اقتحام جيش النظام لمدينة إدلب
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:20:47:20
نعم خرجت في ليلة رأس السنة مظاهرة كبيرة في ساحة الساعة، وكانت أشبه بالكرنفال ما بين الاحتفال برأس السنة وما بين المظاهرة، وكانت فيها دعوة المسيحيين للمشاركة في التظاهر ولزيادة الوقوف مع الثورة، وكان فيها كثير من الكلمات وكان فيها شعور جميل ونوع من الانتصار وكان فيها نوع جديد من الانتصار في دخولنا في ساحة الساعة والاستمرار فيها لساعات، وبدأ التظاهر هنا يطول وفي ليلة رأس السنة استمرّ من بعد العشاء حتى الثانية ليلًا أو أكثر في التظاهر والرقص والهتافات والكلمات، وهنا بعد تلك المرحلة تحوّلت التظاهرات لساحة رئيسية هي ساحة الشهداء دوار معرة مصرين، وكان قد نُصب مكان بيت شعر (خيمة) وميكرفون ومقر رئيسي للتظاهر موجود دائمًا، ومن يأتي يتظاهر ويستمرّ يوميًا من بعد المغرب والعشاء إلى آخر ساعات الليل، ويوميًا هناك تظاهر مسائي وصباحي وكلمات ووفود.
والمكان كان أشبه باعتصام طويل الأمد والساحة كانت دائمًا لتشييع الشهداء
كانت، وفي ذلك الوقت ازدادت الأحداث في الشهر الأول والثاني وازداد عدد الشهداء، وكان يوميًا هناك شهداء يسقطون من خلال قصف وحواجز وإطلاق رصاص، أو معتقلون استُشهدوا، ويتم يوميًا أو بشكل شبه يومي تشييع الناس من تلك الساحة، وبقينا فيها وأصبح بها مقرات للثورة وهناك منازل حولها لا يخرج منها الثوار المسؤولون عن تنسيق المظاهرات وعن السلاح والدفاع [عن المظاهرات] والثورة، والمسؤولون عن الكلمات من الشعر والثقافة، وكلهم لهم بيوت أو مراكز في تلك المنطقة وتُحضّر منها فعاليات الثورة، وهذا الموضوع تعاظم حتى نهايات شهر شباط/ فبراير.
وهنا يبدو أنَّ النظام في شهر شباط/ فبراير بدأ يشعر أنَّ إدلب خارج السيطرة تمامًا، قد سيطر على قرى ومناطق أخرى وكانت الأحداث متقدمة فيها أكثر وجبل الزاوية ومناطق أريحا وغيرها والنظام بدأ يدخل بالجيش في المرة الأولى في شهري كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير، ويقيم قطعًا عسكرية ويقتحم القرى والمدن في معرة النعمان والجسر (جسر الشغور) وجبل الزاوية وغيرها، وكان هناك تنسيق أمني بين الأمن والجيش، وكان قائد القوات الأمنية أو قائد الجيش في إدلب اللواء فؤاد حمودة، وينطلق من معسكر المسطومة وكان مركز العمليات في الجيش وينسّق مع اللجنة الشعبية أو الأهلية التي بها الوجهاء في المدينة لمحاولة تخفيف الاحتقان والصِّدام، وكان هناك عمليات عسكرية شبه يومية وقتلى للجيش والنظام وشهداء من الثوار في كل فترة، وكان هناك عمليات متفرّقة غير واضحة عبر عبوات ناسفة يتم زرعها على الطرقات وهجوم سريع على الحواجز ونسمع عن شهداء يسقطون وهناك قتلى من قوات الأمن والجيش ويسجّل أعدادًا معينة ونسمع الأخبار.
وفي شهر شباط/ فبراير كان هناك ضغط شديد من اللواء حمودة ومجموعة أخرى من القوى الأمنية على الوجهاء أنَّنا سنقتحم المدينة في حال عدم تسليم السلاح والمسلحين خلال أيام، وفي حال عدم حصول ذلك فالجيش سيقتحم المدينة بالدبابات والطائرات وسيتم قتل كل من يواجه هذا الجيش وسيتم اعتقال كل من شارك في الثورة أو سلِّموا المسلحين والثوار، وحينها يمكن إيجاد حلول والعفو عن بعضهم.
