الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

أحداث الثمانينيات والخسارة الكبيرة لبلدة مضايا وبدايات التهجير القسري

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:15:55:23

كما ذكرت قبل قليل إن مضايا كانت منطقة محافظة، وعوائلها كانت محافظة، وبسبب هذا الشيء كانت دائمًا تجذب المصطافين من العائلات المحافظة في دمشق، وهذا أعطى انطباعًا سلبيًا للنظام، وخاصة أنه خلال فترة الأحداث (أحداث الثمانينيات) هناك الكثير من أبناء مضايا دفعوا الثمن، وأذكر أن أحد وجهاء مضايا حكى لي الحكاية التالية: إن اللواء شفيق فياض الذي كان معروفًا في الأحداث خلال الثمانينيات كان أحد الأشخاص الذين أجرموا بحق الشعب السوري، وكان على رأس فرقة مشهورة بالهجوم والاعتقالات والهجوم على المدن، وكان مشهورًا بأنه ارتكب جرائم حرب. طبعًا في وقتها لم يكن هناك تلفزيون ليغطي أو "سوشال ميديا" أو وسائل التواصل الاجتماعي، ولنا أن نتخيل كم كان الأمر صعبًا بالنسبة للناس أن يعرفوا معاناة بعضهم سواء داخل المدينة أو داخل سورية أو حتى على مستوى الإقليم، وعلى مستوى العالم العربي. كان هناك تعمية خاصة حتى لا يعرف الناس ماذا يجري، وكانوا يعرفون أن هناك أحداثًا، ويعرفون بوجود المشاكل، ولكنهم لم يكونوا يعرفون تفاصيل هذا الموضوع. طبعًا الإعلام كان يتآمر بشكل كبير على الذي يحصل في سورية، الإعلام العربي بشكل عام الذي كان هو إعلام الأنظمة والذي لا يهمه إطلاقًا أن يبين أي شيء حول ثورة ضد نظام لدرجة أنه حصلت مذبحة أو مجازر حماة من تاريخ 2 إلى 22 شباط/ فبراير [1982]، وكان هناك حوالي 20 يومًا من المجازر والقتل المتواصل، ولم يسمع بها أحد إلا بعد فترة، والذي ذكر هذا الأمر كان صحفيًا بريطانيًا، تكلم عن هذا الموضوع، وذُكرت بشكل بسيط على قناة "البي بي سي" وبعض الإذاعات الأخرى الأجنبية، بينما الذين قُتلوا وكانوا على الأقل 33 ألفًا، وقد يصل العدد إلى 45 ألفًا، كان هذا خلال زمن استغرق 20 يومًا. وطبعًا من الناس المجرمين المسؤولين في ذلك الوقت كان شفيق فياض. وفي إحدى المرات، قام أشخاص من ريف دمشق بدعوته وجاء أشخاص من وجهاء مضايا على هذه الجلسة، وطبعًا في مثل جلسات كهذه يقومون بتقديم المشروب، وهو لاحظ أن أهل مضايا لا يشربون [المشروبات الكحولية]، بمعنى أنهم يشربون المشروبات الغازية، ولكنهم لا يشربون المشروبات الكحولية، وفي يومها استشاط غضبًا، وقال: أنا أعرف أنكم جميعًا أشخاص متزمتون ضد النظام وأنتم أشخاص طائفيون، وذلك لمجرد أنهم لا يشربون معه على نفس الطاولة. وطبعًا حاول الأشخاص الذين معه تخفيف الموضوع، وخاصة صاحب الدعوة، ولكن كان من الممكن أن يذهب الأمر باتجاه التصفية في المكان، وهكذا كانت الأمور، وكأن الشعب السوري ملك في يدهم، ويستطيعون فعل ما يريدونه بدون أن يحاسبهم أحد. وهذا الشعور لا تتخيل كم أصاب الواحد منا الأسى عندما تجدد مرة ثانية في الثورة السورية في عام 2011 وعلى مدى 10 سنوات ماضية، فعلًا نحن الشيء الذي نراه خلال السنوات العشر الماضية يؤكد لنا نفس الممارسات في ذلك الوقت، وكأن الأشخاص الذين يقومون بهذا الأمر هم آمنون من العقاب، يفعلون هذا الشيء ولديهم قناعة بأنهم لن يُحاسبوا ولن يعاقبوا بسبب هذا الموضوع؛ وبالتالي تجد أنه يذهب إلى النهاية بدون أن يحسب خط الرجوع. والذي حصل في ذلك الوقت كان مؤلمًا جدًا، تسبب بشرخ كبير في المجتمع السوري، ولكن لم تكن ثورة على مستوى كامل الشعب السوري، وإنما كانت عبارة عن ثورة من نخبة معينة تنتمي إلى طبقه معينة وشريحة معينة واجهت النظام، واستطاع النظام تجييش كل إمكانياته وقدراته ضدها حتى استطاع إنهاءها في عام 1982 بشكل أساسي، وتحديدًا بعد مجازر حماة، واستمر بعض الأعضاء وخاصة في طليعة [الطليعة المقاتلة] دمشق الذين كان المسؤول عنهم هو أيمن الشربجي، واستمروا حتى عام 1987، حتى اكتُشف أمرهم، وتمّ اقتحام المكان الذي كانوا فيه، ولكن منذ عام 1982 إلى 87 كانوا موجودين تحت أنف حافظ الأسد -كما يقولون- في دمشق ، وكانوا يقومون ببعض العمليات إلا أنه تمّ إنهاء الموضوع بشكل نهائي عام 1987.

