مشاريع الطاقة والطرقات والبنى التحتية على ندرتها في سورية إنما تتم عبر قروض تدفع من الدول الخليجية أو الاتحاد الاوربي، فالاقتصاد السوري دخل مرحلة العجز التام عما يسمى النمو وإنما هو في مرحلة ما يطلق عليه الاقتصاديون: Keeps the economy working not growing?
أي أنه باختصار مرحلة "تمشية" الحال لا أكثر ولا قدرة له على الاستجابة لتطلعات الشعب السوري في التقدم والرفاهية؛ فمعدل دخل الفرد الذي كان الأعلى في المنطقة في الخمسينيات وفقاً للبنك الدولي هو حالياً أقل بثلاث مرات من نظيره اللبناني وبمرتين من نظيره الأردني وأربع مرات من نظيره التركي. كما أن نسبة الفقر وفقاً للأرقام الرسمية ازدادت لتصبح 30 بالمئة من الذي يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، لذا فعلينا أن ندرك أنه لا بد من تغيير جذري في السياسة الاقتصادية قائمة على العدالة والتنمية المتوازنة بيم مختلف المحافظات إذا اأردنا للسوري أن يعيش حياة كريمة بدل أن يعمل على مدى الأربع والعشرين ساعة لتأمين لقمة العيش فقط ,فالمجتمع السوري اليوم يصنف من أعلى المجتمعات التي تصرف أكثر من 64% على المواد الغذائية فقط، إن من حق المواطن السوري أن ينعم بالحياة والرفاهية وأن يرتفع دخله مع زيادة ساعات عمله لا العكس.
**3- تحديث الجيش السوري:**
للجيش في سورية مكانة مميزة، فالسوريون يرددون كل صباح (حماة الديار عليكم سلام) أي أنهم يبدأون نشيدهم الوطني بتحية الجيش وحده دون غيره من المؤسسات الوطنية لما كان له من دور في الاستقلال والحفاظ على الوحدة الوطنية بين أبناء سوريا جميعهم وفوق ذلك فإن أهميته تكمن في أن جزءً من الأراضي السورية لا يزال تحت الاحتلال الاسرائيلي بما يعنيه ذلك من مهام الجيش في التحرير وضمان وحدة وسلامة أراضي الجمهورية.
لكن هذه المؤسسة تعرضت إلى أكبر عملية تهميش وإهمال خلال العقود الثلاثة الأخيرة وخاصة بعد حرب تشرين التحريرية، فالفساد والواسطة داخله صارا حديث السوريين. والعائلات الميسورة تبحث عن أسهل الطرق عبر الدفع نقداً لتجنيب أبنائها دخول الخدمة الإلزامية، ومع انهيار العقيدة العسكرية داخله وانعدام شبه كامل للدورات التدريبية الحديثة لضباطه ومتطوعيه، والتمييز لصالح فرق عسكرية على حساب أخرى؛ ومع انعدام الموارد المالية في الميزانية فإن مخصصات الجيش قد انخفضت وتزامن ذلك مع زيادة عدد المجندين نتيجة النمو السكاني وبهذا تحول الجيش تماماً الى "عبء" أكثر منه جيشاً محترفاً حديثاً. لذا فلا بد من إعادة الثقة بالجيش لدى السوريين والحفاظ على مكانته لديهم وإعطائه الأولوية في المرحلة القادمة لتحديث معداته الحربية التي تعود الى السبعينات من القرن الماضي وتحويله إلى جيش احترافي بدل كونه قائماً على الخدمة الإلزامية، وهذا لن يكون الا برفع المخصصات المادية له وتحديث قياداته وتأهيلهم التأهيل المناسب.
