بدأت سنة 2012 بتحوّل مهم وهو إرسال الجامعة العربية لجنة للتحقيق بما يحصل داخل الأراضي السورية، وقبل مجيء اللجنة اجتمعنا كمجموعة من النشطاء ضمن اللقاء الوطني ودعَونا شخصيات تعمل على الأرض من معظم المحافظات، بالإضافة لمجموعة من الإعلاميين الذين كان لهم تواصلات. ونحن كنا نخاف على الناس من الحالة الأمنية، لأننا لم نكن مقتنعين بأن لجان الجامعة العربية ستدخل وتحقّق ضمانة للناس الذين سيتكلمون أو الناس الذين سيتواصلون معها، لأنهم في النهاية سيخرجون وسيبقى [عناصر] الأمن، فقمنا بإعداد ملف أننا في كل بلدة وحيّ نقوم بتجهيز إحداثيات لمنازل الأشخاص الذين استُشهدوا والعائلات التي لديها معتقلون ومصابون ونقوم بإرسال هذه الملفات إلى اللجنة العربية، وهي تدخل عبر الإحداثيات وتصل إلى المنزل دون أن يخبرهم أو يدلّهم أحد حتى لا يكشف نفسه.

كانت ترتيباتنا لأجل كل سورية، ونحن كنا مجموعة شباب ضمن اللقاء الوطني الذين اقترحنا هذا الموضوع، أي الحالة الشابة ضمن اللقاء الوطني، وهو نتج بسبب الحوار حول الحالة الأمنية كيف ستكون؟ وأن اللجنة العربية إذا دخلت وخرجت ماذا سيكون مصير الناس الذين التقوا بهم وتحدثوا معهم وتصوروا معهم؟ ولأجل هذا الخصوص طرحنا هذا الاقتراح، ووضعنا ملفًا تعريفيًا عن كيفية الحصول على الإحداثيات، وما هو الذي ستوثّقه كإحداثيات وتضع جدولًا به؟ وطلبنا من كل المحافظات أن تقوم بهذا العمل. وتواصلنا مع اللجنة عن طريق بعض الأشخاص، [وطلبنا أن] يكون معهم جهاز لاسلكي وهو فورًا يحدّد المواقع ويصلون لها، فقالوا: لا يوجد داعي لهذا الموضوع. ورفضوا أن يأخذوا هذه الملفات، وقالوا إن لهم سياسة معينة لعملهم يجب القيام بها، وتوثيقهم يوجد له آليات. ولم تنجح هذه العملية، لذلك اضطر كل شخص ضمن منطقته إبلاغ الناس بعدم مقابلة اللجنة بدون لثام، والمحاولة قدر الإمكان عدم كشف الوجوه، وألا يحدد تصويرنا الذي سنقوم به المنازل التي يدخلونها.

في 17 كانون الثاني 2012 قمنا بالاستعداد في تنسيقية الكسوة مع شخصيات أخرى غير موجودين في التنسيقية ولكن موجودين معنا في التظاهر، بأن نرتّب مظاهرة أمام هذه اللجنة، ونجعل الناس يخرجون جميعًا بشكل عفوي في مظاهرة مثل المظاهرات العادية، ولا تتقيد بأي شيء، ولكن الشخصيات التي ستقابل اللجنة يجب أن تغطي وجوهها لأنه سيكون عليها خطر أمني فيما بعد المظاهرة، وكلّفنا شخصيات معينة بالكلام وتوصل فكرة سياسية، وأمهات المعتقلين قمنا بإحضارهن وأمهات الشهداء أيضًا، وقمن بمقابلة أعضاء اللجنة، واستغلينا وجود الإعلام مثل TRT التي دخلت على ما أذكر ودخلت أكثر من قناة مع اللجنة، أيضًا استغلينا هذا الأمر وأوصلناهم إلى المواقع التي تأثرت بقصف النظام أو بإطلاق الرصاص أو بالهجوم، وسهلنا لهم إجراء مقابلات مع الأهالي بشكل كامل.