واستمرّت المفاوضات حتى وسط شهر آذار/ مارس، وفي 1/ 3 بدأنا ننتظر اقتحام الجيش كل يوم وكنا نقيم في مقرات الثورة وهي مقر التنسيقية بالنسبة لنا كنا نقيم معًا وقد ودّعنا أهلنا وننتظر دخول الجيش، ومن أراد المقاومة أو الهروب من المدينة وكل شخص قد أخذ موضعًا له، وكان هناك أخبار متواترة ولا ننام الليل وننتظر الفجر ومتى سيقتحم الجيش وحتى 13/ 3، وفي 10/ 3 بدأ اقتحام بسيط تجريبي وضغط على الثوار وهنا بدأت تتوضح أنَّ الأمور جدّية وفعلًا الجيش قد جهّز كل قواته على محيط إدلب ورأينا الدبابات يعني قوات عسكرية ستقتحم المدينة والثوار كانت إمكاناتهم شبه معدومة ووصلتهم بعض الأسلحة الخفيفة جدًا بعض البندقيات والرشاشات وواضح أنَّ المعادلة خاسرة ولم تكن مكتملة، وبالتالي كان هناك نقاش حادّ بين الثوار بين الانسحاب من المدينة أو البقاء فيها، وكانت المواجهة مع الجيش كانت محتومة الخسارة بحكم الإمكانيات، وكان الانسحاب كان تخاذلًا بالنسبة لأهالي المدينة الذين وثِقوا بالثوار وكان عدة لجان بين مجلس قيادة الثورة في إدلب وتنسيقية مدينة إدلب وهذه المسمّيات التي كانت تقود الثورة في تلك المرحلة، ولم يكن هناك تشكيلات عسكرية إنما بدأ تشكيل كتائب صغيرة، مجموعة أشخاص يعرفون بعضهم، ملثمون لا أحد يعرفهم يقومون بعمليات عسكرية ويدافعون عن المدينة ولكن لا يوجد كتائب كبيرة أو ألوية.
وبدأت هنا الخلافات بين الثوار وكنا مع وجهة نظر أنَّ الاقتحام سيأتي ولا فرار من خسارة هذه المعركة لأن الإمكانيات غير متكافئة على الإطلاق مع جيش لديه كل الإمكانات يهاجم مجموعة من الثوار، وكان عدد المسلحين في ذلك الوقت حسب ما جمعنا وعلمنا في المدينة لم يكن يتجاوز مئتي شخص تقريبًا الذين كانوا يحملون السلاح، وكان السلاح مهترئًا وقديمًا وغير فعّال، والمسلحون أصلًا غير مدرّبين ولا يمكن أن يفعلوا عملية عسكرية هم ميليشيات صغيرة حاولت جمع السلاح ويقاومون بشكل محدود لا أكثر.
واضطررت أنا وعائلتي قبل يومين في 11 /3 إلى الخروج من مدينة إدلب إلى حلب لحتمية الاقتحام وعدم مشاركتنا في العمل المسلح في المدينة، وكل من لديه دور مدني وثوري وإعلامي انسحب من المدينة بطريقة ما أو إلى أطراف المدينة وتمكن من الهروب في لحظة اقتحام الجيش وبقي الجزء الأساسي من المسلحين موجودين في مقراتهم وفي الشوارع حتى يقاوموا هذا الاقتحام، وبقيت مجموعة من الشباب ونحن تفرقنا مجموعة شباب تنسيقية إدلب وأيضًا جمعية "رحماء بينهم" نحو اتجاهين، فمجموعة ذهبت إلى حلب وكان دورها بشكل أساسي تأمين التمويل اللوجستي والمعدّات وباقي الكاميرات وتأمين الأموال وحفظ الأرشيف وأشياء كثيرة أخذناها معنا، وكان يبدو أنَّه سيضيع كل شيء أثناء الاقتحام، وذهبت أنا ومهند شامي وإخوتي إلى مدينة حلب قبل يوم عبر مهرّبين خارج الحواجز، وصلنا إلى منزل كنا قد استأجرنا هذا المنزل عبر أقاربنا فجلسنا فيه وبدأنا نتابع الأخبار، وفي اليوم الثاني أو الثالث من وصولنا فجرًا بدأ وصول الجيش وفي ساعات الصباح الأولى وصلتنا الصور والأخبار عن اقتحام مدينة إدلب وتركنا حمدي وملهم ويحيى ومجموعة من الشباب موجودين في إدلب ينتظرون ويوثّقون هذه العملية ويدافعون على إدلب، وكانت قلوبنا تنتظر الأخبار من المدينة وماذا سيحصل، رغم حتمية الخسارة في المدينة ولكن كان الهم الأول أن يبقى الشباب سالمين ويخرجون من المدينة ويكون هناك أقل قدر من القتل والإجرام الذي يقيمه النظام في إدلب.
