بعد منتصف عام 2012، لم أعد أجد جدوى من وجودي في مدينة الكسوة، لأن الوضع بها كان شبه مستقر ولم يكن يوجد أي تأثير، وحتى العمل المدني مثل المظاهرات شبه توقفت ولم يكن الموضوع ينجح معنا.

بعض المجموعات المسلحة من مدينة الكسوة أيضًا ذهبت للعمل في منطقة جنوب دمشق، وهي مناطق يلدا وببيلا وبيت سحم، وطلبوا مني أن أزورهم في المنطقة وأقترح عليهم ماذا يمكن أن يفعلوا في ذلك الوقت، وأيضًا في وقتها كان قد أتى من محافظة درعا فصيل كبير هو فصيل أبابيل حوران، أتى إلى المنطقة حتى يفكر بعمل عسكري يساهم من خلاله بإضعاف النظام في دمشق ومحيطها. فذهبت معهم، وكان هناك أيضًا ما يسمى المجلس الثوري لدمشق وفيه أعضاء ومجموعات تعمل على هذا الموضوع، وذهبت إلى يلدا حيث يوجد مقر لجميع هذه الفصائل، واجتمعتُ مع الشخصيات وفهمت منهم الوضع العسكري والقدرات العسكرية الموجودة لدى هذه الفصائل. والذي مِلْت له أكثر كونه أمرًا واقعًا ولا نستطيع أن نهرب منه، ويجب أن نكون موجودين ونوجّه عبر القدرات التي نملكها ونستفيد من خبرات الآخرين في هذا الموضوع، فلم يكن لدي مانعاً من أن أعمل معهم على تنظيم الحالة في جنوب دمشق. واقترحت عليهم بدايةً كوننا لن نستطيع أن نوحّد جميع هذه الفصائل في جسم عسكري واحد ودمجها جميعها وتأسيس نواة لمجلس عسكري حقيقي، لأننا كنا دائمًا نصطدم بموضوع الدعم، فكل فصيل له داعم وله مَشرب معين للدعم، ولا يمكن أن يتوحّد الداعمون حتى يقدّموا هذا الدعم لمؤسسة موحّدة ، وكل شخص من الداعمين لديه رغبة أن يدعم شيئًا معينًا حتى يحرّكه كما يشاء.. اقترحت عليهم أنه بما أن هذه الحالة موجودة، دعُونا نشكّل قيادة مشتركة، ونجعل المؤسسات التابعة لهذه القيادة مؤسسات مركزية موحدة، بمعنى [آخر]: كانت الألوية والكتائب تعدادها 33  لواء وكتيبة، وبالطبع يختلف حجمها بين صغيرة وكبيرة وبعضها مؤثر وبعضها غير مؤثر، فأول أمر نشكّل قيادة مشتركة، وتكون أركان هذه القيادة مركزية، بمعنى أنه لا يوجد داعٍ أن يكون لدى كل فصيل مبعوث له، بل نحن نختار مجموعة من الضباط تقوم بالتخطيط ووضع الخطط العسكرية لأي معركة نراها مناسبة، ويتمّ اختيار قائد واحد فقط لهذه المنطقة.

بالنسبة للكتائب والألوية في جنوب دمشق وصلنا معهم لمرحلة متقدمة في بداية الشهر 10 [وصولاً لأن] نشكّل هذه القيادة ونشكّل المؤسسات ونوحّدها بشكل كامل، [والمقصود هنا] المؤسسات التابعة لهذه الألوية جميعها مثل السجون والمحاكم والأمور الإغاثية والأمور المتعلقة بإدارة شؤون المجتمع، وحتى التذخير في المعارك المشتركة والمؤن للعمل المشترك، ومن ضمن ذلك اختيار هيئة أركان مختصة تقوم بالتخطيط للعمل العسكري لأي عملية تقوم بها هذه الفصائل، واختيار قائد واحد لجنوب دمشق. وفكرة اختيار قائد واحد بصراحة [كانت الغاية منها] إلزام الجميع بسياسة العمل في منطقة جنوب دمشق، وألا يكون لدينا خلل فيما بعد باتخاذ القرارات والأعمال العسكرية وتوزيع الحصص وأي شيء يمكن أن يخلق مشاكل مستقبلية. وبالفعل اتفقوا على هذا التشكيل، وتمّ اختيار قائد لواء أبابيل حوران المدعو أبو توفيق السوري (شكري الحجي) كي يكون القائد العسكري في جنوب دمشق، وهنا أنا فورًا بدأت.. وأهم أمر كان بالنسبة لي هو ما يخصّ المدنيين، لأنه كان يوجد مشكلة يعاني منها المجتمع بشكل كبير وهي أن كل فصيل يستطيع أن يذهب إلى أي منزل ويعتقل منه أي شخص تحت أي تهمة، فهذا تمّ إلغاؤه بشكل كامل، ويُمنع أي فصيل من أن يعتقل لديه أي شخص، ويتمّ الاعتقال فقط في سجن مركزي لجميع هذه الفصائل، ويتمّ إلغاء جميع السجون الخاصة بالفصائل. وتمّ تشكيل سرية خاصة بالاعتقال، فلا يقوم الفصيل بالاعتقال أبدًا، وإنما ضمن هذا السجن يوجد سرية خاصة تقوم باعتقال أي شخص أيًا كان انتماءه، ويكون السبب واضحًا للاعتقال، أي سبب يتطلّب عملية الاعتقال، فمثلًا يوجد الكثير من الأمور التي لها علاقة بالسرقات أو العمالة والتواصل مع النظام، وكان أي شخص يعطي رأيًا يمكن أن يُعتقل بتهمة أنه شبيح، وهذا تمّ إلغاؤه، وإذا لم يكن يوجد شيء ثابت على أنه يتعامل مع النظام ويؤثر على هذه المنطقة فلا يمكنك أن تقوم باعتقاله.

