الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

الاعتقال في الأمن السياسي يوم 18 آذار/ مارس 2011

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:13:14:13

كان النظام مجهّزًا، وقد بعث جماعة الأمن والمداهمة، وبدأوا الضرب والسحل والركل، دخلوا مثل موجة كثيفة ومعهم الهراوات، وبدأ الضرب والاعتقال، وأنا كنت أحد الناس الذين أمسكوا بي، حيث وقعت أرضًا، ووقع هاتفي من يدي، وتمّ شحطي (سحلي)، ولا أعلم من أين يأتيني الضرب والركل، كان عبارة عن شحط (سحل)، وأثناء ذهابك وأنت مشحوط (مسحول) على الأرض تتلقى ركلة من هنا وضربة من هناك.

كانوا يضعون الباصات بجانب المكتبة الظاهرية ليأخذونا بها، وتشاهد من داخل الجامع الأموي إلى هناك عنصرين من الأمن يركضان، وقاما بشدّ أحدنا، وكانا يسحلانه، وأثناء الطريق، يأخذ نصيبه [من الضرب]. وجدنا أنفسنا فيما بعد... وكانت الكلبشة (القيد الحديدي) للوراء، وتصعد إلى الميكرو (الحافلة الصغيرة)، ونضع رؤوسنا على...، وكانوا يشتموننا بكلام سوقي: ويقولون: "يا أولاد ال..." و "بدكن حرية؟" وكل شخص يضع يديه خلف ظهره ومقيّد، ويضع رأسه على مسند المقعد الذي أمامك، ولا ينظر إلى اليمن أو اليسار، كانت هذه هي التعليمات عندما وصلنا إلى الباص، وكان للباص ستائر وهو مغلق حتى لا تشاهد الخارج، ولا يشاهدك أحد من الخارج، وكانت هناك مجموعة من الباصات والمكاري (الحافلات الصغيرة) . وطبعًا، بين الحين والآخر، يخرج أحدهم بينما نحن كلنا نخفض رؤوسنا، ونستند على المقعد، فنأخذ نصيبنا من الضرب. أخذونا الى فرع الأمن السياسي، بعد أن عصبوا أعيننا، ولم يقيدونا بالكلبشة (القيد الحديدي) فقط، وتمكنا من [استراق النظر]، وعرفنا أننا وصلنا إلى "الجبّة" في منطقة الجسر الأبيض. وعند وصولنا كان هناك حفلة استقبال بالضرب والركل على باب الفرع أثناء نزولنا، [ويقولون]: هؤلاء جماعة كذا. ثم رمونا في زاوية، ونحن جالسون على الأرض، وكان الجميع حافي القدمين، ثم بعدها بدؤوا إجراءات التحقيق، في البداية، أخذوا الأسماء والأرقام والهويات، وبدؤوا بأخذنا واحدًا واحدًا إلى الاستجواب والتحقيق. 

في ذلك الوقت، كانت إجراءات التحقيق... وأثناء اعتقالنا كنا قد تعرّضنا للضرب والتعذيب، وفي الفرع، كانوا يحاولون أن يكونوا أقل عنفًا. كل شخص تمسّك برواية، مثلًا: كنت أتمشى في المنطقة، وحدثت المظاهرة، وعندما جمعوا الأشخاص أحضروني بالخطأ، وشخص آخر [يقول]: أنا ذاهب لأشتري بعض الأغراض لزوجتي، وشخص آخر[يقول]: أنا ذاهب للصلاة في "الأموي". ولكن لفت نظري بعض الشباب الذين هم صغار في السن، وكنت أرى كيف يسألونه، ويجيبهم، ويقولون له: هل تريد تغيير النظام؟ فيقول: نعم، أريد تغيير النظام، وبدنا (نريد) حرية. فأنا فرحت من جهة، [وقلت في نفسي]: ما شاء الله، هذا الشاب يتكلم بجرأة. ومن جهة ثانية، خفت عليه؛ لأنه سيتعرض للتعذيب والإهانة. 

