سيرة ذاتية وبداية الثورة في مدينة حماة
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:47:12:19
كمال النائب مواليد مدينة حماة وطالب معهد صناعي، ولكن لم أتخرج، عملت قبل الثورة في التجارة مندوب مبيعات وحياتي مثل أي شخصٍ عداي طموح لديه هدفٌ في الحياة بناء عائلة وعمل يوصله للمستوى المطلوب، وهذا بشكل مختصر، ابن عائلة محافظة ومستقرة ماليًا وكحالة وسط، وهذا بشكل عام.
بعد أن تسرحت من الجيش بتاريخ 2008 ودخلت إليه 2006 وقبل الجيش كان لدي طموحٌ أن أكون فاعلًا في الوطن وأعمل، وكنت أنظر دومًا أن أكون أحد دعائم هذه البلد في الجيش أو الدولة وفي أي مجال أقدم لتلك البلد، وكان يُخرج لنا دعايات التطوع للكليات الحربية، والذي يتطوع ويصبح ضابطًا وكذا كان لدي شغف في هذا الموضوع، ولكن مع دخولي إلى الجيش رأيت الواقع على حقيقته، ورأيت الجيش بتجردٍ وبدون أي زيف وبدون أي دعاية وكيفية التعامل بين الضباط والعناصر أو الطائفة العلوية والسنية وغير الطوائف، هذا الأمر جعل غلّي (حقدي) يكبر على النظام، ونحن في البداية ونحن جيل الثمانينات تشربنا كره النظام، ولكن لدينا طموح أنَّ البلد كانت لنقل في أيادي سنية وبناءة، وتعمل للبلد في أيام الخمسينات والستينات، ونحاول أن نعيدها [لكن] كيف؟ ورأينا ما رأى أهالينا في الثمانينات، ونريد أن ندخل إلى الدولة ونُصلح، وهذا كان الهاجس، وحين دخلت إلى الجيش نحن كنا نعيش في مزرعة تحكمها عائلة متسلطة يدها في جيوب المواطنين تنهب ثرواتهم، وليس هناك طموح في سورية، مهما كان الشاب لديه طموحًا وأهدافًا في فترة الجيش هي عبارة عن تعريف الشخص السوري أين يعيش، أنت لا تعيش في بلد أوروبي حتى تتعلم وتبني، أنت في مزرعة سقف طموحك أن تتزوج وتأتي بأولاد تطعمهم وتشربهم، هذا الشيء الذي تعرفنا عليه في الجيش كان يتحدث لنا أهالينا عن ذلك عن إجرام النظام نحن لم نرَ ولكن سمعنا سمعًا، ولكن في الجيش رأينا مباشرةً تعامل الضباط العلوية مع الشباب من السنة أو غير السنة والفوقية، وخاصة… أنا كنت داخل صف ضابط في الجيش، هم كانوا يُشعرونك أنه مهما يكن لديك من شهادات أننا أسيادك، و"نحن أسيادك ولاك" (كلمة تستعمل للانتقاص من الشخص) ممنوع أن تقول سيدي نحن أسيادك! هذا الأمر لم نكن نرضاه، ومع بداية الثورة كان لدينا شيء داخلي سواء من الشيء الذي سمعناه من أهالينا وسواء من التجارب التي عشناها جعلتنا من أوائل المنتفضين ضد النظام، وطبعًا تسرحت من الجيش في 2008 والحياة سوداء أمامي، ورأينا في الجيش ما حصل بنا وحطمونا، وكنت أريد أن أشق طريقي وأطلع الجبال، لكن -سبحان الله- رأيت نفسي بين الوديان، وعملت في مجال التجارة -مع أنه شهادتي كانت صناعية- في تجارة المواد التجميلية، وبعدها عملت في شركة "اليولينفير" الإنكليزية -كان لها فرع في سورية- اسمه "اليوني سيريا" عملت فيه مندوبَ مبيعات لغاية انطلاق الثورة السورية.
معروف للجميع لا يوجد عائلة حموية إلا ولها شهيد أو مغيب مهجر، وعائلاتنا كان لها حصة، كان والدي يسرد لي بعض القصص عن الاعتقالات وهو اعتُقل في الثمانينات ولكن ليس لمدة طويلة لمدة قصيرة، وبعد ذلك هرب خارج البلد، فحدثني عن التعذيب الذي تعرضوا له في المعتقلات بالإضافة إلى قصص كانت ترويها لي أمي عن الأقرباء الذين قُتلوا على باب بيتهم كان النظام يقتحم البيوت يقول له: سأريك الهوية، فيرد ما من داعٍ وعلى الهوية يقتله في أرضه وقصصٌ كثيرة خاصة أن أهل أمي كانوا يعيشون في [حي] الحاضر الصغير في وسط المدينة، وأهالي هذا الحي شهدوا أغلب المجازر التي حصلت في مدينة حماة، ولا سيما أن الأحياء التي أُبيدت أو تدمرت عن بكرة أبيها كانت من الأحياء المجاورة من بينها عائلة المصري في الزنبقي والتي تهدمت المنازل فوق رؤوسهم، وهناك قصص ٌكثيرة ربما المجال لا يسمح لروايتها كاملة، مثل مثلًا كان زوج بنت خالتي مثلًا دخلوا عليه إلى البيت قتلوه وأبوه وأخوه وخرجوا وكأنه لم يحصل شيء، حتى هناك أخ من الإخوة كان يُخبرنا كيف كانوا يتراكضون -لأن الناس أصبحت بلا أكل ولا شرب- كيف يتراكضون ولو [من أجل] ربطة خبز ومن يخرج من أجل أخذ ربطة خبز كان يخرج ولا يعود. في حي جنوب الملعب كومة من جثث القتلى التي تتجمع عند المستشفى الوطني، وقصص كثيرة مثل الشباب الذين يُعتقلون ولا يعودون وقصصٌ مشابهة، ولكن الشيء الذي نراه في واقعنا حاليًا مشابهٌ لما حصل في 1982 إلا أنَّ هناك كانت المدة أقصر فخلال 20 يوم كان هناك ما يقارب 40 ألف شهيدًا، وهذا احتاجته الثورة السورية ما يقارب 8-9 أشهر [حتى حصل هذا الرقم].
