الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.

كلمة د. محمود الحمزة – رئيس المجلس الوطني لإعلان دمشق في مركز الشرق للبحوث في دبي حول حالة الثورة والقوى الفاعلة فيها والموقف الروسي

حول حالة الثورة والقوى الفاعلة فيها والموقف الروسي

د. محمود الحمزة – رئيس المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر

مداخلة ألقيت في مركز الشرق للبحوث في دبي

14-1-2015

مخطط المداخلة

1- مقدمة عن المسار العام للثورة

2- المعارضة السياسية

3- الموقف الروسي وابعاده الجيوسياسية

4- الخروج من حالة الانسداد

بداية اسمحوا لي أن اشكر أسرة الباحثين في المركز والصديق د عبد الله تركماني على ترتيب هذا اللقاء الذي اعتبره في غاية الأهمية نظرا لوجود هذه النخبة المتميزة من الخبراء الباحثين في قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وخاصة في الشأن السوري الذي دخل مرحلة ساخنة منذ 18 آذار 2011 مع انطلاقة الثورة السورية في درعا – مهد الثورة.

ما أقوله قد لا يضيف شيئا جديدا لما تعرفونه من خلال دراساتكم ومتابعاتكم الدائمة لمتغيرات الأوضاع في سوريا وبكافة العوامل المؤثرة داخلية كانت ام إقليمية ام دولية. ولن اتوسع في عرض القضايا التي أصبحت بالفعل معروفة جيدا للمتابعين للشأن السياسي السوري بل سأتوقف عند بعض المحطات التي أراها مهمة وتحتاج لوقفة متأنية.

1- مقدمة عن المسار العام للثورة

كانت فترة المرحلة السلمية في الثورة السورية التي استمرت لأكثر من 7 شهور غنية بالحراك الشعبي والشبابي على وجه الخصوص وكانت عفوية وانخرط فيها الملايين من السوريين الذين وصلت لديهم درجة الاحتقان الاجتماعي والشعور بالظلم والقهر السياسي والاقتصادي والفكري إلى مستوى الانفجار بعد ان صبر السوريون عدة عقود. كانت تلك مرحلة فقد فيها السوريون حتى ابسط أنواع الحقوق والحريات وتعرضوا للإذلال والاستبداد وتسلط أجهزة المخابرات الوحشية التي يكفي ان نشير إلى أنها تدربت على أيدي ضباط الأمن النازية الهتلرية ولكن ما شهدناه عمليا خلال أربع سنوات فاق كل التصورات البشرية عن قدرة السلطات على ممارسة القمع الوحشي والإبادة بكافة صنوف الأسلحة بحق الشعب أطفالا ونساء وشيوخاً.

إن مرحلة الثورة السلمية كانت رائعة بشعاراتها ومطالب ناشطيها وتميزت بالإضافة الى عناصر القوة فيها مثل وحدة الشعب واندفاعه الهائل من اجل الحرية واستعداده للتضحية واصراره على اسقاط النظام مهما ارتفع الثمن نسجل الملاحظات التالية:

- تأخر ظهور اللجان التنسيقية وحتى بعد ظهورها لم تصل الى مستوى توحيد والاشراف على كل الحراك في سوريا

- تقصير المعارضة التقليدية بدعم النشطاء في الثورة وكان من المفترض ان نرى معارضين بارزين في قيادة المظاهرات والحراك السياسي لا ان يغادر المعارضون المعروفون وبعدهم الناشطون إلى خارج سوريا.

- وكان هناك تقصيرا كبيرا في التركيز على جانب التوعية السياسية للناشطين. صحيح اننا فرحنا في البداية بان الثورة شعبية وعفوية بدون زعماء وقادة خالدين وقيادات تتسلط على رقاب الناس ولكن اتضح فيما بعد بأن الثورة بحاجة لقيادة ثورية سياسية عسكرية وبحاجة لقائد ذي شخصية كارزمية وبحاجة لبرنامج سياسي واضح للثورة وأهدافها يعبر عن مصالح كل السوريين بلا استثناء.

- ومن السلبيات تهافت الإسلاميين على ركوب موجة الثورة واغراقها بالشعارات الدينية التي خلقت انطباعا وقلقا لدى أبناء الأقليات القومية والدينية. وبالطبع ترافق ذلك مع إصرار النظام على التجييش الطائفي وتخويف المكونات الدينية والقومية من شبح التطرف الديني وكذلك من خلال اختراقه للعديد من الأحزاب السياسية الكردية أو المشاركة في انشائها (حزب صالح مسلم وميليشياته العسكرية خير مثال على دور السلطة السورية) وغيرها من تشكيلات المعارضة الداخلية والخارجية.

وبعد أن أفلح النظام بعسكرة الثورة وجر الناشطين والمنشقين من الجيش النظامي لحمل السلاح انقلبت المعادلة واتضح ذلك من خلال:

- ظهور مجموعات مسلحة اساءت استخدام راية الثورة وشعاراتها

- تشتت الفصائل المسلحة وتبعيتها للمولين وغلب عليها الطابع الإسلامي بما فيه المتشدد الذي ينادي بدولة إسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية وهذا لا ينسجم مع مطالب السوريين المعروفين بتوجهاتهم الدينية المعتدلة فأغلبية الشعب السوري مسلمين ولكنهم ليسوا إسلاميين.

- يبدو ان التجييش الطائفي من قبل النظام وحلفائه القادمين من ايران ولبنان والعراق وغيرها عمقوا ردة الفعل الدينية المتطرفة أحيانا حتى من قبل بعض الناشطين الوطنيين المعتدلين. وحشية النظام وبطشه وصمت المجتمع الدولي كان من أسباب ذلك التطرف أيضا.

