الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

مشاهد من أحداث الثمانينات في سورية وموقف محمد العبدة منها

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:11:37:01

انتهيت من الصف السادس الابتدائي في السعودية، وأستطيع أن أقول: إنني من الأول الابتدائي إلى الصف السادس، وطبعًا منذ أن وُلدت حتى وصلت إلى الصف السادس الابتدائي وأنا أدرس في السعودية. وفي فترة الصيف، كنت أذهب إلى سورية وأقضي معظم الوقت في مضايا، وهناك كما ذكرت منذ قليل كان هذا الأمر يجعلني أكثر علاقة بالأرض؛ لأنه كان عندي هوس في هذا الموضوع، كان عليّ يوميًا أن أنزل وأعمل، ولا يتخيل الشخص كم هي جميلة فترة الصيف في مثل بساتين كهذه؛ لأنها فترة جني الثمار، والشخص يرى الثمرة النهائية من تعب السنة كلها، وكان هذا شيئًا مهمًا جدًا، وفي نفس الوقت، يجب على الشخص سقاية هذه الأشجار، وهذا يجعل العلاقة أكثر متانة بشكل كبير مع الأرض، وتنعكس فيما بعد على جميع الناس، وتنعكس على علاقته بمضايا وبريف دمشق وبدمشق وعلاقته بسورية بشكل عام.

عدنا إلى سورية بعد الصف السادس الابتدائي، كان عمري...؛ لأنني بدأت في المدرسة باكرًا، فلأن والدي ووالدتي مدرسين كانوا يسمحون لنا أن نبدأ في الدراسة وعمرنا أقل من العمر القانوني، وأذكر أنني دخلت إلى الصف الأول منذ أن كان عمري خمس سنوات أو ست سنوات، وذلك قبل سنة أو سنتين من العمر الطبيعي. وعندما انتهيت من الصف السادس الابتدائي عدنا إلى دمشق، ودرست في دمشق الصف الأول المتوسط والثاني المتوسط، فبقينا في سورية منذ عام 1978 إلى 1980 أو منذ عام 1977 إلى 1980 (سنتان تقريبًا)، وخلال هذه الفترة، كان وقتي مقسّمًا ما بين دمشق ومضايا، في دمشق على اعتبار أن هناك دراستي، ودرست في ثانوية بور سعيد، وكانت قريبة من الجسر الأبيض، وهناك ولأول مرة أكون في جو دراسي أتعرف فيه على الأصدقاء والمدرسين والمجتمع المحلي من دمشق؛ لأنني قبلها عندما كنت آتي في فصل الصيف كنت أذهب مباشرة إلى مضايا، وكانت علاقاتي هناك أكثر. وبدأت تتوطد العلاقة مع أشخاص موجودين في تلك المنطقة، وفي الصف الأول المتوسط والثاني المتوسط، أذكر مثلًا أننا بدأنا ندخل إلى المرحلة التي بدأت فيها الأحداث في سورية، وبدأت الأحداث تقريبًا في عام 1978، والإرهاصات بدأت منذ عام 1976 ببعض العمليات والقصص، وفي عام 1978 بدأت تزيد بشكل ملحوظ. وفي هذه الفترة، كنت ما بين دمشق ومضايا، وأذكر في إحدى المرات أنه كان عندنا أستاذ يدرّسنا الدين، وهذا الأستاذ كان محبوبًا من قبل الطلاب وله شعبية، وفجأة اختفى، ولم يعد يأتي إلى المدرسة، وبعد حوالي 6 أو 7 أسابيع، رأيناه عائدًا، ولكنه عاد -وحتى الآن أذكر ونحن كنا أطفالًا- ولديه علامات، وفيما بعد عرفنا أنها علامات تعذيب، وكان واضحًا أنه قد حصلت مشكلة كبيرة، وكان واضحًا أن هناك علامات على وجهه ويده، وفيما بعد عرفت أنه اعتُقل في تلك الفترة لمدة معينة. فنحن كأطفال لم نكن نستوعب هذا الموضوع كله، ولكن مع ذلك كان هناك شيء يقول لنا: إن هناك شيئًا يربط ما حصل مع هذا الأستاذ بالأمور التي تحصل في البلد، وهي بداية الأحداث. 