في 2005 بدأنا نوعى على الدنيا أو حتى في 2003 أيام حرب العراق كان هناك دعواتٌ للجهاد في العراق، وكان خالي -رحمه الله- ينوي الخروج إلى العراق ولكن -سبحان الله- كان هناك تخوفٌ من أنَّ الداعيين للجهاد أن يكونوا أحيانًا عملاء للنظام، فكان هناك خوف وهذا الأمر شهدناه فيما بعد من عمليات الاعتقال التي حصلت، بشكل علني عمليات اعتقال لا يوجد، ولكن كان يوجد في الخفاء كان هناك في أيام البكلوريا (الثانوية العامة) كان هناك تسريبٌ لـ "سيديات" (أقراص صلبة) تتكلم عن الطائفة "النصيرية" (العلوية) ومدى إجرام النظام وما حصل في 1982، حتى أنا كنت أوزع بيدي "سيديات" عن مقابلاتٍ حصلت في 1982 -هذه المقابلات ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي في 2011 حملناها على "اليوتيوب"- ولكن قبل 2011 كنا نسربها ونُعطيها للناس بشكل خفي ذلك في 2007-2008 تقريبًا، كانت أشرطة تتحدث عن الطائفة "النصيرية" (العلوية) والجرائم التي ارتكبوها آل الأسد بأهل السنة وخاصة في مدينة حماة.
أول الأمر في حماة كان أيَّ اثنين أو ثلاثة يجتمعون مع بعضهم ليومين ثلاثة كان يصل اسمهم إلى الأفرع الأمنية، لماذا يجتمعون؟ الموضوع كان خطيرًا لا أخفيك، أي شريط أو "سي دي" (قرص صلب) كان يأتينا لنستمع له كنا نخرج خارج البلد (المدينة) نصل إلى الأوتوستراد ونغلق الشبابيك ونسمعه لنضمن ألا أحد يستمع لنا، فالموضوع كان مرعبًا للأهالي وخاصة في 2005- 2006 حصل لدينا في مدينة حماة اشتباكات مع مجموعة "جند الشام"، فكان دائمًا هناك تخوف، والاعتقالات كانت كبيرةً في تلك الأثناء لطلاب العلم فالموضوع خطير يتوجب عليك أن تعرف مع من تتحدث، فهذا الموضوع لا يتحدث به مع أي كان، هناك مقولة معروفة أنه لا يستطيع الشخص أن يتكلم أمام زوجته حتى لا تُبلّغ عنه -لم نصل لتلك المرحلة- ولكن كان هناك خوف دائمًا "الحيطان لها آذان" [هكذا كان يقال] وأحيانًا كان يتم إيصال "السيديات" بشكل غير مباشر، عندما أعطيت هذا الفيديو وأتيت لأحمله على اليوتيوب عام 2011 حينها لم يكن عدد المشتركين كثيرًا فلم يسمحوا أكثر من 15 دقيقةً و"السي دي" كان ساعة، فتواصلت مع الشباب الناشطين وقلت: يا شباب أنا عندي مقطع فيديو ضروري أن نحمله على "النت" [ذلك] ضروري في بداية الثورة، تخيل أنها أيام الثورة كان حاجز الخوف قد انكسر لكن في ذات الوقت كان مازال هناك خوف، فتواصل أحد الأخوة وقال: أنا في قناتي بإمكاني أن أُحمل ساعة على "اليوتيوب" فقلت له: تمام كيف أوصل لك "السي دي"؟ تخيل أنني وضعت "السي دي" في زاوية حديقة وقلت له: أضعه في المكان الفلاني ووضعت "السي دي" على زاوية الحديقة في حي الصابونية مقابل جامع الإيمان، واتصلت به وقلت له: السلام عليكم "السي دي" هناك وتستطيع أن تذهب وتأخذه، كان هناك خوف مع أننا كنا في ثورة، سبحان الله حمّله وخلال 24 ساعة كان هناك 150 ألف مشاهدة يعني الناس متعطشة لترى ما الذي حصل في 1982. مثل هذه "السيديات" كنا نوزعها في السر، نأتي "بسيديات" فارغة وننسخه الواحد تلو الأخر، لأجل توزيعه وذلك حسب الحاجة بمعنى أننا اليوم نريد أن نوزع 5 "سيديات" فنوزع 5 "سيديات"، ممنوع أن ننسخ نسخة زيادة، لدي نسخ احتياط والباقي كله فارغ، في حال حصل اقتحام تكون "السيديات" فارغة وتتحجج بأي شيء ممكن أن تكون للأغاني أو لأي أمر، ولكن أمور للنظام أو كتب تتحدث عن الطائفية أو النصيرية (العلوية) لا كان الأمر مخيفًا للغاية، وسريًا للغاية، وهذا الشيء الذي كان بين 2005- 2011 من نشاط ضد النظام -أنا لا أعتبره نشاطًا- ولكن نُحاول فعل أي شيء نُصحي الناس به.
الأخبار أول ما وصلت من تونس كان هناك لا أريد أن أقول حلم ولكن شيء لا يخطر ببالك نظامٌ يسقط! أذكر في 2000 حين تُوفى حافظ (حافظ الأسد) قلنا الأمور ستصبح أحسن وسيكون هناك حكم جديد، وحتى هناك أناس زغردت ولكن بصوت منخفض في حماة أنه مات الملعون، في حماة عندما مات حافظ الأسد كان هناك عيد، هم قالوا أن هناك 3 أيام حِداد نحن كان لدينا ثلاثة أيام عيد مات -لا رده الله-، فكان لدينا أمل أن تأتي شخصية جديدة تُرجع البلد مثلما كانت، ولكن عندما استلم بشار ابنه، قيل أنه هذا شاب ربما يكون غير أبيه، ولكن عندما رأينا أنَّ الكلب يُخلف جروًا لن يُخلف أحسن من ذلك عدنا مثلما كنا.