- ظهور داعش الإرهابية بكل ما تميزت به من تنامي وتوسع وتثبيت اقدامها في سوريا والعراق في مناطق شاسعة يؤكد على ان هذه الحركة لم تقوم بالاعتماد على الجهود الذاتية وانما ترتبط بمخططات دولية وإقليمية خطيرة ستتضح معالمها في السنوات القادمة. ولا يخفى على أحد مدى الخدمة الكبيرة التي قدمتها داعش للنظام الاسدي حيث حاربت الجيش السوري وقتلت قادته واعتقلت ناشطي الثورة وفرضت نماذج مجتمعية متخلفة في أماكن سيطرتها ما اساء للثورة السورية وخلق تشويشا حول أهدافها والقوى الفاعلة فيها.

2- المعارضة السياسية:

صحيح أن النظام مسؤول عن حرمان الشعب السوري من ممارسة النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يليق بالدول المتحضرة والتي فيها أدني مستوى من الديمقراطية. وصحيح أن السوريين اكتسبوا حريتهم في العمل السياسي بفضل الثوار والشباب السوري الذين قابلوا دبابات الأسد بصدور عارية وضحوا بأغلى ما عندهم ولذلك استحقت الثورة السورية ان توصف بأنها أعظم ثورة في التاريخ.

لكن ما شهدناه من سلوك وممارسة للقوى والتنظيمات والشخصيات المعارضة سواء منها العريقة أم الجديدة على الساحة يجعلنا نقول بأن الثورة العظيمة قابلتها معارضة فاشلة في الداخل (هيئة التنسيق ومن لف لفها التي اتخذت موقفا ملتبساً من الثورة ومارست سياسة وسطية بين الثورة والنظام وهذا بالمحصلة يخدم النظام اكثر من الثورة) والخارج ايضا.

وتجسد فشل المعارضة السياسية قبل كل شيء في الاستعجال بتأسيس المجلس الوطني السوري وفي ولادة الائتلاف الوطني وما رافق نشوئهما من تفاعلات وتأثير عوامل غير وطنية في بلورة بينيتهما وفي أدائهما اللاحق. وبرأيي ان المجلس الوطني السوري فشل فشلا ذريعا ليس فقط في قيادة الثورة وانما حتى في خدمتها نتيجة تركيبته المشوهة وعدم التزام بعض مكوناته السياسية بالتوافق والتنسيق بل سعت للهيمنة على الجانب السياسي والمالي. ويتحمل المسؤولية الرئيسة في فشل المجلس الوطني السوري كل من جماعة الإخوان المسلمين وإعلان دمشق. وهذا يحتاج لحديث خاص.

ومن أبرز سلبيات المعارضة السياسية التي تصدرت المشهد السياسي:

- وضع الاجندات الحزبية والإيديولوجية والمصالح الخاصة فوق الاعتبارات الوطنية وفوق شعارات الثورة وهذا برأيي خيانة للثورة يجب ان تحاسب عليها تلك القوى.

- غياب استراتيجية سياسية وعسكرية للثورة انعكست في الفشل الإعلامي في الساحة الدولية وفي عدم إيصال الصورة الحقيقية للثورة وخاصة نقل المآسي الإنسانية والمعاناة للعالم بشكل يتقبله المجتمع الدولي ويتأثر به والأمثلة كثيرة سواء في موقف مجلس العموم البريطاني من عدم تأييد ضرب النظام وكذلك في موقف الكونغرس الأمريكي والرأي العام الغربي عموماً حيث كان وما يزال أقرب لتأييد النظام الاسدي منه إلى تفهم مشروعية الثورة وعدالة مطالبها.

- مقابل ذلك النظام استغل رجال الدين الإسلامي والمسيحي ويبدو انه تعب عليهم قبل الثورة وإلا كيف نفسر وجود رجال دين مثل المفتي والقساوسة بدرجة بطريرك يلعبون درجة الشبيحة. ونحن مع عدالة قضيتنا خسرنا الدعم المهم لرجال الدين من مختلف الديانات والطوائف.

- مساهمة قوى معارضة في الإسراع بتسليح الثورة وبثها الأوهام حول قرب سقوط النظام عسكريا بالطريقة الليبية ويتحمل مسؤولية كل من سلك هذا الطريق الذي ألحق ضررا بالغا بالثورة وصورتها في الداخل في عيون الشعب السوري وفي الخارج في عيون الدول المحايدة إلى حد ما وإلى اثارة حساسية خاصة لدى روسيا التي اعتبرت نفسها مغبونة فيما جرى في ليبيا وأن الغرب استغل قرار مجلس الأمن وغدر بروسيا بتدخله العسكري. والمفروض لو كان هناك تقييم صحيح لقوة النظام وحلفائه أن توضع خطة طويلة النفس لمجابهة النظام عسكريا وسياسيا واعلاميا ودوليا، لا أن نعد الأسابيع والاشهر لسقوط النظام.

- عدم توحد المعارضة في صيغة تحالف ثوري حقيقي له قراره الوطني المستقل وله مصدر تمويل وطني مركزي، أدى لبعثرة الجهود والدخول في صراعات وتنافس على الكراسي والغنائم السياسية والمادية وانتشر الفساد المالي السياسي. والصورة الحالية خير دليل على أن من قاد المعارضة ليس لهم علاقة بالثورة ومصلحة الشعب السوري وإنما يغردون في وادي وسوريا في وادٍ آخر.

3- الموقف الروسي وابعاد الجيوسياسية

روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي

من المعروف أن الاتحاد السوفيتي بنى علاقات وطيدة وواسعة مع العالم العربي وكان يقف إلى جانب الشعوب العربية ويدعم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء الجيوش النظامية التي مهمتها حماية الأوطان من الاعتداءات الخارجية. ولكن الخطط شيء والواقع شيء آخر. فالأنظمة التي وصفت بأنها وطنية تقدمية وحظيت بدعم القيادة السوفيتية كانت في الحقيقة أنظمة شمولية تاجرت بالشعارات البراقة على مدى عقود وتحت حجة الاستعداد لمجابهة العدو الخارجي الامبريالي- الصهيوني، خدعت شعوبها وحرمتها من أبسط مقومات الحياة الكريمة فجردت تلك السلطات المواطن من حرياته السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية وألغت دور الدولة وحولتها الى خادمة للسلطة القمعية الفاسدة ، حيث تهيمن الأجهزة الأمنية على كل مقدرات المجتمع.