دفعت مضايا ثمنًا غاليًا خلال أحداث الثمانينيات، وخسرت مجموعة من أفضل أبنائها، وحتى الناس الذين لم يكونوا منخرطين في القتال خسرتهم إما بالاعتقال أو بالتهجير القسري؛ لذلك بالنسبة لي هناك أمر مهم جدًا هو أن هذه المنطقة التي عانت ما عانته كانت أول منطقة في سورية تقول: "الشعب السوري يريد إسقاط النظام"، ودخلت المواجهة السلمية في ذلك الوقت، وعندما تعسكرت الثورة وأُجبرت على استخدام السلاح كانوا أيضًا من أوائل الناس الذين رتبوا أمورهم كجيش حر في تلك المنطقة، ودافعوا ليس فقط عن مضايا، وإنما أيضًا عن بقية المناطق مثل: الزبداني وغيرها.

كما ذكرت حصل اقتحام أو اقتحامان؛ لأنه كانت هناك مجموعة من المطلوبين، ولكنها لم تتعرض [للدمار] بمعنى أنها تدمرت، ولكن لم تبق عائلة تقريبًا إلا وهناك عضو منها (ابن أو أب أو أخ) إما اعتُقل، أو هُجّر، أو تأثر بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن لم يحصل التدمير بمعنى التدمير. بالنسبة لي أنا فخور من جهة، ومن جهة أخرى لست مستغربًا، لأنني أعرف طبيعة الناس الموجودين هناك، فهي طبيعة أبية تأنف الظلم، لا تسكت على الظلم إطلاقًا، وتواجه، وكانوا شجعانًا، وكل هذا جعلهم أول الناس؛ لأننا نتذكر في بداية المظاهرات أن أغلب المطالبات كانت تتجه نحو الإصلاح، بينما هذا الشعار الذي جاء من تونس ومصر في ثورات الربيع العربي لم يكن مستخدمًا، وأول مرة استُخدم في مضايا في مظاهرة في ذلك الوقت في بداية الثورة في 18 آذار/ مارس 2011.