"مات في الحي كلب استرحنا من عواه
خلف الكلب جروًا فاق بالنباح أباه"
سبحان الله كان ألعن من أبيه، وحين أتت أخبار من تونس بسرعة، ومقطع الفيديو الذي يقول "بن علي هرب بن علي هرب"، -أنا أكلمك الآن هذا الشعور منذ عشر سنوات تقريبًا- كان مفرحًا أنَّه سقط [زين العابدين] بن علي وثوراتٌ وربيع [عربي]! فالأمر كان كبيرًا، كنا نجلس أمام التلفزيون لا نتحرك، لنتابع ما الذي يحدث هرب بن علي وسقط النظام، وجاءت [ثورات] ليبيا ومصر ويا سلام ماذا يحصل؟!، وكان شيئًا بالنسبة لنا ليس حلمًا بل لم يخطر في بالنا، [كنا نقول:] لن نرتاح إلا بعد أن يموت بشار، ليس هناك بوادر فكلما تحدث عملية مثل أحداث دير الزور أو الأحداث في القامشلي فيما بعد أو إعلان دمشق كان مصيرها الإخماد، فأخبار المغرب العربي تونس أو ليبيا أو بعدها مصر، الشيء الذي كنا لا نُفكر به بات مجرَّد حلمًا، والحلم يمكن أن يُصبح واقعًا فكان شعورًا رائعًا وخاصة بعدما رأينا انتصار للثورات في تونس وبعدها في مدة قياسية في مصر، بدون دماء كبيرة في 18 يوم 200 شهيدًا عادي فنحن في حماة 40 ألف شهيد ولم يسقط النظام، فكانت الأخبار تتوارد هناك برسائل أمل ودفع أنه يا شعب سورية جاء وقتكم حتى تنتفضوا ضد النظام.
في 1982 حتى أهل سورية بشكلٍ عام حين يرون شخصًا حمويًا يقولون: أنتم لكم حق علينا نحن في 1982 خذلناكم، هذا كلام غير الحموي مع الحمويين، وحين حصلت الثورة في سورية كان هناك شيء يحركنا من الداخل ودمنا يغلي (متحمسون) أننا يجب أن نخرج ضد النظام، ولكن كان هناك خوفٌ دائمًا وخاصة من الأهالي والآباء الذين حضروا احداث 1982 كانوا يقولون: اهدؤوا "العين لا تقاوم المخرز" الأمور ليست بتلك السهولة التي تتخيلونها، فكان هناك خوف دئمًا أن اهدؤوا وتريثوا، مع ذلك كان هناك نشاط سري، والخوف أن يعود النظام وينفرد بحماة وباقي المحافظات تسكن (تسكت)، ولكن هذا الأمر لم يحتاج وقتًا طويلًا إلا كانت تأتينا أخبار من سوق الحريقة في الشام (دمشق) ومن درعا أنها بدأت المظاهرات وتلك المحافظات قامت معقول أن نقع في خطأ باقي المحافظات معنا؟ المحافظات خذلونا لعدم وجود إعلام أو تغييبهم عما حصل في حماة لا أعلم [ربما ذلك ما حصل]، ولكن علمنا أن أهل درعا خرجوا وعلمنا أن أهل الشام (دمشق) قاموا، فنحن واجب علينا أن نخرج. حين خرجت المظاهرات في درعا وفي دمشق لم يعد بإمكاننا ألا نخرج، لا بل واجب علينا أن نخرج لنفزع لهم، ولا يحصل بهم كما حصل في 1982 وهذا الذي كنا نركز عليه. الفضل لله [انطلاق] مظاهرات حماة لم تطل صحيح حصل اعتقالات كبيرة قبل المظاهرة التي حصلت طالت بعض الناشطين والشباب اعتُقلوا مساء الخميس، النشاط كان يجهز أنه في اليوم التالي الجمعة سنخرج، ومن ليلة الجمعة بدأت الاعتقالات واعتُقل أحد أصدقائي هو قتيبة النعسان وأخرجوه يوم السبت أو الأحد الناس الذين اعتُقلوا في أول مظاهرة يوم الجمعة في حماة بتاريخ 24 آذار/ مارس (25 آذار/ مارس - المحرر).
كان هناك خوف وفي ذلك اليوم مثلًا أنا أعرف شخص اسمه أبو فيصل وأعرف أن أبوه شهيدًا في 1982 ويكره النظام ولكن لا أتجرأ أن أقول لأبو فيصل تعال واخرج مع أنني أنا أعرف أنه سيخرج، فكان هناك بعض الأشخاص يمكننا ان نتكلم معهم ولكن نجس نبضه (نعرف رأيه) هل لديه قابلية أن يخرج أو لا ولكن شخص ليس لديه قابلية أو يمكن أن يخاف أو ممكن أن يحكي لم نكن نخبره.
