عدت إلى الدوام في مكاني [في قاعدة حميميم العسكرية]، ووجدت الكثير من التقصير في المجال الذي كنت أستلمه (مسؤولاً عنه)، وحاولت أن أدخل، وأقدّم بنفس الطريقة التي كنت أقدّم فيها، والحقيقة لم أستطع؛ لأن الظروف كانت متغيرة وكذلك التوجّه، وتغيرت الحالة الاجتماعية التي كنت فيها، وكان حيّي (الخالدية) دائمًا مستهدفاً والمظاهرات فيه بالآلاف، وظهور أول عمل مسلح كان فيه. وفي تلك الأثناء، كان حصار "بابا عمرو"، وكانت محاولات اقتحام جيش النظام "لبابا عمرو"، وحتى يمنعوا مؤازرة الخالدية "لبابا عمرو" كانوا يضغطون على الخالدية، ويحاصرونها، ووضعوا حواجز فيها، وبالتالي كان الوضع مختلفًا تمامًا، وليس هذا هو الجيش الذي أعرفه، وليس هذا هو الوطن الذي أعرفه، وليس هذا هو الشيء الذي تطوعت في الجيش من أجله، ولا يمكن أن أقدّم له أي شيء من مجهودي، فاعتذرت عن الإكمال في العمل الذي كنت أقوم به سابقًا، وحاولت قدر الإمكان أن أقدّم ما يُطلب مني فقط ضمن الحدود التي لا تؤثر على الثورة والثوار، وكنت لا أزال أقيم ضمن القاعدة.

طبعًا، في هذه الأثناء كانت المظاهرات تكثر والأماكن، وجاءنا تعميم من إدارة المخابرات الجوية بمنع مشاهدة فضائيات الجزيرة والعربية، وأصبح كل شخص يُشاهد هذه القنوات تحت الإدانة، وأحيانًا يستدعون إلى التحقيق الأشخاص الذين يشاهدون هذه القنوات.

قدّر الله سبحانه وتعالى أن يكون بجانبي زميل في الغرفة، واسمه الرائد ياسر عبد العال - رحمه الله- وهذا الرجل كان يتميّز بإخلاصه في العمل في المطار (مطار حميميم)، وهو من منطقة إدلب، من إحدى قرى إدلب، ولكن طبيعته الجبلية قاسية وكلامه صلب دائمًا وحادّ وبدون مرونة، وكنا عندما نجلس بعد العمل في المناوبة، وكان مقيمًا في المطار أيضًا، كان يقول: هل ترى يا أبا عبادة حجم القتل الذي تقوم به أجهزة الأمن والنظام؟ ولماذا نحن صامتون؟! ولماذا لا نتحرك؟ وماذا سيحصل بنا في الآخرة؟ فنحن نقدم كل شيء عندنا، ونحن أحببنا هذا الوطن ومخلصون له، ولماذا يقتلوننا؟ وهل لأننا من طائفة مختلفة عنهم فقط؟! فسبحان الله! هذا الرجل كان يجاهر بنقده لما يقوم به النظام في مناطق جبل الزاوية والمناطق الأخرى، وفي الحقيقة، كانت هناك مناطق يستهدفها النظام بقسوة، ومناطق فيها مظاهرات، ومناطق لا يوجد فيها أي توتر، وكانت الأماكن مختلفة.

وهو كان يتحدث أمام كل الضباط بأنه يحصل من قبل أجهزة الأمن ممارسات، وهي التي تقتل وتفعل كذا. وهذا الرجل كان تحت المجهر تمامًا، وطُلب إلى فرع المخابرات الجوية في اللاذقية، وذهب إلى مراجعة الفرع، وقالوا له: هل أنت تتحدث بهذا الشكل؟ فقال: أنا أتحدث عن المشاهدات التي تنتقل. فسألوه: وهل رأيتها؟ فقال: لا، ولكنني أنزل، وأسأل إخوتي، وموضوع كهذا إذا لم نوصله فمن الذي سيوصله؟! وإذا لم نقل لكم ماذا يحصل فقد يكون هناك سلوك فردي من العناصر، ولا يكون هو هذا نهج القيادة عندنا في سورية.