وقد ورثت روسيا دولة الاتحاد السوفيتي بعد انهياره عام 1991 وعاشت تجربة مأساوية متخبطة تبحث عن هويتها ومستقبلها ومكانتها في هذا العالم. ويعتقد بعض الروس أنهم مروا بمرحلة ثورية في تسعينيات القرن الماضي والتي أوصلت الليبراليين إلى سدة الحكم بقيادة الرئيس بوريس يلتسين وما رافقها من فشل ذريع وتدهور غير مسبوق في مستوى المعيشة وفوضى في جميع مجالات الحياة أبرزها إفلاس الدولة الروسية ونهب أهم ممتلكات الدولة من قبل حفنة من الروس الجدد الذين تحولوا إلى أصحاب المليارات بين ليلة وضحاها.

وبعد انهيار الدولة السوفيتية – التي كانت تجابه الولايات المتحدة - كقطب ثان في العالم إبان الحرب الباردة، تعرضت روسيا الى هزات عنيفة بالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي والفكري والاجتماعي، تجسدت في محاولات تقسيم روسيا وضرب وحدتها السياسية كدولة وبرز ذلك في انتفاضة الشيشان من أجل الانفصال وبناء دولة اسلامية. وارتبطت الحرب في القوقاز بتداخل عوامل داخلية وخارجية منها انتعاش المافيات وتجار الأسلحة والمخدرات وكذلك الدعم بالمال والعتاد والمقاتلين للشيشان التي تحولت إلى بؤرة خطيرة على مستقبل روسيا الاتحادية كدولة.

وفي عام 2000 جاء فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم واستخدم القوة المفرطة في قمع المتمردين الشيشان وحصدت الحرب الشيشانية أكثر من 100 ألف إنسان وتدمرت مدينة غروزني – عاصمة الشيشان.

وفي سلسلة من الحوارات التي أجريت معه في عام 2000، صرح بوتين بأن “جوهر.. الوضع في شمال القوقاز والشيشان.. هو استمرار انهيار الاتحاد السوفييتي.. وإذا لم نفعل شيئا سريعا لوقف ذلك، سوف ينتهي وجود دولة روسيا في شكلها الحالي.. وكنت مقتنعا أننا إذا لم نتمكن من وقف المتطرفين على الفور (في الشيشان)، فإننا سرعان ما سنواجه يوغسلافيا جديدة في كافة أراضي الاتحاد الروسي – يوغسلافية روسيا. ونحن نعرف كيف كان بوتين يشعر تجاه انتهاء الاتحاد السوفياتي؛ ففي عام 2005 أطلق عليه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”، وهو التعليق الذي يكشف إحساسه بالأسى لانهيار الدولة السوفياتية أكثر من انتهاء الشيوعية.

محور الاستراتيجية الخارجية السياسية والأمنية الروسية:

الحفاظ على مصالح الدولة الروسية في العالم مع تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية داخلية، والتكامل مع العالم الغربي وتجسد ذلك في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والذي يؤكد التوجهات الأوروبية الرأسمالية لدى النخبة الروسية الحاكمة. وإلى جانب التعاون والتكامل مع الغرب دأبت روسيا إلى اثبات حضورها ودورها في الساحة الدولية بشكل عملي وفعال بعد أن فقدت مصالحها في يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق. وجاءت أحداث 2008 في جورجيا لتثبت أن روسيا لم تعد دولة يمكن تهميشها بل يجب مراعاة مصالحها الخارجية. وهنا نلاحظ بأن روسيا فكرت بزيادة قوتها العسكرية والمنافسة مع أمريكا والغرب .

ويتحدث بعض المحللين عن عوامل اخرى مؤثرة في الموقف الروسي تتعلق بالنفظ والغاز ومفادها أن دولة قطر تخطط لتمديد أنابيب لنقل الغاز المسال عبر الأراضي السورية إلى أوروبا والذي سينافس الغاز الروسي. ولكنها برأيي ليست مقنعة 100%. فلو كانت قطر تريد تمديد أنابيب لنقل الغاز عبر سوريا الى أوروبا فلماذا لم تفعل ذلك قبل الثورة خاصة وأننا نعرف أن العلاقات بين الأسرة الحاكمة في قطر وبين عائلة الأسد كانت ممتازة، وكذلك خصصت دولة قطر مليارات الدولارات للاستثمار في سوريا. ثم أن قطر والسعودية ودولة الإمارات لم يتخذا موقفا مؤيداً للثورة السورية إلا بعد مضي أشهر وهذا يؤكد عدم وجود خطط مسبقة لإسقاط النظام السوري لدى دول الخليج العربية وإنما حدث ما حدث لاحقاً على ضوء تطور الاحتجاجات الشعبية وتعامل الأسد الوحشي معها.

وأشك بالإشاعات التي بثها موالون للنظام (مثل الشعيبي) عن وجود احتياطيات هائلة من النفط في مياه البحر المتوسط الإقليمية لسوريا لكي يثبتوا مزاعم بأن هناك مؤامرة غربية خليجية على سورية للسيطرة على مقدراتها النفطية الهائلة، علما أن تلك الثروات المزعومة وإن وجدت فلم تكتشف بعد على ما يبدو.

