الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

قصص من العمل الجراحي خلال اقتحام الغوطة الشرقية نهاية عام 2011

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:12:22:19

في كانون الأول/ ديسمبر 2011، بدأت مرحلة جديدة في الغوطة، كان النظام يتعامل مع الغوطة بقوات الأمن والعقلية الأمنية والحملات التي تأتي وتذهب في أيام الجمعة وأيام المظاهرات، وخلال الأسبوع كان يأتي بحملات المداهمة بهدف الاعتقال، كانت هذه طريقة تعامل النظام في هذه المرحلة. وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر اتخذ [النظام] القرار بدخول الغوطة بالجيش، وطبعًا سبق دخول الجيش بداية تشكل المجموعات المسلحة التي كان فيها شباب لديهم روح الفزعة وبعض العساكر المجندين المنشقين، [وكانت مهمتهم] ضمان حماية المظاهرات؛ حتى لا يتعرض لها الأمن، ويرابطون على مداخل المنطقة التي سيحدث فيها تجمع المظاهرة.

عندما بدأ النظام بعملية الاقتحام بدأت حشوده من منطقة المتحلق [الجنوبي]، وكان الخط الفاصل ما بين حدود مدينة دمشق وريف دمشق التي على حدود عين ترما وزملكا، وكانت هناك دبابات وجنود، فكان المنظر الذي كنا نتوقع أن نراه بحشود لحرب من أجل تحرير الجولان نراه الآن بما فيه من حشود وعتاد لاقتحام الغوطة.

طبعًا، كانت هناك مقاومة من المجموعات التي بدأت تتشكل أساسًا لحماية المظاهرات، كانت تأتينا أخبار اقتحامات جيش النظام لمناطق أخرى من سورية والفظائع التي كان يرتكبها؛ لذلك كانت تلك هاجسًا للمقاومة.

 أذكر حتى الشباب...، مثلًا: هناك دبابة، ويخرج شخص معه بندقية صيد ليرابط مع الشباب ليمنع اقتحام الجيش، فأصبحت القضية قضية دفاع عن الذات والأهل والعرض والمال، وتوجد فظائع كنا نشاهدها ونسمعها ارتكبها النظام في مناطق أخرى، وأصبح لدينا شعور بأنه سيأتي ويرتكب نفس الحماقات ونفس الإجرام بحق منطقتنا. وعندها اندفع الشباب، وخرجوا، فمنهم من خرج بالبندقية الحربية، ومنهم ببندقية صيد، فهذه هي الإمكانات التسليحية، وكانت هناك مقاومة بطولية في الحقيقة.

 لم نكن نتخيل أن هذا الجيش في النهاية وسبطانة هذا المدفع وتلك الدبابة ستكون موجهة علينا ، وحتى في حينها كنا في أعماقنا نقول: إنه من الممكن أن يستخدمها كفزاعة، ولكن في اليوم الذي سمعنا فيه أول قذيفة دبابة تضرب لأول مرة في الغوطة بدأنا فعلًا نحسّ بأننا نواجه أشخاصًا وحوشًا، وهذا الأمر خلق شيئين في المجتمع: بالنسبة لعامة الناس والعائلات خلق لديهم الخوف بأن النظام سيأتي ويرتكب فظائع، وخلق أيضًا إرادة مقاومة بالإمكانيات البسيطة جدًا عند الشباب؛ ليدافعوا عن الغوطة وأهلهم وناسهم، فلم تبقَ المعادلة معادلة مظاهرة ضد نظام حكم، بل أصبحت دفاعًا عن الأهل والنفس أمام قوة همجية تستخدم كل الأسلحة التي تمتلكها بدون تورع.

 فعلى سبيل المثال: كان الجرحى يأتون، وكانت لدينا مستشفى خاصة، وهناك مستشفيات خاصة منتشرة وموجودة في عربين ودوما، فإصابات المقاومة والاقتحام كانت تأتي، ونحن كأطباء كان هاجسنا أن نسعف هؤلاء الناس، مثلًا: ضربة قناص، أو إذا ضربت الدبابة قذيفة فقد يأتيك 4 أو 5 إصابات أو 20 إصابة، وذلك حسب استهداف المكان إذا كان فيه عائلات كثيرة أو فيه أفراد، فكنا بالكاد نحاول القيام بعملنا وواجبنا الطبي والإنساني، وعلى اعتبار أن المستشفيات كانت محدودة فكانت حتى الإصابات من مناطق ثانية تأخذ طريقها باتجاه هذه المستشفيات، ونحن كنا قد بدأنا من بعد "الجمعة العظيمة" (22 نيسان/ ابريل 2011) نعمل على فكرة النقطة الطبية المتنقلة والحقيبة.

فعندما أخذ النظام عين ترما وحزّة وأصبح على أبواب كفر بطنا بدأنا بإخلاء الجرحى، فقد كنا نجري للجرحى عملًا جراحيًا، وننقلهم مباشرة إلى بيت أو مزرعة، وهناك شباب متطوعون ومتدربون على الأعمال التمريضية، يقومون على خدمتهم وإعطائهم الدواء و "السيروم" وضماد الجروح، كل هذا الأمر تمّ العمل عليه بطريقة اندفاعية جدًا وفيها تفان من مختلف الناس، سواء من أبناء المهنة الطبية أو من خارجها.

