الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

حكايات من الثورة وإرهاصاتها في سجن عدرا المركزي 1

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00;13;22;56

أعطانا السجن [سجن عدرا المركزي] فرصة لنتحاور ونتحدث مع بعضنا، شباب الثورة من جهة ونحن السياسيون المنتمون للمعارضة [من جهة أخرى]، وتوجد بيننا فروق السن، وربما توجد بيننا فروق الثقافة، فكانت الفرصة الأولى حتى تلتقي مع جيل الثورة وصانعها، وكان ظهوري الإعلامي يزيل القيود، ونحن في مكان واحد نتكلم في فضاء الثورة. وكان شباب حوران هم الأكثر عددًا، كانوا عشرات موجودين في الساحة، وبدأ يقدم كل شخص في السجن...، ومن الطبيعي أن تسأله في البداية: لماذا أتيت؟ كيف أتيت؟ ومن أين؟ وماذا فعلت؟ وهو يقوم بالشيء نفسه. فتخرج حكايات طريفة جدًا، ولكنها بالغة الدلالة، واحدة منها كانت مع محمد الحوراني الذي يعمل في محل لبيع "الموبايلات"، وحين قامت مظاهرة 18 (آذار/ مارس) [2011] من الجامع العمري، وسمع الناس بالمظاهرات وإطلاق الرصاص، وكان لأول مرة يحدث في درعا، فأغلق المحل، وخرج مع الشباب الخارجين، وأمه بعد نصف ساعة اتصلت به على الهاتف، وقالت: أين أنت يا محمد؟ قال لي محمد: خفت أن أقول لها في المظاهرة، فتخاف عليّ لأن هناك قتلى في الشوارع. فقلت لها: أنا في المحل. فقالت: "تفو عليك" (إنه لأمر معيب جدًا) أصدقاؤك يُقتلون في المظاهرة ويتعذبون وأنت جالس في المحل! فقلت لها: سأخرج حالًا. هذه الحادثة عندما رواها لي محمد [قلت]: نحن اليوم في زمن مغاير: أم تدفع ابنها للمشاركة في المظاهرة، وهي تعلم أنَّ هناك مخاطر، وتعيب عليه [تخاذله]، وهذا يعني مدى عمق فعل الثورة في أوساط الشعب. وتذكرت فورًا حكاية كنت أسمعها بأذنيّ من جارتنا أم رياض، وهم أسرة من النازحين من الجولان، وحين بدأت الثورة وقامت، وأنا سمعت ذلك بأذني، كان لديها ثمانية أولاد، وكانت تقول: لا تخرجوا في المظاهرة كلكم في يوم واحد، لا أريدكم أن تموتوا في يوم واحد، اخرجوا اثنين اثنين. لا أعتقد أن هناك دراما في الدنيا أعمق مما تقوله أم رياض، فهي تعرف أنَّ الموت ينتظر أمام أي منعطف لمن يخرجون في المظاهرات، ولكن أمنيتها ألا يموتوا في يوم واحد، وإذا قُدّر عليهم أن يموتوا فسيموتون، ولكن لا يموتون في يوم واحد. هذا من مظاهر الثورة السورية، ومن عمقها الاجتماعي الصلب، وأصبحت أتخيل لو أن أم رياض ليس لديها أولاد يخرجون في المظاهرات فلا يمكننا أن نتخيل إلا أنها هي من سيخرج في المظاهرة، وهذا ما حصل فيما بعد، كيف خرجت سورية بشيبها وشبابها. حكايات كثيرة عن الموضوع: في الساحة مع شاب حوراني يسألني، قال لي: أستاذ لماذا نحن صرنا بعثيين؟! هل ليقتلوننا ويعذبوننا؟! أبي رئيس اتحاد الفلاحين في المحافظة، فقلت له: لا تسألني، اسأل أبوك. فقلت: أين أبوك؟ قال: هناك، هو جالس في الشمس. كان في ساحة سجن عدرا وهو رئيس اتحاد الفلاحين في المحافظة، وهم بعثيون. وهنا جاء معلم جديد بأنَّ إرهاب النظام وخوفه مما يجري جعله لا يضع أي اعتبارات (بعثي، وغير بعثي، ويعمل في منظمة)، وانتهت كل الاعتبارات، والاعتبار الأساسي هو أنه يجب أن يُخمَد هذا الصوت وينتهي هذا الحراك. ولذلك كان في ساحة سجن عدرا العديد من البعثيين ومن مختلف المراتب والمواقع.

