جند الأقصى
في أواخر عام 2013 أعلن "أبو بكر البغدادي" تمدد التنظيم ليصبح "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بدل "الدولة الإسلامية في العراق"، فرفض حينها "الجولاني"، هذا القرار الذي يعني ضم جبهة النصرة لتنظيم الدولة، وحصل الشقاق بينهما، حينها انشق العشرات من العناصر التابعين لجبهة النصرة رافضين الاقتتال الحاصل، وشكّلوا تنظيمًا تحت مسمّى "سرايا القدس"، ثم تحوّل الاسم إلى "جند الأقصى". اعتمد التنظيم في بنيته وتشكيله أساسًا على المقاتلين غير السوريين ممن يُسمون "المهاجرين" الذين قدموا إلى سورية من بلدان عربية أو أوروبية، ويوصف بعضهم بأنهم متميزون بخبرات قتالية نوعية، ومتمرسون على العمليات الأمنية. يعتبر محمد يوسف عثمان العثامنة "أبو عبد العزيز القطري" القائد المؤسس لتنظيم جند الأقصى، وهو فلسطيني من مواليد العراق دخل إلى سوريا بعد عدة أشهر من اندلاع الثورة السورية لم تَدُم قيادة "القطري" لتنظيم جند الأقصى طويلاً، حيث فُقد في ظروف غامضة في السابع من كانون ثاني /يناير 2014، ثم أعلن التنظيم في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 عثوره على جثة أميره ومؤسسه "أبو عبد العزيز القطري" في بئر تسمى "جب كوكبة" على عمق 33 مترًا، بمنطقة دير سنبل (جبل الزاوية) في محافظة إدلب شمالي سوريا، وقد اعترف جمال معروف قائد "جبهة ثوار سوريا" بمقتل القطري على يد أحد عناصره، كما جاء في شهادة د. حذيفة عزام. وبعد مقتل القطري، استلم قيادة التنظيم عمار الجعبور، أبو مصعب، الذي قُتل بعد فترة في معارك ريف إدلب مع النظام، لتؤول قيادة التنظيم الفعلية لأبي ذر النجدي الحارثي أو الجزراوي، الذي كان معتقلا في سجون بلاده لفترة، قبل سفره إلى سوريا، ويعتبر الشرعي العام للفصيل في حين أن القائد المسمى للحركة هو "أيمن قدحنون" الملقب أبو دياب سرمين، وهو سوري الجنسية. عًرف الفصيل بموقفه الفكري المقارب لتنظيم الدولة الإسلامية، حيث مًنع عناصر الجند من وصف داعش بأنهم خوارج، وتم تلقينهم أفراد التنظيم أن القتال بين النصرة وداعش هو قتال فتنة كما حصل بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وكنتيجة طبيعية لما سبق فإن كثيرًا من أفراد تنظيم جند الأقصى مُبايع لداعش في السرّ، ودلّ على ذلك كثرة حالات لحاق أفراد جند الأقصى بداعش، حتى صار من يريد الانضمام إلى داعش يلتحق أولاً بجند الأقصى ثم يخرج آمنًا حتى يلحق بداعش ولو جاء من أقصى سوريا، لأن الفصائل لن تعترضه في الطريق لأنه من الجند، ولكثرة انتشار هذه الطريقة أصبح السوريون يسمون جند الأقصى: كراج الرقة في يوم السبت بتاريخ 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 أعلن تنظيم "جند الأقصى" انسحابه من "جيش الفتح" لأسباب عدة، من بينها -حسب قوله- تأييد بعض الفصائل المشاركة في جيش الفتح لمشاريع "مصادمة للشريعة الإسلامية"، كالتوقيع على بيان مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا والترحيب بالتدخل التركي، إضافة للضغط المستمر عليه للانخراط في قتال تنظيم الدولة بحجّة أن جيش الفتح كانت نشأتُه لقتال العصابة الأسدية