خطف النشطاء، مجزرة الهجوم الكيميائي وتمكين الخطاب الجهادي، الحصار والأنفاق
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:17:52
بالنسبة لموضوع خطف الناشطين، خُطفت رزان (رزان زيتونة) [في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2013 – المحرر]، وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر أو تشرين الثاني/ نوفمبر خُطف الدكتور "أحمد الحر" وهو أحمد البقاعي [خُطف في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 – المحرر]، هو طبيب من جيل الشباب ناشط ودينامو عمل سواء في الطبي أو الحراك أو في منطقته، وهو شاب ولديه طاقة، وشارك أيضًا في مظاهرات دمشق الأولى وفي "جمعة العزة" في 25 آذار/ مارس [2011]، تلك المظاهرة التي وصلت إلى المرجة، خلاصة الوضع أنه ناشط في المنطقة في الغوطة، وفجأة خُطف، وأبلغونا الشباب الموجودون معه، وبدأنا نحاول فهم تفاصيل القصة وظروف الحادثة، وكانت المؤشرات بداية باتجاه أحد فصيلين: "لواء الإسلام" أو "جبهة النصرة"، ولكن أغلب المعطيات كانت تشير إلى "النصرة". وهنا تحركنا كمكتب طبي [موحّد] واعتبرناه تحديًا لكل العمل المدني وفكرة المجتمع المدني وفكرة العمل الطبي الموحد وفكرة وجود صوت مدني وفكرة وجود صوت مغاير للقوة الخاطفة أياً تكن. [ومع] فكرة الخطف والإخفاء القسري بتنا أمام سيناريو مثل سيناريو بشار الأسد، وهذا جعلنا نتحرك بعناد وتصادم أحيانًا، وأصدرنا بيانًا باسم المكتب الطبي [الموحد] ونسقنا مع إدارة المجالس المحلية ومكتب التواصل (مكتب التواصل والتنسيق الثوري)، وكلهم شاركوا بياناتنا، وجعلنا منها حملة وقضية رأي عام، وليست قضية شخص بذاته، وإنما قضية رأي عام بعد أن أصبح لدينا ظاهرة خطف الناشطين وهي يجب أن نقف لأجلها كلنا. وبعدها بدأنا بالاتصالات الجانبية مع قائد اللواء الفلاني وقائد اللواء العلاني وتلك القوى العسكرية التي كانت قائمة وموجودة، وكان خطابنا معهم ليس "يجب أن تجدوه"، كلا، بل كنا نقول لهم إننا "نتهم الجميع ونطالب ببيانات تنفي مسؤوليتكم [عن اختطافه]"، أي أننا تكلمنا بلهجة أنه لا يوجد من هو غير متهم، نحن نتهمكم جميعاً والمطلوب منكم أن يصدر كل فصيل بيانًا ويقول "لست أنا الخاطف"، حتى نرى من يتردد في النهاية، ومن لا يتعاون في هذا الموضوع. وطبعًا كان هناك ضغوط من المجتمع المحلي، ومساعد واسعة، وفي النهاية وبعد شهرين أو ثلاثة تبين أن الجهة الخاطفة هي "جبهة النصرة"، و[بالنسبة لـ "لواء الإسلام"] لم يصدر بيانًا، ولكن أعطونا تطمينات. وعندما تكلمنا معهم بهذه الطريقة أصبحت الألوية والكتائب تظهر نوعًا من الجدية [قائلين:] "نحن نبحث عنه، ونحن معكم، وأخبرونا إذا حصل أي شيء [جديد]"، وبدأنا نلمس منهم هذه الجدية، فنحن كنا ضاغطين عليهم بطريقة أنه "إذا لم تكن أنت [الخاطف]، فأصدر بيانًا تنفي فيه ذلك"، ووصل الكلام إلى مستوى القول: "نحن نتهمكم جميعًا، وعندما يقول لنا كل فصيل: "لا أعرف"، إذن من؟، أنتم من يحمل البندقية وأنتم مسؤولون عن أمن المنطقة"، وإلى هذه الصفة أو اللهجة وصل مستوى الخطاب، والحقيقة كانت الاستجابة والمساعي التي بُذلت متفاوتة بين فصيل وآخر، وفي المحصلة خرج [الدكتور أحمد البقاعي].