أول جمعة كان التنسيق للمظاهرة ضعيفًا جدًا، لدرجة أنه حصل تنسيق قبل الجمعة تلك ولكن حصل هناك اعتقالات على أثرها فكان هناك خوف، يعني [نسأل أنفسنا] مع من سأُنسق؟ فربما أُنسق مع الشخص الخطأ ثم نُعتقل أنا وهو ولا تخرج مظاهرة، أغيب في المعتقلات من وراء ذلك، التنسيق ضعيف، ولهذا عندما خرجت المظاهرات في حماة؛ خرجت من ثلاثة مساجد، ولو كان هناك تنسيقًا حقيقيًا كانت خرجت مظاهرة واحدة من مسجد واحد قوية والناس سارت بها، ولكن لغياب التنسيق خرجت في مسجد الصحابة على طريق حلب وفي جامع عمر وفي جامع المسعود في تقاطع شارع صلاح الدين مع 8 آذار. حين خرجت المظاهرات كل شخص خرج [كان] يظن أنه لن يعود، أذكر في يوم الجمعة كنت [في العادة] ألبس الكلابية البيضاء (لباس شعبي) متعطر متأنق لكن في تلك الجمعة خرجت بالبيجاما مستعد لأنه ممكن أن أعتقل [فكيف] أذهب بالكلابية! ولباسي لفت نظر أصحابي [أحدهم] قال لي: كمال ليس من عادتك أن تذهب بالبيجاما إلى الجامع! فقلت له: سنخرج مظاهرة، وقال: مظاهرة ماذا؟ وقلت: إذا خرجت مظاهرة سنخرج بها بالتكبير لأهل درعا، فقلت له هل تخرج؟ قال: نعم، ولكنه لم يخرج، ذهبنا إلى جامع عمر وعفوًا ذهبنا إلى جامع الصحابة -وكان جامع الصحابة الأقرب من منزلي- ولو كان عندي علم أن هناك مظاهرة قوية ستخرج في جامع عمر لذهبت إليه، ولكن التنسيق كان ضعيفًا.
في جامع الصحابة كان الإمام والخطيب أبو أنس محمد الأحمد، وهذا الشيخ معروف عنه بقوته الخطابية لدرجة أن الناس بعد أذان الظهر ليس لك مكان في المسجد الناس يصلون خارجه إلى الشارع، من كثرة الإقبال على هذا الجامع من المصلين لأجل الشيخ الذي يخطب فيه، وكنت أنتظر أن يتكلم الشيخ عن الشهداء الذين سقطوا في درعا والدم الذي سال ويُهدئ الناس، لأن الناس تغلي وغاضبة وفي لحظة قد تنفجر، وكنت جالسًا في المسجد وبدأ الخطيب في خطبته، والخطبة عادةً في القرآن أو السنة النبوية أو الصحابة والهدي، ولكن في ظل الأحداث السياسية التي كانت في قلب البلد والتوتر قلنا سيتكلم عن تهدئة الشارع وعن الوعود، والأئمة كانوا يُعطَون خطبة من الأوقاف من المخابرات خذوا اقرؤوا تلك، [لكن] الخطيب كان قد أحضر منجزات حافظ الأسد والشيء الذي أتى للبلد، وما أتى به بشار الأسد ووعيد وتهديد ولا نريد أن يحصل كذا..، وكنت جالسًا في المسجد أرجف لا شعوريًا التوتر وصل لأعلى مستوى، ومَن حولي يقولون: ما به هذا! يعني توترًا بشكل كبير، وكان يتكلم كلامًا مثل السم ينزل علينا.
في تلك اللحظة في وسط المسجد قام شخصٌ وبدأ في التكبير" الله أكبر عليكم" "الله أكبر على الظالم" يا شيخ ألم تر ما يحصل في درعا، والمسجد كان مكتظًا بالمصلين، فالذي هرب والذي خرج خرج والناس كانت تتدافع ببعضها وكأنه حصل يوم القيامة في الجامع، وبعض الأشخاص التفوا حول الشخص من أجل الحماية ومن أجل الهتاف معه، فتجمعت أنا وأربعة أشخاص بدأنا التكبير ونكبر والتفتنا حولنا وكان هذا الشخص من عائلة البابا من سكان طريق حلب ونحن حوله ونهتف ونصرخ وحولنا ناس وجوهها غريبة عن الحي نحن نصلي في المسجد نعرف المصلين فيه لأنهم أهل حينا، أبناء الحي، أما هؤلاء وجوههم غريبة فأذكر واحد جتة (ضخم) قال: تريدون الإسرائيليين أن يأتوا إلينا ويحصل لنا مثلما حصل في فلسطين، وصدقًا صدمت وأنا ليس ببالي هكذا رد، وأنا خرجت فزعة لأهل درعا الذين يموتون أنا ليس ببالي احتلال ولا إسرائيل أنا كل ما هنالك أريد رفع الظلم عن أهلي وأطالب ببعض الحرية وتأتي وتقول إسرائيل لقد صدمني! فنظرت إليه وقلت له: يا رجل من أين أتى ذكر سيرة إسرائيل؟ نحن نتكلم عن درعا، فقال: أنتم خونة، تخيل منذ أول جمعة ولم يكن في بالنا حينها دول خارجية، ومجرد ناس تريد الخروج بمظاهرة أو الخروج ضد النظام، فقد تحدث معي بكلام لم يخطر لي سابقًا.