وما وصلنا في ذلك اليوم بدء اقتحام المدينة من طرف أريحا، وبدأ الجيش من ساعات الفجر الأولى في الاقتحام واعتقال أغلب الشباب الذين كانوا في المنطقة وكان يصل إلى كل حي وينزل كل الشباب من البناء ويتم اعتقالهم، وأغلب الشباب في إدلب تم اعتقالهم أو توقيفهم لساعات ليتأكدوا أنهم ليسوا من الثوار أو في قوائم المطلوبين، وأخذت عملية الاقتحام ثلاثة أيام، حيّ يليه حيّ وتفتيشه بالكامل واعتقال شباب فيه، حتى وصل إلى الحي الشمالي ولمنطقة المحراب التي تُعتبر نهاية إدلب، وخرج الشباب بسلامة من المدينة وسقط العديد من الشهداء في ذلك اليوم ولم تكن الأخبار واضحة بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت لأيام، وقُطع التواصل بيننا وبين الشباب وخرج الشباب في الأيام الأخيرة وخرج ملهم وبلال وباقي الشباب باتجاه معرة مصرين وخروجهم من بنش ومعرة مصرين، وبقي حمدي وآخرون في داخل المدينة مختبئين لأيام ونحن هنا لم تكن القرارات واضحة وكل منا أخذ سبيله في الهروب والاختباء، كانت أيام قاسية جدًا وانتهت بسيطرة النظام على مدينة إدلب، تفرّق الشباب ما بين من بقي داخل المدينة ومن خرج إلى ريف إدلب إلى حلب، وهذا الوضع بقي أسبوعًا حتى أعدنا التواصل مع بعضنا وعرفنا كل شخص أين يقيم بعد الاقتحام.
قبل أسبوع أو عشرة أيام التي تسبق اقتحام المدينة كانت هناك مناوشات سياسية: هل سيصمد الثوار أم سينسحبون؟ وهل سيسلّمون بلا مقاومة أم سيقاومون؟ وهنا كانت مبارزة سياسية إعلامية بين الجهات، وأعتقد أنَّ يحيى صوّر الصورة ونشرها، نعم كانت تخرج مجموعة من الكتائب لإظهار نفسها بأنها موجودة وأنها ستحمل السلاح بأنَّها ستقاوم في المدينة حتى النهاية، ومحاولة لثني النظام عن دخول المدينة، كانت هذه جلّ المحاولات هي لثني النظام عن قرار دخول المدينة وأنَّ هذا سيكلّفه [من] الأمور الكثير من الجنود والإمكانات وسيقع مجازر به وفي المدينة حال اقتحامه، لكن الوقائع كانت أقل بكثير مما ظهر في الإعلام ومن التصورات وكان النظام لديه تصوّر واضح من المخبرين عن أعداد المقاتلين وعن إمكانياتهم وكانت المعركة محسومة للنظام.
لا أذكر تاريخ تأسيس التجمع (تجمع النقابيين والمثقفين) أذكر من شهر أيار/ مايو أو حزيران/ يونيو بدأ هذا التجمع وهو تجمع مثقفي إدلب للمعارضة التجمع الوطني لمعارضة مثقفي إدلب ونقابييِّها، وهذا التجمع كان يقوده مجموعة من الأشخاص منهم والدي كونه صيدليًا، وكان يضم نخبة المثقفين بشكل أساسي وكان لديّ الهاتف الذي يرسل منه والدي قبل كل اجتماع يحدّد فيه من الداتا (المعلومات) الموجودة عنده مكان الاجتماع وموقعه، وتطوّر هذا الاجتماع وهذا التجمّع ليمثل الشريحة المثقفة من المدينة والمعارضة.
نتكلم في 1/ 2/ 2012 في الأوقات التي كان فيها نزاع شديد ما بين طرفي المعارضة المثقفين والوجهاء الذين يمثلهم بقيادة الشيخ أحمد حبوش كان بشكل رئيسي وكانت هذه المجموعة تفاوض النظام على منع اقتحام المدينة وإيقاف العنف في المدينة، وبين ثوار إدلب المسلحين بين المجموعات المسلحة في إدلب التي أخذت طريق السلاح في المقاومة، على كيفية إدارة شؤون الثورة في المدينة، وكان الشيخ أحمد يدعو إلى التهدئة ويحذّر من وصول مرحلة الاقتحام في المدينة، وهنا كان هناك احتدام بين: هل يحب حمل السلاح وزيادة التسليح في المدينة أم يجب إخفاء السلاح والعودة إلى المظاهرات السلمية ومحاولة الضغط لعدم السماح للجيش باقتحام المدينة؟ وازداد هذا الاحتدام حتى انتهى اليوم الأول من شهر شباط/ فبراير، وكان هناك بعد المغرب مظاهرات كبيرة قرب السبع بحرات في شارع الجلاء، وهنا حصل إطلاق رصاص على المظاهرة وبقيت مجموعة من الشباب جرحى في الساحة وتأخّروا إلى [ما] بعد العشاء وأكثر دون أن يسعفهم أحد، وكان النظام لا يستطيع اعتقالهم بسبب وجودهم في منتصف الساحة، وأيضًا المتظاهرون في الطرف الآخر لا يستطيعون الوصول لهم بسبب وجود قناصة تطل على كل الساحة وترمي [الرصاص على] كل من يتقدم.