ومن جملة ما يمكن أن يجري الحديث عنه هناك الحادثة ذات الدلالة المهمة التي أنا أعتبرها واحدة من إرهاصات الثورة، وكانت مكتومة، وقليل من يعرفونها، وهي الحادثة التي حكاها لي كل من معتز نادر وفراس محيثاوي، وهما شابان من جبل العرب وطلاب في جامعة دمشق، يسكنان في المدينة الجامعية في المزة، في اليوم الذي حرق البوعزيزي نفسه وهما يشاهدان التلفزيون وبعد تداعيات هذا الوضع في تونس والحراك الذي سبّبه البوعزيزي، ويقول أحدهم لصديقه: هذا البوعزيزي حرّك تونس، أنت ماذا تفعل؟ أنت جالس من دون منفعة على الكرسي. فقال له: ما تريده أنا مستعد للقيام به. اتفقا أن يكتبا بيانًا ويوزعانه في المدينة الجامعية. جلس الطالبان الجامعيان، وكتبا بخط اليد بيانًا يسقط بشار الأسد، ويطالب بالحرية ضد حزب البعث، فصوراه، ووزعاه في المدينة الجامعية. وفي اليوم التالي أخذت المخابرات البيان، وكان البيان مكتوبًا بخط اليد، وواضح أنَّه ليس فيه شيء سياسي؛ وبالتالي ليست وراءه جهة حزبية أو معارضة، وواضح أنَّه تعبير عن تأفف عالي المستوى، فجمعوا البيان، ولم يحصل شيء. وفي المساء حين جلس الشابان، وقال الأول للثاني: ماذا فعلت؟ معتقد أنَّك فعلت بطولة! رميت الأوراق فمسحت المخابرات بهم...، ولم يظهر أي أثر للموضوع. وقال: ما رأيك أن ننزل ونكتب على جدران مدينة دمشق، ويراها (أي الكتابات) السوريون كلهم؟ واتفقا واشتريا دهانًا وفرشاة، ونزلوا إلى قلب العاصمة، وبشكل شجاع لدرجة التهور يبدؤون بالكتابة على جدران قلعة دمشق، على جدارها الغربي، بدءًا من مدخل سوق الحميدية حتى مدخل سوق الهال القديم، الجدار المكشوف عند تمثال صلاح الدين الأيوبي، وبالخط العريض: إسقاط لبشار الأسد ونظام الأمن والمطالبة بالحريات. وينزلون إلى السنجقدار، ويملؤون الجدران كتابات، ويصلون إلى المرجة إلى أمام سينما دمشق وفندق سميراميس عند جسر السيارات الصاعد إلى البحصة، فيضبطهم الأمن وهم يكتبون [على الجدران]، ويعتقلهم الأمن العسكري، ويحققون معهم، وما زلنا في شهر (كانون الأول/ ديسمبر) 2010، ولم يكن هناك أي كلام حول أية مواضيع، ولازالت تونس تتفاعل مؤقتًا، والشابان لا ينتميا لأي أحزاب سياسية، ولا أحد خلفهما، وحققوا معهما ورموهما في أحد الأقبية للأمن العسكري غير مهتمين بهما. وحين بدأ الحراك الثوري وقامت الثورة، تذكر الأمن أنَّ هذين الاثنين لهما علاقة بهذا الموضوع، فألحقوهما بالشباب المعتقلين في إطار الثورة، وأحضروهما إلى [سجن] عدرا. والمفاجأة الكبيرة التي كانت أمام الشابين معتز نادر وفراس محيثاوي أنَّ الدنيا مقلوبة ومتغيرة، ولم يكونا يعرفان ذلك، وما فعلاه كبدايات أخذه الناس، وأصبحت الآن الكتابات تملأ الدنيا، وأنَّ الدنيا متغيرة في تونس وليبيا ومصر، وها هي في سورية. وكانت مفاجئة للجميع، لكن المفاجأة الكبرى لنا نحن السياسيين هناك: ماذا يجري تحت الأرض وفي باطن هذا الحراك الشعبي؟ فأمام العجز السياسي من أن يفعل شيئًا بشكل مباشر في إطار التغيير في النظام، الشعب بوسائله البسيطة وأدواته الخاصة وإمكانياته الصغيرة بدأ التعبير عن الحاجة إلى قلب الطرحة (قلب الطاولة) والحاجة إلى التغيير، وكان بالنسبة لي مدهشًا وأعطاني إيمانًا أنه حتمًا في مختلف المناطق السورية أمثلة أخرى من إرهاصات الثورة تشبه ما فعله فراس ومعتز، ولكنها تحتاج لزمن وأشخاص كي يكشفوها. 