وفي تلك الأثناء نزل الشيخ من المنبر إلى الصلاة والجامع صلى به ثلاثة صفوف والجامع يسع 5 إلى 7 آلاف مصلٍ، هذا الحرم فقط ما عدا المصلين في الخارج، هناك ناس هربت من دون أن تلبس في قدمها خشية الاعتقال، صلينا ثلاثة صفوف فقط من الخوف، نحن كنا خمسة واثنان بعد الصلاة فورًا هربوا وبقينا ثلاثة ونحن خفنا لأن العناصر الموجودون هم عناصر أمن، عندما كان الشيخ كشك (عبد الحميد الكشك - المحرر) يُصلي كان يقول: اللهم اغفر للصف الثاني والثالث، وقالوا له: الصف الأول قال: الصف الأول كلهم مخابرات، وهذه المرة كانت الثلاث صفوف مخابرات، ونحن خفنا أن نخرج وفعليًا احتمينا بحرم المسجد إذا خرجنا سنجد الستيشن (سيارة الأمن) وتأخذنا، لانعرف ماذا حدث في الخارج ولكن نحن في الداخل خائفين ولم يبق حل، فجاء ابن البابا (شاب من عائلة البابا) قال: يا شيخ أنا بحمايتك، أتى إلى الشخص الخطأ والشيخ أبو أنس -الله يهديه- لم يكترث، وقال له: فقط أخرجني خارج الجامع، ونحن بعدها نهرب ولم يكترث بنا، والذي في زعمنا أن الخارج مليء بالأمن فخرجنا بخطى متثاقلة، فوجدنا الناس كانت في الخارج تنتظر ماذا سيحصل في الداخل والناس في الداخل لا تعرف ماذا حاصل في الخارج، وبخروجنا جاء باص فيه مسيرة مؤيدة ويهتفون، نحن لا نعلم بوجود مسيرة مؤيدة، لكن يبدو أن أحدهم أخبر أن هناك بلبلة في جامع الصحابة، كانوا يهتفون "الله سورية بشار وبس" كنت أقف على الشارع وظهرنا إلى المسجد ونقف على الباب وأمامنا الشارع أنا وابن البابا وشخص [آخر]، وواقفين وحولنا الناس وآتى الباص "الله سورية بشار وبس" وابن البابا قال له: الله يأخذك ويأخذ بشار، فحاولوا اعتقالنا كيف هربت لا أعلم! أنا ووقفت أمام أول شجرة وقد انشغلوا به يضربونه، أخذت الهاتف وكان معي هاتف 3310 "نوكيا" قديم ولكن له شاشة، واقف خلف الشجرة وأصور وهذه أول عملية اعتقال حصلت في حماة وتم تصويرها، وهم تركوني وبيننا أمتار وهذا قال الله يأخذك ويأخذ بشار فقط، وأثناء ضربه وواحد بينهم نظر ورآني أصور، وقال: جيبو (أحضروا) الذي يصور، وهربت وذاك الشخص أخذوه الى الباص وأنا ركضت حافي القدمين بسرعة كبيرة لم أذهب إلى منزلنا مباشرة ولكن إلى البناية التي خلف بيتنا، والمقطع في جوالي ماذا عساي أن أفعل به؟! كيف سأحمله؟ والأمور.. لم يكن هناك "فيسبوك" كان لدي حساب على "الفيسبوك" قبل الثورة ولكن [كيف] أحمل مقطع فيديو، وكيف سأوصله إلى القنوات، كان لدينا هدف أننا أهل حماة خرجنا ولم نخف وخرجنا معكم ولم نخذلكم كما في 1982 ونحن معكم لباقي المحافظات، وريثما انتهت البلبلة وابن البابا اعتُقل -الله يرحمه- إن كان حي أو ميت ونحن هربنا.
وصلت إلى البيت طبعًا أتت الأخبار أنَّ ابن النائب فعل كذا وكذا، فقال لي والدي: يا بني نحن لسنا قدهم (نحن أضعف منهم) وحرام عليك العين لا تقاوم المخرز، يا إبني انتبه لنفسك اختفي واحتاط في هذه الفترة، فقلت له: معي مقطع فيديو سأحمله فقال: ماذا؟! مقطع فيديو امسحه والله أحرمك من الجوال، وجعلوني أمسحه ولهذه الساعة أندم على حذفه لأنني صورت هذا المقطع في 24 آذار/ مارس (25 آذار/ مارس - المحرر) أول عملية اعتقال في حماة، ولكن للأسف حُذف المقطع خوفًا من الملاحقة الأمنية.
وصلنا وأريد أن أرى إذا كان هناك خبر عن مظاهرة جامع الصحابة هل خرجت على الأخبار ولو في الشريط عن حماة، وإذ الأخبار عن مظاهرة في جامع عمر بن الخطاب قد صورت، عندما رأيت الأخبار ظننت أنَّ المظاهرة إلى الآن مستمرة فلبست ثيابي وذهبت إلى جامع عمر ولم أجد مظاهرة فعدت إلى البيت وكانت مظاهرة سريعة مثلنا، ولكن في جامع عمر كان العدد أكبر أو كأنهم هتفوا على باب المسجد بعد نهاية الصلاة، وهذا ما جعل المظاهرة تظهر، وصُورت وأُرسلت إلى الإعلام وظهرت، وجامع المسعود كما حصل في جامع الصحابة خرجت المظاهرة ولكن لم تُحمّل على "الإنترنت" فلم يعرف بشأنها، التي عُرفت هي التي خرجت على "العربية" وعلى "الجزيرة" أنَّ محافظة حماة تخرج مظاهرات ضد النظام، وبعد ربع ساعة الإعلام الموالي حماة [يتحدث عن] زقزقة العصافير والأمور جيدة، وهذه قصة أول جمعة في حماة، طبعًا مدينة حماة بين أن ننتظر أو يجب علينا الخروج في أول المظاهرات، وهذا بخصوص أول جمعة وعلى أثرها حصلت عمليات اعتقال في مدينة حماة.
خرجت أول جمعة من مدينة حماة، والناس حين رأت في الإعلام عن جامع عمر بن الخطاب -المظاهرة التي خرجت على الإعلام - أصبح قبلتها جامع عمر، والمظاهرات القوية في جامع عمر وباقي الجوامع كانت ضعيفة، وهناك تجارب لجامع الصحابة وجامع المسعود، فالأفضل الذهاب إلى مسجد عمر كونه تُصور المظاهرة، والتنسيق كتنسيق لم يكن هناك وكان على مستوى أشخاص وصديقٌ وصديقه [يقول أحدهم للآخر هيا بنا لنخرج مظاهرة] وأخ وأخوه كذلك الأمر، ولكن كمجموعات وكتل لم يكن هناك، وكأصدقاء مثلًا أنا أعرف فلان وفلان وفلان وأصدقائي ونجمع بعضنا يا شباب إلى عمر، وجامع عمر يعني مظاهرة، وهكذا كان التنسيق في جامع عمر في الجمعة الثانية التي خرجت فيها.