مرت العلاقات الروسية العربية في فترة التسعينيات ببرود وركود. وتوجه اهتمام الروس نحو التعاون مع أوروبا وأمريكا. بالرغم من إعادة العلاقات الديبلوماسية مع دول الخليج العربية بداية من 1990 إلا أن الأحداث الشيشانية أعاقت التعاون الحقيقي بين روسيا وهذه البلدان. بل بالعكس برزت مشاكل جديدة وخطيرة من قبيل تمويل المتمردين الإسلاميين في القوقاز، ما شكل تهديداً حقيقياً لنشر الأفكار الإسلامية المتشددة في روسيا والتأثير على المسلمين في روسيا الذين يبلغ تعدادهم اكثر من 20 مليون (نسبة السنة فيهم تزيد عن 95%).

اما عن علاقات روسيا ببقية الدول العربية فكانت روتينية وتراجعت كثيراً بالرغم من أنها لم تنقطع في تلك الفترة. ويؤخذ على الدول العربية إهمالها للتعاون مع روسيا في التسعينيات، في وقت كانت روسيا بأمس الحاجة لهكذا تعاون، خاصة وأن روسيا كانت ومازالت سوقاً مفتوحة للاستثمارات الخارجية. ولو استثمر العرب الأموال في روسيا وأقاموا مشاريع اقتصادية كبيرة لكان بإمكانهم اليوم التأثير في الموقف الروسي تجاه القضايا العربية.

ويجدر الذكر بأن مشاعر الروس المعادية للغرب استمرت في مرحلة ما بعد العهد السوفيتي ويقودها القوميون الروس والشيوعيون وفئات متشبعة بالروح الأرثوذكسية. وهذا الأمر عن يحظى بتشجيع من النخبة الحاكمة التي تسخر تلك المشاعر من أجل توحيد الصف الوطني حول القيادة ولكي تلهي الناس عن همومهم الحياتية المتفاقمة نتيجة الغلاء الفاحش وتقلص الحريات وتمركز الأموال في يد فئة قليلة من الأوليغاركيين - الروس الجدد (معظمهم في السابق إما من المافيات وخريجي السجون أو من رجال الأمن والشرطة). ويذكرنا هذا الموقف بموقف النظام السوري البعثي الأسدي الذي استغل الشعارات الوطنية والقومية البراقة حول المقاومة والممانعة ومعاداة الغرب واسرائيل لكي يبرروا سياساتهم المعادية للشعب ويحولوا الأنظار خارجاً عن معاناة الناس وفقدانهم لأبسط أنواع الحريات.

ولا يخفى بأن كثيراً من الشباب المسلم في روسيا يتابع أحداث الربيع العربي ويظهر تعاطفاً مع الشعوب العربية والإسلامية ضد الأنظمة الشمولية. وفي أحد المؤتمرات المخصصة لمناقشة موقف مسلمي روسيا من السياسة الخارجية والأمنية الروسية، أعرب محللون سياسيون عن وجود احتقان لدى الشباب المسلم وخاصة في منطقة القوقاز وعدم ارتياحهم للسياسة الخارجية الروسية التي تؤيد الأنظمة الديكتاتورية.

أحداث أوكرانيا:

السياسة الخارجية الروسية بالنسبة للجمهوريات السوفييتية السابقة تقوم على مبدأ المصلحة والبراغماتية ولا ننسى ان من يحكم روسيا هي الاوليغاركية التي التحمت مصالح بعضها مع توجهات الأجهزة الأمنية الروسية ولذلك عملت موسكو منذ عشرات السنين على الهيمنة على الاقتصاد والبنوك وكل ما يتعلق بالنفط والغاز في تلك الجمهوريات ولاقت مقاومة عنيفة من بعض الجمهوريات مثل بيلاروسيا وأوكرانيا. باختصار استخدمت روسيا النفط والغاز بشكل سياسي وحتى للضغط على أوروبا كونها تزود أوروبا بما لا يقل عن 35 % من احتياجاتها وخاصة المانيا. وروسيا اخذا موقفا معاديا لكل الثورات الملونة واعتبرتها مؤامرة غربية. والواقع ان ما حدث في أوكرانيا لم يكن وليد الصدفة بل نتيجة تراكمات لعقدين من الزمن. فكل التغييرات السياسية السابقة لم تحل مشاكل الناس بل زادت الأغنياء غنى وانتشر الفساد اكثر لذلك يوجد احتقان كبير لدى الناس الذين يتطلعون للالتحاق بالاتحاد الأوروبي ولكن وجود نسبة كبيرة من الروس في أوكرانيا لعبت دورا معيقا بالإضافة الى تأثير الحكومة الروسية في الأوضاع في أوكرانيا ولكن روسيا لم تستطع ان تكسب لنفسها أصدقاء من النخبة السياسية وحتى الرئيس المخلوع يانوكوفيتش كان يبحث عن مصلحة الاوليغاركية الأوكرانية اكثر من صداقته مع روسيا. وهكذا حدث ما حدث. واستولى المعارضون على السلطة في كييف وكانت مفاجأة مرعبة للروس المنشغلين بالملف السوري حينها. وللرد على ما حدث في كييف من وصول المعارضة المعادية لروسيا الى السلطة وتصور روسيا بان الغرب وأمريكا بالدرجة الأولى تريد الاستيلاء على جزيرة القرم وتويلها الى قاعدة عسكرية لحلف الناتو فقامت بإدخال قوات عسكرية الى الجزيرة ورتبت كل الأمور اللاحقة من استفتاء وغيره والحقت القرم بروسيا. وقامت روسيا بارسال قوات عسكرية واسلحة ثقيلة الى مناطق جنوب وشرق أوكرانيا لكي تمنع الغرب من فرض نفوذه هناك عبر القوى الليبرالية الأوكرانية بما فيها المتطرفة قوميا.

وقد فرض الغرب عقوبات اقتصادية وسياسية كبيرة على روسيا واهمها على الشركات النفطية الكبرى والبنوك واوقفت تصدير التكنولوجيا العالية لروسيا وتسببت هذه العقوبات بمشاكل اقتصادية واضحة، أضيفت اليها مشكلة تدهور أسعار النفط وكذلك انخفاض سعر الروبل مما سيؤثر في الأشهر القريبة على الوضع المعاشي للناس.