ومن المواقف التي شهدتها عندما تمّ تجميعنا: كان هناك شاب يجلس بجانبي، ويبكي، وسألته: لماذا تبكي؟ أليس عيبًا على الرجال أن يبكوا؟! قال: أنا لا أبكي على نفسي، ولكن أبي وأمي كبار في السن، ومعهم الضغط والسكر، وخائف عليهم، وأخاف عليهم إذا عرفوا أنني هنا. وشاب آخر كان يجلس، قلت له: أين كنت؟ قال: أنا كنت في جامع صلاح الدين. وسألته: وهل خرجت مظاهرة من هناك؟ فقال: لا، ولكن كان الخطيب يخطب، وطبعًا، هؤلاء الخطباء يخطبون خطب وزارة الأوقاف. فقال: صعدت إلى المنبر، وأخذت "الميكرفون" من الخطيب، وتكلمت عن أهلنا في ليبيا كيف يتم ذبحهم، وأنه يجب علينا الخروج، وتكلمت عن درعا، فتم ضربي وأخذوني من داخل الجامع إلى هنا.

بصراحة، عندما أرى هؤلاء الشباب بهذا العمر، وكلهم في مستوى سنة أولى جامعة، أعمارهم 18-20 عامًا، فهذا ولّد لدي تفاؤلًا كبيرًا بأن هذا الجيل واعٍ وعارف رغم خطواته الجريئة، ولكن لديه وعي كافٍ.

فكان الشباب يتحزرون (يخمنون): إلى متى سنبقى في السجن؟ فقلت: أكيد سيخرجوننا قبل تاريخ 21 آذار، قالوا: لماذا؟ فقلت: لأنه في هذا التاريخ عيد النيروز، ويجب عليهم ترك أماكن فارغة للذين سيتمّ اعتقالهم بسبب احتفالات النيروز. فقد كان الأكراد يحتفلون بالنيروز، وتحدث بعض الاعتقالات للذين يحملون شعارات سياسية، وفعلًا، كان التوقيف مدة يومين أو ثلاثة. 

أنا في أثناء الضرب وفي أول ليلة، لم أستطع النوم، فقد كان هناك ألم شديد في ظهري، وكان حول عيني هالة سوداء، وكانت عيني قد أُدميت، ولكن عندما تمّ إدخالنا إلى المهجع رأينا بعض الشباب في الغرفة، وكان الضوء خافتًا معتمًا، والأرض عليها بطانيات، ورأينا شبابًا يبدو عليهم أنهم سجناء قدامى وشعرهم طويل ولحاهم طويلة، ورحبوا بنا؛ لأننا نحن الأحرار، وحدثت هناك دردشة فيما بينهم، فمنهم من مضى عليه عدة سنوات، فقد كانوا موقوفين سياسيين من سنوات سابقة.

أنا كنت أتلوّى بسبب الألم الشديد، ولا أستطيع أن أجلس، في النهاية، صرخ الشباب معنا في المهجع، ودقوا عليهم [قائلين]: تعالوا لتروا ماذا به. فأخذوني، وحملوني، وقالوا: خذوه إلى مستشفى ابن النفيس. وأخذوني الى المستشفى، طبعًا، أنا طوال عمري أدخل للمستشفى كطبيب باسمي وشكلي، ولكن هذه المرة دخلت المستشفى كشخص معتقل حافي [القدمين] ومعصوب العينين والأغلال في اليدين، وليس لي اسم، بل كان اسمي عبارة عن رقم، وكان هناك توصية: حاولوا ألا تتركوه [في المستشفى]، المهم أن تحلوا القصة (تعالجوا الأمر) بأسرع وقت لإرجاعه للسجن. تبيّن أنه قد أصبح لدي كسر في الناتىء المعترض في الفقرة القطنية ونزيف حول الكلية، وعندما أعادوني إلى الفرع ثم أخرجوني من المهجع قاموا بربط يدي وقدمي بجنزير بسرير عند باب المهجع، على أساس أنني[أُعامل] كسجين ومريض، والآن أحظى بالرعاية اللازمة. وهنا تذكرت كم كانوا يأتون بمعتقلين إلى مستشفى تشرين [العسكري]، كانوا يدخلون حفاة، ومعصوبي العينين والسلاسل، وحتى عندما يضطر المريض للنوم بالمستشفى بعد القيام بعمل جراحي تخيل أن مريضًا أجرى عملية ويوجد جنزير في يديه وقدميه ومربوط في السرير، كان أمرًا غير معقول.