وتواصل الشيخ أحمد مع اللجنة الأمنية تواصلًا مباشرًا مع القيادة الأمنية ومع والمحافظ في إدلب لإنقاذهم وسمحوا له، وخرج بسيارته الشخصية وكان رجلًا شجاعًا جدًا -رحمه الله- ومعه رفيق دربِه جمال سيد عيسى وهو محامٍ معروف في مدينة إدلب، خرجوا لإنقاذ الجريحين بالفعل كنا في نفس المكان حين وقفت سيارتهم في منتصف الساحة وبدؤوا بإنقاذ الجريحين فبدأ إطلاق رصاص كثيف في الساحة على السيارة و أردتهم مباشرة قتلى، وكانت طعنة كبيرة من اللجنة الأمنية واستشهد جمال مباشرة وتم تشييعه في اليوم التالي وبقي الشيخ أحمد يصارع الموت عشرة أيام وتم استئصال رئتيه واستُشهد بعد عشرة أيام وتم تشييعه وكانت نهاية مرحلة في منتصف شهر شباط/ فبراير وكانت نهاية مرحلة المفاوضات السلمية بين النظام والثوار، وهنا كان الحسم من قبل الثوار للتوجّه للحلّ العسكري وبتجهيز أنفسنا، وكل الحلول السلمية انتهت باستشهاد الشيخ أحمد وبطعن النظام بمن يحاول تهدئة الأمور وفي أن يكون طرفًا مساهمًا في تهدئة البلد وتقليل الضحايا في المدينة، ومنذ هذا اليوم من منتصف شهر شباط/ فبراير بدأت التهديدات الجدّية باقتحام مدينة إدلب.
كان هناك فجوة بين المعارضة المسلحة وبين معارضة المثقفين وهذا الموضوع لم يطُل طويلًا، وفي البداية حاول التجمّع أن يكون تجمعًا رسميًا ودعا المحافظ ومجموعة من القوات الأمنية لحضور هذا الاجتماع وأرسل لهم رسائل بأنَّنا سنقوم بتجمع للمعارضة لمثقفي إدلب، وفي الاجتماع الأول والثاني حضرت شخصيات أمنية في الاجتماع وتطوّر الموضوع خلال اجتماع أو اثنين فقط، وارتفعت حدّة المطالبات ولم يبتعد التجمّع عن مطالبات الشارع، وكان أغلب من في التجمع كانوا ضمن الواجهة الثورية في المظاهرات وكان الهدف الأساسي لهذا التجمّع هو محاولة تقريب وجهات النظر ومحاولة حقن الدماء في إدلب، وهو الهدف الرئيسي، ولكن سرعان ما ارتفعت المطالبات به وانتهى بأنَّه جزء من الشارع الثوري ويمثّل هذا الشارع في المراحل المتقدمة، وخصوصًا بعد استشهاد الشيخ أحمد، وخصوصًا بين الخلاف الشديد بينه وبين قوات المعارضة أو الثوار المسلحين، في ذلك الوقت كان هناك اجتماعات وتنسيق دائم بينهم وكان هناك محاولة لإيجاد وجهين للثورة، واحد من أجل تنسيق تهدئة الأمور وواحد من أجل الدفاع عن الثورة إذا دعت الحاجة لذلك.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/09/05
الموضوع الرئیس
الحراك العسكري في إدلبكود الشهادة
SMI/OH/71-08/
أجرى المقابلة
يوسف الموسى
مكان المقابلة
أنطاكيا
التصنيف
مدني
المجال الزمني
كانون الثاني - شباط 2012
updatedAt
2024/04/26
المنطقة الجغرافية
محافظة إدلب-مدينة إدلبمحافظة حلب-مدينة حلبمحافظة إدلب-ساحة الساعةشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
الجيش العربي السوري - نظام
جمعية رحماء بينهم
معسكر المسطومة