**4-انعطاف في السياسة الخارجية:**
دفع السوريون ثمناً مادياً وسياسياً ومعنوياً كبيراً خلال سنوات حكم الرئيس حافظ الاسد وابنه بشار الاسد من جراء اتباع سياسة خارجية قائمة على مصالح النظام بدل أن تقوم على أساس تحقيق مصالح الشعب السوري. فقد جرى إهمال قضية الجولان بشكلٍ شبه تام في السياسة الخارجية السورية والتركيز بدلاً عنها على السيطرة على لبنان عبر طرق مختلفة عسكرية أولاً وسياسية ثانياً، وانتفى تماماً المفهوم الدبلوماسي القائم على أن وظيفة السياسة الخارجية إنما هو تمثيل مصالح الشعب السوري وتطلعاته؛ والحفاظ على أمن سورية والسوريين في الخارج عبر خلق قنوات دبلوماسية سياسية وثقافية واجتماعية مع الشعوب الاخرى بما ينعكس في النهاية على تحسين مستوى صورة سورية في الخارج وحياة السوريين في الداخل. فدخلت سوريا في عداوةٍ لم يستطع أيٌ من السوريين أن يبررها أو يفهمها مع العراق رغم أنه كان محكوماً بنفس الحزب الذي يحكمنا وهو حزب البعث الذي يهدف لتحقيق الوحدة العربية حسب أهدافه. ثم انتقل الى مرحلة إثارة الفوضى والاضطراب بعد سقوط النظام السابق غير المأسوف عليه.
ولا تختلف السياسة الخارجية السورية تجاه لبنان عن ذلك من خلال التدخل العسكري الذي استمر إلى ما لا نهاية وفقد الجيش السوري أرواحاً بريئة من دون أن يعرف هدف وجوده هناك، قبل أن تستطيع الحشود اللبنانية الغاضبة من اغتيال الحريري من إخراجه؛ واليوم لازال النظام يكرر السياسة ذاتها عبر اللعب على التركيبة الطائفية اللبنانية دون أهداف واضحة أو ن يشرح للسوريين الهدف النهائي المطلوب تحقيقه عبر إثارة الفوضى المستمرة هناك سيما أن السوريين قد دفعوا ثمناً باهظاً لهذه السياسة بدءً من الاهمال الرسمي وبالتالي الشعبي ثم الدولي لقضية الجولان، حيث لم تستطع سورية استصدار أي قرار دولي لتأكيد حقها في الجولان منذ عام 1974 رغم إدراكها التام باستحالة القيام بأي خطوة عسكرية لاستعادته وهو ما تجلى بالالتزام التام باتفاقية فصل القوات لعام 1974 رغم الخرق الإسرائيلي لها ولمراتٍ عديدة. وبالمقابل فمنذ عام 2005 صدرت خمسة قرارت من مجلس الامن الدولي تتعلق بسورية فيما يخص سياستها مع لبنان (القرار 1701 ولقرار 1559 وغيرها) هذا فضلاً عن محكمةٍ دولية تحوم فيها الشبهات حول تورط مسؤولين سوريين باغتيال الحريري عام 2005، وهذه القرارات ستبقى سيفاً مسلطاً على سورية حتى تلتزم بها بشكلٍ كامل. يضاف إلى ذلك العقوبات المطبقة على سورية من قبل الكونغرس الأمريكي (قانون محاسبة سورية واستعادة السيادة اللبنانية ) الذي لعب الجنرال عون دوراً محورياً في إصداره، فهو يتمتع الآن بموقع الأفضلية في الحكومة اللبنانية عبر وزرائه، بينما يدفع الشعب السوري ثمن هذه العقوبات التي شلّت قطاع الطيران السوري تماماً (تمتلك سوريا اليوم 4 طائرات فقط في حين تمتلك الملكية الأردنية للطيران 36 طائرة)، ومنعت وصول أيّه استثمارات أجنبية رئيسية إلى سورية وعلى رأسها البنوك الكبرى التي تلعب دوراً هاماً اليوم في تمويل مشاريع البنى التحتية الكبرى كالطرقات والسكك الحديدة والمطارات (مطار دمشق الدولي يعود إلى السبعينات وليس لدى سورية قدرة على بناء مطار جديد أو توسيع المطار القائم) ومترو الانفاق وغير ذلك من مشاريع البنى التحتية الهامة جداً ، بل والحاسمة لتحسين حياة السوريين وتحقيق النمو الاقتصادي، وهكذا حرمت سوريا من الاستثمارات الأجنبية ولم يبق لها سوى بعض الاستثمارات الصغيرة التي أتت عبر البنوك الخاصة والشركات العقارية والتي هي استثمارات خليجية بالدرجة الاولى وتركزت على القطاع الخدمي الذي لايلعب دوراً هاماً في خلق فرص عمل منتجة للسوريين أو بناء اقتصادهم، فسورية والسودان هما االبلدان العربيان الوحيدان اللذان لا تستطيع فيهما استخدام بطاقة الاعتماد (visa or master card( (الخاصة بك من أجل السحب من إيداعك الخارجي .ويكفي أن تقول ذلك لأي مستثمر أجنبي حتى يقول لك ببساطة إقلب الصفحة وابحث لي عن بلد آخر استثمر فيه. وفي حين كانت هذه العقوبات تشلّ الاقتصاد السوري وتمنعه من التطور، كانت السياسة الخارجية السورية تمعن بتصرفاتها لاستجلاب المزيد منها، بينما يستمر نائب الرئيس السوري فاروق الشرع بالاستهزاء بها ووصفها بأنها (سخيفة)!!