 أذكر أننا في أكثر من مرة كنا نذهب لزيارة أقرباء لنا في الجادات أو المهاجرين، وأثناء عودتنا فجأة، تنتشر الدوريات، ويتوقف السير، ويصبح هناك حواجز، ويقولون: حصلت عملية. وكنت أسأل: ماذا يعني عملية؟ ويقولون: إن بعض المجاهدين نفذوا عملية في دمشق ضد النظام. وهنا بدأنا شيئًا فشيئًا ندخل إلى هذه الفترة التي كانت فترة أليمة جدًا في تاريخ سورية. وطبعًا فيما بعد قرأنا عنها، وعرفنا أنها كانت في البداية عبارة عن مجموعة من الشباب قرروا أن يأخذوا على عاتقهم مواجهة عسكرية مع النظام، وأذكر أنه في إحدى المرات حصل نقاش أمامي، كان والدي موجودًا، وكان هناك مجموعة من هؤلاء الشباب من مضايا والذين هم من الأساسيين في الأحداث، وكان يناقشون والدي (محمد العبدة) في هذه الموضوع ويسألونه على اعتبار أنه مرجع بالنسبة لهم، وكان من الواضح أن والدي غير مقتنع جدًا بالموضوع العسكري، كان النقاش حول موضوع العمل العسكري، كان رأي والدي واضحًا، وقال لهم: إن هذا الخط الذي تمشون به لن يصل إلى النتيجة التي في بالكم، وسوف يصل إلى كارثة، وما تريدونه لا يتحقق بهذه الطريقة، وأنتم لستم بحجم مقدّرات الدولة الموجودة حاليًا، وأنتم تذهبون إلى معركة على الأغلب تكون خاسرة، وإذا كانت لديكم هذه الطاقة فعلًا فهناك طرق أخرى، وأما إذا ذهبتم بالاتجاه العسكري فأنتم سوف تعرفون أنكم بعد فترة بسيطة سوف تكونون أمام خيارات صعبة جدًا، وأنا كمحمد العبدة أقول لكم: أنصحكم الآن نصيحة واضحة ألا تمشوا بهذا الخط؛ لأنكم لستم بحجم هذا الموضوع. وكان والدي يقرأ كثيرًا في كتب التاريخ، وكان يقرأ عن الحركات التي كانت تقوم ضد الدول في الفترات القديمة، سواء الأموية أو العباسية وكل الدول التي جاءت بعدها. ويصبح عند الشخص انطباع عام بأنه ما هي الأمور المطلوبة حتى تنجح، فالبعض منها وعدد قليل منها نجح بالوصول، وعدد كبير منها فشل، وبحساب بسيط ترى العوامل التي أدت إلى الفشل تجعلك ترى أن هذا الشيء الذي يحصل يمشي في هذا الاتجاه، وبالنسبة لوالدي، كانت الأمور واضحة تمامًا، وهذا الكلام -أنا أذكر- لم يكن يعجب الكثير من الشباب في ذلك الوقت؛ لأنهم كانوا متحمسين، وكانوا يضعون في بالهم أن هذا الأمر يستطيعون فعله، ونحن نعرف كيف هي طريقة وحماس الشباب، وفعلًا كانت بالنسبة لهم القضية تعني كل شيء، يعني هم سخّروا حياتهم لهذا الموضوع، وكانت قناعتهم أن لديهم القدرة على أن يحصل إسقاط لهذا النظام بطريقة العمليات التي كانت تحصل.

خلال تلك الفترة، كنت لأول مرة أعرف معنى الاعتقال، وكنت أنا ووالدي والأسرة ذاهبون لزيارة شخص صديق لوالدي في درعا، كنا قد خرجنا في سيارته من دمشق من بيتنا الذي كان في حي الميسات إلى الجنوب إلى درعا، وعلى الطريق كان هناك حاجز، ووالدي في ذلك اليوم كانت بعض الأوراق غير موجودة معه، كان قد نسيها في المنزل، وفي يومها كانت المشاكل والأحداث في أوجها، وكانت هناك دورية في ذلك الوقت لأحد أفرع المخابرات، طلبوا منه بعض الأوراق، وعندما لم يستطع أن...، وقال لهم: إنها موجودة في المنزل، فلم يسمحوا لنا بالمرور، وشكّوا في الموضوع، وطلبوا أن يعودوا معنا إلى المنزل. وعندما عدنا ترك والدي السيارة في مكان، وعدنا بسيارة الدورية، وهذه أول مرة بالنسبة لي كطفل في ذلك الوقت- كان عمري 12 سنة- كنت أركب في سيارة الدورية التي يحصل فيها الاعتقال عادة، وأثناء المشوار، لم يعاملونا بقسوة أو بأي شكل غير لائق، ولكننا وصلنا إلى المنزل، وقاموا بتفتيش المنزل كله، ورأوا الأوراق الناقصة عند الوالد، وأخذوه إلى ضابط كان موجودًا في المنطقة، وفي يومها والدي كان منزعجًا كثيرًا، وقال له الضابط وأنا لا زلت أذكر هذا الأمر: ماذا فعلنا معك؟! نحن لم نفعل شيئًا، يعني كل ما في الموضوع أننا قلنا لك: تعال معنا لإحضار الأوراق، احمد ربك، بمعنى أن كل ما فعلوه وأنهم أخذونا بشكل تعسفي، وقاموا بتفتيش المنزل بدون أي مذكرة تفتيش، وقاموا بفصلنا عن العائلة في ذلك الوقت من أجل شيء ليس له أساس، وهذا الضابط كان يقول لوالدي، وأنا استغربت في يومها أنه رغم كل ما فعلوه كان الضابط يقول: لماذا منزعج؟! ولكن فيما بعد وعندما عرفت ما الذي كان يحصل، واقتنعت فعلًا أن هذا الذي حصل معنا لا شيء، فكان بمقدور هذا الضابط أن يقول: خذوهم إلى الاعتقال. وأذهب أنا ووالدي، ونبقى لمدة 10 أو 15 أو 20 سنة [في المعتقل].

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2021/01/22

الموضوع الرئیس

أحداث الثمانينيات

كود الشهادة

SMI/OH/129-04/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

الثمانينيات، قبل الثورة

updatedAt

2024/04/17

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-مدينة دمشقمحافظة ريف دمشق-مضايامحافظة دمشق-الجسر الأبيض

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

الشهادات المرتبطة