نحن هنا ككوادر وناشطين (...)، نحن مثلاً ككوادر طبية لم نصبح فقط تحت هاجس أن النظام يستهدف مستشفياتنا، ولكن أيضًا تحت هاجس أنه إذا شخص لم يعجبه لونك السياسي يمكن أن يخطفك، أو إذا أحد الأشخاص عينه على الابتزاز المالي يمكنأن يخطفك، فأصبح لدينا الهاجس الثاني، وهذا الكلام فعلًا كان من الضغوط الكبيرة التي كنا نعيشها عدا ضغط العمل العادي وضغوط الشأن العام التي كنا شئنا أم أبينا جزءاً منه.
ما فهمناه من التحقيقات مع أحمد [البقاعي] أنه كان يتحدث عن فكرة الجيش الحر، وهذا الخطاب لا يناسبهم (المقصود "جبهة النصرة")، وكان هناك تدقيق في التحقيق معه أنه "أنت أسست مشفى، فمن أين تأتي بالتمويل؟"، وكأن أعينهم على تمويله، ولولا موجة الضغط العام والرأي العام كان من الممكن أن يبقى مصيره مجهولًا حتى اليوم مثل مصير رزان [زيتونة]، ونقول إن الله قد وفقنا، نحن وكل المساعي التي بُذلت، فبعد شهرين أو ثلاثة من الاختطاف خرج وإلا لكان من الممكن أن يكون مصيره كمصير الآخرين، وعندما خرج فهمنا منه عماذا سألوه وعلى ماذا ركّزوا [خلال التحقيق معه].
هناك أمثلة في الكادر الطبي، وأنا لدي مثالان حيان، أحدهما أحمد [البقاعي] الذي خُطف، وأنا أذكر شابًا فني تخدير [وهو من الناشطين الأوائل اسمه وليد عواطة/ أبو الزهر – الشاهد]، قُصفت النقطة الطبية التي يعمل فيها، فأُصيب طرفه وأصبح مهشّمًا، حيث [كانت الإصابة] متداخلة: عظمية وعصبية ووعائية، الأمر الذي اقتضى أن نخرجه من الغوطة، وخرج من مسارب [الغوطة] وتحت الحصار والقناصة والملاحقة، وخرج تهريبًا من البادية إلى لبنان إلى جرود عرسال حتى تلقى العلاج وعاد بطرف معاق وغير سليم. وأنا الذي يستوقفني هنا أنه [وبوجود] إصابة بليغة يجازف الشخص حتى يخرج على أمل العلاج والحياة، ولكن أن يعود بعد العلاج لنفس مخاطر الطريق ليعود ويعمل على الأرض؟! لنفس الخطورة التي [عاشها] عندما خرج للعلاج؟!، عاد إلى الغوطة بطرف معاق حتى يعمل وليس ليتعالج، وليضع يده في الثورة، وهذا مثال حي.
من الكوارث، أو كارثة الكوارث التي مرت عام 2013، والتي كان لها أثر كبير بصنع الرأي العام، وأنا أعتقد أنها نقطة تجعلنا - على مستوى الثورة السورية - نعيد النظر ونعيد حساباتنا بكل شيء، هي كارثة الكيماوي، وأنا ضد تسميتها مجزرة الكيماوي،فسورية تعيش حالة المجازر اليومية منذ 8 سنوات، أما الكيماوي فهو كارثة بكل معنى الكلمة، و[لهذه] النقطة تفصيلها الذي يمكن أن نتحدث عنه. الفكرة التي أريد التركيز عليها في موضوع كارثة الكيماوي ما بعد كارثة الكيماوي، وأنا أعتبرها نقطة فارقة في مسيرة الحراك الثوري في الغوطة، لأن ما بعدها، وقد سقط فيها أكثر من 1500 شهيد وأُصيب أكثر من 10 آلاف شخص، وكان هؤلاء بوابة [من خلالها بدأت] منظمات دعم العمل الإنساني تنظر إلى الغوطة، كما كانوا بوابة أن يبدأ انتظام دعم المشاريع القائمة في الغوطة. وفي الوقت نفسه النتائج السياسية لكارثة الكيماوي، وسقوط الخطوط الحمراء لأوباما (باراك أوباما)، والمقايضة الدنيئة التي تمت بين الروس والأمريكان بأن أنهوا الجريمة بمصادرة سلاح الجريمة فقط، وهذا جعل المجتمع يذهب في اتجاه الإحباط واليأس من العالم بعد أن كانت هناك موجة تصاعدية وموجة حسن النوايا أن العالم يصدقنا ويتعاطف معنا ونحن كنا نصدقه، وفجأة عند حدوث الكارثة (كارثة الكيماوي) وجدنا أن العالم يبيعنا ويشتري بنا، وكل الكلام الذي كان يُقال قبل الكارثة كان كلامًا فارغًا، وفي النهاية أرواح الشهداء كانت فقط ثمن صفقة تسليم السلاح الكيماوي، وذهبت حقوقهم.