وهذا انعكاس حقيقي لانعدام الخبرة أو الخلفية الاقتصادية لأيٍ من صناع القرار في سوريا اليوم، فجميعهم أتى من خلفية أمنية أو عسكرية أو حزبية ولا يعرفون كيف ينهض الاقتصاد في العالم (رئيس الوزراء السوري العطري وصف شروع المترو في مدينة دمشق بأنه لا شيء أكثر من رفاهية لا حاجة لها !!)
لذلك فبدون تغيير جذري في السياسة الخارجية السورية تجاه دول الجوار أولاً (لبنان والعراق بشكل رئيسي، إذ أنه ليس لسورية سياسة خارجية إقليمية أو دولية أبداً) ووضع قضية الجولان مع القضايا التي تمس السوريين ومصالحهم بموقع الصدارة فإن السوريين سيستمرون بدفع فاتورة فشل هذه السياسة من أرواحهم وجيوبهم.
إذاً، هذه هي باختصار وكما نرى النقاط الأربع الأساسية التي يجب على سورية المستقبل أن تضعها أولوية لها، ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك وعبر أية خطوات من التحول الآمن يجب أن نمشي؟
إن أكبر تحدي يواجه أي بلد في مرحلة التحول الديموقراطي هو كيفية تفكيك النظام الشمولي. والنظام السوري منذ الجمهورية الثالثة أي مع استلام حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة عام 1963 لم يكن مختلفاً عن الكثير من الأنظمة الشمولية التي قامت في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، لذا فإن مرحلة التفكيك هذه يجب أن تستفيد من الكثير من الدروس الضرورية التي تتضمن الانتقال الآمن والسلمي للديمقراطية، ومحور عملية الانتقال هذه تستند على عمودين رئيسيين:
1- المصالحة من أجل ربح المستقبل:
كان نلسون مانديلا يردد باستمرار المصالحة لا تعني النسيان وإنما تعني إلغاء الثأر والانتقام عبر اللجوء إلى القضاء، وذلك يعني بأنه لا بد أن يقبل كل السوريين: من يشعر بنفسه أنه كان ضحيةً للنظام ومَن يخاف أن يكون أحد ضحايا التغييربأن سورية المستقبل قادرة على حمايتهم جميعاً وأن تؤمّن لهم مستقبلاً أفضل، وهنا لا بد من التأكيد على مبدأ ربح الجميع بمعنى أن المسؤولين الحاليين الذين سيصبحون سابقين يتوجب عليهم إدراك أن تفاوضهم بشأن التحول الديمقراطي هو ضمانةٌ لعدم تعرضهم للعنف في المستقبل. كما أن على الضحايا وهم السوريين بعموميتهم أن يدركوا أن مستقبل البلد يتعلق بمدى قدرتهم على تجاوز الماضي وثأرهم واحتقانهم من أجل الشراكة في سوريا المستقبل وهذا لن يتم بالطبع إلا عبر المفاوضات المشتركة من أجل وضع المخطط الزمني للانتقال الديمقراطي.