والفكرة الثانية هي عمليات السرقة التي كانت تحدث كثيرًا، لأنه كان يوجد فوضى، وحتى نقوم بالوصول إلى الشبكات حتى لو كانت موالية لبعض الفصائل، كان هذا يتطلّب أن يتمّ عن طريق جهة مستقلة عن جميع هذه الفصائل. وكذلك عملية إفراغ المنازل، لأنه كان يوجد مثلًا البعض الذين ينتقلون من هذه المنطقة إلى مناطق خارج سيطرة الجيش الحر لأنهم يخافون من قصف النظام، فينتقلون إلى داخل دمشق، وتقوم بنقل أثاث المنزل، والذي كان يحدث أن أي شخص [يمكن أن] يدّعي أنه صاحب المنزل ويقوم بنقل هذا الأثاث، فهذا الأمر تمّ تنظيمه بأنه يجب أن يثبت ملكيته لهذا المنزل والأثاث ويأخذ ورقة من القيادة المشتركة لإفراغ هذا المنزل.

وهذه التفاصيل تستلزم فعلًا عملاً لتنظيم الحالة الأمنية في المنطقة بشكل كامل، وأن يكون هناك مؤسسة تتابع هذا الأمر، وهذه [الأمور] كنا نعتبرها من التفاصيل التي أُغرِق فيها الثوار، لأنهم حرّروا مدنًا ولكن في معظم المناطق لم يتمّ العمل بشكل جيد على أن يلبوا احتياجات هؤلاء المواطنين ويحققوا لهم الشعور بالطمأنينة والأمان، سواء الأمان على أرواحهم أو على ممتلكاتهم.

في الفترة الأولى تمّ الالتزام بشكل كبير بهذا الموضوع، لأنه يوجد الكثير من الفصائل شعرت بأن حملاً كبيراً قد سقط عنها، وأننا أخذنا عنها حملًا كبيرًا، وكان يوجد لدينا مشكلة في عدم وجود شخصيات قانونية لإدارة هذا الموضوع. وسابقًا كان لدى المشايخ مثل محكمة ويقومون بالتحقيق، ومجموعات من الفصائل تساندهم، وأنا اضطررت أن أستلم التحقيق بشكل كامل مع شخصين مساعدين من منطقتي، وقمت بإدارة السجن، بالإضافة إلى ذلك أبعدت ما يُسمى الهيئة الشرعية وفصلتها عن المحكمة، وأسميتها مكتب استشارات شرعية في حال كان لدينا إجراء يتطلّب العمل الشرعي، وألغينا [حُكم] القتل أو السجن الدائم، واتفقنا بقرار داخلي أن أي شخص يتمّ اعتقاله وهو من عناصر النظام سواءً من الأمن أو الجيش يتمّ الاحتفاظ به لعمليات التبادل، أيًا كان جرمه، ويُلغى أي قرار بالقتل، لأنه في السابق كانت الفصائل تقوم بإعدام أي شبيح، وهذا غير مُجْدٍ، وليست الغاية هي القتل، وأنا هكذا كنت أتصور أن هذا العمل سلبي وغير أخلاقي، ونحن أساسًا خرجنا بالثورة ومن بعض الأمور التي طالبنا بها هي إلغاء أحكام الإعدام التي كانت تحدث عند النظام.