هذا اليأس والإحباط مكّن الخطاب الجهادي في الشارع، فالنقطة الفارقة بتمكين الخطاب الجهادي في الغوطة كانت كارثة الكيماوي، وهذا ما أعتبره نتيجة منطقية للأحداث التي حصلت، وأنا لازلت أقول حتى اليوم: لو أن العالم الحر أو ما يسمي نفسه بالعالم الحر دعم الثورة السورية فعلًا منذ بداياتها، ولو أن مال المشروع الوطني والديمقراطي حلّ محل مال الأجندات والفوضى الخلاقة ومشاريع المليون خلافة إسلامية، كان يمكن لسورية أن تنتقل إلى الديمقراطية، وكنا تجنبنا كل هذه المآسي، ولكن العالم أشبعنا كلامًا.
من الظواهر المؤلمة جدًا في الحقيقة أن تجد شخصًا ينكش في حاوية القمامة حتى يجد شيئاً [يأكله]، مثلًا أخبروني أن أحدهم كان يمسك بأي شيء يخرج من حاوية القمامة حتى يأكله، وعندما تجد كلبًا يأكل عرنوس الذرة حتى نتخيل حجم الجوع الذي عانى منه هذا المجتمع، فنحن ما اعتدنا عليه أن القطة أو الكلب ينظر إلى ما نرميه نحن من فضلات الطعام الزائد ويأكلها، ولكن عندما لا يجد فضلات طعام زائد ويجد عرنوس [ذرة] لم يبقَ منه سوى أرومته، فحبّات [الذرة] قد أكلها الإنسان، والكلب يمسك [بقايا] عرنوس الذرة ليأكلها، هذا وحده ينبئ عن حجم الجوع الذي مرت فيه الغوطة، وكذلك فكرة أن العائلة تتناوب [في الطعام] ورديّتين، وبعض الأسر كانت تأكل يومًا واليوم الثاني بدون طعام، وهناك قصص كثيرة لم نعلم بها، وكنا نرى الكثير من حالات الوفاة ليس فقط من الجوع، بل من الجوع [المترافق مع] إنهاك الجسم وقليل من المرض.
أريد أن أطرح مثالًا: الشخص العادي عندما يريد الاستحمام بكل بساطة يستحم، بينما عليك أن تتخيل [في الغوطة على من يريد الاستحمام] تعبئة الماء بالدلو من البئر ليأخذه إلى البيت ويسخنه على الحطب حتى يستطيع الاستحمام، وهذا إن وجد الصابون أو ثمن شرائه. وعندما تكون عائلة متعددة، أو عندما تجد المرأة التي هي عنوان الأناقة والنظافة تجدها من الصباح الباكر [تعمل] بالحطب والحرق وجرّ (...).
أنا كطبيب مثلًا، ومن علامات الفقر والمأساوية مثلًا عندما كنت أفحص العديد من الأشخاص الذين كانوا عنوانًا للنظافة والأناقة والبياض، ولكن الظروف عانينا منها جميعًا، واكتوينا حقيقةً، والحصار لم يكن فقط حصار جوع، فالجوع كان هو العنوان، ولكنه كان حصار جوع وبرد وكهرباء وماء واتصالات وجهد ضائع، وعدنا في حياتنا إلى الجهد العضلي، ولم يعد هناك سيارة للتنقل وأصبحنا نتنقل على الدراجة الهوائية. ودخلنا في حلقة مفرغة وكأنك حقيقةً أعدت هذا الشخص 200 عام إلى الوراء وقلت له: عليك أن تعيش هنا، وربما في ذلك الوقت على الأقل كان لديه قمح أو لديه شعور الأمان ولا يلاحقه الموت إلى داخل منزله أو غرفة نومه أو القبو، بينما عاشت الغوطة كل هذه الأجواء. أنا لا أريد أن أتحدث كثيراً عن تجارب شخصية على الرغم من كوني مررت بتجارب جداً قاسية، فأنا غسلت على الطبق وخبزت على يدي ويبّست [المواد الغذائية] ومررت بأيام جعت فيها. أذكر مثلًا أن جيراني كانوا يقولون لي: نحن تركنا المفتاح، ادخل وتفقد المنزل، وربما نكون قد تركنا في المطبخ بعض المعلبات مثل التونة، وأقسم بالله العظيم أنني عندما ذهبت ركضًا إلى المنزل وقلبت المطبخ ووجدت علبة سردين وعلبة تونة أصبحت أقفز [فرحًا] وكدت أصل للسقف، أنا كطبيب فرحت بكل ولدنة.
