الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

محاولات النظام اختراق المجتمع عبر الوجهاء وخطباء المساجد في الغوطة الشرقية

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:15:14:07

سنتحدث الآن عن الحالة السورية: عندما بدأ النظام اقتحامات حمص، وجاءت موجة من مهجري حمص إلى الغوطة، استُقبلوا استقبال الأهل، ومن كان لديه بيت فتح بيته، ومن كان لديه بيتان فتح البيت الثاني، ومن كانت لديه مزرعة أيضًا [قال لهم]: المزرعة تحت تصرفكم. فجلسوا فيها، وحتى نحن كناشطين ميدانيين لم تكن اهتماماتنا فقط الاعتناء بأسر المعتقلين أو أسر الشهداء، ولكن كان هناك أيضًا الناس الذين نعتبرهم خسروا وطنهم، ودفعهم ظلم النظام ليلجؤوا إلينا، ويجب أن نكون لهم أهلًا، ويحسون بأنهم بين أهلهم وناسهم. أستطيع أن أقول: إن العام الأول من الثورة كان عام روح الفزعة والحالة الساروتية والحالة الوطنية العامة على بساطتها وبشعاراتها، ولكنها استطاعت أن تنجز، واستطاعت أن تضع بصمتها على الأرض.

عندما اقتحمت قوات النظام الغوطة، ودخل عليها بالهمجية والقصف، وكنا لأول مرة نسمع صوت قذيفة الدبابة في يوم اقتحام الغوطة وأصوات [قصف رشاش] "الدوشكا"، وذلك عندما وضع الحواجز، واحتل الأبنية العالية، فكانت ممارسات جيش احتلال، وعندما يستشعر خطرًا من أي جهة يقوم بالتمشيط (إطلاق النار بشكل غريزي بكثافة) والقصف عليها طوال الليل، بمعنى أنها ممارسات لا يمكن أن تصدر عن شخص لديه انتماء للبلد أو لهذا المجتمع، فحتى في جيوش الاحتلال هناك نوع من الأخلاقيات لأنه من غير المعقول أن تطلق النار على مناطق سكنية، ولكن هذا الأمر كان يحدث عندما كانت حواجز النظام موجودة في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2011 عندما اقتحم. ودخل إلى الغوطة بالهمجية والقمع والقبضة المباشرة على الناس الداخلين والخارجين، وإذا مرّ أحد من الطريق أكثر من مرة، فيقولون له: تعال إلى هنا، وموضوع الابتزاز المالي، بمعنى أنه سلوك قطاع طرق، ودخل بالشعارات الطائفية كي يكرس الانقسام المجتمعي. وهنا خرجت موجة الناشطين والناس مع عائلاتهم، فكان أول تهجير لنا، وذهبنا باتجاه الشرق إلى منطقة المرج، وأهالي المرج استضافونا، وفتحوا مزارعهم، والحقيقة أن حالة روح الفزعة في عام 2011 ليتها دامت إلى أيامنا هذه، فقد كانت واسمة للعمل، ومن لديه يقدّم، ويبحث عن المحتاج ليقدم له. وكان الناس مرتاحين ولديهم مدخراتهم، وكان الجميع يحدوه الأمل في ذلك الوقت بأن يكون السقوط (سقوط النظام) قريبًا جدًا، وكما حدث في مصر وتونس فإننا خلال شهر أو شهرين سنكون قد انتهينا وعبرنا. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. وهكذا مضت الأمور، وهكذا كان واقع الثورة، فكانت السنة الأولى هي سنة روح الفزعة والحالة الوطنية العامة، وكان فيها إحجام للنخب، وكان هناك تأخر، وكان الشارع متقدمًا على الجميع، حتى إن الشارع كان متقدمًا لدرجة أنه كان أحيانًا بحاجة لبعض العقلنة، بمعنى: لنعمل بهدوء وقليلًا قليلًا كي لا نخسر، فالناس جميعهم -إن شاء الله- سيدخلون في الثورة، وسيرفدون الثورة، والثورة في الأصل هي ثورة الجميع وليست ثورة فئة أو حزب.

