محاولات الوصول لإدارة مدنية موحدة، الواقع التعليمي والطبي في الحصار
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:22:21
عام 2013 كان فعلًا عام المآسي والكوارث والحرب والمأسسة كلها مع بعضها البعض، وكلما اشتد الحصار والإجرام ومجزرة الكيماوي التي سنتحدث عنها لوحدها، كلما انعكس هذا على الجميع وعلى النخب والمجتمع بضرورة تنظيم الحياة العامة، وكنا نحن قد بدأنا بمساعدة مكتب التواصل والتنسيق الثوري والذي ترك بصمة في الحقيقة، واستضاف سلسلة اجتماعات ضمت مختلف القطاعات: الطبي والإغاثي والإدارة المحلية، والهيئتين الشرعيتين: السلفية والصوفية، وكانت تلك عناوينهم في الغوطة، لكي نخرج بإدارة مدنية موحدة ونرتب أمورنا في الداخل حتى نصمد. خلال هذه الاجتماعات، وما أذكره وما سمعناه من الفعاليات المدنية أنها كلها كانت محروقة (تريد بحرقة) كمؤسسات من إغاثي وتعليمي وإدارة محلية وطبي للعمل، وكان في المقابل الرد من الهيئتين الشرعيتين يعتمد من جهة على فكرة الخطابة والدعوة والصبر وهذا لا يحلّ المشكلة،ولكن الأهم من هذا أن التعطيل بصراحة كان من طرفهم، فواحدة منهما كانت استعلائية ورافضة أصلًا لوجودنا وتشكّك [ولسان حالها يقول:] طالما أنت تتحدث عن إدارة ومدنية وتداول وانتخاب وديمقراطية فأنت في مقلب آخر وأنت مرفوض، وهي الهيئة الشرعية العامة لدوما وكان [رئيسها الشيخ] سمير كعكة وهم سلفيون، وكانت النظرة الاستعلائية بأن كل هذه المشاريع [يطرحها] مجموعة أشخاص ضالين أتينا لندير الغوطة وأن الله لن ينصرنا بهذه الطريقة، وأن كل ما تريدونه نحن قمنا به، فعليكم أن تأتوا إلى مظلتنا، هذا بالمختصر، وشاركوا مرة أو مرتين ثم أعطونا الجواب الفظ بهذه الطريقة. الهيئة الشرعية لدمشق وريفها والتي كان تصنيفها في ذلك الوقت الصوفية، وكان رئيسها الشيخ أبو ثابت رحمه الله رياض الخرقي واستُشهد (في 24 أيار/ مايو 2015 – المحرر) حيث اغتالته خلية من "داعش" [وسنتحدث عن الموضوع] بعد ذلك في سلسلة أحداث الغوطة، وهؤلاء تعاملوا معنا بطريقة المناورة في ذلك الوقت "نعم ولكن"، ومثلًا نحن في الاجتماعات كان يحضر رئيس المكتب كذا أو مدير إدارة المجالس المحلية بينما هم كانوا يرسلون موظفًا، وهذا الموظف كنا نشعر أنه فقط يأتي ليعرف ماذا يحدث ويمشي.