في تلك الأحداث الأليمة، كنت في [الصف] المتوسط، أدرس الثاني والثالث الإعدادي، وفي تلك الفترة، بدأت حملات الاعتقال تتزايد بشكل كبير جدًا، لدرجة أن النظام أصبح يأخذ الناس بشكل عشوائي، بحيث أنه من خلال الاعتقال كان يعتقد بأنه يستطيع أن يصل إلى معلومات تفيده عن أشخاص آخرين، وبدأت عمليات اعتقال واسعة، وأي شخص معروف عنه أن لديه أي توجّه محافظ، ويذهب إلى المسجد، ويوجد لديه أصحاب ملتزمون إسلاميًا كانوا يحاولون اعتقاله والتحقيق معه. ويوجد الكثير من الناس ذهبوا إلى السجن، واتُّهموا بأنهم إخوان [مسلمين]، وهم لا يعرفون ما معنى كلمة إخوان، وطوال حياتهم لم يكونوا في هذا التنظيم. وجدي في ذلك الوقت كانت لديه علاقات على اعتبار أنه يعمل في المقاولات، وجاء أشخاص يحترموننا كعائلة، ويعرفون موقعنا في البلد، أخبروا جدي [قائلين]: انتبه، ابنك محمد الآن أصبح مطلوبًا - وهو والدي- وابنك فواز- الذي هو عمي- أيضًا. فبالنسبة لوالدي، كان خلال ساعات سيتم اعتقاله، وهنا نتكلم عن شهر حزيران/ يوليو 1980، وخرج والدي [من سورية] في 23 حزيران/ يوليو 1980، وتقريبًا بعده بأسبوع، جمعت الوالدة الأمور التي نحتاجها على عجل والعائلة كلها وإخوتي، وخرجنا من سورية في نهايات شهر حزيران/ يوليو 1980. وأنا أعي ذلك تمامًا، وحتى السيارة التي ركبنا فيها، وهذه كانت بدايات التهجير القسري الذي كان يحصل عندنا، وطبعًا لسنا فقط الذين حصل معهم هذا الأمر، يوجد الكثير من الأشخاص من شريحة معينة استُهدفت بهذا التهجير القسري، وهذا التهجير القسري عانيت منه عندما كان عمري 13 سنة، ولكنني أستطيع أن أقول: إن التهجير القسري الذي عانيناه مؤلم جدًا، ويقطع الشخص عن بلده وأقاربه، ولكن فيما بعد عندما أصبح التهجير القسري بالبراميل [المتفجرة] والطائرات والقصف والنزوح الذي حصل [خلال الثورة السورية] لم يعد بإمكاننا المقارنة، فالذي حصل في آخر 10 سنوات يفوقه بمراحل كثيرة، ولكنه من ناحية الأساس والمبدأ هو نفس الألم فيما يخصّ موضوع التهجير القسري، فيوجد من يقتلعك من مكانك الطبيعي وبيئتك الاجتماعية وبيئتك العائلية بشكل قسري ويتمّ خلعك من هذه البيئة، وتذهب إلى بيئة جديدة أنت لاجئ فيها، وأنت ضيف فيها، لا توجد عندك نفس المميزات و نفس العلاقات التي كنت تبنيها خلال حياتك.

 عندما خرجنا كنا نريد الالتحاق بالوالد؛ لأن لديه عملًا في الأردن، وهذا الشيء نحن متعودون عليه؛ لأنه كان يعمل في السعودية من قبل، ولكننا عندما ذهبنا إلى الأردن استغربت لأننا أخذنا معنا في السيارة الكثير من الأمور مما يدلّ على أن هذا السفر لن يكون سفرًا سريعًا.

 أذكر الكتب التي وضعتها في حقيبتي المدرسية والدفاتر، وفي ذلك الوقت، كنا نهتم كثيرًا بالدفاتر وكيف نكتب الوظائف، وبعض الأمور الخاصة بي مثل الأقلام وبعض الألعاب البسيطة، بالإضافة إلى أن إخوتي تعرضوا لنفس الأمر، كان عندي أختان وأخ، وذهبنا في هذه الرحلة، وحتى الآن أذكر هذه السيارة، كانت من سيارات الكراجات الصفراء التي تعمل على الخط ما بين دمشق وعمان، وأذكر أن الوالدة- حفظها الله- ملأت السيارة بشكل كامل، فاستفادت من كل سنتيمتر موجود في السيارة في ذلك الوقت في يوم سفرنا إلى عمان. طبعًا بالنسبة لي لم يكن مفهوم التهجير القسري قد دخل إلى عقلي بعد، ولكن عندما ذهبنا إلى هناك وجلسنا شهرًا بعد شهر، ومرّت أول ستة شهور، وكنا نتوقع أن نجلس كحد أقصى ثلاثة أو ستة شهور، ثم نعود. واستمرت الأمور حتى انتهيت من المرحلة الثانوية في عمان، وكانت البيئة التي نعيش فيها في عمان معظمها من الفلسطينيين الذين نزحوا أيضًا، ولجأوا إلى عمان بعد عام 1948 و1967 و[أصابهم] الذي أصاب الشعب الفلسطيني.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2021/01/22

الموضوع الرئیس

أحداث الثمانينياتبلدة مضايا قبل الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/129-07/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

الثمانينيات

updatedAt

2024/04/17

المنطقة الجغرافية

محافظة دمشق-مدينة دمشقمحافظة حماة-مدينة حماةمحافظة ريف دمشق-مضايا

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

قناة ال BBC

قناة ال BBC

الطليعة المقاتلة

الطليعة المقاتلة

الشهادات المرتبطة