كان الشباب الناشطون يجتمعون، وكان معروفًا دائمًا أنه في كل بلدة توجد بنية أو نواة صلبة للحراك، وطبعًا في منطقتنا كانت هذه هي النواة الصلبة، وكنا نلتقي، وكان عددنا 14 لدرجة أنه أصبح هناك ما يشبه النكتة بين الناس، فيقولون: اجتمع الـ 14 المبشرون، وذهب الـ 14، وأتى الـ 14. كانت تلك أول بنية محلية في بلدتنا [كفر بطنا]، وكنا نفتح خطوطنا مع البلدات الأخرى، ولكن إدارة المظاهرة والإغاثة وغيرها ومناقشة المجتمع والناس والشأن العام كان كل ذلك قد بدأنا بالعمل به وبشكله العفوي، ووجدنا أنفسنا على الأرض، ولم يمسك أحد ورقة وقلمًا، وقال: بدايات العمل الثوري في البلدة الفلانية هي: 1و2 و3 و... وإنما الناس الذين كانوا يعملون ومندفعون ومؤمنون بالفكرة وعندهم رؤية وجدوا أنفسهم أو التقوا ببعضهم على الطريق، وعملوا معًا.

أحيانًا، لنفترض [مثلًا] في موضوع دراسة الشعارات (شعارات المظاهرات) هناك لوحتان أو ثلاث من الممكن أن تخرج في المظاهرات، وقد تكون هناك لوحة مناسبة أو غير مناسبة، وأحيانًا اندفاع الشباب لا يجعله يعبّر عن حقيقة فكرته بالطريقة الصحيحة، وعند هذا الأمر كنا دائمًا نقول له: انتظر، هذا الأمر يعني هكذا، وهذا ليس الشعار الذي نريده، نحن نريد كذا.

مثلًا: نحن نعرف أن الناس...، وأعتبر أنني أمتلك رؤية وخبرة في الحياة بحكم العمر، وأعرف أن النظام يعزف على الوتر الطائفي، وعزفه هذا سيجعل هناك حساسية لدى أبناء الطوائف الأخرى من مجرد ذكر كلمة "إسلام". فيجب أن يكون لدي حرص على أن الشعارات حتى وإن كانت عفوية ولكنها تأخذ الصبغة الدينية، أن نبتعد عنها، وأقول لهم: يا شباب، ما رأيكم أن نبتعد عن هذه الشعارات؟ ليس لأننا ضدها، ولكن لأن النظام يستثمرها، ويضعها في خانة الشحن الطائفي، ووسمنا بسمة هي في الأساس ليست موجودة لدينا.

هذه الأمور كانت أحيانًا تقتضي منا نقاشات كثيرة، على سبيل المثال: أذكر في إحدى المرات، مساء الخميس وحتى اليوم الثاني، حيث كانت هناك مظاهرة، ونكتب اللوحات عن الحرية والمعتقلين وشعارات و"الشعب السوري واحد". ومن بين اللوحات مثلًا: كتب أحد الشباب، وذكر "شرع الله"، فقلت: انتظر. وهذا له مدلول سياسي، وعندما تقول: "لا إله إلا الله محمد رسول الله وشرع الله" وهكذا أمور، فالنظام ينتظرها منك، وهل نحن سنقيم إمارة قاعدة؟! (تنظيم القاعدة السلفي الجهادي) لا. فجميعنا لا نؤمن بهذا الكلام، ولكن أحيانًا يكون هناك شعار، وتعرف أن النظام [سيستغل] هذا الشعار، ويصدره لمجتمعه وإلى المجتمع الدولي، وهنا حكمة الكبار وعقل الكبار يصبح مطلوبًا.

وموضوع أن سورية هي بلد واحد، فالإنسان في حالة معينة وعند الاندفاع من الممكن أن يتكلم شيئًا، ويقول: الغوطة، و[لكننا كنا نقول:] أضيفوا أيضًا كلمة سورية، وهي لا تغيب عنه، ولكن أحيانًا عندما تفتح له أفقه بأن معركتنا ليست هنا فقط أومن خلال مظاهرة سقفها الغوطة و دمشق، بل نحن معركتنا ضد نظام، وهي ثورة شعب بأكمله موجود في كل سورية؛ لذلك أريد أن أؤكد على العنوان العام السوري. وهذا كان من الممكن أن يغيب عن بعض المظاهرات، ولا يغيب عن سوء أو عن انحراف بوصلة أبدًا، ولكنه يغيب عن إدراكه الشخصي، أو أنه فهم الأمور، ويتكلم تحت سقف المنطقة التي هو فيها. وهنا يدخل دور الكبار مثلًا: أحيانًا كنا نرى أن هناك نوعًا من التحدي ضمن فورة الشباب بأن يخرجوا في المظاهرة رغم أنهم يعرفون بأن هناك شيئًا ينتظرهم، بعض الشباب كان لديهم هذا ال... ولكن [كنا نقول:] لا يا أخي، حتى لو اضطررنا لإلغاء المظاهرة غدًا، ودعنا نفاجئهم، ونغير موعدها إلى اليوم الذي بعده مساءً.