وهكذا استغرق الأمر الكثير بين أخذ ورد، ولم نستطع أن ننجح في ذلك الوقت بإنجاز شيء اسمه إدارة مدنية، وكانت كل دعواتنا لوحدة الفصائل والكتائب والألوية التي كانت قائمة عبر كلمة "جيش حر" أيضًا كانت تصطدم بواقع أنه يوجد تيار مشايخي في الفصائل لا يقبل الضباط ولا هيكلية الجيش الحر، وكنا نسمع مثلًا بدلًا من كلمة "ثوار وجيش حر" كلمة "مجاهدين"، وهذه تمت إضافتها إلى الأدبيات (...). ونحن لا نقف كثيراً عند المصطلح، ولكن فعلًا عام 2013 اتسم بصدام المصطلحات، وأنت عندما تقول "ديمقراطية" هناك من سيضع حظرًا عليك [على اعتبار أنك] من جماعة الديمقراطية فأنت "علماني"، وكلمة "علماني" لا تقف عند التصنيف السياسي، بل يستتبعها بعد ذلك تصنيف أمني، وهذا الأمر رأينا نتائجه في الخطف الذي حصل في الغوطة، وسنتحدث عنه. وهنا بدأ الاستقطاب وخرجنا من ثنائية "إسلامي/ علماني" لندخل بثنائية "إسلامي متطرف/ إسلامي معتدل"، فهناك من يقبل الحوار معك وهذا المعتدل، وهناك من لا يراك وقد حكم عليك مسبقًا وأنهاك واعتبرك مثلك مثل بشار الأسد وهذا الإسلامي المتطرف، وقفزنا خطوة إضافية بطريقة التصنيفات التي كان يتم تداولها في هذه الفترة.
هذا على صعيد التنظيم، وعلى صعيد أزمات الحصار والتغلب عليها نحن كان لدينا حصار وقصف وكنا في حالة حرب، وعلى سبيل المثال إذا أتينا إلى القطاع التعليمي: كان لدينا مدارس غير مؤهلة، ولا تستطيع حماية الطلاب من القصف، بالإضافة إلى الجوع حيث يأتي الطالب جائعًا، فكان الميل باتجاه البحث عن أقبية لاستيعاب الأطفال، وأنت يجب أن تتخيل الطفل الذي لم يعد لديه باحة يلعب فيها وأصبح بمثابة المحبوس في قبو ليس فيه تهوية، وعلاوة على ذلك يأتي جائعًا، فأطفال الغوطة في ذلك الوقت عانوا الأمرّين.
نحن كنا نرى في المشفى الميداني وفي مختلف النقاط الطبية أنه يومياً يوجد حوادث إغماء الطلاب في المدارس حيث يأتون بهم بحالة إسعاف إلى المشفى، ونحن حفظنا ما يجب القيام به: أن نعلّق سيرومًا سكريًا، فهذا إغماء نقص التغذية لأن الطالب لم يأكل شيئًا، وكنا نسأل بعضهم: "ألم تأكل بعد؟"، ولكننا كنا نخجل جدًا حتى من هذا السؤال، فإذا أردت أن أسأل الأم: ألم تطعميه بعد؟ ستظنّ أني آتٍ من كوكب آخر، فهناك مجاعة، لذلك نحن ككوادر طبية، وبغضّ النظر عن العمل الطبي، كانت هذه الحالة تجرحنا إنسانيًا، وقدّر الله أن نحتك بهذا الجانب المأساوي في حياة هذا المجتمع، فهناك إما مريض أو جائعأ وعلى وشك الموت. هذه الظاهرة كانت موجودة، وبدأت تخلق عندنا وعند غيرنا. [وكانت] فكرة تركيزنا على شريحة طلاب المدارس، فقمنا بعدة مبادرات، مثلًا أن نؤمّن بعض الحليب والقليل من التمر وقطعة "بتيفور"، وقطعة "البتيفور" كان لها قيمة وكأنك تشتري قطعة ذهب، كما كنا نقوم بجولة على المدارس، مثلاً اليوم المدرسة الفلانية ونضع لها برنامجًا، وندخل إلى الصف ومعنا "ترمس" كبير بداخله الحليب ونقوم بصبّ الحليب لهم فنرى ابتسامة الطالب العريضة فقد رأى شيئًا كان يحلم به: كوب حليب وقطعتَي تمر، وأنا أذكر أننا إذا قمنا بصبّ كوب الحليب وكانت أقل من الطالب الذي قبله كان يقول لنا: أنا لم تصبّوا ليمثله، وهذا الأمر دليل على جوع حقيقي، والطالب الجائع لن يستطيع التركيز أو الفهم، فهو يحلم بلقمة الخبز، ونحن الكبار كنا نحلم بها، وليس فقط الصغار، ولكن دائمًا يوجد أفضليات.
