في المرحلة الأولى كانت مسألة الاعتقالات والشهداء الذين يسقطون في المظاهرات والتشييع، وفيديوهات المظاهرات المرتبطة بالانتهاك، وكنا نتعامل مع كل ذلك. حقيقةً عندما أقارن المستوى المهني للتوثيق بين اليوم وتلك الأيام، نعم هناك فرق وخبرة 10 سنوات وأدوات وتعلّم وصح وخطأ، [واليوم الوضع] مختلف كثيرًا. كنا حينها نقوم بمقابلات شهادات كتابية أو حتى نصورها، وبالمناسبة كاميرا أيهم غزول التي كان يعمل بها أعطيناها لفدوى سليمان يوم ذهبت إلى حمص حيث مرّت إلى المكتب، وقالت: أريد كاميرا، فأعطيناها إياها وكانت كاميرا حمراء سوني صغيرة، وجلبنا لأيهم كاميرا ثانية لأنَّها كانت مستعجلة. المسألة الأساسية [في العمل] كانت معتمدة على الخبر: إما خبر الاعتقال أو خبر المداهمة أو المظاهرة [وأيام] الجُمَع وأسماء الشهداء والمعتقلين، وهذا كان بشكل أساسي. وكان هناك خطأ في التقدير، فلم يكن عندي تصور أنَّه سيكون هناك طيران وأسلحة كيميائية ومجازر وأطراف متعددة وداعش والنصرة، فقد كان [تصورنا يقتصر على أن] هناك الأمن يعتقل ويعذّب ويطلق الرصاص، وكان القسم الأكبر من التوثيق هو عملية المشافهة أو التواتر أو المعلومات. وهنا حقيقة أظن في شهر حزيران عقدنا اتفاقية بين المركز [مركز توثيق الانتهاكات] وبين لجان التنسيق المحلية. ومن أجل أن أبقى واضحًا ودقيقًا ومهنيًا في هذه الأمور، وقّعنا على الاتفاقية أنا عن المركز ورزان [زيتونة] عن لجان التنسيق المحلية، وهي اتفاقية تعاون لأن لجان التنسيق في ذلك الوقت هي الموجودة في المظاهرات وفي المناطق وعلى الأرض، وبالتالي وصولها بهذا المعنى أكبر، وكنت أقول للشباب: أنا لا أريد أن أشعر نفسي أنني أستفيد من موقعي في اللجان من أجل هذا العمل، فهناك مؤسسة مرخصة وتمويل وعقد مع مانح لا أريد له أن يدخل في مساحة اللجان [لجان التنسيق المحلية]. وحقيقة هذا الفصل كنت بحاجة له داخل المركز [مركز توثيق الانتهاكات]، لأن هناك أشخاصًا داخل المركز هم ضد النظام بالمطلق وضد الانتهاكات، ولكن لا يريدون أن يكونوا في الثورة والمظاهرة، وهؤلاء كانوا موجودين، وقسم منهم مازالوا معنا، [ولسان حالهم يقول]: أنا لا أريد أن أنزل في المظاهرة ولا أريد أن أتظاهر[ وأنت تأخذنا معك [إلى هذا الاتجاه]، وفي الاعتقال الثاني بعد مجزرة صيدا [مجزرة الأربعاء الدامي]، أنت على التلفزيون تتحدث كثوريٍّ وليس كمحامٍ أو حقوقي، [وأنت تقول] "هبّوا" بطريقة مدنية، وأنت مؤسس المركز ولا نستطيع أن نفصل هذا عن المركز. فتلك واحدة من الأسباب حقيقة لعقد هذه الاتفاقية، لأن هذا الحوار حصل في المركز، وكانت الاتفاقية من أجل أن نفصل [بين الطرفين].

وبعد فترة استلمت ثناء [محسن] العمل في قسم لضحايا النظام، وثناء محسن هي صبية اعتُقلت معنا أيضًا، وأسسنا هذا القسم لأنه أصبح هناك كمّ وعدد يأتي بهذا الخصوص، وبهذا المعنى نعم نحن كنا نوثق كل شيء، وأصبح هناك الكثير [من المواد التي توثق] التشييع [وسقوط] الشهداء، فأسسنا قسمًا خاصًا للملتيميديا؛ أي: الإعلام السمعي والبصري من أجل التوثيق والمصادر المفتوحة، وأسسناه مع منصور العمري.

ولدينا شيء اسمه مقياس الموثوقية، وهذا التوثيق: ما هي نسبة موثوقيته بالنسبة لنا؟ وهل هذا الخبر من مصدر مفتوح أو موقع أو فيسبوك؟ وهل ذهب كادرنا فيما بعد وتابع ورأى ووثّق؟ هذه المسألة موجودة (مطروحة) إلى اليوم، ونحاول أن نكون دقيقين، ولا ندّعي أننا قادرون أن نوثّق كل شيء. فالبارحة كنا مع جهات وهيئات معارضة في واحدة من اجتماعات الذكرى الـ 15 [من آذار]، وكنت أقول: نحن بحاجة لبنك وطني للتوثيق، وواحدة من الصبايا قالت: أنتم تعملون منذ العام 2011 وإلى الآن ليس لديكم هذا البنك، فقلت لها: لدينا أسماء 400 ألف معتقل، ولكنني لا أتجرأ لأن أقول ذلك، فمن الممكن أن يكون هناك 400 ألف شخص + واحد، فأنا لا أستطيع أن أضع برقبتي هذا الواحد، ولا أحد يستطيع أن يوثق كل شيء ولديه كل شيء. ونحن وثقنا 400 ألف اسم معتقل، وهذا الذي استطعنا عليه، وأكيد مقصرون ومخطئون في مئة مكان آخر. وبدأنا نتكلم باتساع الرقعة، فهناك أيام جمعة كان فيها أحياناً 80 و100 نقطة تظاهر، فمن هي المؤسسة التي يمكن أن يكون لديها 100 أو 200 موظف على الأرض، هذا مستحيل وليس هناك الأدوات لذلك.