في الساحة حين كنا نخرج إلى ساحة التنفس، هناك مجموعة كبيرة وشاب في أوائل العشرينات من عمره، ويجلس على طاولة صغيرة، ويشرب كأسًا من الشاي أمامه، وهو صامت وعيناه زائغة بكل هدوء، واقتربت منه، وقلت له: لماذا أنت هنا؟ قال: أنا أكتب على الجدران. فقلت له: الرجل البخاخ. فقال: نعم. وقلت: أين بخخت عندما اعتقلوك؟ قال: بخخت على جدران وزارة الداخلية. وأنا هنا تعجّبت، وقلت: ذاهب لتبخّ على جدران وزارة الداخلية وفي قلب المرجة والحراس في كل مكان وتعتقد أنهم لن يعتقلوك! قال: أنا لم أفكر بهذا الموضوع، ولكن استيقظت في الليل، وملأت الشام (دمشق) كتابات، أنا أكتب وهم يطمسون [الكتابات] ورائي، وفكرت أن أكتب في مكان يفضحهم إذا طلوا ورائي، فلم أجد غير وزارة الداخلية، فخرجت في الليل، وكتبت على حائطها الشرقي، وعندما كنت أكتب على حائطها الجنوبي ألقوا القبض عليَّ، فقلت له: تكتب على جدران وزارة الداخلية! فقال: كنت أريد أن أفضحهم، وهنا لا يمكنهم أن يزيلوه لأن جدار وزارة الداخلية من الحجارة. [وهو] شاب من أحد أحياء دمشق القديمة من باب سريجة، ودخل وخرج من السجن عدة مرات، وبعد ذلك عرفت أنَّهم قتلوه في إحدى المرات التي دخل فيها إلى السجن.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2020/07/22

الموضوع الرئیس

إرهاصات الثورة السوريةالبدايات الأولى للثورة السورية

كود الشهادة

SMI/OH/56-17/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

باريس

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

12/2010-4/2011

updatedAt

2024/08/09

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-المرجةمحافظة دمشق-المزةمحافظة درعا-مدينة درعامحافظة دمشق-مدينة دمشق

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

وزارة الداخلية - النظام

وزارة الداخلية - النظام

جامعة دمشق

جامعة دمشق

حزب البعث العربي الاشتراكي

حزب البعث العربي الاشتراكي

فرع الأمن العسكري في دمشق / فرع المنطقة 227

فرع الأمن العسكري في دمشق / فرع المنطقة 227

سجن عدرا / دمشق المركزي

سجن عدرا / دمشق المركزي

اتحاد الفلاحين في درعا

اتحاد الفلاحين في درعا

الشهادات المرتبطة