وفي الجمعة التالية ذهبنا إلى الجامع، والأمن ملأ الدنيا وسيارات "الستيشن" الحكومية والمخابرات في كل شارع وكل مفرق حول جامع عمر كنا نسير وننظر نرى عناصر الأمن ودخلنا إلى الجامع، الجامع مليء والخطيب كلامه ليس فيه شيء الخطبة عادية، طيب ومتى سنخرج مظاهرة؟ كل شخص ينتظر الآخر، ربما هذا يكبّر لا ربما هذا يقوم، صلينا الجمعة وصلينا السنة ويوجد أناس لم تصلِّ وأنا واحد من الناس لم أصلي السنة [كنا نقول في أنفسنا:] هل من المعقول أن تكون المظاهرة في الخارج؟ في العادة الناس تشتري خضار وتمشي، خرجنا وجدنا الناس كلها تنظر ببعضها، والحائط المقابل جامع عمر هنا أتى شخص قال: تكبير وحين قال تكبير والناس منتظرة وحين الشخص نادى تكبير كل من جاء لمظاهرة ذهب إليه، وأتت الناس إلى هذا الشاب "الله أكبر" و"بالروح بالدم نفديك يا درعا" و"يا درعا حنا معاكي للموت" وبدأت المظاهرة تسير.
سارت المظاهرة من مقابل مسجد عمر إلى مدخل الحي الشمالي والناس تجمهرت على المظاهرة وأناس تشاهد، والأمن كان واقفًا معنا، ونحن نخرج مظاهرة بين عناصر الأمن والمخابرات، هناك من خاف هل نخرج أم لا، وناس "قايست" (لم تكترث بحجم الأمن) ومشينا في المظاهرة، ويأتي دوار حي السخانة باتجاه الشمالية أذكر هنا ونحن نسير لا أحد يعرف الآخر ويمكن أخي جانبي ولا أعرفه، ولكن نمشي ونضع في ذهننا: نريد أن نخرج مظاهرة ونهتف ونُلبي لدرعا، ونمسك ببعضنا خوفًا من عملية اعتقال، وماشين في المظاهرة، وبعد قليل رأينا مسيرة تأييد، نحن عبارة عن كتلة 150 أو 200 شخص تمشي مع بعضها لا أحد يدخل أو يخرج، وهناك من يتفرج وبالمقابل أتتنا مسيرة تأييد تهتف لبشار "بالروح بالدم نفديك" ومن هذا الكلام، هنا أصبحت المبارزة من صوته أعلى لأننا نحن نريد المظاهرة أن تصوَّر من أجل أن تأتي الناس، وبنفس الوقت إذا التقطت صورة يظهر بأن هذه مظاهرة، فكنا نرفع صوتنا "يا درعا حنا معاكي للموت" والمجموعة الثانية تنادي "الله سورية بشار وبس" أو "بالروح بالدم نفديك يا بشار" ومن صوته أعلى يظهر على الإعلام وكنا كحصاني رهان كل طرف يريد أن يُسمع صوته أكثر من الآخر.
وبالإضافة كانت هناك عملية نسل (سحب) لأننا نحن متجمعين ككتلة واحدة، كان عناصر الأمن كل اثنين أو ثلاثة يمسكون بشخص ويأخذوه إلى الباص الى الاعتقال، ونحن كلنا ماسكين بعضنا وخائفين ونمشي ولا أحد يعرف الثاني، وإذا ترى شخصًا أخذوه واعتقلوه، وهنا كان الخوف لأننا نحن نعرف أن المعتقل بحكم المقتول، وهذه كانت المظاهرة الثانية في حماة ولم تستمر إلى مدخل الشارع الشمالية إلا وقد كانت منتهية بصراحة.
الجمعة الثانية في جامع عمر تصورت بقوة وجعلت الناس تزيد، فهذا الشيء الذي شاهدناه في الجمعة الثالثة والرابعة والخامسة فكانت هذه الجمعة تُثبت أن المظاهرات في حماة ستكون قويةً، وهذا رأيناه في الثالثة والرابعة، وحين استمرينا في الثانية الناس رأت بأنَّ: المظاهرة تَخرج ويمكن أن نسقط النظام وحماة وضعها الدولي حرج للنظام، فلا يمكن للنظام أن يتعامل مع حماة كمثل أيام 1982 فقد بات هناك إعلام ومظاهرات تخرج، فنحن حتى اليوم عن سنة 1982 يقولون لنا: أنَّ الطلاب قاموا بإضراب وهتفوا وخرجوا بمظاهرات، نحن سمعنا ولكن لم يكن هناك شيء مصوَّر، بينما نحن اليوم نقول خرجت مظاهرة وهذه مقاطع فيديو ونقول للإعلام وللمجتمع الدولي بأن حماة خارجة، والشعب الحموي قد خرج مظاهرات ضد النظام، هنا النظام لا يستطيع أن يقول لا، نعم أرسل إعلامه الموالي، ولكن كان هناك مقاطع فيديو فليس هناك تدليس وتزوير، فكنا نقول أنَّ أهل حماة يجب أن ننقل مظاهراتنا، لأننا نحن بالنسبة للمجتمع الدولي خط أحمر بالنسبة للنظام، المجتمع الدولي يعطينا قوة بسبب المجازر التي ارتكبها النظام في حماة.
في المظاهرة الأولى والثانية لم يكن هناك هتاف "لإسقاط النظام" كان هناك هتاف لأهل درعا و"حرية حرية" و"يا درعا نحن معاك للموت" و"الله سورية حرية وبس" هذه الهتافات الأساسية التي هُتفت.
في الجمعة الأولى حصلت مظاهرات في الجمعة الثانية أقوى في الثالثة لا يجب أن تكون المظاهرة بقوة أكبر ومنسقة ومنظمة أكثر، حدث كلام عن الأمر -في البداية كان هناك خوف من الكلام- ولكن بعد ذلك أصبح أمرًا واقعًا، فهو حدث حصل في مدينة حماة وأصبح سيرة على كل لسان مؤيد أو معارض خرج في مظاهرة أو لم يخرج كان يتكلم عن خروج مظاهرات في حماة -لأنها خرجت على الإعلام- فلم يعد هناك شيء مخفي، الناس تقول: سنخرج إلى جامع عمر والجمعة التالية سنخرج مظاهرة ونريد كذا وكذا. عندما نزلنا إلى الجمعة الثالثة بات التنسيق أعلى أصبح هناك مجموعات [كنا نقول لفلان من الناس:] تحدث مع صديقك فلان وفلان وقل لهم أن ينزلوا معنا، ولفلان: أحضر معك ابن عمك وابن خالك ليصبح العدد أكبر.