2- استعادة الثقة في المؤسسات:
إن أهم ما تخسره الدولة كدولة وليس كسلطة هو فقدان الشعب للثقة بالمؤسسات التي يفترض أن تستمد شرعيتها منه. ولذلك فإن الجهاز الامني وأجهزة الشرطة تكون أول ضحايا عملية التحول لأنها غالباً ما تجسد الوجه القبيح للنظام الدكتاتوري، لذا فإنها تكون الهدف الأسهل للجماهير بعد مرحلة التحول. يأتي بعد ذلك بالطبع (البرلمان)السلطة التشريعية والإعلام الذي غالباً ما يكون مجرد دعاية للنظام الحاكم، والحزب الذي يكون الواجهة السياسية للحكم.
إن مرحلة التحول الآمن في سوريا يجب أن تنطلق من قناعة رئيسية، وهي أن الشعب السوري فقد تماماً ثقته بالسلطة التنفيذية وعلى رأسها الرئيس ونوابه ورئيس الوزراء والبرلمان أو مجلس الشعب الذي لا يحتفظ بأي دور في عملية صنع القرار ويتم انتخاب أعضائه الى البرلمان عبر انتخابات لا تتحلى بالحد الأدنى من الشفافية والمصداقية والنزاهة فضلاً عن القوانين الانتخابية والسياسية التي تحكم انتخاباته، وبالتالي فلن يكون له أي دور ذو معنى في عملية التحول. إذاً فإن المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها قيادة هذا التحول هو الجيش وتحديداً وزير الدفاع الحالي العماد علي حبيب ورئيس الاركان العماد داوود راجحة فكلا الشخصين بما يمثلان من خلفيةٍ يدركها السوريون قد يكونان قادرين على لعب دور محوري بعملية التحول وقيادتها عبر الدخول في مفاوضات مع المدنيين الممثلين لقيادات المعارضة أو أية شخصيات أخرى تحظى باحترام السوريين من أجل تشكيل حكومة انتقالية، وبالتالي وعبر الدخول في هذه المفاوضات التي يجب أن تفضي بدورها إلى جدول زمني لإنجاز عملية التحول الديمقراطي تقوم أولاً على كتابة دستور مؤقت جديد للبلاد يجري التصديق عليه عبراستفتاء وطني تشرف عليه حكومة انتقالية مؤقتة وظيفتها ضمان إنجاز خطوات التحول المذكور الذي يبدأ بالتصديق على الدستور المؤقت الموضوع من قبل خبراء دستوريين وقانونيين وإصلاحيين سياسيين .وبعد ذلك تقوم الحكومة الاننتقالية بوضع قانون جديد للانتخاب والأحزاب السياسية والذي من المفترض أن يحكم عملية انتخاب رئيس الدولة وانتخاب البرلمان، وتشرف على الانتخابات لجنة وطنية مستقلة عبر إشراف قضائي ومراقبين محليين ودوليين، ويفتح الباب أمام تشكيل الاحزاب السياسية التي ستشارك بفعالية في الانتخابات القادمة.
نعتقد أن لا خلاف كبير اليوم على شكل النظام السياسي في سورية، فالنظام يجب أن يبقى رئاسياً برلمانياً لكن مع تحديد كبير لصلاحيات رئيس الدولة في الدستور القادم وإعطاء البرلمان دوراً أكبر في الرقابة والمحاسبة، وضمان استقلال تام للسلطتين القضائية والإعلامية.
وبالتالي فالبرلمان القادم سيقوم بصياغة دستور جديد ديمقراطي دائم للبلاد، وإقرار قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات وتحرير الاعلام وقوانين حديثة لجمعيات المجتمع المدني وغيرها من القوانين التي ترسم ملامح الحياة السياسية لسورية المستقبل.
