الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

مواجهة محاولات تشويه الثورة، وقيادة المظاهرة في تشييع الشهداء الأوائل

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00;13;27;11

في 22 (نيسان/ أبريل) [2011]، خرجت أول مظاهرة في مدينتي قطنا، وبدءًا من شهر (أيار/ مايو) أصبحت المظاهرات تقليدًا أسبوعيًا -طبعًا يوم الجمعة وبعد صلاة الجمعة- وأصبحت تخرج بعض المظاهرات المسائية في أي يوم أيضًا، وحاول النظام اعتراض هذه المظاهرات وإيقافها، فكان مرة يقوم بمظاهرات (مسيرات) للمؤيدين، وهم موجودون في المنطقة بكثرة في مواجهتها، ومرة بإرسال بعض الأوباش والشبيحة، وخاصًة من الأقليات: من الدروز والمسيحيين الموجودين في المنطقة؛ لافتعال اشتباكات معها؛ ليحقّق النقطتين الأساسيتين اللتين يمشي بهما لتشويه سمعة الثورة: أولًا- العنف وممارسته على الناس، وثانيًا- أنَّها إسلامية وتخرج من المسجد وتتوجّه ضد الأقليات وأن النظام هو الذي يحمي الأقليات. وكان علينا بين حين وآخر أن نتدخّل لنمنع النظام من تحقيق شيء من أهدافه، وكانت المهمة غير سهلة، فحين يكون الثوار قد قرروا أن يمشوا في وقت ما من شارع محدد، ونأتي نحن من أجل منع النظام من أن يفتعل مشكلة فنقوم بتغيير مسار المظاهرة فليس سهلًا على الشباب أن يقبلوا بذلك، كنا نضطر أحيانًا أن نستلقي في الشارع لمنعهم من العبور؛ لأننا نعرف مدى تصميم النظام على صنع الاحتكاك. وفي إحدى المرات، جرى هذا الاحتكاك، ونجح الثوار بالقبض على الشبيحة من قرية مبيَّا، وجرَّدوهم من سلاحهم، وكنا مضطرين أن نتدخل، ونفكّ هؤلاء المحتجزين، ونعيد لهم سلاحهم؛ لنقدّم باستمرار الوجه الحقيقي للثورة. واستمرَّ هذا الوضع، وكانت أحيانًا تخرج مظاهرات مسائية نسائية، ودخل المجتمع بقوة على الخط (خط الثورة)، فكانت تخرج مظاهرات نسائية، وحين تمرّ المظاهرات من أمام بعض البيوت؛ بيوت الناس الذين قلوبهم مع الثورة وخاصة من المسيحيين، كانوا يخرجون مع زجاجات المياه وكؤوس الشراب، ويسقون المتظاهرين تعبيرًا عن تضامنهم الذي يستطيعون القيام به مع شباب الثورة، وكان لهذا الفعل تأثير إيجابي عند الثوار.

 في يوم 27 (أيار/ مايو) بعد صلاة الجمعة في جمعة "حماة الديار"، ما إن خرجت المظاهرة من باب جامع الغلاييني إلى الساحة حتى كان الرصاص في انتظارها، والشرطة العسكرية كانت قد وضعت قناصة على الأسقف وعلى الجدران [الأسطح]، وتوجَّهت بالرصاص مباشرًة إلى المظاهرة، فسقط ثلاثة شهداء في أوَّل هذه المظاهرة وهم: بكر عوض، ويامن الشيخ، وياسر عرفة. وكنت موجودًا في المنزل في ظهر هذه الجمعة، وانتشر الخبر مباشرةً بأنَّ النظام تصدَّى بالرصاص، وكان هذا يحدث لأول مرة في المدينة (مدينة قطنا)، وسقط شهداء. وريثما جهّزنا أنفسنا وتجمّعنا مع مجموعة من رفاقنا من حزب الشعب [الديمقراطي السوري] ومن أصدقائنا أيضًا لننزل ونرى ما يحدث، ونشترك في الجنازة. كان الشباب قد حملوا الشهداء على سلالم، وحملوهم إلى بيوت أهلهم ليزوروا بيوت أهاليهم، وفي بيت يامن الشيخ التحقت بالجنازة، والجنازة تجوّلت في شوارع البلد، وبدأت عادية بين الثوار، وبدأت تكبر وتكبر، حتى عدنا إلى مسجد الغلاييني، وأدخلوا الجثامين لصلاة الجنازة، فوقفنا في الساحة على الرصيف (الذين لا يدخلون إلى المسجد من أجل صلاة الجنازة)، وانتظرنا. خرجت الجثامين من الداخل، وسارت الجنازة باتجاه المقبرة، والمقبرة ليست بعيدة عن موقع المسجد، وليس أكثر من 500 متر، ولكن الشارع عريض، وعرض الشارع 30 مترًا، والمدينة كلها تنادت، وخاصًة أن المسجد على حافة الأحياء القديمة للمدينة: الشيخ حسن، الحلالة، منطقة الغلاييني، وتزاحم الناس، ولأنه حدث يحصل لأول مرة فكان مفاجئًا. تقدّمت الجنازة أمامنا، ونحن بشكل طبيعي التحقنا بها، ومشينا وراءها، ولم أمشِ خمسين مترًا حتى وجدت نفسي على الأكتاف، حملني الشباب، و[كنا نهتف] شعار الجنازة العادي: "لا إله إلّا الله والقاتل عدو الله". وأنا صرت على الأكتاف وكان عليّ أن أتكلَّم، والهتاف معروف: "لا إله إلا الله والقاتل عدو الله، لا إله إلا الله والجاني عدو الله". وبدأنا وسارت الجنازة أمام باب المقبرة، وبين باب المقبرة (مقبرة المسلمين) وباب ثانوية البعث (الثانوية الوحيدة في قطنا)، كان هناك ساحة كبيرة، وتوقّف موكب الجنازة في تلك الساحة، وبدأت النعوش تدور ونحن معها، وعشرة آلاف مسلم يهتفون، ومسيحي واحد فقط على الأكتاف، و500 امرأة متشحة بالسواد واقفة على زاوية الساحة تزغرد، وعليك أنت أن تلبي هذا الموقف. 