هذا الرجل لم يبقَ طويلًا، وبعد أن عاد من التحقيق بحوالي عشرة أيام انشقّ، وكان من أوائل الضباط الذين انشقّوا في قاعدة حميميم، وهم لم يقولوا في قيادة المطار بأنه انشقّ، وقالوا: إن حسن عبد العال ذهب إلى منطقته، وتمّ خطفه من قبل المسلحين. ولكنه انشقّ، وأذكر أننا كنا نتابع على القنوات الفضائية بالرغم من أنه كان ممنوعًا علينا مشاهدتها، وأنا رأيته في مقطع عندما هجموا على فرع المخابرات في إدلب، وكان موجودًا فيها، وبعد أيام، أخبرونا أنه تمّ اجتياح مدينة إدلب من قبل النظام، وتمّ القبض على عدد من المسلحين وقُتل بعضهم، وكان منهم الرائد حسن عبد العال رحمه الله.

[بالنسبة] لأخينا حسن وردّ الفعل التي كان ضمن مبنى الضباط الذي كنا موجودين فيه، كانت هناك نظرات استياء من الضباط وحتى الذين كانوا من طوائف أخرى من رتب صغيرة: رتبة نقيب، وملازم أول، وملازم، فكانت تأخذهم العاطفة [ويقولون]: إنه رجل طيب وجيد، ولماذا ورّط نفسه بهذا الشكل؟ وطبعًا، هذا ما يقولونه، ولكن حتمًا بينهم وبين أنفسهم كان لهم تشخيص آخر؛ لأنه كان واضحًا أنهم منزعجون كثيرًا.

الضباط الذين كانوا في رتب مرتفعة قليلًا وهم من المنطقة الساحلية تشعر بأنه كان لديهم شماتة وحقد، وكانوا سعداء بالمآل الذي وصل له، وكأنهم يقولون: إنه "شخص وفطس وإن هذا مصير كل خائن". وكانوا يُسمعون الضباط السنّة أنه هكذا سوف يحصل بكم.

طبعًا، بقيت قيادة المطار على رواية أنه تمّ خطفه من قبل المسلحين، وبعدها أجبره المسلحون على القيام بالعمل معهم وذلك من أجل عدم تشجيع الانشقاق.

بعد فترة في القاعدة في المطار، جاءنا تعميم من وزير الدفاع بعدم الاستماع إلى الشيخ عدنان العرعور وقناة وصال، وتصور أن وزير دفاع دولة يخرج منه تعميم بتوقيعه يتكلم عن برنامج تلفزيوني أو فضائي، وكم كان للشيخ عدنان تأثيراً في الشارع! وكان في ذلك الوقت له تأثير كبير، وكان يقول: إن الشيخ عدنان له ارتباطات مع استخبارات خارجية وجماعته وهابيون ولهم تحركات مشبوهة. وما يشبه هذا الكلام. 

المفارقة أننا كنا نسمع ما تكلم به الشيخ عدنان من زملائنا العلويين بعد أن يذهبوا إلى منازلهم، فهم يذهبون، ويحضرون الحلقات، ويأتون في اليوم الثاني، ويقولون: تصور أن الشيخ عدنان قال كذا وكذا، وهكذا طلب من الناس في حي الدريبة في جبلة، وهكذا لبّوه، وضربوا بالطناجر في حي الصليبة في اللاذقية. وهو -سبحان الله- كان يحرّك الشارع، ويسيطر عليه بشكل كبير جدًا، والناس تردّ عليه، وهذا كان يخيف زملاءنا الضباط الآخرين كثيرًا، ولكن منهم من يتكلم بإعجاب: الرجل بعيد في منطقة ثانية وبلد ثانية في السعودية، وهو من خلال التلفزيون يحرّك كل هؤلاء الناس! ومنهم يستسخفون الناس الذين يتحركون.

ولكن وصول تعميم من وزارة الدفاع وبتوقيع وزير الدفاع فهذا يعني على أنه بالفعل كان مؤثرًا، وهم درسوا الحالة، ووجدوا أنه يجب ضبط حالة الشيخ عدنان العرعور وتأثيره في المجتمع السوري وإلا ستفلت الأوراق من يدهم.