الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

اجتماع سياسي مفتوح في محل تصليح السيارات في قطنا

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00;08;40;14

استأنفت حياتي العادية بعد أن خرجت من السجن، والمظاهرات بدأت تخرج في قطنا بالتدرج رويدًا رويدًا، ولكنني لم أكن مشاركًا بها؛ لأنَّها لاتزال تتكوّن من جديد، وتظهر هنا وهناك، ومفاجأتي الجميلة التي لا تُنسى كانت حين ذهبت لأغسل سيارتي، في أول البلد، ويوجد في أول البلد محلات خدمة سيارات مثل أي بلد، ويوجد في أول البلد العديد من المحلات. وغسلت السيارة، وكنت جالسًا أنتظرها، وركبت لأنني أريد أن أمشي، وإذا بشابين يصلان أمام السيارة وهما يرفعان أيديهما، فتوقفت، وقالوا لي: إلى أين أنت ذاهب؟ قلت: سأذهب إلى المنزل. وأنا لا أعرفهما. قالا: منذ ساعة ونحن ننتظرك لتنتهي، هيا تفضل معنا. هما طبعًا شباب من أبناء بلدي، وركنت السيارة في الجانب، وذهبت خلفهما، وإذا بي أمام محل لتصويج (إصلاح هيكل) السيارات على الشارع وبعيد عن الشارع 7 أمتار تقريبًا، وكانوا قد قاموا بتنظيفه ورشه بالماء وكنسه، وقاموا بوضع أشياء لنجلس عليها حوله، ليست كراسٍ، كانت علبًا يوضع فيها السمن، هناك كرسي واحد أسود لا يعرف الشخص ما هو أساسه موجود في الصدر والباقي حجارة وتنكة (وعاء من الصفيح) وعلبة... ، والدكان مملوءة بالشباب من عمر عشر سنوات والصبيان الذين يعملون بالخدمات الصغيرة إلى عمر الخمسين والستين سنة من أصحاب المحلات، كانوا هم وأولادهم وعمّالهم، وأغلقوا المحلات كلها في الشارع، وجاؤوا إلى هنا، ويريدون أن يستجوبونني، ويسمعوا. دخلت، فأجلسوني على الكرسي، وقالوا: أين أنت ذاهب؟ نحن ننتظرك، ويجب أن تقول لنا ماذا يحصل. كانت دهشتي كبيرة أنَّهم مهتمون بي وهم لا يعرفونني وأنا لا أعرفهم، وأنا لا أعرف اسم أحد منهم على الإطلاق، ولكن هم يعرفونني وأنا خارج من السجن حديثًا، وكان اهتمامهم الأساسي: هل هناك أمل من الذي يجري؟ هل نشارك بالمظاهرات؟ لأن هناك ثمنًا يُدفع، ولكن هل هناك أمل من الموضوع؟ وثانيًا- ما هي النتائج التي يمكن أن تخرج، وبينما كنت جالسًا في الدكان، وكان اجتماعًا سياسيًا لأشخاص ليس لهم علاقة بالسياسة، وباب الدكان مفتوح وسيارة المخابرات تذهب وتأتي، وترانا في الاجتماع، فلفت نظري صاحب الدكان، وقال: انظر يا أستاذ، سيارة المخابرات تذهب وتأتي ولا تجرؤ على الاقتراب منك. وكانت بالنسبة لي واحدة من المظاهر التي ولّدتها الثورة لحماية الناس، وكنا حين نرى عنصر مخابرات نتوارى من أمامه، والآن المخابرات تشاهدنا، ولا تستطيع الاقتراب منا؛ لأنَّ هناك [واقعاً جديداً، وأشخاصًا ينتمون للمستقبل بعزيمة واضحة. والمجهول مما يجري أكثر من المعلوم - الشاهد]. 