ونزلنا إلى الجمعة الثالثة وقبلها بين الجمعة الثانية والثالثة بتنا نشاهد كاميرات تتركب على مداخل جامع عمر، في المرة الأولى لم يكن هناك تصوير ولكن هذه المرة يوجد، فهذه المرة إذا خرجنا ستصبح وجوهنا أمامهم، بين الجمعة والجمعة لا يوجد نشاط، ودوريات الأمن مُسيطرة على البلد يمكنهم ان يتعرفوا على الوجه ويأتوا إلى منازلنا ويعتقلوننا وانتهى الأمر، ما هو الحل؟ قلنا: أن نكسر الكاميرات قبل أن نخرج أو دُبارة (حل) آخر، وللتقادير أنهم كانوا قد منعوا صلاة الجمعة في جامع عمر في الجمعة الثالثة، لماذا؟ قالوا هناك صيانة! في حياته مسجد عمر لم يغلق ولا غيره وحرمه كبير، يُعد من أكبر مساجد مدينة حماة، إن كان لا يمكنك أن تصلي في الحرم يمكنك أن تصلي في الخارج فحديقته كبيرة، لكن سبحان الله أغلقوه، وكانت الغاية أن لا تخرج مظاهرة من جامع عمر لأنَّه بات قبلة الثائرين في مدينة حماة، فقلنا ما هو أقرب مسجد؟ فكان جامع المناخ فصلينا هناك، وحين خرجنا من جامع المناخ وكبرنا وخرجنا بمظاهرة ذهبنا باتجاه جامع عمر، وهناك كان يوجد مسيرة تأييد، وباعتبار قالوا: لا يوجد فيه صلاة، لأننا ذهبنا وصلينا في جامع المناخ، وساحة جامع عمر فرغت للأمن وللشبيحة، فأخرجوا بها مسيرة تأييد لأنَّه إذا قالوا: هناك مظاهرة يقولون: هذه مسيرة تأييد، وأصلا لم نُصل فيه، وصلينا في المناخ ونزلنا إلى جامع عمر لأن المناخ في منطقة أعلى من جامع عمر، ورأينا مقابلنا مسيرة تأييد ويهتفون لبشار (بشار الأسد) ونحن نهتف وهم يهتفون، وبدأ ضرب الحجارة هم يضربون ونحن نضرب هم يهجمون ونحن نعود والعكس مد وجزر. وبعد ذلك جاءت سيارات الأمن وبدأت [الضرب] بالهراوات (العصي) وبدأنا نتراجع من جامع المناخ للأعلى لمنطقة الصحة، ومن الصحة دخلنا إلى أحياء الحميدية وشوارعها ضيقة فالمناورة فيها أسهل لضرب الحجارة، والنظام لا يستطيع أن يدخل إلى الداخل لأن الشوارع ضيفة ويمكن أن يتوه فيها فكان يخاف ويبقى في الخارج، ونحن في أحياء الحميدية بدأنا نهتف وحين رأينا ردة فعل النظام العنيفة بدأنا نقول: "الشعب يريد إسقاط النظام" وهنا في هذه الجمعة (جمعة الصمود 8 نيسان/ أبريل) أول مرة يُهتف بالمظاهرات "الشعب يريد إسقاط النظام"، وكان هناك صورة لبشار أو لحافظ على سقف أحد البقاليات فصعد أحد الشباب وبدأ تمزيقها هنا عندما رأت الناس أن الصورة قد مزقت بدأ الهتاف" إسقاط النظام" لم تعد هناك رجعة، فإسقاط النظام معناه أنك أنت اليوم ضد النظام ولا رجعة حتى إسقاط النظام.
وفي تلك الناحية المظاهرة حين خرج الناس من جامع المناخ وبدأ الضرب والأخذ والرد، بدأت تأتي الأخبار في باقي المناطق في حماة أنه قد خرجت مظاهرة كبيرة وبدأت تأتي الناس من باقي الأحياء، لم تأت كل الناس إلى جامع المناخ، هناك أناس في شارعها في حيها، وأتاهم خبر أنَّ هناك مظاهرة في جامع المناخ أتى إلى جامع المناخ للمشاركة في المظاهرة لأنها استمرت لم تستمر فقط مثلًا خمس أو عشرة دقائق مثلما حدث في الجمعة الأولى أو الثانية، في الجمعة الثالثة بقيت ما يقارب أربع ساعات، وهتافات إسقاط نظام ورمي بالحجارة، وفي تلك الجمعة حصلت إصابات وعملية اعتقال للشباب، لأنها كانت مواجهة صحيح أنها بالحجارة ولكنها دموية فالضرب بالهراوات من عناصر الأمن كان مدميًا وقاتلًا في بعض الأحيان، وفي تلك الأثناء حين رأى النظام أنَّه ليس هناك حل لا بالحجارة ولا بصهاريج مياه ولا بالضرب فضّوا [المظاهرة]، هنا استخدم النظام لأول مرة الغازات المسيلة للدموع، كنا نسمع عنها في الأخبار حين يضرب الإسرائيليون الفلسطينيين، ما مدى فاعليته وما هو؟ وماذا يفعل؟ لا نعرف! ولكن بدأنا نرى قنابل يخرج منها غاز نحن لا نعرف، وحين شممنا الرائحة بدأت الناس يُغمى عليها وتقع على الأراضي، وليس لدينا أساليب لنقي أنفسنا منه، فيما بعد تعلمنا وكنا نُحضر "الكولا" والخل وغيرها، أو كنا نرميها على الأمن، ولكن هذه أول مرة لا نعرف، فبإطلاق القنابل المسيلة للدموع كانت نهاية الجمعة الثالثة في مدينة حماة، والناس خافت أنه يضربنا بقنابل وانفضت المظاهرة، والناس في رأسها [تفكر] في الجمعة القادمة كيف سنواجه التطورات الجديدة و[القنابل] المسيلة للدموع والأحياء، وإذا هجموا علينا ماذا سنفعل؟ وأصبح لدينا شيء كيف سنعمل عليه للجمعة القادمة، وهذا الذي حصل في الجمعة الرابعة.
