عيد النوروز عيد الحرية والربيع والأمل
عيد النوروز عيد الحرية والربيع والأمل
د. محمود الحمزة- رئيس المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر
نتوجه إلى ابناء الشعب الكردي الشقيق وكافة احرار العالم بالتهنئة بمناسبة عيد النوروز الذي يحتفل به الكرد لأنه اصبح رمزا لكفاحهم الطويل من أجل الحرية والكرامة والحقوق القومية والإنسانية. هذا العيد الذي تعود قصته حسب الروايات إلى كاوا الحداد الذي تمرد على الظلم والطغيان .
إن تاريخ الكرد كشعب عريق في هذه المنطقة مرتبط بمآسي ومعاناة اخذت أوجهاً متعددة من اضطهاد قومي وتهميش منعهم من ممارسة ابسط حقوقهم وهي التحدث بلغتهم الام وكذلك في التمييز بينهم وبين أبناء القوميات الكبرى المجاورة لهم من عرب وترك وفرس. وكذلك عانى الكرد من اضطهاد طبقي، فعاشوا في ظروف حياتية صعبة تفتقر الى مقومات الحياة الكريمة. ويكفي أن نذكر بأن منطقة الجزيرة السورية وهي أغنى منطقة في سورية بل هي مصدر الثروات السورية من نفط وغاز وقمح وشعير وقطن وغيرها ، بقيت مهمشة ومهملة بسبب وجود الأكراد فيها، فعاشت حياة الفقر والحرمان والتمييز من قبل السلطات المتعاقبة في دمشق وخاصة سلطة البعث القومية الشوفينية التي هجرت الفلاحين الكرد من اراضيهم وغيرت اسماء قراهم ومنعتهم حتى من تسجيل أطفالهم بأسماء كردية بالإضافة إلى الاحصاء سيء الصيت الذي حرم في الستينيات عشرات الآلاف من المواطنين الكرد من الجنسية السورية وانعكس ذلك على تعليم اطفالهم وتمتعهم بحقوقهم كمواطنين في البلاد.
ولم يتوفق الكرد بالنخب السياسية مثلهم مثل العرب لأن الاحزاب القومية التي تأسست معظمها في سوريا كانت قريبة من النظام السوري وتاجرت بشعارات قومية براقة بدلا من خلق وعي وطني انساني يركز على الاخاء والتعايش والمساواة بين القوميات والمكونات المختلفة.
وبنفس الوقت تجاهلت الاحزاب الشيوعية في سورية إعطاء رأي واضح ومنصف لقضية الكرد وحاولت طمس مشاعرهم مثل العرب واعتبار ان المشكلة هي طبقية اولا وأخيرا فأهملوا المشكلة القومية.
وكذلك الإسلاميون لم ينصفوا الكرد لأنهم ركزوا على الجانب الديني متناسين مشكلة الكرد كشعب له حقوق قومية مشروعة وفق الشرائع الكونية الدينية والوضعية.
ولكن الأمر ببساطة أن الكرد كانوا وما زالوا بحاجة إلى أن يعترف بهم الآخرون ويعتبرونهم اصحاب حق في العيش الكريم وأن يمارسوا كل أنماط حياتهم القومية الخاصة التي لا تتناقض مع حرية جيرانهم وحقوقهم.
واكبر دليل على أن الشعوب لا تناقض بينها لولا الألاعيب القذرة للأحزاب، المتاجرة بقضايا الشعوب، هو الانسجام والتفاعل الثقافي والفولكلوري والحياتي لأبناء الجزيرة من كرد وعرب وسريان فالأغاني الكردية هي المفضلة في الأعراس العربية والسرياني والعكس صحيح في كثير من الحالات.
وجاءت انتفاضة الكرد عام 2004 لتمثل أول اصطدام حقيقي مع سلطة الاسد فحطموا تمثال المقبور حافظ الأسد في عامودا الثائرة، ولكن للأسف لم تكن الظروف ناضجة لانخراط وطني عام في دعم الانتفاضة فقمعت شر قمعة وسقط مئات الشهداء الكرد من اجل الحرية. ولم يكن بطش النظام جديداً فقد ارتكب مجزرة في حماة 1982 حيث سحق عشرات الألوف من بحجة ضرب العصابات المسلحة.
واليوم بعد انطلاقة الثورة السورية المباركة في آذار 2011 كان شباب الكرد من اوائل من رفع راية الثورة في عامودا وحطموا تمثال الأسد وتعرضوا لقمع الشبيحة.
ومن المفارقات أن الشبيحة كانوا من جماعة النظام ومن جماعة حزب البي يا دي وهنا تتأكد المقولة بأنه ليس كل من رفع شعار تمثيل الشعب هو صادق فحزب البعث تاجر بالشعارات القومية والحرية والاشتراكية والوحدة ولكنه أجهضها تماما وأفرغها من محتواها لدرجة ان الناس أصبحوا يكرهونها.
وكان موقف الأحزاب الكردية مخالفا لمواقف الشباب الثوار من الكرد لأن الاحزاب في البداية اتخذت موقف التريث ومراقبة الاحداث الثورية وغازلت النظام، لكنهم فيما بعد أخذوا جانب الثورة وانضموا لمؤسساتها ولو على المستوى السياسي.
