الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

مجزرة الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية في 21 آب/ أغسطس 2013

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:26:21

عام 2013 بالتوازي مع كل العمل الذي كنا نقوم به على الصعيد الطبي والشأن العام والتفكير بكسر الحصار، كان هناك ما يضغطنا لأننا كنا نسمع عن استخدام النظام للكيماوي في مناطق متفرقة من سورية، الأمر الذي كان يخلق لدينا الهواجس والمخاوف، فنحن الآن كمكتب طبي موحد وغوطة محاصرة ماذا سنفعل إذا تعرضنا لهكذا ضربة؟، كانت هذه الفكرة مسيطرة علينا، والذي عززها أكثر وخلق لنا المخاوف أنه في العام 2013 بدأ النظام يستخدم الكيماوي على نطاق محدود على جبهات الغوطة، فحدثت ضربة في منطقة العتيبة ونتج عنها إصابات (أسفر قصف العتيبة بمواد كيمائية عن مقتل 6 أشخاص وعشرات الإصابات في 19 آذار/ مارس 2013 – المحرر)، ونحن كوسائل استقصاء أو توثيق كنا نلجأ للتواصل عبر الغرف وعلى المجموعات (غرف ومجموعات التواصل الاجتماعي) ومع الجهات الطبية، ونستعلم عن أعراض التعرض للتسمم بالسارين وغير السارين، سواءٌ الكلور أو أو (...)، وكان يوجد في ذهننا معايير واضحة حول أنواع الإصابات وما ترجّحه إذا كان سارين أو غير السارين، وكنا نعمل على ضرورة إيجاد طريقة للتعامل مع هكذا إصابات في حال وقوعها.

كان يوجد ضربتان مميزتان على الغوطة على نطاق محدود، إحداهما على العتيبة والثانية في جوبر (تم رصد استعمال مواد كيميائية في قصف حي جوبر عدة مرات في شهري نيسان/ أبريل وأيار/ مايو 2013 – المحرر)، وهذا كله حدث قبل كيماوي آب/ أغسطس 2013. في جوبر وعلى إحدى نقاط التماس بين قوات النظام والثوار، جاء إلى المشفى فجأةً في يوم من الأيام بحدود 20 أو 30 إصابة، جميعها أعراض اختناق وتقبض حدقات وتباطؤ نظم، والبعض [من المصابين] كان لديه مفرزات الزبد، وكانت هذه أول مرة نتعرّض لمشاهدة هذه الإصابة التي كنا نسمع ونقرأ عنها وعن كيفية التعامل معها طبعًا بحدود إمكاناتنا المحدودة في ذلك الوقت، فقد كان لدينا الشيء الأساسي الذي استطعنا أن نقدمه. أنا أذكر أنهم أتونا بـ 20 إلى 30 مصابًا، ولم يكن لدينا وسائل الحماية لأن اللباس الواقي الذي أرتديه ليس هو الخاص بالكيماوي، "جاون"العمليات [الجراحية] (اللباس الطبي المعقم والعازل] وماسك العمليات والقفازات فقط، تلك هي الوسائل التي كانت متاحة أمامنا. قسم الإسعاف لدينا هو عبارة عن صالة كبيرة، ولكن مغلقة، وكانت روح الفزعة لاتزال في أوجها لدى الجميع، والكل اندفع وركض. كانت مراحل التعاطي مع هكذا إصابات أولًا خلع ملابس المصاب وغسل جسده مع وسائل الإنعاش وإعطاء الأتروبين والأوكسجين.