هذه الأمور كلها عندما نجلس ونتكلم عنها فكان هناك عمل تكاملي موجود على الأرض من تلقاء نفسه، وكنا نلمس، ونقول: لماذا لا يوجد فلان وفلان... ما عرفته من البدايات أنه كان هناك تردد عند بعض النخب المثقفة في مختلف المناطق، وجزء من هذه النخب فيما بعد دخل الثورة، وأكمل طريقه في الثورة. هذا هو الوضع بشكل عام تقريبًا، وإذا توقفت عند السقف الزمني لعام 2011.

خلال الاشهر الأولى في الثورة، بدأ النظام يتواصل في البداية مع وجهاء المجتمع مثل "الكبارية"؛ حتى يشرح، ويفهم سائلًا: ما هي مطالبكم؟ حتى إنني أذكر بوقتها أنه كان هناك وفد ذهب، وقابل مناف طلاس، وتكلموا عن المطالب الحقيقية، عن المعتقلين وحملات الاعتقال الأسبوعية وخوفنا على الشباب، وتكلموا بالإصلاحات والحرية، وأذكر في وقتها أن بعض الناس الذين عادوا من هذه الزيارة وكان لديهم تفاؤل بأن ضغط المظاهرات سيجعل النظام يفكر بإحداث الإصلاحات المطلوبة. وفي وقتها أذكر في عام 2011 عندما دعا بشار الأسد المشايخ والعلماء إليه، وبعدها أصبحت موادًا لخطب الجمعة مضمونها: وعدنا "السيد الرئيس".

نعم، النظام حاول أن يخترق مجتمع المناطق التي بدأت تثور، وتتحرك في البداية بوجهاء المجتمع والمشايخ، بعدها حاول أن يبعث هؤلاء الوسطاء، فعلى سبيل المثال: لدينا محليًا الكثير من الناس يقولون: لا تدعوا الشباب يخرجون ونحن سنخرج المعتقلين. وحاولوا فتح هذه القنوات بهذه الطريقة، ويقولون: إذا أردتم المعتقلين أن يخرجوا لا ترفعوا [شعارات]، حتى لو تظاهرتم. أنا أذكر أحد هؤلاء الوسطاء وهو من المشايخ الذين كانوا خطباء للنظام، حيث قال: إذا رفعتم شعار إسقاط النظام أو فكرتم بأن تذهبوا إلى دمشق سيكون فهناك إطلاق للنار عليكم، كما قال لنا جميل الحسن. وإذا هدأتم سيبدأ بإخراج المعتقلين، وإذا بقيتم تخرجون في المظاهرات فلن يبقى هؤلاء فحسب، بل سيقوم باعتقالات جديدة. كانت قنوات الحوار تلك في الحقيقة عبر هؤلاء الوسطاء، وكانت غايتها في النهاية تهدئة الشارع، ولكننا لم نكن نريد تهدئة الشارع، وإنما الخروج مع الشارع [في المظاهرات]. وكان النظام يأتي مرات بوعود وبطريقة الصفقة (إذا فعلتم كذا سنقدم كذا)، وأحيانًا بطريقة التهديد المباشر، فكان هذا الشيء قائمًا.

 في حدود تجربتي فإن لقاءات الدبلوماسيين لم نكن ننظر إليها، ولا نسعى لها، وكنا نرى أن نقل الحدث والتنسيق الإعلامي...، وكنا نرى نافذتنا إلى العالم هي البث الحي المباشر للمظاهرات، حيث كان في وقتها هناك دور لقناة الجزيرة والعربية وبعض القنوات الثانية، ونضع كل جهدنا لنوصل رسالتنا الحقيقية من أرض الواقع عبر هذه الصورة والفيديو المباشر. كان الجهد في الحقيقة في ذلك الوقت منصبًا على ذلك، وكان في وقتها لدينا أمل كبير بأن هذا العمل الثوري وهذا التظاهر وهذا التكامل في أدوار الجميع سيوصلنا إلى ما وصلت له مصر وتونس، حيث سبقونا فيه، وأنجزوا التغيير، وأسقطوا النظام، ولكن في الحقيقة للأسف كنا نواجه أكثر نظام حكم متوحش في العالم.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/07/05

الموضوع الرئیس

اقتحام الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية في العام 2011

كود الشهادة

SMI/OH/52-13/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2011

updatedAt

2024/04/16

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-مدينة دمشقمحافظة ريف دمشق-كفر بطنامحافظة ريف دمشق-منطقة المرجمحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةمحافظة حمص-مدينة حمص

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

قناة الجزيرة

قناة الجزيرة

قناة العربية

قناة العربية

الشهادات المرتبطة