اعتقال أطفال درعا وامتداد الحراك إلى المحافظات السورية
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:10:19:14
بعد يومين، حادثة درعا (حادثة عاطف نجيب) الجميع يعرفها: أن أطفال درعا كتبوا على حيطان أحد المدارس "أجاك الدور يا دكتور" انطلاقاً من ثورات "الربيع العربي" التي حصلت في تونس ومصر وليبيا، يعني حدسهم الطفولي جعلهم ينسقوا هذه العبارة: "أجاك الدور يا دكتور". وهذا الأمر له دلالة خطيرة جداً عند الأمن، والأمن لا يعتبرها براءة أطفال، وكان يعتبر أنه ربما كان لها توجيه معين، أو نتيجة سماع كلام معين في أوساط بيتية، في منازلهم، من أهاليهم، أنهم سمعوا كلاماً ما، يعني هذا الكلام لم يأت من فراغ، وليست براءة الأطفال هي فقط التي كتبت هذا الكلام. الأطفال تم توقيفهم وجرت عمليات تحقيق؛ حتى يعرفوا الدافع أو الخلفية حول كتابة هذه العبارات "أجاك الدور يا دكتور". ثم ذهب أهالي الأولاد إلى عاطف نجيب- أعتقد أنه كان رئيس الأمن السياسي في درعا- حتى يقابلوه، ويطلبوا إطلاق سراح الأطفال، وأنهم مجرد أطفال، ولا يجب أن يأخذ هذه الحادثة بأكثر من ذلك. وكما تردد، وأصبح معروفاً، أنه تكلم بكلام مهين مع الأهالي، ونال من كرامتهم الشخصية.
بدأت تتداعى الأحداث في درعا، وخرجت مظاهرة من المسجد العمري؛ لتعبر أو تطالب بالإفراج عن الأطفال بشكل أساسي، ثم حصل تطور" دراماتيكي" أيضاً، وهي كانت الشرارة الميدانية التي أشعلت الثورة: اصطدموا مع رجال الأمن، والأمن اصطدم معهم مباشرة؛ كانوا يريدون قمعها، كعادة النظام السوري كانوا يريدون قمعها من بدايتها؛ حتى لا يتركوا شيئاً يعطي أي امتدادات، وحتى تسمع جميع الفئات التي تشاهد الأخبار، والموجودة داخل درعا وخارج درعا من المدن السورية أو البلدات، ويروا أن النظام قمع بشدة، وانتهى كل شيء.
بمعنى أن النظام جاهز ومستعد للقمع وعدم التساهل بأي احتجاج، مهما كان شكله. وقع ضحايا في المسجد العمري، وأعتقد أن قوات الأمن اقتحمت المسجد. وهنا بدأت تتداعى الأحداث، بدأت تخرج احتجاجات، خاصة في البلدات الصغيرة، وانتقلت الاحتجاجات مباشرة إلى دوما، وهي ضاحية في دمشق، وأصبح يرتفع شعار التآزر والتضامن مع درعا" نحن معك يا درعا للموت" وأصبحت هذه الهتافات تحمل معنىً سياسياً، يعني هي تضامن مع درعا، ولكنها في الحقيقة، تحمل معنىً سياسياً أكثر هو معنى الاحتجاج، وبداية تمرد السوريين على الوضع القائم، وبدأت هذه الظاهرة. أعتقد أن الأمن تصدى للمظاهرة في دوما أيضاً، وسقط شهداء أيضاً، لأنني أذكر أنني زرت دوما؛ كان يوجد تعزية جماعية في ميدان دوما- لا أذكر الأصدقاء أو الصديق الذي ذهبت برفقته إلى هناك، أعتقد أنه من إعلان دمشق- ولم أكن أعرف، وليس عندي فكرة عن دوما، وذهبت ليس من أجل الفضول فقط، وإنما حتى أنقل انطباعاتي، أنقلها إلى حلب أو "إعلان دمشق"، ويصبح عندي (في ذاكرتي) أحداث أستطيع أن أوثقها، أو أكتبها، أو أنقلها.