هذا الجو من الجوع خلق ثقافة أن من يملك يقدم لمن لا يملك، أو تعال لنتشارك، وهذا الأمر كان موجودًا، وفي المقابل كان هناك بعض الظواهر السلبية مثل تجار الأزمة وهذا لا بد منه، فنحن لم نكن مجتمع ملائكة، ولكن أنا أتحدث عن سمة عامة في المجتمع حيث كان هناك غيريّة وإيثار، ووصل الإيثار ليس فقط إلى اللقمة، بل إلى الخجل من انتشار رائحة طبخي إلى جيراني، وأنه يجب أن أسكب لهم منه، ومن غير المعقول أن يشمّوا رائحة الطعام في فترة المجاعة في حال أنا تمكنت من الطبخ وهم لا. ومن كان يزرع الأرض مثلًا كان يزرعها ليأكل منها وأيضًا ليبيع من إنتاجه حتى يعيش من ريعه، ولكن لم يكن يردّ أحدًا أتاه ليأكل، فمن يأخذ ورق الملفوف كأنه حصل على ربطة خبز، أو من يقطف بعض الخبيزة من الأرض يسّر الله له. "خذ الطعام، ولكن لا تخرّب "، أنا هذا الكلام كنت أسمعه من الكثير من الفلاحين أنه "إذا كنت جائعًا خذ الطعام، ولكن لا تخرّب الزرع".
السمة العامة للمدارس التي اعتمدت على مبادرات التطوع كانت فقيرة، وبعض المدارس التي أنشأتها بعض الجهات، مثلًا جاء أحد الأشخاص وأنشأ مدرسة مدعومة ومتكفلة بكوادرها ومصاريفها الإدارية، وهذه المدارس غالبًا أسميناها بعد ذلك تحت عنوان الأجندة. ويوجد الكثير من الأهالي كان يُقال لهم: "أخرج ابنك من هذه المدرسة، وخذه إلى الأخرى حيث يقدمون لهم سندويشة وإن لم تكن كل يوم، أو يعطونهم كوب حليب، أو يقدمون له الدفتر والقلم بينما أنت تشتريهم". في الحقيقة لم يكن هناك استقرار في عملية التعليم مع بدايات الحصار ومع الأزمات المعيشية الخانقة التي بدأت عام 2013، وبالتالي هذه الحالة كانت هاجسًا ضاغطًا على الجميع أنه لابد أن نجد طريقة لإدارة عملية التعليم بالكامل، فمن غير المعقول تخريج طالب من مدرسة بمنهاج وأخرى بمنهاج آخر، ومن غير المعقول أن مدرسة تقدم كوبًا من حليب بينما الأخرى لا يوجد فيها ماء للحمام.
كل المآسي التي عاشتها الغوطة كانت تدفع الجميع لضرورة إنجاز إدارة موحدة للغوطة، ولتسمّوها ما شئتم، قيادة أو إدارة أو أي شيء، وكان هناك عمل من مختلف الفعاليات وكان ذلك رأيًا عامًا في المجتمع، فلا يكفي الإيثار والغيرية لتحلّ أزمات المجتمع، على الرغم من أن الإيثار والغيرية وصلت لبعض المراحل إلى الإيثار بالحياة، ونحن رأيناها ككادر طبي في مواقف متكررة فقد كان يأتينا عدة مصابين وعندما نبدأ بعلاج أحد الأشخاص يقول: أنا بخير اذهبوا إلى فلان وأنا عالجوني بعده، اذهبوا إلى الشخص الآخر فهو تعب أكثر مني".
