الحقيقة كان الأمر صعبًا، وكان هناك محاولة (لتوعية الشباب)، وأنا أحد الأشخاص مواليدي 79، وكنت في أحداث الثمانينيات عمري سنتان، ولكن أعرف وعشت الجو وأعرف أن هذا التصرف أمنيًّا لا يقبل، ولا يجب أن التكلم، ولا أن تفعل شيئًا، سيما أنه نحن الذين ولد في الـــ 90 قد وعي بفترة انخفاض القبضة الأمنية، بفترة بشار الأسد، وفي كثير من الأحيان ما كان مضطرًا لأخذ الاحتياطات الأمنية الكثيرة ليعمل اجتماعًا مثلًا، بينما نحن وأذكر عندما كنت صغيرًا يعني أنا نشأت في جماعة كفتارو عندما كانوا صحبة مع حافظ الأسد، ومع ذلك اجتماعات الجماعة كانت تحدث بشكل سري بمنتهى السرية، ولا نتحدث على الهاتف فهذا الهاجس الأمني نحن تربَّينا عليه، ولكن الجيل الثاني لم يتربَّ عليه، وفي الثورة تفتح الشباب (صاروا أكثر وعيًا)، وأصبحوا يعملون ويستميتون للعمل ضد النظام. عندما تقول لهم: إنه لا يجب العمل بهذه الطريقة فيعتبرونك أنك ضمن جوقة الشدِّ للخلف لمنع الثورة من التقدم، التي هي جوقة الكبار الذين لا يريدون الثورة ويعتبرونها تهورًا أو غلطًا أو تكرارًا للثمانينيات.

فأنت لما تجيء ولو أنك أكبر منهم بقليل تقول لهم: هذا التصرف أمنيًّا غير مقبول، وهذه المظاهرة لا يمكن أن تخرج هنا اليوم، ولكن لا يردون علينا، وأنا أتذكر بأنه في عدة مظاهرات كانت نسبة الخرق الأمني فيها أو نسبة أن الأمن يعرف بها أو نسبة أن الأمن يأتي من حارة أو أنه ليس لدينا أحد من الشباب لتغطية هذه النقطة أو يرصدها، فبقيت نقطة واحدة تسمح للأمن بالقدوم، كنا نلغي المظاهرة.

فلجأنا لفكرة المظاهرات الطيارة وكانت فكرة من إبداعات الثورة السورية بالحقيقة، وخاصة في المناطق التي يوجد بها تركيز أمني. كانت من إبداعات الثورة السورية، ولم يسبقنا إليها أحد، ولا يوجد شيء بالعالم اسمه مظاهرة طيارة، ولكن يوجد مظاهرة تستمر، أما أن تخرج بمظاهرة تهرب لا يوجد.

هذه الأمور كانت تتطلب ضبطًا أمنيًّا من خارج المظاهرة، إدارة أمنية من خارج المظاهرة، وليس من قلب المظاهرة؛ يعني: أنت لا تريد من أحد أن يحمي المظاهرة، ولكن نحتاج لأحد يراقب الطرقات حتى لا يأتي الأمن، وهدف المظاهرة الأول والأخير أو لها هدفان :الهدف الداخلي والهدف الخارجي، كان الهدف الداخلي تشجيع أبناء دمشق على الانخراط بالحراك الثوري عندما يشاهدون في أحياء ضيقة تخرج منها مظاهرة طيَّارة، وحين انتهاء المظاهرة الطيارة يكون هناك آلاف القصاصات؛ لأن البنات أثناء المظاهرة يكنَّ قد جهزن حقائبهن بمئات القصاصات وأثناء المظاهرة يقمن برميها للأعلى، وكانت مدة المظاهرة 3 أو 4 دقائق فقط.

(كان مكتوب في القصاصات): "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"حرية" و"عاشت سورية ويسقط بشار الأسد"، ولما ترمى هذه القصاصات وينظر الناس إلى هؤلاء البنات والشباب العزل علَّموا على النظام (تركوا أثرًا في النِّظام)، أنه بالحقيقة يكون الأمن قد أتى ويبحث في القصاصات وهو منزعج. لأن القصاصات تُرمى بشكل عشوائي.