في الجمعة الأولى حصلت اعتقالات قبل المظاهرات ليلة الأربعاء والخميس والجمعة لبعض الشباب والناشطين الذين كانوا يدعون بشكل خفي وسري للمظاهرات وخرجوا بعد ثلاثة أيام، وابن البابا (شاب من عائلة البابا) اعتُقل وحملوه في الباص فقلنا في أنفسنا أنه قد انتهى -سبحان الله- أنا كنت حينها مندوبًا للمبيعات، فنزلت إلى زبون لأبيعه وإذ التقيت به أمامي، وحمدت الله على سلامته، ولكنه كان مقموعًا (ضُرب كثيرًا) فقلت: ما الذي حصل معك؟ فقال: الله يحميكم انتبهوا إلى أنفسكم، فقال: ألم تفهم علي؟ فقلت: تمام فهمت عليك، الرجل واضح من كلامه أنه قد تعرض لتهديد كبير إضافة إلى الضرب والتعذيب، هذا لا يخفى عن أي مواطن اعتُقل في سورية (في مزرعة الأسد) فكان هناك عمليات اعتقال ولكن يخرج بعد يوم يومين أو ثلاثة أو أسبوع، كانت مثل شدة أذن (تعبير يستخدم لعقوبة تأديبية) وفلقة (طريقة تعذيب بالضرب على أسفل الأقدام) وترهيب، لأن أغلب المتظاهرين شباب -خاصة كان مثلي قد تسرح من العسكرية حديثًا وذائق أنواع الذل والعذاب- أعرف ما يعني معتقل، وأعرف ماذا يعني أن أتعرض للضرب وأهان، فحفاظًا على كرامتي أقول: اهدأ، لا ألوم أي شاب يدخل المعتقل ويخرج هادئًا، لأن ما رآه في الداخل ليس بقليل "لا يؤلم الجرح إلا من به ألم" فلم ألم ابن البابا لكن فيما بعد ذلك خرج وأكمل ولكن هي فترة، فعمليات الاعتقال هي شدة أذن ترهيب وتخويف، يهددون المعتقل بأنه إذا خرج مرة أخرى سيعتَقَل مرة ثانية، ولكن الشاب حين يخرج لن يدعهم يروه، وهناك بعض العائلات سفّروا أبنائهم خارج البلد، يقولون: يا بني هذه المرة أخرجوك ولكن المرة الأخرى لن يُخرجوك إما أن تُقتَل أو لن نراك مرة أخرى، فهناك أناس فعليًا خرجوا خارج مدينة حماة وخارج البلد بشكل عام.
أول الجمع (في أيام الجمعة الأولى) كانت الناس ترتدي أقنعة وهناك أناس لا ترتدي، مثلًا أنا أول مرة رأيتك في اول مظاهرة ولكن لا أعرفك وفي الثانية رأيتك، فأصبحنا نعرف بعضنا، لا نعرف أسماء يعضنا البعض ولكننا في قضية واحدة وفي خندق واحد، فيصبح بيننا ابتسامات، طبعًا والذي أعرفه أتظاهر أنني لا أعرفه، مثلًا خرجت إلى المظاهرة ورأيت صديقي أنا أتظاهر أنني لا أعرفه وهو كذلك، ولكن نحن نرى بعضنا، والذي لا أعرفه أول مظاهرة والثانية والثالثة أصبحت الوجوه مألوفةً.
مع تكرار المظاهرات وننادي "الله حيك" "يلا" كذا… (كلمات تستخدم للتشجيع وكسر الجليد بين الأشخاص)، ونُشجع بعضنا ونحن ملثمين ولكن أحيانا يُزال اللثام ونعرف بعضنا، أحد أصدقائي كان جتة (كبير الحجم) قلت له: لا تتلثم أنت من شكلك معروف، وهكذا كانت...، والقصد كان هناك خوف على الآخر، كنت حينما أرى صديقي أتظاهر بأنني لا أعرفه خوفًا عليه، مثلًا لو فرضنا أنني تعرفت على أبو نضال لا أقول أن هذا أبو نضال أو كيف حالك يا أبو نضال؟ أنا تلقائيًا أُعوِّد ذاكرتي أنه يجب أن أنسى اسم هذا الرجل، فإذا اعتُقلت وتعذبت وسُئلت: من كان معك؟ أجاوب: لا أعرف أو نسيت، وأنا كنت فعلًا أنسى. مثلًا يقال لي: معك أخوك أبو محمد، كنت أُعود نفسي على نسيان اسمه، وللأسف أعاني حاليًا من هذه القصة، أحيانًا عندما أقابل صديق لي فبعد فترة أنسى اسمه.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/06/02
الموضوع الرئیس
بداية الثورة في حماةكود الشهادة
SMI/OH/83-01/
أجرى المقابلة
بدر طالب
مكان المقابلة
الباب
التصنيف
مدني
المجال الزمني
قبل الثورة وبدايتها 2011
updatedAt
2024/08/09
المنطقة الجغرافية
محافظة حماة-المناخمحافظة حماة-مدينة حماةشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الجيش العربي السوري - نظام
قناة الجزيرة
وزارة الأوقاف السورية (نظام)
قناة العربية
سرايا جند الشام