[بالنسبة لإطعام الجرحى والمصابين] كنا نعاني من هذا الأمر في طور الشحّ والحصار، ولكن كانت الأفضلية الأولى للجرحى،وعلى سبيل المثال أنا طبيب ومدير مشفى ومدير مكتب طبي، ومثلي مثل باقي الناس أحيانًا يتوفّر لدي 2 كغم من الطحين وأخبزه على يدي وأحمل زوادتي وأذهب إلى العمل، وكانت عبارة عن قنينة زيت وزعتر وقنينة زيت ودبس البندورة ودبس الفليفلة ونصف كغم طحين شعير، وإذا استطعت أن أخبز أجهّز سندويشة، وإن لم أستطع قد يمضي كل النهار من دون طعام. أحيانًا كان يأتي بعض الأشخاص ويرى الكادر كيف يعمل ويتعب ولا يهدأ، وصدقًا عندما كانت تحدث ضربة في سوق وتقع المجازر كنا نخطو فوق الجرحى، فالإصابات لا تستوعبها أسرّة الإسعاف ولا غيرها، وكانوا يأتون بالمصابين ويضعونهم أرضًا، وكنا نتنقل ونحن نمرّ من فوق المصاب إلى المصاب [ذي الإصابة] الأخطر وهكذا. كان جوًا مرعبًا، ولكن الله كان يعطينا الطاقة للعمل، وكان بعض الناس ينظرون لنا ويقولون: "يجب أن نحضر لهم [الطعام]"، وبالفعل كان البعض يأتي بسندويش أو أكل جماعي للكادر [الطبي]، ولكن في الحقيقة كان الجميع يعاني الجوع. والسندويشات كانت أحياناً مجرد خبز، وأحياناً لا يوجد خبز ويمكن أن يكون برغلًا مسلوقًا، فالسندويشة الروتينية للمدرسة كانت ورقة الملفوف والقليل من الزعتر، وكنا نسأل الأطفال الذين يأتون بهم إلى المشفى: "منذ متى لم تأكل؟" ولم نكن نسأل [أمهم] لماذا لم تطعموه؟ وكان الجواب أن دوره [في الطعام] مساء البارحة، أي أنه لم يأكل منذ البارحة مساءً، وصباحاً استيقظ إلى المدرسة ولم يكن دوره في الطعام، ففي الصباح دور أخيه فلانوفلان أو أخته فلانة وفلانة، وهو دوره مساءً، فيحدث معه الإغماء بسبب عدم قدرته على التحمل لغاية المساء.
موقف حقيقي أتحدث عنه، وأتذكره وأتذكر مأساة الجوع وأتذكر الجو الذي عشناه، حيث كنا نحضر اجتماعًا في قبو ليلًا، وكان الجو باردًا، وكنا قد أوقدنا مدفأة الحطب ونتناقش بقصص محلية، فقالوا لي: "أبو خلدون يسأل عنك"، خرجت وإذا بشخص فتح معطفه ورفع الكنزة وأخرج كيسًا من تحتها وقال لي: "خبّيه، ارفع كنزتك"، أخذته منه وهو يقول لي: "زوجتي خبزت اليوم وأتيت لك بكم رغيف"، وأنا هنا كدت أصطدم بالباب وأنا عائد، ودخلت الاجتماع وجلسنا نتحدث ونتناقش، وأنا سرحت ولم أكن في وعيي وأصبحت أفكر في الطعام الذي سآكله مع هذا الخبز، والشباب الذين معي يسألونني: "ماذا بك؟"، فقلت لهم إن أمه مريضة، ولم أستطع التبرير، وكنت جالسًا وأنا خجل من نفسي، وأفكّر: معي رغيفان أو ثلاثة، ماذا علي أن أفعل؟ ولم أصدق متى انتهيت من الاجتماع وعدت إلى البيت، فمنذ فترة طويلة لم أذق الخبز. أنا طبيب وهكذا كان عندما تذكرني أحد الأشخاص الذي لديه القمح وتذكّرني برغيفَي خبز.