وهنا اركز على نقطة مهمة وهي أن نفصل بين مصلحة الشعب وبين النخب السياسية ومن يدعون تمثيل الشعب فهذان أمران مستقلان عن بعضهما البعض. فكل شعب جدير بان يعيش حرا كريما ويتمتع بكافة حقوقه القومية والاجتماعية والسياسية والثقافية ولا يمكن بناء حرية شعب على حساب شعب آخر.
ولا بد من الاعتراف بأن معارضتنا كانت فاشلة ومقصرة تجاه الثورة ولم تستوعب المكونات القومية والدينية بل اقتصرت على الشعارات العامة التي لم توحي بالثقة في اوساط المكونات، علما أن الحراك الثوري العفوي طرح شعارات عظيمة مثل وحدة الشعب السوري وحرية كافة مكوناته وأقيمت جمعة "آزادي" (الحرية بالكردي). ولكن المعارضة لم ترتق إلى مستوى الثورة ولم تقدم لها الدعم السياسي المطلوب، فتركوا فراغا سياسيا كبيراً في الساحة السورية . وظهرت تيارات متطرفة وحركات وأحزاب لعبت ادوارا اما ملتبسة كحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي بقيادة صالح مسلم) وميليشياته التي قامت بأعمال وحشية من اغتيالات وقمع للناشطين واعتقالهم وتجنيد اجباري واعتداء على بعض القرى العربية وحرق بيوتهم وقتل عائلات بأكملها بحجة انتمائهم لداعش وحتى اليوم لم يعلن حزب الاتحاد الديمقراطي ولا ميليشياته العسكرية دعمها للثورة ولم يحددوا موقفا واضحا من النظام بل كانوا اقرب للتعاون معه والتنسيق وهذا واضح في مدينة القامشلي حيث يتعايش مقاتلو حزب الاتحاد الديمقراطي مع الاجهزة الأمنية السورية ولم يقبل صالح مسلم في تركيا أن يعلن انه مع اسقاط نظام الاسد مما يدل على تورطه في تحالف غير نظيف مع الاسد.
ويجب ألا يغشنا صراع ميلشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (صالح مسلم) مع داعش فداعش لها دور إرهابي تخريبي معادي للثورة وللشعب السوري وهي تخدم النظام بامتياز وتصارع الكل لتنفيذ أجندات سياسية. واعتقد أن معارك عين العرب (كوباني) كانت مصطنعة وتهدف إلى عدة أمور لم يتحقق منها الأهم وهو جر تركيا الى الصراع العسكري على الأرض السورية، ولكنه لمّع قليلا صورة حزب الاتحاد الديمقراطي الموصوف مثله مثل حزبه الأم حزب العمال الكردستاني في تركيا، بأنه تنظيم إرهابي. ولا ننسى دور المخابرات السورية في الجزيرة السورية في خلق الفتن والكراهية بين المكونات وخاصة بين العرب والكرد.
واليوم بعد كل هذه التطورات المأساوية في الساحة السورية، حيث أصبحت سوريا مسرحاً لصراع أجندات دولية جيوسياسية على حساب الدم السوري الطاهر، لابد من عدم فقدان البوصلة الأساسية. وأخطرها الاحتلال الإيراني لسوريا تحت شعارات شيعية مقيتة.
إن الثورة قامت ضد نظام ديكتاتوري مجرم فاسد. هذا هو جوهر الصراع في سوريا وكل ما نشأ لاحقا ما هو إلا نتيجة تدخلات لحرف الثورة عن مسارها. ولكن الشعب السوري باق ومطالبه باقية ولن يتنازل عن حقوقه بعد كل الدمار والقتل والتهجير والإبادة التي قامت بها عصابة الأسد في جو من الصمت الدولي المريع والمتواطئ.
لا بد من العودة إلى الشعارات الشعبية الوطنية للثورة التي تدعو إلى دولة ديمقراطية دولة المواطنة والمساواة بين كافة ابناء الشعب السوري دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس.
لابد من الإمساك بالحلقة الرئيسة، وهي أن شعبنا بكافة مكوناته من عرب وكرد وسريان اشوريين وغيرهم قادرين على العيش المشترك بسلام وأمان وأن يعترف كل من بالآخر وأن سوريا وطن الجميع، لأن التفرقة وخلق النعرات والكراهية والتعصب تقود إلى صراعات مدمرة وإلى التخلف ولا تتناسب مع متطلبات العصر في الاعتراف بالتنوع وبحرية الناس وأن المهم هو حقوق الانسان وكرامته وحريته في التعبير قبل كل شيء.
وقد لا يكون من الصدف انطلاقة الثورة السورية والانتفاضة الكردية وعيد النوروز كلها في شهر آذار أول فصل الربيع ونريده ربيعا للحرية والكرامة والحياة الكريمة لجميع السوريين.
تحية لشهداء الحرية أينما كانوا
تحية للشعب السوري العظيم صانع أعظم ثورة في التاريخ
تحية إلى الشعب الكردي الشقيق في عيده القومي.
21 آذار/مارس 2015
المعلومات الأساسية
تاريخ الصدور
2015/03/20
اللغة
العربيةنوع الوثيقة
بيان
كود الذاكرة السورية
SMI/A200/606561
العنوان الأصلي للوثيقة
عيد النوروز عيد الحرية والربيع والأمل
الجهة المصدرة
المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجرشخصيات مرتبطة
كيانات متعلقة
لايوجد معلومات حالية
يوميات مرتبطة
لايوجد معلومات حالية