تبقى مسالة تفكيك النظام الشمولي التي يجب أن تتم عبر استعادة الثقة بمؤسسات الدولة؛
- لا بد إلى الإشارة في البداية إلى ما يعرفه السوريون جميعاً إلى أن الأجهزة الأمنية وأجهزة المخابرات تعتبر صاحبة السلطة الحقيقية في سورية بما تمليه من أحكام على السلطة القضائية وبما تمارسه من اعتقالات بلا مذكرات قضائية، وبما اعتادته من التدخل في كل النواحي الحياتية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية للسوريين بدءً من تغيير الجامعة إلى نقل كفالة أو وكالة، كل ذلك وغيره يحتاج إلى موافقة أمنية مسبقة وهو ما شلّ قدرة السوريين على الابتكار والمبادرة نتيجة تقييدهم بهذا النظام الأمني القائم على زرع الخوف وتعزيزه عبر الاعتقال والتعذيب بأشكاله المختلفة ومنع السفر. لقد توّسع حجم الأجهزة الأمنية المنبثقة عن إدارة المخابرات الأربع الأساسية وهي المخابرات العسكرية والأمن السياسي والمخابرات الجوية والمخابرات العامة أو أمن الدولة مع نهاية السبعينيات، وأُنيط بها مهام حفظ الاستقرار للنظام القائم بشتى الوسائل والطرق ولذلك ربما يشعر مسؤولو هذه القيادات بأنهم المتضرر الأكبر من عملية التغيير أو التحول عبر فقدانهم لصلاحياتهم المادية والمعنوية ولذلك فمن المؤكد أنهم سيكونون العقبة الكبرى أمام التحول.
لكن في البداية على مسؤولي هذه الأجهزة أن يدركوا أن استمرار الوضع القائم من المحال، وهو ما كان يعتقده مسؤولو المخابرات أو الشرطة السرية التابعة لوزارة الداخلية التونسية في نظام بن علي أو إدارة أمن الدولة والمباحث العامة في نظام حسني مبارك، أو اللجان الشعبية والأمنية التابعة لنظام القذافي.
إن استمرار الوضع الحالي في سورية يبدو مستحيلاً تماماً بل إن وصول الأوضاع إلى ما هي عليه إنما جرى نتيجة تجاوزات هذه الفروع وأجهزتها على مدى عقودٍ طويلة. لذا على مسؤولي المخابرات في سورية إدراك أن تسهيلهم لعملية التحول الآمن في سورية ربما يعطيهم بعض المصداقية في عيون السوريين مما يشجعهم على الدخول في عملية المصالحة بشكلٍ أسرع مما تحقق في غيرها من البلدان.
هذا فضلاً عن أن الأجهزة الأمنية السورية وخلال سنوات الرئيس بشار الاسد قد دخلت في صراعات حادة فيما بينها، وكانت مصدر قلق دائم من قبل الرئيس نفسه مما جعله يعمد إلى تغيير قياداتها باستمرار، فعلى سبيل المثال مرَّ على إدارة المخابرات العامة سبعة رؤساء وهو ما يعادل تقريباً عدد الذين تتابعوا على رئاسة هذا الجهاز على مدى 30 سنة من حكم والده، أي أنه لا توجد ثقة متبادلة بين الرئيس وبعض قيادات الأجهزة الامنية مما يسهّل تخليها عنه في أية مرحلة تحول مستقبلي.
لابد من إصلاح هذه الأجهزة عبر ما يسمى بعملية التطهير وإعادة البناء، إذ لا يجب تفكيكها وحلّها على الفور لئلا تصبح مصدر دائم للفوضى. وإنما لابد من إعادة بنائها مع تغيير وظائفها عبر التركيز على أن وظيفتها هو أمن الشعب وليس أمن النظام. أي ضمان أمن السوريين عبر حقهم الكامل في ممارسة كل حقوقهم القانونية والدستورية، وأيضاً خضوعها لسيطرة ورقابة البرلمان وعدم تجاوزها لصلاحياتها. والأهم من ذلك خضوع قياداتها وأعضاءها للمحاسبة القانونية والقضائية في حال تجاوزها او تعديها أو انتهاكها لأيٍ من الحقوق الأساسية للمواطنين. فلابد من تخفيض أعدادها وتقليص إداراتها الأربع إلى اثنتين فقط كما كان عليه الحال في سورية في الخمسينيات، أي دمج المخابرات الجوية مع المخابرات العسكرية والتي ستكون متخصصة فقط في الحفاظ على أمن الضباط والعسكريين، ودمج الأمن السياسي بالمخابرات العامة التي تكون مسؤوليتها الحفاظ على أمن السوريين كما لابد من تحديث قياداتها وكوادرها عبر ما يسمى دورات التدريب المستمر، والأهم من ذلك كله لابد من القيام بعملية تطهير، فالاشخاص المسؤولين عن عمليات تعذيب أو قتل خارج نطاق القانون لا بد من أن يمثلوا أمام العدالة في حال جرى تقديم دعاوى قانونية بحقهم، وبمقابل ذلك لابد من بناء وتعزيز جهاز الشرطة الذي يجب أن يعكس السلطة الحقيقية في الشارع السوري وتعزيزه بالمعدات والتجهيزات الضرورية من أجل حفظ النظام العام. وبنفس الوقت تدريبه وإعادة تأهيله على كيفية التعامل المهني مع المواطنين عبراحترام الحقوق الإنسانية الأساسية والدستورية.