في أجواء العمل [الطبي] هي أجواء حرب، نشاهد الشهداء والجرحى والأشلاء وأهالي مصابين يبكون، كان جوًا يدعو إلى التوتر بشكل فظيع، وعلاوة على ذلك كنا نسمع نداء على اللاسلكي، حيث كان يوجد غرفة عمليات للتنصت، أنه مثلاً "طيران مروحي متوجه إلى مشفى "الكهف"، يعني كلمة [طيران] مروحي متوجه إلى مكان تعني أنه آتٍ ليقصف أو يرمي برميلًا [متفجرًا]. ونحن أمام هذا الوضع يجب أن تتخيل نفسك أن معدّل الوصول 10 دقائق، ولديك كل هذه الإصابات، كان جو توتر كبيرًا، وأنا حتى أخفف توتر الكادر الذين أعتبرهم بمثابة أولادي، فكنت أعطيهم لغة الثبات وأقول لهم: "لماذا الخوف؟"، وداخل غرفة العمليات كان يوجد على موبايلي بعض التسجيلات سواء مقطوعات كلاسيك أو أم كلثوم، [فكنت أقول لهم:] ضعوا هذه المقطوعة، وكنت أمزح معهم وأجعلهم يضحكون، وأصبحوا يحبون الدخول والعمل في العمليات حيث أخرجهم من جو التوتر عبر جو المزاح أو جو الأغاني، وكنا نعمل لأنني عندما أخفّف من توترهم نرتاح وننجز، ونحن يجب أن نعمل بكافة الأحوال فلماذا يعيشون هذا التوتر؟، في الحقيقة إن الله في وقتها أعطانا طاقة احتمال هائلة. وأنا أذكر أول مرة قُصفت المشفى بالهاون، كانتحالة رعب ففي هذا المكان سقطت الآن قنبلة، وبعد الضربة كان هناك من يقول يجب أن نلملم أغراضنا ونمشي، وهناك من يقول (...)، فقلت لهم: لقد تم قصفنا وسقطت القنبلة ونحن بخير، فلنبقَ في عملنا.
حالة الحرب كانت مستمرة، وفي أحد الأيام تم استهدافنا بـ 11 أو 12 قذيفة في أثناء عملنا في المشفى بينما نحن نعمل [في القبو] إلى درجة أنه حدث تسرب في خزان الماء الموجود في الأعلى، مما تسبب في عطل مولدة الكهرباء وانقطعت الكهرباء ووصل تسرب الماء [إلى القبو]، [وكانت كمية الماء المتسرب] ونحن في غرفة العمليات بحدود الشبر، وأكملت العملية [الجراحية] على ضوء "البيل" (مصباح صغير). لقد عملنا في ظروف جداً صعبة، ولكن كان الله يعطينا الثبات وقوة القلب، وفي الوقت نفسه أنا كان لدي شعور بالمسؤولية في اتجاه هذا الكادر، لأنهم إذا رأوني متماسكًا فسيتماسكون وإذا رأوني خائفًا فسيخافون وإذا رأوني أمزح في العمل وأضحك فسيرتاحون، وأنا كنت أحاول دائماً أن أؤمن لهم هذا الجو لتكون أعصابهم مرتاحة، وكنت أرى كم هم متعبون وجائعون ويقومون بعملهم و"كثّر الله خيرهم". وبينما أتحدث الآن، أنا أشعر بالامتنان لهم جميعًا، فلا يوجد شخص أنجز لوحده، نحن كنا فريقًا كاملًا.