حققوا، وأنهوا التحقيقات، ثم جمعونا، وكان هناك الرائد وسام على ما أذكر، وعندما أرادوا إخراجنا... وطبعًا، بعد كل شيء وقبل أن يرغموك على كتابة تعهد، ينادون علينا بالاسم، ويجعلوننا نكتب تعهدًا بعد التحقيق والإفادة، و[مضمون التعهّد]: "لم أتعرض لأي إهانة أو تعذيب". وهنا رميت القلم والورقة من يدي، وضحكت، وقلت: "وما هذا الذي أنا فيه؟ ماذا تسمونه؟"، فقال: "لا، هذا فرع ثانٍ"، فالذي يعتقل شيء والذي يحقق شيء. وفعلًا، كانت تلك الأمور مضحكة. 

طبعًا، جمعونا، وتكلموا عن الوطن والمؤامرة والحسّ الوطني، [ويقولون لنا]: أنتم مواطنون، ونرجو السماح، أنتم ستخرجون. وطبعًا، كانوا يرمون الطعم، ويحاولون تجنيد أي شخص، فيقولون: إذا حصل معكم أي شيء اتصلوا بنا على هذا الرقم، واتصلوا في أي وقت ولا تترددوا. وفي خلاصة الأمر وبعد الكلام، أنا كنت أذكر أنه عندما تمّ اعتقالنا كانت دفعتنا 22 أو 23 شخصًا، وعندما جمعونا (نفس الدفعة) ليخرجونا، كان عددنا 19، وعندما كان يتحدث ظهر عليّ أنني كنت في وضع المستاء من أمر ما، فقال: ماذا به الدكتور؟ هل هناك أمر لا يعجبك بالكلام؟ فقلت: لدي سؤال، أنت تقول: إننا أولاد بلد واحد ووطن، وأنها فركة أذن (تأنيب بسيط)، ولكن نحن دخلنا 22 أو 23 شخصًا، والآن نحن 19، وهناك 4 أشخاص آخرين أين ذهبوا؟ فنظر إليّ، وقال: "أحيانا تضطر تعمل فركة أذن لابنك". وقلت له: أنتم تقولون "أبناؤنا وأبناء الوطن" فأين هم؟ فقال: "ألا تضطر أحيانًا لعمل فركة أذن (تأنيب بسيط) لابنك من أجل مصلحته؟" فقلت له: أعتقد أنه يومين أو ثلاثة أيام اعتقال وضرب، فهذا أكثر من مجرد فركة أذن (تأنيب). فنظر إليّ بلؤم، وقال: إذا أحببت فلتبقَ معهم. وهنا عرفت أن الأشخاص الأربعة [سيبقون]، وهؤلاء (3 أو 4) كانوا صريحين وجريئين جدًا، [وكانوا يقولون]: نعم، أتينا لإسقاط النظام، وجئنا لنقوم بمظاهرة، [بينما أغلب البقية] كانوا قد حاولوا مواربة قصتهم وروايتهم.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/07/04

الموضوع الرئیس

البدايات الأولى للثورة السورية

كود الشهادة

SMI/OH/52-03/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

18/3/2011

updatedAt

2024/04/08

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-الجسر الأبيضمحافظة دمشق-ساحة الجبةمحافظة دمشق-مدينة دمشق

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

وزارة الأوقاف السورية (نظام)

وزارة الأوقاف السورية (نظام)

فرع الأمن السياسي في دمشق

فرع الأمن السياسي في دمشق

مشفى تشرين العسكري

مشفى تشرين العسكري

مستشفى ابن النفيس

مستشفى ابن النفيس

الشهادات المرتبطة