كان الحدث مفاجئًا في المدينة وكان مفاجئًا لي بشكل أكبر أن أتولَّى إدارة هذه العملية أخلاقيًا وسياسيًا، ولكن وجدانيًا قبل كل شيء. كانت مفاجئة، وماذا فعلت لا أعرف، ولكن شعرت أنَّ الوجوه تنظر إليَّ، صرنا في فترة ما بعد الظهر، وكانت الشمس حامية، ولا أعلم من أين أتت زجاجات المياه وكانت تُرش عليَّ، ويتناوب الشباب في نقلي من كتف إلى كتف، وأنا الوحيد على هذه الأكتاف. شيء كهذا في الدراما لا يمكن أن يحصل، وفي تلك اللحظات، يقترب أخي مني، وهو معي في الموكب، ويقول لي: يقولون أن القناصة مازالوا على سطوح المنازل. وقلت له: إذا قتلوني فباب المقبرة مفتوح. فقال لي: وهل تظن أنهم سيسمحون لنا أن نأخذك لمكان آخر؟! وابتسمت أنا وهو، والمشهد يدعو للعجب، ولا أعرف بدقة المدة الزمنية التي بقينا فيها، ولكنها حتمًا عدة ساعات في هذه الاحتفالية التي تحار في تسميتها، وقاموا بمواراة الشهداء الثرى، وعدنا إلى البيت. وفي طريقنا، أخي الآخر الذي كان معي صار يقول لي: منذ 30 سنة وأنت تقول: سيسقط هذا النظام، ولم أكن أصدقك، ولكنني اليوم أصدقك، كنتم تهتفون ضد النظام وسيارات المخابرات والعسكر حولكم، ولا أحد منهم يفعل شيئًا! فقلت له: هذه إبداعات الثورات. وفعلًا، كان هذا الشيء مفاجئًا أيضًا أن النظام بكل عدَّته وعتاده الموجود في المدينة والمنطقة كان مكتفيًا بارتكاب هذه الجريمة، ويأمل أن تكون رادعًا عن الاستمرار في المظاهرات. ومن محاسن الصدف، أنَّ اللواء عبد العزيز الشلال والذي أصبح زميلنا في الهيئة العليا للمفاوضات، وكان في ذلك الوقت قائد الشرطة العسكرية في سورية، أمام اجتماع الهيئة العليا في المفاوضات، يروي هذه القصة: أنَّ الشرطة العسكرية في قطنا بعد أن قتلوا ثلاثة شهداء، وخرجت المظاهرة، أخبروني [قائلين]: يا سيدي، هناك شخص اسمه جورج صبرة على رأس المتظاهرين ويقود المظاهرات. فقال لهم بعد التشاور: لا تقتربوا منه، لأنَّنا لا نريد أن نعقَّد القضية. وكان يمكن ببساطة لأي شخص آخر مكان عبد العزيز الشلال [أن يقول شيئاً آخر - الشاهد] فالرصاص موجود على الأسطح، وينتظر أمرًا فقط، ولكن يبدو أن النظام أيضًا لم يكن في ذلك الوقت يريد أن يعقّد القضية، ويطلق [الرصاص] لأنَّني جورج (أي مسيحي)، ولو كان على الأكتاف شخصًا آخر فحتمًا كان الشهداء سيكونون أربعة، لذلك فيما بعد لم يعد أحد يتساءل: لماذا لم يخرج على الأكتاف غير جورج، جورج كان لديه وظيفة ومهمة وهو قد قَبِل بها. 

لم يكن حضور [عناصر النظام] كثيفًا، ولكنهم موجودون، ولذلك أخي قال لي: إنهم يسمعونكم، وهم حولكم بسياراتهم، ولكن لا يجرؤون على الاقتراب منكم. ولذلك رأى أخي أنَّ هناك زمنًا جديدًا لم يكن مألوفًا حصوله، وأنَّ يقف الأمن والعسكر بوجوده الكثيف في قطنا مكتوف الأيدي أمام هذه الهتافات والجموع.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2020/07/23

الموضوع الرئیس

البدايات الأولى للثورة السوريةالحراك السياسي في بداية الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/56-26/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

باريس

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

4-5/2011

updatedAt

2024/08/09

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-مدينة قطنا

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

حزب الشعب الديمقراطي السوري

حزب الشعب الديمقراطي السوري

الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية - الرياض 1

الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية - الرياض 1

الشرطة العسكرية - نظام

الشرطة العسكرية - نظام

الشهادات المرتبطة