الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

الطبيعة الجغرافية والاجتماعية في مدينة القصير ومرحلة ما قبل الثورة

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:14:15:11

أنا الدكتور عباس محبّ الدين من مدينة القصير، أحد ناشطي الثورة في المدينة، ومن المتابعين لها والمشاركين فيها في كل مراحلها خلال تواجدنا في مدينة القصير، وكنت مؤسساً للنشاط المدني فيها، وهو ما سمي فيما بعد: "المجالس المدنية".

أولاً- أحب التعريف بمدينة القصير، وهي عبارة عن مدينة تقع في الجنوب الغربي لمدينة حمص، يحدّها القطر اللبناني الشقيق من الغرب ومن الجنوب، يحدّها من جهتين تقريباً، وتحدّها من جهة الغرب جبال لبنان الغربية وبعدها طرابلس مباشرة، ويحدّها من جهة الجنوب البقاع اللبناني بقراه المتعددة: الهرمل، و الطريق العام إلى بعلبك، و يوجد مدخل حدودي إلى لبنان يسمى: [معبر] جوسية. وفي لبنان اسمه: القاع.

و مدينة القصير هي عبارة عن مدينة زراعية، يمرّ فيها نهر العاصي عند دخوله إلى سورية من لبنان، ماؤه عذب صالح للشرب من النهر مباشرة؛ لذلك تعتبر منطقة طبيعية سياحية داخلية، وليست سياحية معروفة خارج سورية فهي متنفس سياحي لأهالي حمص وأهل المنطقة.

ومدينة القصير عبارة عن تجمع سكاني حديث، وليست قديمة جداً، فهي ليست تاريخية، وعمرها على أغلب تقدير حوالي 300 سنة، تكونت هذه المدينة عندما انفجر خط نقل المياه من نبع عين الساخنة إلى حمص، تفجر هذا الخط في المنطقة، وخرجت عين ساقية، وتجمع حولها الناس، وبدأت هذه المدينة منذ ذلك الوقت. كانت قرية، ثم أصبحت تجمّعاً كبيراً، وأصبحت مدينة فما بعد. يقدر عدد سكان مدينة القصير قبل الثورة حوالي 45000 نسمة، ويوجد في المدينة تجمع سكاني فريد من نوعه في سورية، حيث يتواجد فيها أشخاص من جميع الطوائف، ولدينا في مدينة القصير النسبة العظمى هي السنة (المسلمون السنة)، وعندنا أيضاً نسبة من الإخوة المسيحيين، وكانت نسبتهم قديماً حوالي الثلث، ولكن بعد تقدم الزمن في القصير، وبسبب أن كل من يأتي إليها يسكن فيها من موظفين أو عمال أو حتى الزوار، فكانت تعجبهم القرية أو المدينة بسبب جوّها الجميل وعشرة أهلها الطيبة، وكان تزايد أهل السنة فيها أكثر؛ ومن أجل هذا أصبحت نسبة الإخوة المسيحيين بحدود 15% في مدينة القصير. وطبعاً لا يوجد عندنا أحياء منفصلة، هذا حيّ للنصارى، وهذا حيّ للمسلمين، فالجميع متداخلون فيما بينهم، وعلاقاتهم جيدة جداً، وعندنا أيضا قسم من الإخوة الشيعة في القصير، جاؤوا من القرى المحيطة بمدينة القصير، وسكنوا فيها، واستقروا فيها، وعندنا أيضا قسم من الإخوة العلويين، وكنا نتعايش فيما بيننا بشكل طبيعي جداً ومتداخل، فلا تستطيع أن تفرّق بيننا، وقديماً، ومنذ زمن أجدادنا وآبائنا كنت لا تستطيع أن تفرّق بينهم حتى في اللباس؛ لأن اللباس كان موحداً، فالنصارى والمسلمون لا يُميَّز بينهم حتى في اللباس، وفي الفترة الأخيرة، أصبح هناك فرق، في البداية، كان ذلك في موضوع اللباس، فأصبحت تستطيع أن تعرف من هذه ومن هذا (تستطيع التفريق فيما بينهم).

