بعد عمل دؤوب في الأكاديمية العسكرية العليا وجهد، والحقيقة إنني بذلت جهدًا كبيرًا جدًا، فكان هناك نوع من التحدي أنك أنت تستطيع أن تتخرج  الأول أيضًا وخاصة في دورة القيادة والأركان؛ لأن هذه لها سمة مختلفة تمامًا، ويحضر حفل التخرج وزير الدفاع نفسه وقادة الفيالق والفرق، وعادة يكون معك متدربون من دول أخرى وليس من سورية فقط، كان معنا طلاب من أكثر من ثماني دول من الطلاب الضباط ضمن الأكاديمية ومن الأردن ولبنان والكويت واليمن، بالإضافة إلى بعض الدول الغربية، وبالتالي كان لدورة القيادة والأركان نكهة، وهذا جعلني أبذل المزيد من الجهد، وسبحان الله كانت دورة القيادة والأركان في نهايتها في زمن انطلاق الثورة السورية، ولم يكن هناك انقطاع، وما زلت أذكر زميلي المقدم معن -رحمه الله- وفي إحدى إجازات الأكاديمية، لم أنزل، وكنت أدرس من أجل الفحوصات والاختبارات النهائية وذلك في نهاية الشهر الثالث [2011]، وهو ذهب إلى منزله، وعاد، فدخل عليّ صباحًا وهو مسرور جدًا وسعيد، وقال لي: تصور يا أبا عبادة ماذا حصل البارحة في يوم الجمعة. فسألته: خيرًا (ماذا حدث) فقال: بعد صلاة الجمعة خرجت مظاهرة عندنا في حي باب الدريب. وقال: وجدت نفسي ضمن المتظاهرين، ووجدت نفسي أهتف ضد النظام، ووجدت نفسي أول المتظاهرين. فقلت له: أنت فعلت مصيبة؛ لأن هناك كاميرات وأمنًا. فقال: هذا هو الذي حصل معي. فقال: هذا الأمر حصل البارحة، وأنا جئت اليوم، وليحصل ما يحصل. فقلت له: قد يتحدث عنك أهل حيّك. فقال: لا أكترث. وقال: أحسست أنني حرّ بكل معنى الكلمة، ويوجد شيء مكبوت في داخلي أخرجته في هذه المظاهرة. وكان سعيدًا جدًا، وحتى لو عرفت أجهزة الأمن فلا يبدو عليه أي ردّ فعل.

سبحان الله! كان انسياق الضباط في المظاهرات ومشاركتهم فيها من المظاهرات الأولى ومن الأيام الأولى للثورة السورية، وبالتالي عندما انتهيت من دورة القيادة والأركان قدّر الله أنني كنت الأول، وذلك بسبب وقوف الكثير من الضباط المدربّين معي وعلى رأسهم العميد أسعد الزعبي الذي كان قائد جناح القوى الجوية في الأكاديمية العسكرية العليا، وبالتالي كان حريصًا على أن آخذ حقي؛ لذلك كان يقول لهم: حقّ هذا الرجل هو أن يكون الأول. وبالتالي استطعت أن أكوّن الأول، وعدت إلى القطعة، وقابلت قائد المطار (مطار حميميم)، وقال الرجل: أنت حاليًا أثبتّ بالنسبة لي شخصيًا أنك كنت جديرًا طوال السنوات الماضية بالتميز الذي كنت فيه، ولكن يا أبا عبادة، أنت تعرف أن هؤلاء "المسلحين والمشاغبين والمندسين" يخرجون في مظاهرات، وأنت من حمص من الخالدية، والخالدية هي بؤرة من بؤر المظاهرات والخروج على النظام، وأتمنى أن تأخذ حذرك، وخاصة بعد أن أصبحت ركنًا، ومن الممكن أن تكون هدفاً مشروعاً لهؤلاء المندسين. وطبعًا، شعرت بأنه يحاول أن يعرف آرائي وأفكاري، وخاصة بعد انقطاع دام حوالي أكثر من سنة عن القاعدة (قاعدة حميميم العسكرية)؛ لأنني في تلك الفترة كنت في الأكاديمية، ثم عدت، والتحقت بحميميم، وربما يكون هناك اختلاف في الآراء بالنسبة لي، وهو كان يسبر آرائي.