حتى أصبحت في سن" البكالوريا" وكان شيئًا مميزًا، وكانت بداية ظهور عمرو خالد (الداعية المصري) وعندما قدم عمر خالد برنامج "صناع الحياة". وهو كان عبارة عن مبادرات فردية لشباب المجتمع لتطوير مجتمعاتهم. وفي هذه الفترة، كان هناك مشروعان، الأول: هو محاربة التدخين. والثاني: هو جمع الملابس المستعملة سابقًا لتوزيعها على الفقراء. وتشجعت كثيرًا، وتحمست للفكرة، وفي هذه الفترة جلب عمي صبحي" كمبيوترًا" إلى المنزل. طبعًا، كان له فقط، وممنوع أن يستخدمه أحد من العائلة، ومن يقترب منه فإنه سيعاقب، وكنت أنا الوحيدة التي يحق لي أن أذهب إلى عمي متسللة، وكان يضربني أحيانًا، فذهبت إلى عمي من أجل تفعيل بريد إلكتروني وفي وقتها شتمني، وشتم عمرو خالد، وأذكر أنه شتم البوطي. فقلت له: لماذا تشتمهم؟ مع أن البوطي مقدس لدى" القبيسيات". فقال: إن البوطي ساعد في حرب العراق، وأفتى بحرب العراق، ووقف إلى جانب حافظ الأسد ضد العراق أثناء حرب العراق والكويت، ومواقفه كذا. وهو عالم السلطان، وهذه المرة الأولى التي يطرح فيها شخص فكرة مخالفة لعالم كبير أمامي. فقلت لعمي صبحي: وما المشكلة في ذلك؟ وناقشته في أحداث لم أعشها، وأنا لا أعرف ما حصل في التسعينات، ولا أعرف حرب العراق الأولى ولا الثانية. أساسًا، كل هذه الأمور غير موجودة في المنهاج المدرسي سأصل للبكلوريا (الثالث الثانوي) ولا أعلم عنهم شيء. الأمر الثاني: أنني طلبت من عمي إنشاء بريد إلكتروني لي؛ فرفض عمي ذلك. وفي ذلك الوقت، تكلمت مع صديقتي، وقلت لها: يجب أن ننشئ بريدًا إلكترونيًا، ونفعل شيئًا.

 كان المركز الثقافي في دوما في بدايته، وكان عبارة عن مركز شبهة؛ يعني لا يذهب إليه إلا التابعون للشعبة الحزبية، وأريد أن أذكر تفصيلًا هنا: عندما كنت في الصف السابع جاءت آنسة الفتوة (معلمة التربية العسكرية)، ووزعت علينا أوراق الشبيبة من أجل الانتساب للشبيبة والحزب. وكنت الوحيدة في الصف التي لم تنتسب، والذي حصل هو أنني لا أعرف التفاصيل الدقيقة، أي أنني سأنضم إلى حزب البعث. ولكن الذي حصل هو أنه عندما وزعت الآنسة علينا الأوراق كان ذلك في نهاية الدوام المدرسي، فأخذت الورقة إلى البيت، ورآها عمي صبحي، فقال عمي صبحي: إياك أن تنتسبي للحزب، ولا توقعي على ورقة الشبيبة. فقلت له: ولكن الآنسة قالت: إنه يجب أن نوقعها. فقال: لا تأخذي بكلام الآنسة. وأنا فعلًا لم أبال. وبعدها لم أحضر أي اجتماع حزبي. فهذا الشيء كان مهمًا جدًا حيث إنني كنت بعيدة تمامًا عن حزب البعث، وفي صف" البكلوريا" العلمي، و[مرحلة] الضغط الدراسي ذهبت إلى المركز الثقافي أنا وصديقتي، ودخلنا، وسألنا عن الآنسة الموجودة، وقلنا: إننا نريد أن ننشئ إيميلًا (بريدًا إلكترونيًا) على "هوتميل" فساعدتني أمينة المكتبة في البريد الإلكتروني، أرسلت رسالة، وسجلت في منتدى عمرو خالد، وأرسلت رسالة، وتفاجأت برسالة من بنت أخرى من دوما كانت تعيش في دوما، ولكنها ليست من دوما، وهذه البنت أثرت بي، و تعرفت عليها فيما بعد، و كانت من حمص، وأمها متوفاة و والدها متزوج، وزوجة والدها تعذبها جدًا، ومع ذلك كان والدها يحاول أن يحافظ عليها، ويربيها، وهذه البنت جعلت من منزلها مركزًا لتوزيع الثياب القديمة لعمرو خالد في صناع الحياة. 