وليس لغيرهم، وأن هذا خلاف ما اتُّـفِق عليه عند تأسيس الجيش! وأن تنظيم الدولة معذور في تكفير الفصائل، لأنه مبني على شبهة وهي تعاونهم مع الجيش الحر والائتلاف انكشاف المستور ومع خروجه من جيش الفتح بدأت تتكشف خيوط العديد من القضايا العالقة بين التنظيم وبعض فصائل الفتح، لاسيما بعد أن تمكنت اللجنة الأمنية في جيش الفتح في كانون الأول من عام 2015 من إلقاء القبض على أحد عناصر خلية اغتيالات أثناء محاولته زرع لغم موجه على إحدى طرقات المحافظة على أطراف مدينة سراقب ومن خلال التحقيقات تم القاء القبض على كامل عناصر الخلية وعددهم 11 شخصاَ بينهم أربعة من فصيل جند الأقصى. سكين الاغتيالات هذه العملية الأمنية وضعت جند الأقصى أمام مواجهة قضائية كبيرة حيث بدأت تطفوا على السطح قضايا اغتيال عديدة نسبت لجماعة الجند منها اغتيال القيادي في فيلق الشام " مازن القسوم" في مدينة سراقب في تموز /يوليو من عام 2015 وتسترت جند الأقصى على قاتليه بعد كشفهم وهم ينتمون لها، إضافة لعدة عمليات اغتيال وتفجير أخرى في مدينة إدلب. الانشقاقات عن جند الأقصى: في شهر فبراير/شباط 2016 حصلت في صفوف تنظيم جند الأقصى انشقاقات كبيرة، بدأت بإعلان اللجنة الشرعية للتنظيم انشقاقها عنه، بسبب ما أسمته "المراوغة" و"المماطلة" في مكافحة الفساد، والامتناع عن الاستجابة للعلماء والتوحد مع جبهة النصرة، والمشاركة في انتهاكات ضد الفصائل الأخرى، فضلا عن خروج الجند من جيش الفتح وضعف الحجج التي قدمها، ثم تلى ذلك إعلان جزء كبير من جند الأقصى، زاد عددهم عن 400 عنصر - عبر بيان صادر عنهم - انشقاهم عن التنظيم وانضمامهم إلى جبهة النصرة. وذكر البيان في مضمونه أن سبب الانشقاق من التنظيم والانضمام إلى جبهة النصرة هو "استجابة لأمر الله تعالى بالاعتصام وتوحيد الصف، وطاعة لعلماء الأمة وعلماء الجهاد وتقوية صف المجاهدين". وكان من أبرز المنشقين عن جند الأقصى " أبو تراب الشرعي مسؤول معهد حماة، أبو سليمان الشرعي معهد حماة، أبو الوليد الشرعي معهد حماة، أبو خالد الشرعي، أبو فهد الحموي "دعوي"، أبو خالد الحموي "دعوي"، أبو شيخة الشرعي، أبو عبد العزيز إدارة الدعوة والمعاهد، أبو حمزة اليمي عسكري إدلب، أبو الوليد الأنصاري عسكري القاطع الجنوبي، أبو الطيب مسؤول معسكر حماة، أبو عبيدة الأنصاري أداري عسكري" وفي 31 أغسطس/ آب 2016 سيطر تنظيم "جند الأقصى" بالاشتراك مع فصائل من المعارضة المسلحة- على مدينتيْ صوران و طيبة الإمام في ريف حماة الشمالي بعد معارك مع قوات النظام، ابتدأها التنظيم بتفجير عربة مفخخة قادها أحد عناصره. البغي على حركة أحرار الشام في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الثاني 2016 اندلعت مواجهات دامية بين فصيل جند الأقصى وحركة أحرار الشام الإسلامية في الشمال السوري، ذهب ضحيتها نحو سبعين عنصرًا من الطرفين. وفي هذه الأثناء أعلنت كبرى فصائل المعارضة في الشمال السوري -عبر بيان لها بتاريخ 8/10/2016 م- وقوفها عسكريًّا وأمنيًّا ومعنويًّا مع حركة أحرار الشام الإسلامية، في وجه ما سمّوه "بغي تنظيم جند الأقصى"، مؤكدين أن ما يواجهونه اليوم ليس فتنة، وإنما رد للصائل. وكان من أبرز الفصائل الموقِّعة على البيان (جيش الإسلام، وصقور الشام، وفيلق الشام، وحركة نور الدين الزنكي، والجبهة الشامية، وجيش المجاهدين، وغرفة عمليات فتح حلب، وتجمع فاستقم كما أمرت، جبهة أنصار الإسلام، جبهة الأصالة والتنمية، فرقة السلطان مراد، الفرقة الوسطى، جيش التحرير، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام .. وغيرها). وفي هذه الأثناء تدخلت -مرّة أخرى- جبهة النصرة باسمها الجديد: فتح الشام للصلح بين الطرفين، في محاولة لثني الفصائل عن عزمها استئصال جند الأقصى، حيث أعلن تنظيم جند الأقصى بيعته لفتح الشام! إلا أن الفصائل رفضت هذه البيعة إلا إن كانت بيعة أفراد، واشترطت حل الجند كتنظيم. فعرضت جبهة فتح الشام على الفصائل قبول بيعة الجند بضمانات، وخلصت معهم إلى اتفاق يعتبر أن قبول الجبهة لبيعة جند الأقصى يعتبر حلًّا نهائيًّا للتنظيم، مع التأكيد على عدم قيامه مرة أخرى تحت أي اسم كان، كما نصّ الاتفاق على إطلاق كافة الموقوفين من الطرفين باستثناء من عليه دعاوى تتعلق بالتبعية لتنظيم الدولة، على أن تشكل لجنة مؤلفة من قاضيين من أحرار الشام، ومثلهما من فتح الشام، وقاضٍ مستقل مرجح خلال 24 ساعة. لم يكن انضمام جند الأقصى إلى جبهة فتح الشام سوى محاولة من الأخيرة للحفاظ على أفراد هذا التنظيم من الاستئصال رغم بغيه، ونتيجة لذلك فقد رفض بعض قادة جند الأقصى البيعة لجبهة فتح الشام، واستمرت مجموعات تابعة للتنظيم في استفزاز الفصائل، وحصلت عدة انتهاكات من قبل عناصر الجد بحق الفصائل المقاتلة وعلى رأسها حركة أحرار الشام مما دفع فتح الشام -عبر بيان صادر عنها بتاريخ 23/1/2017 م- إلى إعلان عدم تبعية جند الأقصى لها، حيث أكدت في بيانها أنه وبسبب عدم "انصياع جند الأقصى لبنود البيعة" وبسبب "تجدد الاشتباكات بينها وبين الفصائل"، تعتبر جماعة الجند غير تابعة كتنظيم لفتح الشام مع التأكيد على بقاء "رابطة الإسلام" وعلى الرغم مما صرّحت به فتح الشام بعدم تبعية الجند لها، فقد استعانت بهم في بغيها وهجومها الأخير على الفصائل في شهر يناير/ كانون الثاني 2017، حيث هاجمت مجموعات فتح الشام وبرفقتهم عناصر من جند الأقصى مواقع تتبع لحركة أحرار الشام وصقور الشام في جبل الزاوية بريف إدلب، بالإضافة إلى هجومهما سوية على سجن إدلب المركزي. لواء الأقصى.. بقايا جند الأقصى: بعد إعلان فتح الشام عدم تبعية تنظيم جند الأقصى لها، وبعد أن غاب ذكره عن الأسماع لفترة قصيرة، اتضح أن "الجند" انقسمت إلى ثلاثة أقسام: أحدها: بقي مع فتح الشام. وثانيها: شكّل تجمعاً سماه "أنصار التركستان". وأما الأخير وهو الأكثر سوءًا وإجرامًا بين الثلاثة، الذي أطلق على نفسه اسم "لواء الأقصى". وقد تشكّل من العناصر الذين رفضوا البيعة لجبهة "فتح الشام"، وانشقوا عن تنظيم الجند عند إعلانه البيعة للجبهة، واتخذ اللواء من ريف حماة الشمالي مستقراً له، ويقوده "أبو عبد الله الغزي" الذي يُتّهم بمبايعة تنظيم الدولة "داعش" رسمياً. ويتميّز هذا اللواء بغلوّه الشديد، حيث وصل بهم الحد إلى تكفير "جبهة فتح الشام" أو تشكيلها الجديد