كان قدوم اللجنة إيجابيًا بمعنى أننا استطعنا أن نوصل وجهة نظر الشارع بشكل جيد إلى هذه اللجنة، حتى عندما أقام النظام مسيرة مؤيدة لطلاب المدارس، ونحن لدينا مساكن عسكرية في الكسوة، فطلب النظام من الأهالي أن يخرجوا مسيرة مؤيدة أمام اللجنة ليدحضوا بها كل "ادعاءات" الثورة السورية وأهالي الكسوة، وفي وقتها حتى في هذه المظاهرة استطعنا أن نوصل فكرة للإعلام بأن هذا النظام يقوم بالتجهيز عن طريق أجهزة الأمن لمسيرة ستخرج من هذا المكان، وكان لدينا أخبار من داخل المساكن عن التوصيات التي جاءتهم، واستبقنا في الإعلام ومع اللجنة أيضًا قمنا بإخبارهم أنه سيخرجون في مسيرة ومن المنطقة الفلانية، وشرحنا لهم أن هذه منطقة مساكن عسكرية هي مساكن ضباط يتبعون إلى النظام السوري.

طبعًا كانت أكثر الشعارات هي تهتف "سلمية ..سلمية"، كنا نركّز جدًا على السلمية، وكنا نهتف "الشعب يريد.. إسقاط النظام"، و"الله.. سورية.. حرية وبس"، والهتافات السلمية والمدنية، طبعًا هذا هو طابع الهتافات ولم نغيرّه، ولكن كنا نركز أكثر على الهتافات التي تهمّنا أن تخرج على الإعلام، وكنا نركز أيضًا على مجموعة من الشخصيات المدنية التي لها نفوذ في البلد وهي ظاهرة كوجوه، حتى تظهر في اللقاء مع هذه اللجنة، وليس فقط كما يصف النظام أن مجموعة من الشخصيات من "الزعران" أو الشباب الطائش هم من يخرجون في هذا التظاهر، بالعكس حتى كان الرداء الذي يرتدونه.. حيث ارتدى أحد تلك الشخصيات زيًا رسميًا وعرّف عن نفسه.. ومجموعة من المهندسين والمحامين والحقوقيين، أخذناهم واجتمعنا في منزل وتناقشنا معهم، وأخذ الحوار بعدًا سياسيًا أكثر من بُعد الحالة الموجودة، حتى نوصل فكرة أن هؤلاء الناس الذين يتظاهرون ليسوا كما يصفهم النظام بأنهم مندسون أو زعران وليس لهم قيمة في هذا المجتمع.

أبرز الرسائل أول الأمر، وأنا خاطبتهم، أنه لا داعي لإرسال هذه اللجنة، لأنه يوجد اتهام للشعب بأنه ممكن أن يكون كاذبًا، بينما هذا الذي يقوم بالمظاهرات والثورة ويوصل أخبار الثورة السورية هو جزء من الشعب السوري، وظهر على الإعلام. وبمجيء اللجنة إلى سورية للحقيقة -وهذا ما وصلنا إليه، [تكون قد] -عاملت النظام مثل الشعب السوري على سوية، وأنها جاءت لتحقق في هذا الموضوع وتعرف الصادق من الكاذب، وكانت هذه أول رسالة [أوصلناها] أنه كان خطأ من الجامعة العربية أن تقوم بهذا العمل.

ومع ذلك من وجهة نظرنا في الذي يحصل أنه من المفترض على الجيش أن يقف على الحياد بين السلطة والمجتمع، وأن يحمي سواء مؤسسات الدولة أو المجتمع، ولكن هذا الذي ترونه [مخاطبين اللجنة] هذا هو الجيش.. وقمنا بتوجيههم إلى منصات إطلاق الصواريخ حيث كانت موجّهة نحو المدينة من جبل المضيِّع، وكانت موجودة حواجز الجيش على دوار الكسوة، وأن هذا الجيش موجود داخل المدن وداخل الأحياء، والدبابات موجودة داخل الأحياء. كانت هذه هي الرسائل بشكل مختصر.

الذي لاحظناه عليهم أنه لم يكن لهم أي رأي مباشر، ولم يكونوا يشعرونا بالتعاطف، كانوا فقط يسمعون الكلام ويسجّلون، ولكن الذي شعرته أن الأشخاص الذين أتوا كانوا واجهة، بمعنى أنه قد زارت هذه المدينة، وأنا لم أشعر أنه يوجد جدوى من اللجنة لما بعد، لذلك نحن استغلينا أكثر وجود الإعلام في المدينة أكثر من وجود اللجنة، وهذا الذي كنا نركّز عليه.