المشهد الاوكراني سبب لروسيا مشاكل كثيرة سياسية واقتصادية وتنموية وأسوئها الحصار الأوروبي الأمريكي الغربي على روسيا. وحسب تصريحات المسؤولين الروس فإن الهدف من أحداث أوكرانيا هو قلب نظام الحكم في روسيا.

واعتقد ان موقف روسيا أصبحا كثر تشددا بعد احداث أوكرانيا من الملف السوري فأصبحت تعلن وتصرح بانها تدعم الحكومة الشرعية في دمشق وتعترف بالرئيس المنتخب شرعيا وهكذا بحجة انها تدعم الأسد ضد الإرهاب. ولكن الحقيقة انها تدعم بشار من اول يوم في الثورة السورية بلا حدود. والغريب ان الروس يجرون مقارنات كثيرة بين الوضع في أوكرانيا وسوريا ليؤكدوا على صحة مواقفهم وذلك من خلال اتهام الغرب بالتدخل الخارجي ودعم القوى المتطرفة ولذلك ضخمت وسائل الاعلام الروسية لدرجة لا تصدق خطر الفاشية في أوكرانيا وزعمت ان إبادة ضد الروس في أوكرانيا يقودها المتعصبون القوميون الأوكران. والحقيقة غير ذلك.

روسيا والثورة السورية:

شهدت العلاقات الروسية السورية مرحلة ركود في فترة التسعينيات واستمرت هكذا حتى 2005 ، عندما شطبت 80 % من هذه الديون البالغة عشرة مليارات ونصف مليار يورو. وتشكّل الآن التبادلات التجارية بين سوريا وروسيا 3 % من التجارة الخارجية السورية وبلغ حجم التبادل التجاري قبل الثورة أقل من مليار دولار. تؤكد هذه الحقائق بأن التعاون الروسي السوري كان ضعيفاً ومحدوداً قبل الثورة ويثبت ذلك أيضا قلة زيارات كبار المسؤولين من البلدين.

وقد أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في بداية الثورة في مصر بأن روسيا لا ترحب بهذه الأحداث ويقصد الثورات العربية. وبالطبع فإن الروس يقولون إنهم جربوا الثورات وذاقوا الأمرين من ورائها في بداية القرن الماضي وفي تسعينياته، وكانت النتيجة هي الفوضى وانعدام الأمن وتدهور الحياة المعيشية وبروز مخاطر أخرى مثل تهديد وحدة البلاد.

ولكن لماذا حدث تحول جذري في الموقف الروسي حيال الوضع في سوريا؟

لتفسير ذلك نقول باختصار شديد: التدخل المباشر الأمريكي الغربي في عدة دول وضرب المصالح الروسية بسبب تقسيم يوغوسلافيا التي تضم نسبة كبيرة من الصرب السلافيين (الارثوذكس) وكذلك دخول أفغانستان وظهور حركة طالبان السنية المتشددة وقبلها تأسيس منظمة القاعدة الإرهابية واحتلال العراق وإخراج الشركات الروسية منه وأخيراً استخدام الغرب لقرار مجلس الأمن حول ليبيا، الذي امتنعت روسيا عن التصويت عليه، في اسقاط نظام القذافي وخسارة مليارات الدولارات نتيجة فقدان الشركات الروسية لعقود اقتصادية مهمة.

بعد تلك المحطات المؤلمة في سياسة روسيا الخارجية بدأت الانتفاضة الشعبية في سوريا في آذار 2011 فقررت روسيا بشكل قطعي الدفاع عن نظام الأسد لأن حساباتها الجيو– استراتيجية، تقول بأن إسقاط نظام الأسد يعتبر مقدّمة لإسقاط النظام الإيراني ويشكّل ذلك خسارة استراتيجية كبرى لروسيا.

ووفقا لرأي الرئيس بوتين – وهو الرأي الذي يؤكده كثيرا في لقاءاته مع نظرائه الأميركيين والأوروبيين — سوريا هي المعركة الأخيرة في صراع عالمي وممتد لعدة عقود بين الدول العلمانية والإسلامية السنية بدأت أولاً في أفغانستان مع طالبان ثم انتقلت إلى الشيشان ومزقت عددا من الدول العربية إرباً.

وقد اتخذت روسيا قرارها الاستراتيجي بالدفاع عن النظام السوري معتبرة إياه حلقة مهمة في حلفها مع الهلال الشيعي الذي يضم إيران ولي الفقيه ونظام الأسد وحزب الله وحكومة المالكي الطائفية. واعتبر الروس بأن معركة دمشق هي معركة موسكو لأن انتصار الثورة في سوريا يعني برأيهم وصول الإسلاميين المتشددين إلى السلطة وسيكون لذلك انعكاسات إقليمية ودولية خطيرة . فمن جهة سيأتي دور النظام الشمولي الأوتوقراطي في إيران، عداك عن احتمال انهيار حكم الشيعة في العراق. وسيتبع ذلك انتقال المد الإسلامي إلى دول آسيا الوسطى والقوقاز التي تعتبر قنبلة موقوتة. ومن يتابع الأحداث اليومية في روسيا يرى أن المتشددين الإسلاميين من "حزب التحرير الإسلامي" وغيره مستمرين في صراعهم اليومي مع السلطات في جمهورية داغستان ومناطق اسلامية أخرى في روسيا وحتى في موسكو أحياناً.