الذي حمل اسم "هيئة تحرير الشام"، ووصفتهم وقيادتهم بالمرتدين، ولم يراعوا أنهم خرجوا من كنفها في يوم من الأيام، ومن سنن الله في أصحاب الغلو أنه في أخر مآلهم يكفّر بعضهم بعضًا، ويقتل بعضهم بعضًا، كما أنهم استمروا على نهجهم السابق في الاعتداء على الفصائل الأخرى. • إنذار هيئة تحرير الشام للواء الأقصى وقرار الاستئصال: ونتيجة لاستمرار بغي لواء الأقصى، ورفضه الانصياع لهيئة تحرير الشام، وتكفيرها، فقد أعلنت الهيئة في 13 فبراير/ شباط 2017 في بيان صادر عنها عن بدء عملياتها العسكرية ضد اللواء. وكان البيان مُعنوناً باسم "إعذار وإنذار لجماعة لواء الأقصى"، أكدت فيه "هيئة تحرير الشام" أن استمرار الجماعة في تكفير الفصائل، ورفضهم النزول لمحكمة شرعية، والتنسيق والارتباط بتنظيم الدولة، دفع الهيئةَ للبدء بقتالهم حتى يبادروا بفتح الطرقات ورفع الحواجز، والتوقف عن عمليات الخطف وتكفير المسلمين. ثم ما لبثت أن اندلعت المعارك بين الطرفين في قرى التمانعة وسجنة وخان شيخون وجبالا ومعرة ماتر وموقة بريف إدلب الجنوبي، ومعرزيتا ومورك وكفرزيتا في ريف حماة الشمالي، قُتل فيها العشرات من الطرفين، ووقع العشرات من عناصر الطرفين أسرى، كلٌ منهما بيد الآخر، بالإضافة لقيام اللواء باعتقال العشرات من عناصر الجيش الحر والمدنيين من منازلهم في مناطق الاشتباكات، فاق عددهم الـ 130 شخصاً غالبهم من جيش النصر. وأفادت مصادر عسكرية، أن أكثر من 70 عنصرًا من "هيئة تحرير الشام"، بالإضافة إلى قياديَّيْن بارزين وهما القائد العسكري "أبو بكر تمانعة"، والقيادي البارز في قطاع حماة "أبو ثائر الحموي" قتلوا برصاص لواء الأقصى، الذي قام بتصفية عدد من عناصر الهيئة بمدينة خان شيخون، بعد سيطرته على مقر الحسبة، وكذلك تمت تصفية عناصر حراسة "سجن موقة" التابع للهيئة. في حين أن عدد عناصر لواء الأقصى الذي قُتلوا خلال المعارك فاق 50 عنصراً، وبينهم الأمني الملقب بأبي ريحانة، والقيادي البارز "أبو حسين هرموش"، كما أعلنت سرايا الشام التابعة للواء عن انشقاقها عنه. توقف المعارك واتفاق الخروج باتجاه "داعش": بعد الاشتباكات الدامية التي دارت بين هيئة تحرير الشام ولواء الأقصى في ريفي حماة وإدلب، التي دامت قرابة 5 أيام، استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، سقط خلالها العشرات من القتلى والجرحى من الجانبين، توصَّلت الهيئة إلى اتفاق مع "لواء الأقصى". تضمن الاتفاق السماح لعناصر اللواء بالخروج باتجاه مناطق سيطرة تنظيم الدولة في الرقة وريف حماة بسلاحهم الخفيف فقط، مع إبقاء السلاح الثقيل لهيئة تحرير الشام، وكذلك إطلاق سراح من تبقَّى من الأسرى لدى اللواء. وفعلاً تم إطلاق قرابة 37 أسيراً من مدنيين وعناصر جيش حر وأفراد من الهيئة، كانوا في قبضة لواء الأقصى، وخرجت أرتال تضم أكثر من 300 عنصر من لواء الأقصى باتجاه مناطق سيطرة تنظيم الدولة "داعش" تباعاً، واكتشف الأهالي بعد خروجهم جثث أكثر من 130 عنصراً من الجيش الحر تم قتلهم ودفنهم في مقابر جماعية، كما تبيّن أن عناصر اللواء قد خرّبوا الآليات الثقيلة التي تم الاتفاق على تركها لهيئة تحرير الشام.