وكان الهدف الخارجي أن نوصل رسالة أنه حتى بدمشق هناك ثورة، وهناك حراك. كان هناك مظاهرة خرجنا بها على باب القصر الجمهوري مدتها 4 دقائق في سنة 2011 في الصيف في شهر تموز قبل رمضان، هذه المظاهرة جرى تصويرها، ورفعناها على اليوتيوب، ومباشرة قناة العربية قالت: خرجت مظاهرة على باب القصر الجمهوري، وكنت مشارك، وصورنا المظاهرة من زاوية وكان عددنا لا يتجاوز 30 شخصًا، وهي عبارة عن مجموعات تعمل مظاهرة طيارة، وتحتاج إلى حركة سريعة، ولم نكن نلجأ لكثرة العدد، فضلًا على أنه في الأحياء التي كان فيها ضغط أمني كان هناك خوف؛ يعني: من يريد الخروج بمظاهرة يقول: أنا أخرج بمظاهرة يوم الجمعة أكثر أمانًا لي، وأصبحت مظاهرات يوم الجمعة في دمشق مثل "أكل الفول والتسقية"، ونخرج بالمظاهرة بعد الصلاة، وصلنا إلى هذه الدرجة أو كخروجنا بنزهة بعد صلاة الجمعة، ولكن لا نخرج نزهة بل نخرج بمظاهرة من جامع الحسن.

وصل الحراك لهذا المستوى فكان هذا الهدف الخارجي على مستوى الدولة والخارجي على مستوى خارج دمشق أو خارج اللاذقية.

فبين الريف والمدينة دائمًا الحركة موجودة في الريف، وهذا يضاف له، ومع الريف يضاف درعا وحمص وفي حمص كان الحراك اجتماعيًّا أكثر؛ فحاجز الخوف من التحرك بمدينة كبرى مثل حمص صار أقل؛ لذلك توضع حمص في تصنيف الريف بسبب سهولة الحركة وجرأة الناس على الحركة، بينما في دمشق واللاذقية وحلب كان هناك رعب أكثر بأنك تخرج بمظاهرة، وبالتالي مظاهرة طيارة بمنطقة مثل أبو رمانة أو عند جامع الحسن في أبو رمانة أو قصر الضيافة القديم كنا نعتبرها تساوي مظاهرة كبيرة بحمص، فهي ليست طيارة وقيمتها [المعنوية] وبجرأة الشباب الذين قاموا بها وبأهميتها، فأنت في عاصمة، ويوجد سفارات، وبعض المظاهرات حدثت قريبًا من السفارات، والسفراء والدبلوماسيين عرفوا بها وهذا هدف خارجي.

أيضا نريد الوصول لمناطق حساسة جدًّا، ونقوم بالمظاهرات، وتعرف باقي المحافظات أنه ابن محافظة مثل إدلب أو حمص أو درعا مثلًا، وكانت تأتي فترات همود قليلة في الحراك، أو خفيفة، وعندما يخف [الحراك] يقول في نفسه: إذا ابن الشام وعلى باب القصر الجمهوري عمل مظاهرة فنحن ماذا نفعل؟ وهنا ترتفع سوية التظاهر ويخلق تفاعلًا، عدا عن موضوع التفاعل المتعلق بأبناء المحافظات الذين يدرسون في دمشقن فقد كانت دمشق مثل جامع أو مُجمع لكل هؤلاء الشباب، وكانت الخبرات في التظاهر كلها تنتقل لدمشق، ودمشق أيضًا من خلال هؤلاء الشباب الذين يدخلون ويذهبون لمناطقهم، كان شباب الحراك بدمشق يبعثون مساعدات ويذهبون للمشاركة في حمص ودرعا والغوطة، وإن كانت الغوطة منطقة ليست بعيدة عن دمشق، لكن يشاركوا في المحافظات الأبعد.

إضافة لحركة الصبايا اللواتي كن يخرجن بشكل مكثف إلى بابا عمرو وإلى درعا، ويوصلن مساعدات كل هذا التفاعل نشأ من قلب دمشق بمظاهرات جامع الحسن ومظاهرات جامعة دمشق باحتكاك الطلاب من كافة المحافظات ببعضهم وخلق هذا التفاعل.

وكما ذكرت أنك تعمل مظاهرة وتعرف الناس أنه بدمشق حدث هذا الأمر، فهو له أثر كبير، وحتى في قلب دمشق تكتيكات الحراك السلمي أو المدني كانت تستنسخ من منطقة لمنطقة؛ يعني: مثلًا كنا أول من اخترع كرات الحرية ،وهو[أمر] جميل أو ليس جميلًا لا أعرف أنه كانت كثير من الجهات قبل أن يكرِّروها أو يعملوا مثلها - وهذا كان محل ترحيب- كانوا يدَّعون أنهم من قاموا بها(أبدعوا الفكرة)، وهذا لم يكن شيئًا جيدًا، فكنا نحن نتواصل مع الجهة التي ادَّعت أنهم أبدعوها، وقولوا: إنه أنتم من قام بالحالة المكررة، ولا تقولوا إنكم تعلمتم الطريقة من أحد[ يقصد لاتذكروا ممن تعلمتموها].