وبالنسبة لمدينة القصير، فهي مدينة زراعية، يوجد فيها الكثير من الأشجار المثمرة، و كانت مصدراً للمشمش والتفاح الذي يغذّي القطر السوري بالكامل، وكان جوها لطيفاً ومعتدلاً، ومعظم سكانها يعملون في الزراعة، ويوجد قسم منهم موظفون، يعتمدون على الوظائف، وبحكم موقعها بالقرب من لبنان فإنها أصبحت مصدراً من مصادر التهريب، نستطيع أن نقول: إن ذلك كان بمثابة عقوبة لأهل القصير؛ لأن هذا الشيء أدى في مرحلة من المراحل، وخصوصاً عندما أصبح هناك حصار في سورية، و لم يعد هناك مواد غذائية أو أدوية، فأصبحت هي المدخل الأول والأسهل للتهريب من لبنان إلى سورية، وهذا أدى إلى ضياع قسم من الشباب والتحاقهم بهذه المهنة، وخصوصاً في تلك الفترة (فترة الثمانينيات)، فكان الطفل خلال مشوار صغير على حماره أو على دراجته العادية يأتي بحمل بسيط من المحارم أو السكر أو الرز، و يحصل على مبلغ يعادل المبلغ الذي يأخذه أستاذه لمدة شهر، وهذا أدى إلى تدني مستوى التعليم خلال تلك الفترة، مثلاً: في السنوات السابقة، كان 4 أو 5 أطباء و 4 أو 5 مهندسين يتخرجون في الدفعة الأولى، وأما في الفترات اللاحقة، فكل سنتين أو 3 سنوات حتى يتابع أحدهم تعليمه للحصول على شهادة علمية، هذا بالنسبة لمدينة القصير في فترة ما قبل الثورة.

وبالنسبة للقرى المحيطة بمدينة القصير، فقد كان يتبع لها حوالي 100 قرية، ويوجد هناك أيضاً تشكّل للطوائف المحيطة بالقصير، فمثلاً: من جهة الغرب ومن جهة الشرق يوجد عندنا قرى مذهبها شيعي، ويوجد قرى أيضاً في جهة الغرب من المذهب العلوي، ويوجد قرى بأكملها -ونحن نتكلم عن سكان القرى بالكامل- يتّبع سكانها المذهب الشيعي، أو قرى بأكملها يتّبع سكانها المذهب العلوي، ويوجد قرى بأكملها من الإخوة النصارى أيضاً، مثلاً: قرية ربلة، والدمينة، و الحمراء. كانت للأخوة النصارى، ويوجد قرى مثل: الناعم، ودبين، والفايق والقرنية، وقسم من العقربية. ويوجد عندنا قرى بأكملها من المذهب المرشدي، فهناك خليط متنوع في مدينة القصير. الجميل في الأمر أنه خلال سنوات ماقبل الثورة لم يحصل بينهم أي إشكال أو مشكلة على الإطلاق، وإنما كان هناك تناسب وأخوّة في الرضاعة فيما بينهم، وكانت القرى ترسل أبناءها خلال الفترات القديمة على زمن آبائنا وأجدادنا وقبل جيلنا بفترة، حيث لم يكن يوجد عندهم مدارس إعدادية، فما إن يحصل الطفل على الشهادة الابتدائية حتى يرسلونه إلى مدينة القصير؛ كي يدرس المرحلتين الإعدادية والثانوية، وكانت هناك ألفة ومحبة متبادلة فيما بينهم بشكل ملفت للنظر.

وحتى على نطاق حزب البعث، فقد كانت مدينة القصير أو قرية القصير في ذلك الوقت هي من القرى الطليعة في هذا المجال، وكما تعلمون بالنسبة لأرقام الأعضاء العاملين في الحزب فيوجد عندنا أرقام قبل رقم حافظ الأسد نفسه، كانوا من السباقين في الانتساب إلى هذا الحزب، وكانت توجد قيادات، منهم من شغل منصب أمانة الفرع، ومنهم من وصل إلى القيادة القومية. وكانت المدينة تعدّ من القرى التي تَبِعت حزب البعث، والتزمت به، حتى إنهم كانوا يصفون شعبة الحزب في ذلك الوقت بأنها الشعبة الثورية على ثورتهم؛ لأنها كانت تتشكل دائماً من مزيج من الطوائف بدون أي مشاكل أو خلافات، فتجد في القيادة الواحدة العلوي والمسيحي والسني بشكل دائم، وكانت معروفة بالاندماج والتوافق والألفة، وحتى البيوت لم تكن منفصلة في حاراتها، فكنت تجد البيت بجانب البيت والعلاقات جيدة جداً بين الناس.

