نخب من مضايا وبقين في مواجهة النظام خلال أحداث الثمانينيات
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:13:50:22
في تلك الفترة، بدأت تحصل أجواء غريبة، كنت طفلًا، وكان عمري 11-12 سنة، ولكنني كنت أشعر بهذا الشيء، وذكرت قبل قليل أننا عندما كنا نزور أقاربنا في دمشق، فإننا أحيانًا عندما نعود ليلًا نشعر بأن هناك حركة غير عادية في المناطق التي نكون فيها، وعندما كنت في مضايا بدأت ملاحقة بعض الناس، بمعنى أن أسماءهم أصبحت مطلوبة؛ وبالتالي لا يكون لديهم خيار إلا التخفي، والبعض منهم كانوا أقاربي، وهنا بدأت أشعر بمعنى أو ثمن معارضة هذا النظام. وأحد الأشخاص الذين أذكرهم هو ابن عمتي محمد العبدة -رحمه الله- كان طالب بكالوريا (الثالث الثانوي)، وتمت ملاحقته، وكان يضطر لأيام عديدة أن يكون في منطقة البساتين ومختبئًا بشكل جيد، وكنت أزوره هناك، وكنت أرى الحياة التي كان يعيشها لأنه ملاحق والاستعدادات التي كان يتخذها في حال تعرّض لمداهمة. وهذا الشيء كان يجعلني أشعر بطبيعة الأمور التي تحصل في ذلك الوقت. وكان هو ابن عمتي الثاني الذي تمّ اعتقاله وفيما بعد توفى في [سجن] تدمر- رحمه الله-، وابن عمتي الأول كان اسمه فوزي العبدة، وكان يدرس الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق، وكان من الرياضيين المعروفين، فكان من الذين أخذوا ألقابًا في سباق اختراق الضاحية، وكان رياضيًا من الدرجة الأولى، وطبعًا معظم الناس في القرى كانت أجسامهم قوية [نتيجة] طبيعة عملهم في الأرض والبساتين، وهذا أيضًا تمّ اعتقاله، والشيء المؤلم أنه تمّ اعتقاله أثناء نزوله من مضايا إلى دمشق، حيث تمّ إيقاف الباص الموجود فيه وتمّ التفتيش، وكان اسمه على قائمة المطلوبين، وتمّ اعتقاله من الباص، وفي ذلك الوقت، كان معه مسدس، وكان يستطيع الدفاع عن نفسه، كان يستطيع قتل العديد منهم، ولكنه على الأغلب كان سوف يدفع الثمن، ولكنه لا يريد لأحد من المدنيين الموجودين في الباص أن يتأثر أو يُجرح أو يُقتل. وبعد سنوات، أعرف أن الضابط الذي اعتقله في ذلك الوقت أصبح لاحقاً أحد قادة فصائل الجيش الحر في الثورة، وعندما التقيت به أحسست بأنني أستطيع أن أتجاوز الموضوع، ولكنني لم أستطع، فقد تذكرت عمتي، فلم يكن سهلًا على سيدة مثل عمتي أن تخسر ابنها البكر وابنها الثاني، والثالث اضطر للسفر، والرابع اعتُقل أيضًا في فترة التسعينيات، وأثناء الثورة أظن أيضًا أن ابنها قد اعتُقل، ولكن كانت بالنسبة لنا هذه المرأة ترمز إلى الصبر، وأثناء الثورة اضطرت للذهاب إلى لبنان؛ لأن ابنها كان موجودًا هناك، وتوفيت هناك.
في البداية، كنت أظن أنني أستطيع تجاوز الموضوع، ولكنه كان أمرًا صعبًا، طبعًا لم آخذ موقفًا منه (من الضابط الذي اعتقل ابن عمتي) بمعنى الموقف؛ لأنه بالنهاية كان في ذلك الوقت ينفذ الأوامر، وفيما بعد أصبح أحد قادة فصائل الجيش الحر، وباعتقادي نوعًا ما كان يكفّر عن القصص التي كانت تحصل، لا أريد أن أقول: إن هذا...، وكان الكثير من الناس يتعرضون لهذه المواقف.
لم يحصل كلام مباشر، ولكن الطريقة التي عرفنا بها كانت أليمة؛ لأنه عندما عرف أنني من مضايا ذكّرني بالقصة، ونحن لم نكن نعرف أن هذا هو الشخص الذي ...، وعندما ذكر لي الحادثة، وذكرنا اسم الشخص، قلنا له: هذا ابن عمتي. وفيما بعد استُشهد فوزي في المعتقل، وأخوه الثاني محمد الذي كنت أزوره، وكنا أصدقاء.
