عزاء ومظاهرة شعبية في الكسوة
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00;08;59;35
فَتَحَ 25 (آذار/ مارس) [2011] الباب أمام الولادة العلنية والواضحة للثورة السورية، وبدأت الثورة تسمي جمعاتها: جمعة 18 آذار "جمعة الكرامة"، وجمعة 25 آذار "جمعة العزة"، ثمَّ تتالت الجمع مع النشاطات الثورية فيها. في نفس هذه الجمعة في 25 (آذار/ مارس)، سمعت عن مظاهرة في الكسوة، والحقيقة أنها لم تكن مظاهرة، وسمعنا عن سقوط شهداء هناك، وأن هناك حالة تأبين، ونحن لدينا قرار مسبق بالمشاركة في نشاطات الثورة وهذا أحد النشاطات، والقرار هو لحزب [الشعب]. الكسوة مدينة [تقع في] الجنوب الشرقي من قطنا، وهي منطقة قائمة بذاتها إلى جانب منطقة قطنا، والمسافة ليست أكثر من نصف ساعة، وهناك علاقات بين المدينتين مثل العلاقات بين الأرياف؛ لأن الكسوة قبل ذلك كانت ناحية تابعة لمنطقة قطنا، وهناك أراض وعلاقات مشتركة. وأردت الذهاب للمشاركة في ذلك الحدث هناك، وكان الوقت مساءً (في أول الليل) وذهبت مع مجموعة من الأصدقاء إلى الكسوة وإخوتي كانوا معي؛ لنزور بعض أصدقائنا هناك، ونشارك في التعزية القائمة بالشهداء، ذهبنا إلى هناك، وكان الاجتماع في ساحة المدينة، وهي ساحة كبيرة، وكان أحد الشهداء الذين يتمّ تأبينهم من تلكلخ، وسقط في تلك الصدامات في ذلك اليوم، ويريدون أن ينقلوه إلى مدينته (إلى تلكلخ ). والساحة موجودة مثل أي ساحة ريفية، وأهاليها الفلاحون موجودون نساء ورجال وأطفال من كل الجهات، وهو مأتم، ولكن في الحقيقة أشبه ما يكون بالعرس من حيث الحجم، وهناك أسف على الشهداء الذين يموتون، ولكن هناك تهلل بانطلاق السوريين باتجاه حريتهم، وكأنَّهم يعرفون بدقة أنَّ لهذه الحرية ثمنًا، وهم يدفعون هذا الثمن. شاركنا في التعزية في هذا المأتم، وذهبنا إلى منزل أحد الأصدقاء، وبعد حوالي نصف ساعة كانوا يقولون: خرجت المظاهرة. ونخرج إلى الرصيف أمام البيت، ولأول مرة أرى أمامي هذا المشهد، الشارع عريض، وعرضه 20 مترًا، وعلى عرض الشارع، تسير المظاهرة، ولمدة نصف ساعة على الأقل، وتعجبت من أين أتى أهل الكسوة بكل هؤلاء الناس المشاركين في المظاهرة؟! واكتشفنا أنَّ أهل القرى الصغيرة أصبحوا ينزلون إلى مراكز المدن ليشاركوا في المظاهرات، وخاصًة إذا كان فيها مآتم.
خرجت المظاهرة، وكنا نمشي على الرصيف لنشاهد المظاهرة، وكان على عرض الشارع آلاف الناس، وبين الحين والآخر يخرج من بين المتظاهرين شاب ويعانقني ويقبلني من اليمين واليسار ويذهب بدون أي كلمة، وبعده بخمس دقائق يخرج رجل آخر ويقوم بنفس الشيء ويذهب. وتكررت هذه الواقعة عدة مرات، وأخي بجانبي فسألني: هل تعرف هؤلاء الناس الذين يقبّلونك؟ فقلت: لا أعرفهم، ألم تشاهد كيف أننا لم نتحدث معًا؟ وطبعًا، هم يعرفونني من وسائل الإعلام؛ لأننا كنا قد بدأنا نتكلم عن هذا الموضوع من بداية "الربيع العربي"، وفي الظهور على وسائل الإعلام كنا نعبّر عن مواقفنا، هذه المواقف التي تشتهي أن يحدث في شوارعنا مثل ما حصل في شوارع المدن العربية الأخرى، وها قد وصلنا للموضوع. فكان شيئًا ملفتًا للنظر هذه النقاوة الشعبية في الريف السوري، فهو (ذلك الشخص الذي يقبّلني) لا يعرفني ولا أعرفه، ولكن ما يجمعنا هو الحفاوة في الولادة الجديدة لسورية، والتي هو يشارك بها وأنا أشاهدها، وفي الحقيقة، هو يعرف أنَّني قادم من مكان آخر وآتٍ لأشارك في هذا المكان. وأمضيت في الكسوة ساعات أشهد مظاهرة شعبية بكل معنى الكلمة، وكبيرة بكل معنى الكلمة، وهتافاتها وطنية تجاه الحرية والكرامة فقط، والكسوة مدينة أهلها مسلمون، وليس فيها مسيحي واحد، وأنا المسيحي الذي آتٍ ليتفرَّج، ولقيت هذه الحفاوة. وهنا كانت الثورة تأخذ بيدنا أكثر فأكثر بكل فعالية وكل حدث لكي تعطينا درسًا جديدًا فيها، وهذا الدرس الآن في تلك المظاهرة هو أنَّ كل الناس قد خرجت، والكسوة بقضها وقضيضها قد خرجت، وتعبِّر بهذا الشكل المدني المتحضر الذي لم تعرفه، وشوارع الكسوة مثل شوارع المدن الأخرى لم تعرف مظاهرات الحرية في تاريخها، ولكن كانت تعرف الباصات التي ترسلها السلطة، ويملؤون بها الناس ليشتركوا في المسيرات في قلب العاصمة بمناسبات النظام والحفاوة به.
لأول مرة تولد الحرية في المدينة السورية وفي القرية السورية بهذا الشكل المكتمل والحرّ والوطني والعفوي، بالإضافة إلى ارتباطه مع الهدف السياسي، فأنا أخذت موضوع انتباههم إليَّ ليس كموضوع شخصي، ولكنه موضوع عام وسياسي؛ لأنَّ هذا الحراك في الشارع يحتفي أيضًا بالسياسة الوطنية التي قامت الثورة من أجلها.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/07/21
الموضوع الرئیس
البدايات الأولى للثورة السوريةالحراك السياسي في بداية الثورةكود الشهادة
SMI/OH/56-10/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
باريس
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
3/2011
updatedAt
2024/11/15
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مدينة قطنامحافظة ريف دمشق-الكسوةشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
حزب الشعب الديمقراطي السوري