العزاء الذي ذهبت إليه في بلدة دوما كان يضم الآلاف في الساحات. والتعزية عبارة عن مرور في الشارع وتقديم التعزية" عظم الله أجركم ورحم الله شهداءكم." هذه الظاهرة التي لمستها- طبعاً، أنا لم أزر درعا ولكن زرت دوما- بدأت تؤكد أن العمل الوطني، أو العمل السياسي، خرج عن نطاقه النخبوي الذي كان يقتصر على النخب السياسية والثقافية، سواء كان في منتديات ربيع دمشق أو حتى في إعلان دمشق، لم يكن له ذلك العمق الاجتماعي المؤثر حتى يسمعوه؛ لأنه- كما ذكرت- أغلب الخطابات عند المعارضة، أو لنقل: تاريخها وليس خطاباتها، كان خطاباً كله من خلفيات يسارية وماركسية وقومية، وهذا أدى إلى فجوة واسعة جداً في المجتمع الذي كان قسم كبير منه يتأسلم، وقسم آخر ربما كان متديناً ومحافظاً، وقسم آخر- ربما يكون أقل- هو الذي لديه طموحات أو تطلعات ليبرالية أوسع من هذه الدوائر، ولكنهم كانوا أقل حراكاً.
ما حصل في دوما والذي صار امتداداً لدرعا، وما تم لاحقاً في مدينة حمص، وانتقل الحراك الثوري إلى حمص، وانتقل خلال فترة قصيرة إلى مدينة اللاذقية أيضاً، وسقط 20 شهيداً تقريباً في مظاهرات اللاذقية في تلك المرحلة، وبانياس أيضاً، خلال فترات متلاحقة.
بالنسبة لي الثورة بدأت، ثم توسعت، وانتشرت. وهذه الثورة والنشاط الذي كنا نقوم به، ونحاول به تحريك المجتمع، أو كما يقولون" رمي الحجر في المياه الراكدة". لا، المجتمع- على ما يبدو- نتيجة الاحتقان المديد الذي قد يكون بدأ منذ 30 أو 40 أو 50 سنة. أنا أعتبر أن الاحتقان بدأ منذ عام 1963. ولكن طبعاً، منذ عام 1970 إلى عام 2011 عمليات الاحتقان والضغط والتحولات ضمن المجتمع السوري على كل الأصعدة تكثفت بشكل رهيب، وأصبحت فعلاً قنبلة موقوتة في كل المجالات، وليس فقط في المجال السياسي أو في مجال الحريات العامة. دعوني أتكلم عن الهجرة، أتكلم عن التهميش، أتكلم عن النزوح من الريف إلى المدينة، أتكلم عن طبيعة العلاقات التي بدأت تسود ليس فقط بين السوريين، وإنما ما بين السوريين وبين السلطة أيضاً، يعني الدولة صارت غريبة جداً عن المواطن، وصار المواطن يشعر أنه غريب عن الدولة، والدولة لا تمثله؛ نتيجة أن النظام السوري تماهى مع الدولة، وسيطر على مؤسسات الدولة. لا يمكننا أن نقول: يوجد فصل بين النظام كسلطة سياسية وبين الدولة، أصبحنا نرى النظام السوري في الجامع، وفي الجامعة، وفي غرف التجارة والصناعة، وفي كافة الحقول الثقافية، وفي نقابة الفنانين، والنظام موجود في الاتحادات العمالية، النظام موجود في كل الفعاليات السياسية أو الثقافية أو حتى الاجتماعية. ترى أن النظام له عيون ومندوبون، ويراقب حركة المجتمع، مثل أي نظام إيديولوجي شمولي يريد ضبط المجتمع كله، ويخضعه في النهاية إلى سلطة سياسية، وربما لقرار شخص واحد، كما هو في الحالة السورية، أو كما في دول أخرى حصل(ترسخ) فيها أنظمة شمولية، مثال واضح على ذلك: كوريا الشمالية. هذا الانفجار بدأ يكسر هذه الحواجز عند السوريين، وبدؤوا يطرحوا طروحات[جديدة]؛ فبدأ النظام السوري يشعر وكأن الأمور بدأت تتسرب من بين أصابعه، وبدأت زمام الأمور تفلت منه.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/10/27
الموضوع الرئیس
البدايات الأولى للثورة السوريةكود الشهادة
SMI/OH/86-05/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
آذار 2011
updatedAt
2024/04/07
المنطقة الجغرافية
محافظة حلب-مدينة حلبمحافظة درعا-محافظة درعامحافظة ريف دمشق-مدينة دوماشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي