الحراك في الدرجة الأولى كان مركزه ساحة العاصي، وكل الفعاليات المرافقة لساحة العاصي، ولكن كانت المجموعات تتنظم أكثر في تلك الفترة، وجمعة تلو أخرى يحصل تنظيم أكثر داخل المجموعات التي تنشط داخل الحراك، وتقوم بالمهمات التي يتطلبها الحراك السلمي، وحصل أمر بعد "جمعة أطفال الحرية"، صارت هناك أعداد كبيرة جداً، لم يعد هناك دور... ،أعتقد أنه انتهى دور هذه المجموعات في التحريض، ولم يعد لدينا تحريض في ذلك الوقت للناس لتنزل؛ لأنه في الحقيقة صارت تمتلئ، وفي كل المدينة، كل من تتكلم معه صار لديه قناعة أنَّه سينزل يتظاهر، فدور التحريض انتهى أعتقد في تلك الفترة، وبالتالي انتقل دور المجموعات الأساسي للمظاهرات نفسها وتنظيمها ومحاولة استيعاب هذه الأعداد الكبيرة في فعاليات وبشكل أفضل في ساحة العاصي وفي المسائيات. وهنا بدأت تتولد لدينا فكرة نتيجة رؤيتنا للإضراب البسيط الذي حصل عقب أول إطلاق نار في "الجمعة العظيمة" 22 نيسان/ أبريل، ورأينا التفاعل أكبر بعد مجزرة "جمعة أطفال الحرية" بدون أي دعوات للإضراب، كان الناس بمفردهم يقومون بإضراب، وأُغلقت المدينة بالكامل على مدار 3 أيام، وانتبهنا لناحية أخرى: أن الحركة السلمية ليست تظاهرًا فقط، كان سابقًا اهتمامنا محصورًا في التظاهر والمظاهرة من أين ستخرج؟ وماذا ستهتف؟ وماذا ستقول؟ وكيف ستحاول أن تثبت نفسها؟ هنا بدأنا نفكر في الأساليب السلمية الأخرى من إضرابات وتوزيع منشورات وفعاليات أخرى مرافقة للتظاهر، وهنا فُتح باب الاقتراحات الكبيرة بين الشباب، كانت خبرتنا قليلة في الأعمال السلمية وكيف تكون المقاومة السلمية للناس، كانت خبرة قليلة؛ لأنَّنا في البداية كنا متأثرين ب"الربيع العربي" والذي هو جموع سكانية ضخمة من الشعب، تغزو الشوارع والساحات، وتبقى حتى إسقاط الديكتاتور. وفي سورية، كان الأمر مختلفًا، المظاهرات الحاشدة وحدها لم تكن كافية، إنما هنا كان يجب أن نوسع الفعاليات أكثر من المظاهرات، وهذه كلها كانت أسئلة طُرحت علينا، ونحن نطرحها على أنفسنا داخل المجموعة وباقي المجموعات، المنشورات الملصقة على الجدران وفي أماكن التجمعات، مثل: الأسواق والدوائر الحكومية، رفع العلم السوري أيضاً، وكان العلم المعتمد هو العلم ذو النجمتين الخضراوين (العلم السوري الرسمي)، وهذا العلم الذي كنا قد اعتمدناه، ومازلنا نرفعه، وهذا قبل اعتماد علم الاستقلال، والمظاهرات النسائية فقط، يعني النساء اللواتي هن أمهات و أخوات وزوجات الشهداء، صرن ينظمن أنفسهن، وينزلن إلى المظاهرات كل يوم عصرًا في عدة أحياء في حماة، يتجولن في الأسواق، ويهتفن، ولاحقًا صار لهن مكان في ساحة العاصي، ينزلن بشكل جماعي. الأغاني الثورية التي إلى حد الآن تسمع..، كان هناك مجموعة قليلة منها نوعًا ما، وصارت توضع في السيارات، وتتجول السيارات في الشوارع، حتى وسائل النقل العام، مثل: السرافيس (الحافلات الصغيرة) التي كانت تضع هذه الأغاني، هنا توجهنا لأمر، حيث بدأنا بتغيير أسماء الشوارع والأحياء التي كان لها دلالات تخص السلطة، مثل: شارع 8 آذار المسمى على اسم انقلاب 8 آذار/ مارس 1963، صرنا نسميه: "شارع 15 آذار" نسبة إلى انطلاق الثورة السورية، وحي البعث المسمى على اسم حزب البعث، أسميناه: حي الكرامة. وكانت هناك حملة لتغيير لافتات السرافيس (الحافلات الصغيرة) المسماة بهذه الأسماء إلى أسماء جديدة، وصرنا ننشر هذه الأسماء الجديدة، وصار لدينا إحساس، وكان مبكرًا الحديث بهذا الأمر، ولكنه شعور بأنَّ النظام سقط تقريبًا، وهو في الحقيقة سقط من قلوبنا، ولم يعد أي رهبة وأي خوف من هذا النظام، وليس لديه أي شرعية في المدينة نهائيًا، وأي شيء مرتبط بالنظام كان غير شرعي؛ وبالتالي حاولنا إيجاد بلد آخر جديد بعيدًا عن النظام، فالفعاليات كانت هكذا، و بالتوعية الثورية التي هي... بدأنا نلاحظ بعض الغيابات للأمن أو قوى الشرطة عن حماية بعض الأمور (المؤسسات والمتاحف)، وصارت هناك توعية لدى الناس للحفاظ على مؤسسات الدولة، وكيف يمكن للنظام والقوى الأمنية أن تفتعل مشاكل في البلد؛ حتى تقول: المتظاهرون أو الثوار هم مخربون أو غيرهم، كانت هناك توعية كاملة لهذه الأمور: ماذا سنفعل؟ وكيف سنسهر على أمن أحيائنا والشوارع والمحلات التجارية؟