 بدأت أجمع الثياب بشكل فرديّ كمبادرة، ثم بدأت أتواصل مع رفيقاتي وأقاربي. وفي ذلك الوقت، بدأت جميع رفيقاتي يحضرن الثياب إليّ، وأذكر أنني كنت طالبة في المعهد، حتى أن مدير المعهد قال لي: أين منزلك؟ لجلب الثياب، وبدؤوا يتصلون بي على الهاتف الأرضي، ولأول مرة يتصل أستاذ بي على الهاتف المنزلي من أجل أن يجلب الثياب. 

فأصبحت مركزًا لكل المنطقة، ومركز تجمع للثياب، فتفاجأت من الأستاذ في ذلك الوقت، كان هناك مطبعة نقوم بالطباعة عندها، وكان صاحب المكتبة شابًا محترمًا، وهو الأستاذ منير، وتم مداهمة المكتبة، واعتقاله لمدة خمس وعشرين يومًا، وفي ذلك الوقت قالوا لنا: لا تعملوا (في الشأن العام)؛ لأن الدولة لاحقتهم، وانتشر خبر في وقتها، في البلد: بأنه تم اعتقاله من قبل قوات الأمن؛ حيث تم كتابة تقرير به، بأننا نقوم بشيء مخالف للدولة وبدون ترخيص، ولكن ما نفعله هو عبارة عن جمع ثياب فقط، وحملة ملصقات في الشوارع ضد التدخين، فتم ملاحقة الأستاذ منير، واعتقل، وهذا كان تهديدًا غير مباشر لنا؛ فقمنا بتوزيع الثياب، وتوقفنا عن العمل. ولكن كانت هذه أول مبادرة قوية لي، بمعنى مبادرة مجتمعية عملت بها مع الأشخاص الذين لا أعرفهم، وكنت في الثالث الثانوي.

تجربتي مع معلمة التربية العسكرية كانت سيئة جدًا في المرحلة الإعدادية والثانوية، هي ومعلمة الرياضة، وأذكر أن معلمة التربية العسكرية عاقبتني مع رفيقاتي؛ لأننا كنا نتكلم مع بنت، وكانت هذه البنت تتكلم مع شاب، وأنا رأيت هذا الشاب يتكلم مع بنت أخرى على طريق المدرسة، وكنت أقول لها: لا تتكلمي معه؛ لأن هذا الشاب ليس جيدًا. وفي ذلك الوقت حصلت مشكلة في الصف؛ فاستدعتنا معلمة التربية العسكرية، وقالت: هل تردن أن تقمن بدور الإخوان المسلمين في الصف؟ وكنا دائمًا في الصف السابع والثامن [نردد] شعار الاصطفاف في المدرسة، نقول فيه: ".... والقضاء على حركة الإخوان المسلمين العميلة". وأنا ملتزمة دينيًا ومع" القبيسيات"، وبنفس الوقت كل يوم أردد شعار القضاء على حركة الإخوان المسلمين العميلة، ولكن من هم الإخوان؟ ومن نحن؟ يعني هذه الأسئلة الوجودية كانت في رأسي، يعني من هم الإخوان المسلمون؟ ولماذا سنقضي عليهم إذا كانوا مسلمين وإخواننا؟ فكانت التعابير غير واضحة. كان اسم معلمة التربية العسكرية: هيفاء عوزران- لا أنساها- وكانت تتلخص بالشاب لدينا في المدرسة، حيث عاقبتني، وجعلتني أزحف في المدرسة؛ من أجل بنت كنت أتكلم معها من أجل مصلحتها، وكنت أقول لها: إن هذا الشاب رأيته واقفًا يتحدث مع بنت أخرى، يعني أفسدت على خيانته. 

أنا من البنات اللاتي أخذ الالتزام الديني جزءًا كبير من حياتهن، ولم أتكلم مع شباب أبدًا، ولم يكن لي أي نوع من الصداقات، وكنت معروفة بالتزامي الديني حتى أنني عندما كنت أذهب إلى المدرسة، وأعود كنت عبارة عن طالب حرب، يعني أذهب إلى المدرسة مرتبة ونظيفة، وأعود متسخة. وكان عمي دائمًا يقول لي: لا أرى فيك البنت التي تهتم بنفسها. فقلت له: ليس لدي وقت. وفعلًا، لم يكن لدي وقت، وكنت مشغولة كل الوقت، ومع ذلك كنت أشاهد مسلسلات أجنبية حصرًا، وأتابع أفلامًا على القناة الثانية فقط لا غير.

 في هذه الفترة، لا أعرف كيف ألخصها، ولكنها كانت عبارة عن مجموعة تخبطات بين ما آخذه من الحركة القبيسية، وأتعلمه، وبين الواقع المفروض علينا. وكان أهم شيء أن" القبيسيات" انتشرن في الشارع العام مع وصول بشار الأسد إلى الحكم.