- أما حزب البعث فجميع السوريين بلا استثناء بما فيهم أعضاء الحزب أنفسهم يعرفون أن الحزب لم يكن سوى واجهة حزبية وسياسية، وتم استخدامه كأحد أعمدة هرم النظام الشمولي في المراقبة وإحكام آليات السيطرة بما يملكه من نفوذ وانتشار يشمل كل المحافظات والمدن والقرى والآحياء والجامعات والمدارس الثانوية والإعدادية والابتدائية والمصانع والشركات وغيرها بما خلقَ حنقاً كبيراً من السوريين تجاهه بوصفه لا يختلف في ممارساته عن ممارسات الأجهزة الأمنية ووسائلها؛ فلابد أولاً من فك العلاقة أو الصلة بين الحزب وبين مؤسسات الدولة، فوفقاً للدستور السوري الصادر عام 1973 فإن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، ومع كتابة دستور جديد فإن حذف هذه المادة سيكون بالتاكيد أهم أولويات الدستور الجديد. لكن ذلك لن يكفي فلا بد من فك العلاقة بشكل كامل بين مؤسسات الدولة وفروع الحزب. فالحزب يعتمد في تمويل رواتب موظفيه على خزينة الدولة. كما أن الحزب يشغل الكثير من مقرات تملكها الدولة، وهنا لابد للدولة السورية من استعادة واسترجاع الممتلكات التي يشغلها الحزب ليتم وضعها في خدمة مؤسسات الدولة المختلفة.
إن سورية اليوم ليس لديها قانون ينظم عمل الأحزاب السياسية. ولذلك فإن حزب البعث عملياً يستمد وجوده مما يسمى "الشرعية الثورية" التي أتت به الى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1963 ولذلك فعملياً يصبح الحزب منحلاً بعد إقرار الدستور الجديد وتأسيس نظام جديد.
وهنا لابد من التأكيد على نقطتين: الأولى أنه يحق لأعضاء الحزب إذا ما بقِيَ أعضاء يؤمنون بأهداف الحزب ودستوره بتأسيس حزب جديد ربما يحمل الاسم نفسه وفقاً لما ينص عليه قانون الأحزاب الجديد، لكن وكما جرى في العديد من دول أوربا الشرقية فلابد من إصدار قانون يحظر على مسؤولي حزب البعث من أعضاء القيادة القطرية أو أعضاء فروع الحزب المختلفة من ترشيح أنفسهم لمنصب سياسي أو حزبي هذا إذا ما ثبت وفقاً للقضاء حصراً تورط المسؤول بقضايا فساد أو انتهاكات حقوق الانسان.
- يبقى في النهاية كأحد أعمدة النظام الشمولي التي لا بد من تفكيكها هي أجهزة الإعلام المختلفة التي تشمل التلفزيون بقنواته المختلفة والإذاعة والصحف وغيرها من المؤسسات التي تعمل تحت مظلة وزارة الإعلام.
فأهم تحديات نظام ما بعد فترة التحول الديمقراطي هو الآلية التي يمكن من خلالها تحرير وسائل الاعلام. والتحدي ينبع من أن كل مؤسسات الإعلام التي تتبع للنظام إنما تردد ما يُملى عليها ولا تتحلى بأي مصداقية لدى الشعب، لكنها بنفس الوقت تشتمل على توظيف المئات إن لم يكن الألوف من العاملين لذا فمن الخطأ حلّها والقذف بموظفيها دون أي عمل.