بالنسبة للحراك الثوري في مدينة القصير، عندما بدأت الثورة في مصر، طبعاً، في تونس لم نشعر بها كثيراً، وكانت ثورة تونس مفاجأة بالنسبة لنا، أما ثورة مصر فقد تمت متابعتها بشكل يومي، والناس بدؤوا يتفرجون، [ويتساءلون]: هل من الممكن أن تحصل ثورة؟ أو هل يستطيع الشعب أن يقول كلمة في الشارع؟ كان يوجد الكثير من التساؤلات، وكان الناس كل يوم يتساءلون: هل من الممكن أن ينتصر الشعب في مصر؟ وهل من الممكن أن تنجح ثورته؟ والحقيقة أننا كنا نخاف من هذا الأمر، فكما تعلمون الناس في سورية كانوا يعيشون على مبدأ: "عايشين"، وصحيح أنه كان هناك مشاكل، وخاصة خلال تولي بشار الأسد رئاسة سورية، وكنا نشعر بأنه غير طبيعي، بمعنى أنه يذهب بالبلد من حيث لا يدري، وهل هو فعلاً لا يدري أم أنه مخطّط لذلك؟ ونحن لم نكن نعرف هذا الأمر، فكان الفقر يقترب من الناس أكثر، وكذلك الغلاء يقترب من الناس أكثر، بمعنى أننا كنا نتحدث فيما بيننا ونقول: في زمن حافظ الأسد الفقر غير موجود وغير مسموح به وكذلك الجوع، ولكن غير مسموح أيضاً لأي شخص أن يصبح غنياً، ويعمل بحرية كما يشاء. وأما في زمن بشار فأصبح همّ المواطن كله ينصرف على تأمين المال من أجل الطعام والشراب وفواتير الكهرباء والمياه، ونحن قبل هذا لم نكن نشعر بهذا العبء أبداً، بمعنى أننا في الزمن الذي قبله لم نكن نشعر بأن فواتير الكهرباء أو فواتير الماء كانت مشكلة، ولكن في زمن بشار أصبحت [هذه الفواتير] أرقاماً تعادل ربع أو نصف الراتب بالنسبة للموظفين، وأصبحت مشكلة، وأصبح الإنسان يشعر بالضغط.

وقام أيضاً بتوظيف وتعيين محافظين [فاسدين]، فنحن مثلاً: في حمص كنا نشعر وكأننا دولة أخرى في سورية، وليس لنا علاقة بقوانين سورية، و كان عندنا محافظ في حمص، لا يلتزم حتى بتعليمات القيادة أو تعليمات الرئاسة. ومثال [آخر]: إذا أردت الحصول على ساعة كهرباء فإن هذه تعدّ من أكبر المشاكل، وحتى إنه اخترع طرقاً لاستغلال الناس، بأن تدفع لصندوق المحافظة مبلغ 25000 ليرة، وعندها تحصل على ساعة كهرباء، ولا أحد يعلم أين تذهب هذه الأموال، وهناك حساب بنكي تدفع له  25000 ليرة، ثم تحصل على موافقة استثنائية لتركيب ساعة كهرباء أو ساعة ماء. فالقوانين عندنا في حمص كانت غير موجودة في أي مكان آخر، وحتى السيارات العابرة المحملة عندما كانت تمر من محافظة حمص كان عليها أن تدفع رسوماً مثل إتاوات أو شيء من هذا القبيل إلى الحساب البنكي هذا، وكان هذا المحافظ متشددًا جدًا جدًا، ولا يخاف من أحد، وهو يدّعي بأنه لا يهتم حتى لأمر بشار الأسد، وعندما كانت تصل بعض الشكاوى، بمعنى أن بعض الناس يصلون أو يشتكون، فكان يجيبهم [بشار الأسد]: يا ليت عندي عشرة منه (هذا المحافظ). وهذا بالنسبة لواقعنا في مدينة القصير، ولا ننكر أنه في سورية بشكل عام عندما استلم بشار الأسد الحكم كان يحظى بمحبة، فكانت الناس مترددة، ويقولون: إن ذلك ليس بيده، وكانت ثورة مصر مرتقبة، والناس تتخوف، ومنهم من يريدها أن تنجح حتى تقوم ثورة في سورية، ومنهم من لا يريدها أن تنجح؛ حتى لا نغرق في الدماء؛ لأننا كنا نعرف أن الوضع في سورية يختلف عما هو عليه في مصر، وكنا نتخوّف من الطائفية في سورية، وكنا نقول و نتحدث فيما بيننا: إن الجيش في مصر هو من طائفة واحدة، وأما عندنا فالجيش هو عبارة عن وسيلة أو أداة في يد طائفة معينة، وهي المسيطرة عليه، ونتوقع أن تفعل أي شيء إذا حصل حراك في الشارع.

معلومات الشهادة

الموضوع الرئیس

التشكل التاريخي لمدينة القصيرمرحلة ما قبل الثورة في القصير

كود الشهادة

SMI/OH/112-01/

أجرى المقابلة

إبراهيم الفوال

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

قبل 2011

updatedAt

2024/04/22

المنطقة الجغرافية

محافظة حمص-مدينة القصيرمحافظة حمص-محافظة حمص

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

حزب البعث العربي الاشتراكي

حزب البعث العربي الاشتراكي

المجالس المحلية المدنية

المجالس المحلية المدنية

الشهادات المرتبطة