بالنسبة للمقاتلين يوجد مراحل، وعلى وجه الخصوص في أيام المعارك الكبرى للغوطة عندما كانت الكتائب تضرب إدارة المركبات أو إدارة الدفاع الجوي، تلك المعارك التي كان يأتي إليها الثوار من مختلف الكتائب، وبالتالي كانت تأتينا الإصابات من الجبهات، [ونسأل المصاب:] "أنت من أين أتوا بك؟"، يقول: "من حرستا" أي من جبهة إدارة المركبات، وكنا نسألهم: "أين وصلتم"؟، و"النهفة" أنه بمجرد قولي أن هذا المصاب يجب أن يبقى في المشفى، فيقول المصاب: "كيف أبقى؟ ضمّد جراحي كيفما اتفق أريد العودة إلى هناك (إلى الجبهة)"، فأقول له: "وضعك لا يحتمل". وهذا الموقف شاهدناه كثيرًا وسمعناه، فالمصاب رغم أنه جريح، ولكنه يريد العودة إلى الجبهة بعد أن أصيب في المعركة، وهم يرون دورنا أن نضمّد الجرح ونخيطه ولو بقطبتين ثم نقول له: "الله معك، عد إلى الجبهة"، وعندما نحجزه رغمًا عنه لأن إصابته كبيرة ويحتاج لتخدير و(...)، الأمر الذي لا يدركه المصاب نفسه، وعند خروج أصدقائه يوصيهم بالتفقد والانتباه وأن يخبروه ماذا يحدث معهم. تلك الحوادث كانت فظيعة، وفي الوقت نفسه كان يأتينا مصابون يقول لي [أحدهم]: "أنا بخير انظر لأبي فلان وعلتان، فهؤلاء إصابتهم أخطر مني، أرجوك اذهب إليهم وأنا بعد ذلك تأتون إلي". هذه المواقف كنا نقرأها في القصص والتاريخ، بينما نحن عشناها ورأيناها بأمثلة حية كثيرة وليس في مكان واحد، فأنا أتحدث عن أمثلة أنا عشتها، ولكن عندما كنا نجلس مع أصدقائنا وزملائنا الأطباء في المشافي والنقاط الثانية كنا نسمع عن هذه الروح الجماعية، وأن الحرب مع النظام، وقصة التكافل كانت موجودة وقد تركت بصمتها في المجتمع. 2013
هو عام غني إما بانجازاته أو أنه كان عام ولادة أفكار لما بعد، ونحن تنقّلنا في الثورة من التصنيف في السنة الأولى: ثورجي/ عوايني، ثم في العام 2012 بدأ يصبح الفرز والنقاشات وثقافة: إسلامي/ وعلماني، والعام 2013 جاء بمآسيه وحصاره وحربه وكارثة الكيماوي، وهنا بدأ يصبح الفرز على أساس: هل أنت متطرف أم معتدل؟ بمعنى أنت من الناس التي تقبل الآخر أو لا تقبله بالمطلق؟، كان هناك ظروف موضوعية حتى وُجدت هذه الثقافة.
وفي عام 2013 بدأنا نشهد قصص خطف الناشطين، على سبيل المثال تمّ خطف رزان زيتونة [في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2013 - المحرر]، وكانت قد أتت إلى الغوطة وكانت تتحدث عن الانتهاكات، وخُطفت وكانت المؤشرات (...)، هي خُطفت في دوما في معقل "لواء الإسلام" كما كان اسمه حينها وليس "جيش الإسلام" ولم يكونوا قد انتقلوا لتسمية جيش، وكانت الأصابع تشير إليهم. الطبيب أحمد البقاعي، واسمه الحركي "أحمد الحر" وهو طبيب وناشط ودينامو في قطاع آخر من الغوطة، القطاع الجنوبي، وكان طبيبًا نشطًا في المكتب الطبي والحراك الشعبي، تمّ خطفه أيضًا في الشهر 10 أو 11 [خُطف في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 - المحرر].
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/07/12
الموضوع الرئیس
حصار الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية عام 2013كود الشهادة
SMI/OH/52-20/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2013
updatedAt
2024/10/21
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مدينة دومامحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
مشفى الكهف في الغوطة الشرقية
لواء الإسلام - قطاع الغوطة الشرقية
الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش
الجيش السوري الحر
مكتب التواصل والتنسيق الثوري في الغوطة الشرقية
الهيئة الشرعية في دمشق وريفها
الهيئة الشرعية العامة