إن الحل الأمثل والأفضل إنما يكون بتحويل كل هذه المؤسسات إلى مؤسسة واحدة كبيرة تدير نفسها بنفسها تماماً كما هو نموذج BBC في انكلترا حيث تعتمد على دافعي الضرائب البريطانيين لكنها بنفس الوقت مستقلة تماماً عن الحكومة وهي تقوم على المبدأين الأساسيين الذين يقوم عليهما الإعلام اليوم بأشكاله المختلفة السمعية والبصرية والمقروءة وهذان العاملان هما التنافسية والأسبقية؛ فهاجس التنافس يحرّض على الإبداع، والأسبقية في الحصول على الخبر وتحليله، ولذلك يكون النموذج الأمثل هو إلغاء وزارة الإعلام تماماً ودمج كل وسائل الإعلام المختلفة في شركة مساهمة واحدة يديرها مجلس إدارة مستقل تماماً عن الحكومة السورية.
إن معركة السوريين اليوم هي معركة مزدوجة فمن جهة عليهم العمل لاستعادة الجمهورية. تلك التي تحولت تماماً إلى مملكة يتوارثها الأبناء. ومن جهة أخرى العمل لاستعادة الديمقراطية. وفي كلا الحالتين فإن السوريين جميعهم بكل أطيافهم وانتماءاتهم العرقية والدينية والاثنية لا يختلفون أبداً على أولوية النجاح في كلا الحالتين، فسورية أرض حضارات عريقة متعاقبة، منها انطلق فجر الحضارة الاسلامية، واستمرت على مر التاريخ منبعاً ومنارةً للأفكار الخلاّقة والمبدعة وكان للسوريين الدور الأبقى في نشر الفكر العروبي على امتداد العالم العربي. الآن عليهم قيادة معركة الحريات ونشرها في العالم العربي، فدمقرطة الأنظمة العربية هو السبيل الوحيد لوضع أولويات ومصالح الشعوب على حساب مصالح الأنظمة، وهو ما يفتح المجال لبناء فضاء جيوسياسي واقتصادي عربي قادر على تحقيق الرفاهية لشعوب المنطقة كافة.
في النهاية، فإن الأمر يتعلق أولاً بالرئيس السوري الحالي بشارالأسد؛ فعليه أن يختار بين أن يذكره السورييون كبطل للتحول الديمقراطي قاد بلاده نحو الانفتاح والديمقراطية، أو أن يسجله التاريخ كدكتاتورسابق لفظه الشعب عبر ثورة شعبية كما كان مصير الرئيس التونسي والمصري والليبي.
إن الإسبان وإلى اليوم يستذكرون رئيس الوزراء سوايرس الذي قاد معركة التحول الديمقراطي بعد وفاة فرانكو وكان جريئاً ومؤمناً بنفس الوقت ولذلك سجله التاريخ كبطل يستعيده الإسبان دوماً، والتاريخ نفسه سجّل سوهارتو في أندونيسيا وتشاوشيسكو في رومانيا وماركوس في الفليبين كطغاة حكموا بلدهم وظلوا إلى اللحظة الاخيرة يعتقدون أن لا بديل لأوطانهم عنهم حتى خرجوا في النهاية عبر ثورات خلدها التاريخ.
إذا لم يرغب الرئيس السوري بأن يدخل التاريخ كقائد لمرحلة التحول، فليس أمام السوريين سوى المضي في الدرب ذاته الذي شقه التونسيون والمصريون والليبيون من قبل.
وثيقة تتضمن النص الكامل للميادرة الوطنية للتغيير الديمقراطي التي أعدها سياسيون مستقلون وناشطون من الحراك الثوري تشرح التغييرات الضرورية العاجلة والطويلة المدى التي يمكن أن أن تمثلاً حلاً للوضع الناشئ بعد اندلاع الثورة
المعلومات الأساسية
تاريخ الصدور
2011/04/29
اللغة
العربيةالإنجليزيةنوع الوثيقة
برنامج / رؤية سياسية
البلد المستهدف
سوريةالمصدر
المبادرة الوطنية للتغيير الديمقراطيكود الذاكرة السورية
SMI/A200/582703
مصدر الوثيقة
عبد الرحمن الحاج
الجهة المصدرة
ناشطون مستقلونالمجموعات
الحراك الثورييوميات مرتبطة
كيانات متعلقة
شخصيات مرتبطة
لايوجد معلومات حالية