عشرون شابًا من مختلف الأعمار سألوني وأنا شرحت لهم الواقع الذي يجري، وأنَّ ما حدث ليس بالحسبان، ولا أحد يديره، وهو تعبير عن الاحتقان المستمر من الأجيال قال كلمته. [فقلت]: هل هناك حاجة لأن أقول شيئًا أم لا؟ فقالوا: طبعًا، ألا ترانا؟! فقلت: إذًا يجب أن نشارك كلنا، وشرحت لهم ما رأيته في السجن من مختلف أنحاء سورية، وأعطيتهم ضوءًا عن الثورات في العالم التي انتصرت، وأتت بالحريات لشعوبها، وأسست لمجتمعات لم تعد ترجع إلى الخلف. ويوجد في الزاوية إبريق شاي وصينية عليها كاسات، وإبريق شاي لا تعرف شكله الأساسي، كان قديمًا وأسود ومصنوعًا من الألمنيوم، في محل تصليح السيارات، شربت كأس شاي من أطيب ما شربته في حياتي، وحضرت اجتماعًا من أفضل ما حضرته في حياتي. الأطفال لا يفهمون ما يحدث وما يتمّ الحديث عنه، ولكنهم يشعرون بأهمية [ما يجري وما يقال]، وبأن هناك شيئًا مهمًا يحصل. وأنا حذّرتهم، وقلت لهم: أنا خائف أن يقترب منكم هذا الأمن الذي يذهب ويأتي بالسيارة. فقالوا: يا أستاذ، كيف يقترب منا؟! ألا ترى الناس يخرجون مظاهرات في الشارع؟ كيف يقترب منا؟ ليقترب.. إذًا هنا وصلت لنتيجة ثانية: أنَّ حبل الخوف انقطع، واستعداد التضحية عند الناس كبير، ولكن كان لديهم رغبة واضحة ووحيدة: هل هناك أمل؟ نحن مستعدون للتضحية، ولكن هل هناك أمل؟ فنحن لا نعرف بعقدة الأشياء...طبعًا في هذا الاجتماع لم أتكلَّم عن نظريات وعن تجارب [أخرى حصلت] في العالم، وإنما كنت أتكلم عن آلام السوريين التي أعرفها، وعما رأيته في السجن من بقية المناطق. سورية تريد أن تتغير، ولكن كم هو الثمن فلا أحد يعرف؛ لأننا حتى تلك اللحظة لم يكن في بلدنا (قطنا) قد سقط ضحايا، كانت المظاهرات لا تزال مجموعات صغيرة، والنظام لم يواجهها بالعنف، ولكن في خلفية الناس يعرفون السلاح، ويعرفون طبيعة المدينة، ففي المدينة السلاح ليس في يد العسكر فقط، إنما هو في يد الناس في المساكن، لأن هناك مشاريع ميليشيات موجودة ظهرت فيما بعد. يريدون أن يطمئنوا فقط بقليل من المعرفة إذا كان هناك أمل فنحن ذاهبون، وأنهيت اجتماعي المفتوح على مدخل قطنا في ذلك الدكان، وأنا أفكر الآن بأن هناك قسمًا منهم مستشهد، وهناك قسم في المعتقلات، وهناك قسم منهم في المنفى لاجئ، ولكنني أعترف أنه كما أعطيتهم أملًا بأنَّ هناك إمكانية للتغيير والأمل موجود، هم أعطوني رغبة في الالتزام وأن تكون مخلصًا للعهد ولا يمكنك الفكاك منه، وأعترف أنَّني حتى الآن لا أستطيع الانفكاك من الصبيان الذي أوقفوني في السيارة، وقالوا لي: إلى أين أنت ذاهب؟

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2020/07/22

الموضوع الرئیس

البدايات الأولى للثورة السورية

كود الشهادة

SMI/OH/56-25/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

باريس

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

5/2011

updatedAt

2024/11/15

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-مدينة قطنا

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

الشهادات المرتبطة