 عندما دخل النظام ويريد أن يحتل الغوطة، أصبحنا نريد إخلاء الجرحى لمنطقة أعمق حتى نتمكّن من الانتقال، فأذكر أن الأيام الثلاثة الأخيرة كانت شاقة جدًا؛ لأنك ستقوم بنقل الإمكانيات والمواد الطبية والجرحى والمصابين، والمصابون عادة لا يستطيعون التنقل ويحتاجون من ينقلهم، ويجب تأمين من ينقلهم، وتأمين المكان المناسب للنزوح، ونزحنا من كفر بطنا إلى سقبا وإلى حمورية وبيت سوا. كل ذلك كان خلال ليلتين من التنقل بأعباء العمل الطبي، أذكر أنه أثناء نزوحنا في أحد الأقبية كنا جالسين مع الجرحى، وأتت إصابات، وكنت أنا الجرّاح بالمصادفة، وطبعًا يوجد أطباء غيري، ويوجد أطباء عملوا بالجراحة، ولكن في هذا الظرف وفي هذا القبو أنا الجرّاح ولدي إصابتان. كنا جالسين في قبو عبارة عن مستودع غير مكتمل البناء وغير مكسو، كنا جميعًا متواجدين، وأتوا بالمصابين، وكان ينبغي علينا أن نجري عملية [جراحية]، ووضعنا برميلًا من اليمين وآخر من اليسار، وفوقهم لوح خشب، وهكذا جهزنا طاولة العمليات، وأحضروا الشاب الذي سيخدر، حيث جاء من مستشفى ومن الطرق الجانبية، جاء للتخدير فقط، حتى أستطيع أن أعمل وأفتح البطن. وأثناء عملنا، جاءت إصابة ثانية وبشكل سريع، فحصت الضغط والنبض، وسيطرت على النزف، وقمت بتغيير ملابسي، وجهزنا برميلين ثانيين على لوح خشب آخر، وقمت بضغط البطن ووضعت الشاش، وعندها اطمأننت بأنه لم تبق هناك خطورة النزف المهدد للحياة، وبقي ترميم وبتر وقطع وجراحة للأمعاء، فكل هذه الأمور نأخذ وقتنا بها، ولكن بعد أن ننقذ الشخص الثاني، وقمت بمعالجة الشخصين، وبعدها انتهيت، والحمدالله، لقد يسر الله عملنا، وقدمنا للمريضين ما يلزمهما، وأجرينا العملية، ونجحنا، وبعدها حملنا الجريحين، ورحلنا بهما إلى مكان آخر.

كنا في وقتها نخوض تجربة، ولم نكن نتخيل أننا بسبب خروجنا بمظاهرة لنطالب بحقوق أن نصل ليوم يكون فيه دبابة وقصف وجرحى وحياة وموت، فهذا الأمر لم نكن نتوقعه، ولكن كان لدينا نوع من التحدي بأنه مهما كان الظرف الذي أمامي فسأقدم الحل. وكنت مقتنعًا دائمًا بأنه أمام أي أمر لابد من مبادر، وبعد المبادرة يتنظم العمل، ولكن عليك أن تبادر، لا تنتظر أن يكون هناك شيء مثالي لتقول: أنا أعمل به. ولكن بادر بالمتاح، وفعلًا نحن بادرنا بالمتاح.

 فلم يكن يخطر في بالي أنه سيأتي يوم، وأتذكر هذه الأحداث، وأتكلم عنها، ولكنني كنت أتمنى لو أن هذا المشهد في القبو الذي كانت طاولة العمليات فيه هي برميلان ولوح خشب التقطت له صورة، وأنا واثق بأن أحد الموجودين يجب أن يكون قد التقط صورة له؛ لأنه هذا المشهد يشرح الواقع ويشرح كل شيء، وكيف أننا اضطررنا للعمل بهذه الظروف.

عملنا ما ينبغي علينا القيام به، وكان دوري في هذا الموضوع أن نسرع لسد العجز في المجال الطبي، فهناك إصابات وقبضة أمنية، ويجب أن نقوم بعمل طبي خارج هذه القبضة، هذه هي المعادلة التي كانت تحكمنا، وطبعًا بإمكانات محدودة وليس بإمكانات العمل بمستشفى قائم وفيه مستودع، وتوجد فيه مواد، وفيه كادر تخصصي كامل فلا أحتاج شيئًا. ففي إحدى العمليات، وقف معي شخص للمرة الأولى وجد نفسه [في ذلك الموقف] وتلك ليست مهنته، ولكن اضطررنا أن نعلّم ونستعين ونؤهل كوادر؛ لأن كل ظرف له أحكامه.

هكذا عملنا، وفي هذا الوقت، كنا مشغولين بإخلاء المصابين والجرحى وتأمين علاج المصابين الجدد من عملية الاقتحام، بالمقابل كان هناك من أخلى، وذهبت العائلات باتجاه منطقة المرج شرقًا، وكانت منطقة المرج منطقة جميلة في الغوطة، وهي عبارة عن مزارع، وفيها استضافة للاجئين في هذه المزارع، وكانت الناس لاتزال روح الفزعة تسيطر عليهم، وكلنا شعب واحد، ونحن أبناء قضية واحدة، في الحقيقة، وفي الحد الأدنى إنسانيًا كان هناك تضامن كبير.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/07/05

الموضوع الرئیس

اقتحام الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية في العام 2011

كود الشهادة

SMI/OH/52-14/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

كانون الأول 2011

updatedAt

2024/04/16

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-منطقة المرجمحافظة ريف دمشق-بيت سوامحافظة ريف دمشق-حموريةمحافظة ريف دمشق-سقبامحافظة ريف دمشق-حزةمحافظة ريف دمشق-عين ترمامحافظة ريف دمشق-ناحية كفر بطنامحافظة ريف دمشق-مدينة دومامحافظة ريف دمشق-عربينمحافظة القنيطرة-الجولان السوري المحتلمحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقية

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

الجيش العربي السوري - نظام

الجيش العربي السوري - نظام

الشهادات المرتبطة