طبعًا أريد أن أقول: إنه مضايا في ذلك الوقت ربما كان عدد المنخرطين في المواجهة مع النظام أكثر من النسبة المتوقعة وأكثر من النسبة المعتادة؛ لأنه مقارنة ببقية المناطق كان عددهم كبيرًا، وكانوا معروفين على مستوى المنطقة كريف دمشق، وعلى مستوى دمشق أيضًا. وأذكر من الأسماء في مضايا: علي الحلبوني، وياسين الحلبوني، وكان هناك شخص سبّب وجع رأس كبير للنظام (شكّل قلقًا) واسمه محمد الشيخ علي، وكان النظام قد وضع مكافأة للذي يصل إليه، وفيما بعد استطاعوا الوصول إليه في أحد الأماكن التي كان موجودًا فيها في دمشق، وانتقمت له جماعته بعدها في أقل من أسبوع، حيث اغتالوا الضابط الذي قتله في دمشق، وكان محمد الشيخ من الوجوه المعروفة على مستوى الطليعة [المقاتلة] في ذلك الوقت، ونحن لم نكن نعرف هذا الشيء، ففي ذلك الوقت كنت طفلًا، وكل هذه المعلومات بالنسبة لي عرفتها فيما بعد، وكنا نراهم، ونتكلم معهم، ونلتقي بهم، وبالنسبة لي، كانوا أشخاصًا أنقياء جدًا، فكانوا يحبون المساعدة جدًا، وكانوا أشخاصًا حقيقيين، ولكنهم في نفس الوقت كانوا من الأشخاص الذين يضحون، فإذا كان هناك من يحتاج إلى مساعدة فهم أول الناس في هذا الموضوع، وكان لهم شعبية عند الناس في القرية، وكان منهم أيضًا علي النموس، ومنير النموس، ويوجد شخص من منطقة بقين وهي بجانبنا تمامًا، وهي المنطقة المشهورة بالمياه المعروفة، كان اسمه خالد أفندر - رحمه الله- توفي في الاعتقال أيضًا. كانت بقين عند الناس معروفة بأنها من أطيب المياه الموجودة في سورية، وحتى إنهم يقومون بتعليبها، ويوجد مصنع مشهور اسمه مصنع بقين، وبقين بالنسبة لي لها ذكرى أخرى، وطبعًا في مضايا كانت عندنا عين اسمها عين أمين في منتصف البلد، والمياه متوفرة فيها دائمًا، وكان الناس يملؤون منها، ولكن الناس كانوا دائمًا يملؤون الماء من نبع بقين؛ لأن طبيعة مياه النبع كانت مختلفة عن كل المنطقة، وكانوا يقولون: إن مياهها خفيفة، وكان الناس يذهبون إلى هناك بشكل خاص لملء [عبواتهم بالماء]، وكانت هناك عدة صنابير مياه بجانب بعضها مفتوحة دائمًا، ويأتي الناس إليها، ويملؤون العبوات بالماء، ويأخذونها، وأحد الأشخاص الذين كانوا مطلوبين كان قد رغب هو أو والده أو والدته في أن يشربوا من مياه بقين في رمضان، وقرر المجازفة، وذهب، وكانت عنده دراجة نارية، وكنت معجبًا جدًا بهذا الشخص؛ لأنه كان شهمًا وشجاعًا في مضايا، اسمه عبد الحميد المالح، وهو عم أمجد.
ذهب عبد الحميد المالح من أجل ملء الماء، وبينها كان يملأ الماء يبدو أن إخبارية جاءت بأن الشخص المطلوب موجود وحاليًا يملأ الماء. وجاء ضابط مخابرات معروف من بيت زيتونة من الزبداني، وقاموا بمحاصرته، وحاول المقاومة، ثم أطلقوا عليه عدة عيارات نارية، واستُشهد. وأنا سمعت هذه الحادثة، وتأثرت جدًا؛ لأنني كنت أحب هذا الرجل كثيرًا، وبعد ذلك بيوم وحتى الآن الصورة مطبوعة في مخيلتي، ذهبت إلى نفس المكان الذي كان موجودًا فيه لآخر مرة، وحتى الآن أذكر أنه بجانب بقين كانت هناك حارة صغيرة على اليمين، وفي هذا المكان كان هناك دماء على الأرض، وقالوا لي: هنا توفي أو استُشهد عبد الحميد بعد أن تمّ إطلاق النار عليه من قبل المخابرات. وأصبحت بقين بالنسبة لي ليست خالد أفندر فقط الذي كان بطلًا في ذلك الوقت، وإنما أيضًا عبد الحميد المالح الذي كان مطلوبًا وكان يغامر ويذهب إلى الحواجز ويتحداهم، وهو كان من النوع الذي لديه القدرة على المقاومة والقتال، ولكن يبدو أنهم أخذوه غدرًا في بقين عندما كان يملأ عبوة الماء، حيث جاؤوا من الخلف (من ظهره)، ولم يستطع التحرك بسرعة، واستطاعوا القضاء عليه. بالنسبة إلى طفل في ذلك الوقت تُعدّ هذه المعلومات كثيرة وصعب على الشخص استيعابها تمامًا، ولكن كطفل فإنه في مرات كثيرة يأخذ معلومات ولا يستوعبها تمامًا، ولكنها تبقى في الذاكرة.
حتى أكون واضحًا، لم يكونوا جميعًا من الطليعة المقاتلة، ولكنني هنا أتكلم عن نخب موجودة في مضايا، معظمهم كانوا إما طلاب جامعة أو طلاب بكالوريا (الثالث الثانوي)، أو انتهوا من الجامعة، بمعنى أنهم كانوا من البيئة المثقفة جدًا والتي هي البيئة الأساسية القيادية، بمعنى أنهم أكثر أشخاص مثقفين في البلد، على اعتبار أنهم متخرجون من الجامعة ومتعلمون، وهؤلاء الناس بالنسبة لنا كانوا يمثلون قيمة حقيقية للبلد (لمضايا)، وكان الانطباع العام أن هناك نظام يحاول الحدّ من حرية الناس، وهناك نظام يحاول فرض طريقة معينة في التعامل مع الأمور، ويوجد نظام يحاول أن يمنعنا من التصرف وأن نمارس حياتنا بالطريقة التي اعتدنا عليها، ويوجد أشخاص يحاولون أن يفرضوا علينا شيئًا جديدًا أو شيئًا غريبًا عن بيئتنا، وهذا كان هو الانطباع العام.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/01/22
الموضوع الرئیس
أحداث الثمانينياتبلدة مضايا قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/129-05/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
الثمانينيات
updatedAt
2024/04/17
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-بقينمحافظة ريف دمشق-مضاياشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
جامعة دمشق
سجن تدمر
الطليعة المقاتلة