خلق وضع كانت فيه كلمة "الجوع" تعني الجوع بكل معنى الكلمة، وليس الجوع النسبي وإنما الجوع المطلق حيث تجوع ولا تجد شيئاً لتأكله، لذلك أنا فرحت برغيفَي خبز، وفرحت بعلبة تونة وسردين وتركتهما جانبًا وقلت في نفسي قد تأتي الأيام الأصعب فلا يجوز أن أفتحهما وآكلهما بما أن لدي القليل من الزيتون أو لدي القليل من البرغل يمكنني أكله مع أي شيء، فقد يأتي الظرف الأصعب حينها يكون في متناول يدي هاتان العلبتان، بمعنى أنه حتى المقنّن كنا نقننه ونخضعه لخطة تقنين وطوارئ، لماذا؟ لأن الأمور باتت مفتوحة على الأسوأ، ومرت المعارك التي حاولوا من خلالها كسر الحصار، معركتان عام 2013 ولم يتوفقوا فيهما،وسقط خلالهما الكثير من الشهداء.
وبقت الطريقة التي بدأت في نهايات عام 2013 لكسر الحصار، وهي تجاوز الحصار من تحت الأرض، وكانت فكرة الأنفاق، وكان غربي المحلق: منطقة بساتين القابون وحرستا، وشرقي المحلق: الغوطة وبساتين حرستا الشرقية وعربين وزملكا. والذي حدث أنه في نهاية 2013 ومن حرستا، والمنطقة الغربية كانت منطقة هدنة، والشرقية هي جزء من الغوطة المحاصرة، وكان الفصيل القائم هناك هو [لواء] فجر الأمة، فحفروا نفقًا، ودخلوا به من المنطقة الشرقية وخرجوا من المنطقة الغربية، والمنطقتان تتبعان لحرستا، وكانت هذه أول محاولة لتجاوز الحصار، وهنا دخلت الغوطة عصر الأنفاق. طبعًا كان النفق بدائيًا وضيقًا، بعرض أعتقد لا يتجاوز المتر وارتفاع متران، ولكنه كان بمثابة شريان الحياة، وبعدها تعددت الأنفاق، ومن كان يحفر الأنفاق على هذه النقاط هم حصرًا الفصائل، فلم يكن من الممكن لجهة مدنية أو فعالية مدنية أن تقول إنها تريد حفر نفق خاص بها لأنها مناطق تماس، فكانت [الأنفاق] مشاريع الفصائل، وكان هذا النفق هو شريان الحياة، وأول شريان حياة فُتح للغوطة من أجل تجاوز الحصار من تحت الأرض هو هذا النفق، وله حكاية طويلة، ودخلت بعدها الغوطة بأسلوب تجاوز الحصار بالأنفاق.
أنا أعتقد في نهاية العام 2013، ويجب أن يكون في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر أو كانون الأول/ ديسمبر لأنه مع بداية عام 2014 كان يوجد نقل [بضائع من داخل النفق]. في الغوطة وتحت الحصار لم يكن هناك محروقات ولا آليات، وبالتالي سلسلة الأنفاق أو شبكة الأنفاق التي حُفرت في الغوطة كلها حُفرت بشكل يدوي، فالإنسان إذا كان لديه الإرادة يصنع المعجزات، وقصة الأنفاق لها حكاية طويلة، وبدأت أول صفحة فيها بنفق حرستا، ولكن انتهت بعد ذلك عندما وصلنا للتهجير في العام 2018 حيث كانت تحصينات الجبهات تعتمد على الأنفاق، وكان هناك مستويات لأنفاق سطحية وعميقة وكمائن، وكانت هناك شبكة ربط داخل البلدات والمرافق الحيوية، ووصلت شبكات الأنفاق إلى درجة أنها أصبحت ثقافة مجتمع ووعي جمعي وثقافة انتشرت بالغوطة إثر [سلسلة من] التحضيرات، وخصوصاً بعد سقوط حلب الشرقية عام 2016، لأنه يجب أن نستعد لمرحلة صعبة قد تحاكي حلب، وللأسف كانت أصعب بكثير من تجربة حلب.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/07/12
الموضوع الرئیس
حصار الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية عام 2013كود الشهادة
SMI/OH/52-21/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2013
updatedAt
2024/08/28
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-مدينة حرستامحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
جبهة النصرة
المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية
لواء الإسلام - قطاع الغوطة الشرقية
لواء فجر الأمة - لواء الزحطة
الجيش السوري الحر