هنا وصلت وتعرّفت على الأستاذ أيمن أبو هاشم وأصبح بيننا نقاش عام، وأنا كان يهّمني أن أعرف سبب الاتصال بي، كونه قيل لي: اِسأل قريبك. فأخبره أنه يوجد شخص أتى من الأمن، وكانوا يريدون أن يأخذوني بطريقة تشبه الكمين أو الاستجرار، وفي وقتها كانوا قد أخذوا مجموعة شباب في داريا بنفس الطريقة. وهنا قررت أنني لن أعود خلال يومين إلى الكسوة وأبقى مختبئًا، وذهبت، كان يوجد منزل لي ولأصدقائي أثناء الدراسة -كان منزل أحد أصدقائنا- وجلست به في التضامن (حي يقع جنوب العاصمة دمشق)، وهنا أصبحنا في 18 أيلول. بقيت في التضامن، وبعد يومين، اقتحم النظام المدينة بشكل كامل في 20 أيلول بالدبابات، والشيء المفيد أنه لم يحصل مقاومة لدخول النظام، وإنما عرقلة لدخوله، وخرج معظم الناشطين من المدينة، وفي هذه الفترة كان سبب التركيز عليّ أنه في مرحلة قبل دخول الجيش كان هناك مرحلة توقيع تعهدات للنظام وتصليح الأوضاع، وأنا لم أرضَ أن أذهب وأصلح وضعي، لم أذهب إلى المفرزة، فكان دائمًا اسمي الذي يهرب بشكل دائم. والذين صلحوا وضعهم بعد أن قام النظام بالاعتقالات في الفترة الأولى وأخرجهم، عرَضَ أنه أي شخص يأتي إلى المفرزة ويوقِّع أوراق بتعهد بعدم الخروج بمظاهرات مرة أخرى فهذا الشخص لن يكون مطلوبًا. لكن الحقيقة أنه كلما كان يقوم النظام بعملية اعتقالات جديدة كان يضع نفس الأسماء ويضيف عليها أسماء جديدة حتى من الذين وقّعوا [على تلك] الأوراق.

والذي حدث أنهم اقتحموا الكسوة ودخلوا إلى معظم الحارات، ونصبوا حواجز ووضعوا سواتر ترابية، وأغلقوا البلد بشكل كامل بحيث لا يكون دخول وخروج إلى البلد إلا تحت إشرافهم، وطبعًا معظم الشباب الناشطين خرجوا من البلدة. [بالنسبة لنا] جاؤوا [عناصر النظام] إلى منزلنا، وأصبح خروج المظاهرات في الكسوة صعبًا، وأصبحنا نتواصل مع الشباب كي يقومون بمظاهرات خارج الكسوة في القرى، وأصبح مركز الحركة لشباب الكسوة هي بلدة زاكية في ريف الكسوة. وأيضاً دخل النظام على القرى الأخرى المحيطة بالكسوة والقريبة منها، ويوجد قرى لم يستطع أن يدخلها لأنها أراضي شاسعة ولا يوجد داعي لدخولها بالنسبة للنظام، وكان يوجد بها مقاومة. وبدأت هنا تظهر المقاومة المسلحة على النظام والهجوم على الحواجز، فأصبح الشباب تنطلق من خارج الكسوة، وهنا تشكّلت كتيبة سرايا الحق، وهي مجموعة شباب معهم بعض العساكر المنشقين شكّلوا الكتيبة، وهي كانت سرايا، أي مجموعة صغيرة تقوم بأعمال وتهجم على حاجز عسكري، وكان أثرها بسيطًا ولكن كانت تتسبّب بحالة خوف لدى النظام بشكل كبير.

المنتمون للكتيبة معظمهم أصبحوا من المعتقلين، وعندما كبرت وأصبحت 40 أو 50 شخص كانوا موجودين في مزرعة في ريف الكسوة في "درُوْشا"، وقام النظام صباحًا بمداهمة المزرعة وقتلهم جميعهم واستُشهدوا جميعًا، وانتهت الكتيبة، أي السرية الأولى، ثم تحولت إلى عملية منظّمة وأصبح اسمها لواء الحق، ثم كبرت وجاءها دعم وأصبح اسمها ألوية الحق، ولكن كأشخاص معظمهم استُشهد، ويوجد قسم منهم معتقل.

وفي المقابل، كان يوجد عمل على تنظيم فصائل إسلامية في المنطقة، وكان يعمل عليها في الكسوة رفاعة عبد الفتاح(أبو إسلام)، وفي داريا أبو تيسير زيادة، وكان لديهم كمية كبيرة من المال والسلاح، وتشكّلت في البداية كتيبة، ثم تحوّلت إلى مجموعة كتائب، وفي الكسوة كان اسمهم الزبير بن العوام، وفي داريا كان لهم اسم آخر لا أتذكره، وبدأت تقوم بعمليات أكثر قوة وتأثيرًا. وكانت بنفس الوقت ألوية الحق تأخذ دعمًا من مغتربي الكسوة، لأنهم يعتبرونها أكثر قربًا للبلد، وأيضًا كانت تشارك بالعمليات بشكل منظّم وقوي. ونحن في هذه الفترة لم نكن نستطيع الوصول إلى الكسوة، ولكن إلى محيط الكسوة، وأنا كنت أذهب إلى زاكية، وتَشَكّل في دمشق وريفها مجلس عسكري بقيادة خالد الحبوس، وهو كان مقيمًا عندنا في المنطقة، وكنت أجلس مع خالد الحبوس ونتكلم ويأخذ آرائنا بالموضوع العسكري وتنظيمه، وكان المجلس ضعيفًا، وكان أكثر انتشاره في ريف دمشق الغربي، وكان تقريبًا غير فعّال، واستمر إلى عام 2012 وإلى ما بعدها بقليل، ولم يستطع أن يشكّل حالة عسكرية منظّمة، وبقيت الفصائل الإسلامية أكثر قوة وتنظيمًا، واستطاعت فرض نفسها كتجمّعات فيما بعد. 

في هذه المرحلة التي نتكلم عنها خرجنا من الكسوة، وأنا سكنت في المهاجرين، ومعظم الناس بقيت تستطيع التحرك في الكسوة لأنهم أصلحوا أوضاعهم [مع النظام].