ويتساءل بعض المراقبين لماذا يستمر الروس بدعم الأسد؟ والجواب برأيهم هو: إن الروس شديدو الاهتمام ببقاء الأسد، ليس حباً لشخصه أو لعائلته وإنما لكونه – حسب الرؤية الروسية- آخر حاكم علماني في العالم العربي لا يعتبر حليفا للإدارة الامريكية، أو مؤيدا للحركات الاسلامية المتطرفة التي تهدد السيطرة الروسية على مناطقها الشرقية. والأسد هو آخر مركز واضح للتأثير الروسي في الشرق الاوسط، ورغم انه انخرط في المحور الإيراني الشيعي في العقد الأخير، جعلته الحرب الدائرة أكثر خضوعاً لرحمة موسكو. إن الأسطول الروسي يستعمل ميناء طرطوس السوري باتفاق إيجار بعيد الأمد وهو اليوم موطئ القدم العسكري لروسيا في البحر المتوسط. ولو سقط النظام في دمشق فان طرطوس يتوقع أن تصمد فترة أخرى بسبب وجودها في قلب الاقليم العلوي. إن لروسيا والأسد مصلحة مشتركة في حماية الشريط الساحلي، كما يشهد على ذلك الإمداد بصواريخ "ياخونت" المضادة للسفن.

ولا يخفى على أحد الدعم الكبير الذي قدمته روسيا للنظام السوري سياسياً (في جميع النشاطات مع دول العالم) ودبلوماسياً في المحافل الدولية (4 مرات استخدمت الفيتو) واعلامياً (كرست وسائل الإعلام الروسية الناطقة بالروسية والعربية لخدمة النظام السوري وتشويه صورة المعارضة السورية وتصوير الأحداث على أنها صراع بين نظام علماني شرعي وبين جماعات إسلامية إرهابية (سنية) مع الاعتراف بوجود بعض المجموعات المعتدلة ولكنها تابعة للقوى الخارجية) وعسكرياً (زيادة الصادرات العسكرية من الأسلحة المتطورة ومن الذخيرة والمعدات العسكرية) واقتصادياً (شراء النفط). وقد وصلتنا تسريبات عن نقل عشرات المليارات من أموال عائلة الأسد والحاشية المحيطة به إلى روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وتأسست شركات عديدة في تلك الدول تقوم باستثمار تلك الأموال (أقام محمد مخلوف خال بشار الأسد عدة أشهر في فندق بموسكو وأشرف على هذه العمليات المالية بنفسه وكذلك قام بعقد صفقات عسكرية واقتصادية).

نقاط أخرى حول الموقف الروسي من الوضع في سوريا:

1- انطلقت القيادة الروسية من رؤية خاطئة بأن مصلحتها مرتبطة ببقاء النظام السوري لأنه علماني ومعادي لأمريكا وضد الإسلاميين المتطرفين. وابتعدت روسيا منذ اليوم الأول عن انتفاضة الشعب السوري واعتبرتها مؤامرة غربية خليجية تهدف إلى قلب نظام حكم الأسد الشرعي (وهذا يخالف القانون الدولي) وتسمح بقدوم الإسلاميين المتطرفين إلى الحكم وبالتالي فإن روسيا ستخرج من سوريا - آخر معاقلها في الشرق الأوسط. والحقيقة أن نظام الأسد ديكتاتوري فاسد يضطهد شعبه وهو نظام طائفي.

2- هناك جالية سورية كبيرة في روسيا تعد بالآلاف وهناك عشرات الآلاف من خريجي الجامعات السوفيتية والروسية ومعظمهم متزوجين من نساء روسيات ولديهم أطفال ولديهم أحفاد وهم يحبون روسيا كبلد وشعب وتاريخ وثقافة وللأسف الشديد فإن القيادة الروسية لم توليهم اي اهتمام ولم تستفيد من رؤيتهم للوضع كونهم جسر تواصل بين البلدين واقتصرت الاتصالات على بعض الخريجين الفاسدين مثل قدري جميل وبعض الموالين للنظام من بعثيين وعلويين. وكنا نقول للمسؤولين الروس في لقاءاتنا، نحن مواطنو روسيا – وطننا الثاني- درسنا هنا وتخرجنا وحصلنا على شهادات علمية محترمة ولدينا زوجات روسيات وأطفال وأحفاد ونتمنى أن تكون علاقات سورية بروسيا جيدة في المستقبل، ولكننا نحب سوريا – وطننا الأم- ونريد تغييراَ ديمقراطياً ولا يمكن تحقيق ذلك بوجود عائلة الأسد القمعية الفاسدة. وقلنا لهم ساعدونا في التخلص من الأسد وستجدون كل المعارضة السورية والثورة السورية والشعب السوري إلى جانبكم. كما أن القيادة الروسية لم تستثمر مشاعر المودة والصداقة التاريخية بين شعبنا السوري والشعوب العربية تجاه شعوب روسيا . ولا ننسى أن تلك المشاعر العربية والإسلامية الودية تجاه روسيا اقترنت تاريخياً بموقف سلبي تجاه سياسة أمريكا والغرب واسرائيل في المنطقة. ولكن الذي حدث أن الشعوب انقلبت على روسيا واصبحت تعاديها ووصل الأمر إلى حرق العلم الروسي في المظاهرات الشعبية في سوريا وغيرها.

3- لا يوجد تبرير منطقي لتخوف روسيا من وصول الإسلاميين إلى الحكم في سوريا . بالرغم من أن شعبنا بأغلبيته من المسلمين والسنة تحديداً إلا أن شعبنا عاش بتآخي ووحدة اجتماعية عبر القرون ولم يعرف التمييز والتفرقة على أساس ديني وطائفي وقومي إلا في عهد الأسد الأب والأبن الذي لعب بهذه الأوراق بكل خبث. والإسلاميين أخرجوا بالعنف من الحياة السياسية لعشرات السنين ولا يستطيعون قيادة الحراك السياسي وانما سيكون لهم دور محدود. أما الشعب السوري فهو معروف باعتداله الديني وتسامحه في التعايش ويكفي أن نذكر فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي حيث كان الزعيم الوطني فارس الخوري على رأس الحكومة والبرلمان وحتى وزيراً للأوقاف الإسلامية وهو مسيحي. وعاشت سورية فترة ديمقراطية رائعة في الفترة 1954-1958. وكان أول رئيس لسوريا بعد الاستقلال كردياً. فلماذا تضخيم دور الإسلاميين واظهارهم بأنهم متطرفون وخطر على مستقبل سوريا والأقليات.

4- ومن أخطاء روسيا والمعارضة الوطنية الديمقراطية السورية هو عدم ايجادهم لغة مشتركة. ويبدو أن التفسير لذلك مرتبط بطبيعة النظام الروسي وأولوياته من جهة وبتكوين المعارضة "الخارجية" وارتباطها القوي بالدول الغربية والخليجية من جهة أخرى.

5- يؤخذ على روسيا التي كانت تتحدث عن مخاطر ظهور المتطرفين الإسلاميين وتهول من خطر التدخل العسكري الخارجي ومن العنف، لأن ذلك كله حدث لاحقاً وتجسد بصورة مرعبة في وجود أكثر من 13 مليون من المتضررين منهم شهداء ومعتقلين ومفقودين وجرحى ومشردين ولاجئين، عداك عن تدمير البنية التحتية بصواريخ وطائرات النظام وحتى استخدامه للسلاح الكيميائي.

والسؤال المهم هنا: لماذا دافع الروس عن النظام الأسدي في المحافل الدولية ومنعوا إدانته في مجلس الأمن علماً أن الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية أعضائها أدانت جرائم الاسد وأصيبت روسيا بعزلة دولية؟ ولماذا سكت الروس كل هذه الفترة ولم يتدخلوا لانقاذ الشعب السوري من القتل والدمار في السنة الأولى عندما كانت المظاهرات سلمية تماماً بينما كان النظام يطلق الرصاص على المتظاهرين الشباب ويوجه شبيحته للاعتداء عليهم بالضرب والقتل. ولو أن روسيا تدخلت وطرحت حلاً سياسياً مقبولاً لاقتنعت المعارضة وحاورت النظام على تغيير طبيعته السياسية. فكلنا يعرف أن المعارضة قبل الثورة كانت تطالب بتغيير سلمي تدريجي ولكن النظام رفض مطالبها وزج العشرات من قادة المعارضة ومن الشخصيات الوطنية والديمقراطية في السجون بدلاً من أن يحاروهم.

وبالفعل تتخذ روسيا موقفا غير مفهوم، فهي لا ترى من الدولة السورية غير النظام، وتتجاهل الشعب ومطالبته بالحرية، وتتبنى وجهة نظر السلطة القائمة حول الطابع الأصولي والمذهبي للثورة والمعارضة، مع أن ديبلوماسييها في دمشق يعلمون الحقيقة، ويعرفون أن المعارضة السورية لم تكن إلا ديمقراطية بين سنوات 1982 و2011 ، وأن الأصولية لم تظهر إلا في فترة لاحقة ومتأخرة من الحراك الشعبي ضد النظام، وأنها ظهرت بجهود إقليمية وعربية وغربية أسهم النظام فيها بقسط وافر. لكن تشابه النظامين في روسيا وسوريا يفسر حقيقة الموقف الروسي من سوريا.

6- تتحدث روسيا عن التطرف الديني السني وخطره على الشيعة والأقليات في سوريا والمنطقة. وماذا عن التطرف الشيعي الإيراني والمالكي وحزب الله الذين يقاتلون ويمارسون أعمالاً وحشية دفاعاً عن نظام الأسد تحت رايات طائفية بحتة. وماذا عن قتل النظام الاسدي وحلفائه للأغلبية السورية وهم من السنة وإبادتهم وتدمير بيوتهم وتهجيرهم؟ أليست أفعالاً طائفية همجية تستحق الشجب والإدانة.

تعامل المعارضة السياسية وقوى الثورة مع روسيا

كانت الأجواء مناسبة جداً لتعاون فعال بين المعارضة وروسيا في بداية الاحتجاجات، حيث التعاطف والود قائم بين شعوب روسيا وسوريا. وعندما جاءت وفود المعارضة السورية في السنة الأولى إلى موسكو أكدت جميعها على اعجابها بالثقافة والأدب الروسي العريق واحترامها لمصالح روسيا وبأنها – أي المعارضة- راغبة في استمرار علاقات الصداقة بين شعبي البلدين. ودعت المعارضة القيادة الروسية لدعم مطالب الشعب السوري المشروعة في الحرية والديمقراطية والعدالة.

ونعرف جميعاً كيف كانت المعارضة السورية محرومة من حرية العمل السياسي على مدى خمسة عقود ونعرف أيضاً كيف تعامل الأسد الابن مع قيادة إعلان دمشق الوطنيين الديمقراطيين. وبعد بدء الثورة شهدت الساحة السياسية السورية في الداخل والخارج حركة نشيطة وبدأت تتبلور تيارات وتجمعات معارضة وثورية. ولكن المعارضة اصطدمت بعقبات موضوعية وذاتية أضرت كثيراً بمستقبل نشاطها لدرجة انها فشلت في القيام بمسؤولياتها الوطنية أمام الثورة والشعب.

ومن واجبنا الاعتراف كمعارضين، بأن المعارضة السياسية لم تضع خطة واضحة للعمل مع روسيا ولم تقم بدراسة الموقف الروسي وحيثياته، ولم تبحث جدياً عن طرق عملية لاختراق الجدار الروسي الأصم. علماً أننا قمنا كمعارضين سوريين مقيمين في روسيا بتوجيه الأنظار ودعوة المجلس الوطني والإئتلاف للاهتمام ودراسة العلاقة مع روسيا بواسطة خبراء وليس بشكل ارتجالي. وايضاً لإجراء مشاورات غير معلنة مع الروس، ولكن لا حياة لمن تنادي.

ومن أكبر أخطاء المعارضة والتي أثرت سلباً على الموقف الروسي ونفرت روسيا من المعارضة السورية، هو التدخل الكبير والواضح من قبل الدول الغربية والعربية في شؤون المعارضة والثورة بحجة أنها دول صديقة للشعب السوري. وقد اثبتت الأيام أن معظم تلك الدول خدعتنا وساهمت بشكل ما في اطالة عمر النظام وتسببت في إراقة مزيد من دماء السوريين لعدم تدخلها الفعال في مساعدة الشعب السوري. فخسر السوريون دعم الروس وخسروا دعم الغرب الفعال فأصبحت النتيجة أن العالم كله تقريباً وقف ضد الثورة السورية.

وللأسف الشديد، فإننا فهمنا أن الروس يعتبرون المعارضة "الخارجية" تابعة للغرب والخليج وبالتالي فهي معادية لروسيا وبنفس الوقت تعاملت بثقة وتفاهم مع معارضة "الداخل" مع هيئة التنسيق وغيرها من أشباه المعارضة.

4- الخروج من حالة الانسداد

رغم قناعتي أن الشعب السوري هو صاحب القضية وهو من سيحسم الأمر أخيراً، إلا أن المشهد تعقد كثيرا وأصبحت سوريا ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية ولم يعد هناك أصدقاء حقيقيين للشعب السوري لأن الغرب خذل ثورتنا والمعارضة مثله. ويبدو أن العالم لا يريد انتصار الثورة السورية وإلا للقدم مساعدة عسكرية نوعية في السنة الأولى من الكفاح المسلح وحسم الجيش السوري الحر المعركة (تطويق دمشق والاقتراب من مطار دمشق الدولي عام 2012 ) لكن تدخل حزب الله وروسيا أوقف تقدم الجيش الحر. وبقي الجيش الحر يطالب بأسلحة نوعية الى اليوم وامتنعت أمريكا عن تسليح المعارضة المسلحة بأسلحة ثقيلة تقابل تسليح النظام .

فكيف للثورة ان تنتصر عسكرياً؟

إن الخروج من الانسداد في الوضع السوري متعلق بشكل وثيق بالقوى الإقليمية والدولية وبقوى الثورة والمعارضة.

والحل بالفعل لا يمكن ان يكون الا سياسياً. ولكن هناك من يرى الحل السياسي هو حل يعيد تأهيل النظام الأسدي كما تفعل بعض قوى المعارضة بالتنسيق مع روسيا وإيران. ولكن مطالب الشعب السوري تقول بإن الحل هو في نقل السلطة من الأسد وعصابته إلى الشعب السوري ممثلة بقواه الثورية ومعارضته الوطنية وكل سوري لم يشارك في القتل والفساد الكبير سواء من الحكومة او من المعارضة.

وهنا المعضلة الكبرى. فكيف للأسد ونظامه ان يعترفا وينفذا مقررات جنيف – 1 أو النقاط الستة لكوفي عنان؟

لن يقبل الأسد بالتنحي عن السلطة الا بتغيير موازين القوى على الأرض وبتدخل دولي على مستوى الدول العظمى ومجلس الأمن لإيقاف مسلسل الرعب والقتل والتدمير والتهجير في سوريا. يفترض في الأمم المتحدة ان تتدخل من زمان لحماية الشعب السوري ولكنها لم تفعل لان الدول العظمى لا تريد ذلك ولان إسرائيل لا تريد ذلك.

واعتقد ان معظم المبادرات المطروحة لا تقدم شروطا حقيقية للحل السياسي الذي لن يكون إلا بصفقة دولية إقليمية ترغم الأسد على التنحي وان تكون هناك مرحلة انتقالية تقبل المعارضة بحل وسط ريثما تستعيد البلاد أمنها ويرجع السوريون من بلاد المهجر.

والمطلوب منا كمعارضة وقوى ثورية الشروع بحوار وطني شامل على قدم المساواة وبروح الشراكة الوطنية وبآليات ديمقراطية بعيداً عن التخوين والاقصاء والعمل من اجل عقد مؤتمر وطني شامل لقوى الثورة والمعارضة السياسية والعسكرية والمدنية لاختيار قيادة ثورية حقيقية معظم قوامها من الداخل بينما معارضة الخارج تلعب دور وزارة الخارجية. ويمكن ان ينعقد المؤتمر الوطني تحت غطاء الائتلاف كونه معترف به دوليا ولكيلا نخسر هذا المكسب الدولي الدبلوماسي الذي تحقق في الأمم المتحدة، علما ان الائتلاف مشلول ومريض وفاشل.

علينا العمل بروح جديدة بعيدة عن المحاصصة والتكتلات السياسية الفاشلة التي سادت في المجلس الوطني والائتلاف، وأن نبعد كل قادة المعارضة من الصف الأول لأنهم فشلوا في قيادة الثورة وأصبحوا عبئا عليها. وأن نبلور مشروعا وطنيا شاملا للثورة، ونعمل بروح الاعتراف بالآخر وأن نحدد بدقة طبيعة الدولة السورية الجديدة وأساها المواطنة المتساوية الدولة المدنية الديمقراطية التعددية.

المعلومات الأساسية

تاريخ الصدور

2015/01/14

اللغة

العربية

نوع الوثيقة

كلمة / إحاطة

البلد المستهدف

روسياروسيا-موسكوالإمارات العربية المتحدة-دبي

كود الذاكرة السورية

SMI/A200/606587

العنوان الأصلي للوثيقة

حول حالة الثورة والقوى الفاعلة فيها والموقف الروسي

شخصيات مرتبطة

محمود الحمزة

محمود الحمزة

عبد الله التركماني

عبد الله التركماني

كيانات متعلقة

لايوجد معلومات حالية

يوميات مرتبطة

لايوجد معلومات حالية

درجة الموثوقية:

الوثيقة

  • صحيحة
  • غير صحيحة
  • لم يتم التأكد من صحتها
  • غير محدد