وأنا أذكر يومها في أثناء العمل بدأت أحس بتعب ودوار مع تباطؤ نظم القلب، كنت أضع يدي وأتحسس [نبضي الذي هبط إلى] 50،وأعراض اختناق، أصبحت أشهق وكدت أقع، فحملني الشباب وركضوا بي، [وأعطوني] الأتروبين والأوكسجين، وأخذوني إلى النقطة 99 أي العناية المشددة المركزية في دوما، ورآني الدكتور خليل الأسمر وهو طبيب القلبية وهو المشرف على العناية المشددة، وعندما فحصني بالسماعة [الطبية]، قال لي: "لا تتحرك أبدًا"، كنت أختنق ولكنني لم أكن أدرك الخطورة التي شاهدها الطبيب، ومباشرةً أدخلوني وخلعوا عني ملابسي وغسلوني [وأعطوني] أتروبين وأوكسجين [ووضعوا لي] المونيتورات (أجهزة المراقبة الطبية)، ثم وجدت نفسي على سرير في العناية المشددة، فقلت لهم:  "أريد العودة"، فقالوا: "لن تخرج"، وترجيتهم للعودة ولم يسمح لي الدكتور خليل وكان يؤشر لي بإصبعه على المونيتور و[نسبة] الأكسجة، وأنا هنا فعلًا مررت بمراحل الاختناق، وفي إحدى اللحظات كان معي الدكتور بكر، وهو اسم حركي، وبدأت أخبره بوصيتي وأنه إذا متّ هنا أكون قد حمّلته رسائلي لأهلي، ومنها أنني كنت أتمنى أن أستطيع اللقاء بهم ولكنني لم أتمكّن، وأنها إرادة الله. وفي وقتها بحكم التهديدات و[حوادث] الخطف كنت أحمل مسدسي الشخصي، فقلت له: "دع هذا المسدس معك يا بكر وفي يوم من الأيام عندما ترى ابني قل له هذا كان أبوك يحمله"، طبعًا أنا طيلة عمري لم أكن قد حملت سكينًا، ولكن [هكذا] كانت الظروف في وقتها من عمليات الخطف وتصاعد الخطاب التصنيفي وكأنه تصنيف أمني بأنه هذا علماني يُهدر دمه، ونحن هذا الأمر كله خلق عندنا بصراحة (...)، وكان لدينا الخوف الدائم من أعوان النظام فنحن جميعنا مستهدفون ويمكن لأي أحد من أعوان النظام في أي لحظة أن يستهدفنا. كانت كل هذه المخاوف تجعلنا في النهاية نحمل هذا السلاح الفردي للحماية، ومجرد وجوده كان يعطينا نوعًا من الاطمئنان بأنني قادر على الدفاع عن نفسي إذا تعرضت لموقف ما. أنا أذكر في وقتها أنني قلت له (للدكتور بكر): "دع هذا المسدس معك في حال استشهدت، وفي يوم من الأيام ابحث عن ابني وأعطه السلاح وقل له أن هذا السلاح كان أبوك يحمله أيام الثورة"، وكان موقفًا مؤثرًا وبكى بكر وأنا بكيت. وبعد ساعتين أو ثلاث قلت لهم: "يجب أن أرجع وأتابع [العمل في المشفى]"، وترجيتهم وأصررت على ذلك، وفككت عني الإلكترودات (الأقطاب الكهربائية)، وقلت للدكتور خليل "إن نبضي جيد وأريد العودة [لعملي]"، فقال: "حسنًا، بالسلامة، ولكن اذهب وحاول أن ترتاح".

هذا الاستخدام للكيماوي، كنا نحن كمكتب طبي موحد قد بدأنا بإنجاز مشاريعنا المركزية، وهي منظومة الإسعاف المركزي والمستودع المركزي، وأنه يجب أن يكون لدينا خطة إذا استُخدم الكيماوي على نطاق أوسع مما سبق حتى تكون لدينا الجاهزية. وبدأنا بفكرة ضرورة تدريب الكوادر، وكان يوجد توجيه، وكان العمل جماعيًا، وكان هناك تعاون وحس وتوجس من الكيماوي عند كل الكوادر الطبية، فأصبحنا [نقول] في كل مشفى ونقطة طبية أنه في حال جاءتنا إصابات بالكيماوي أول شيء يجب فعله أن ننزع الملابس ونغسل الجسد لإزالة التلوث، وأن نفتح الوريد [ونعطي] الأتروبين والأوكسجين، وفي الحالات الصعبة (...)، وبدأنا نضع خطط الطوارئ أنه في حال قسمنا فريق العمل يجب أن يكون مع كل مجموعة شخص يستطيع أن يقوم بالتنبيب في حالات الاختناق الشديدة، ومن يستطيع أن يقوم بالتنبيب هم فنيو التخدير. وبدأنا نتوجه إلى التوعية ووضع خطط تدريبية للكوادر على أنه هكذا تكون الأعراض، وهذه هي "الـ ABC" (ألف باء) وهكذا يجب التصرف معها، وكذلك الإخلاء إلى نقاط [طبية أخرى]، وكل هذه الأمور بدأنا العمل عليها.

بالتوازي مع هذا الأمر، اجتمعنا كمكتب طبي وتنفيذي، وكنا نخاطب كل جهات دعم العمل الطبي سواءٌ المنظمات المحلية التي كانت قد بدأت توجد بشكل صريح في الغوطة، أو العالم، وفي وقتها كان لدينا منظمات، وكان هناك مراسلات مع وحدة تنسيق الدعم والمنظمات الأممية، فقد كانت موجودة لدينا هذه المخاوف بسبب تعدد استخدام الكيماوي، ونحن بحاجة على الأقل إلى تأمين خططنا التي تحتاج مستلزمات سواءٌ من ناحية البدلات الواقية والإمكانيات الطبية وغيره، وعلى الرغم من كون الغوطة محاصرة كان لا بد من أن نفعل شيئًا، فكنا نعمل على كل هذه المحاور مع بعضها البعض وكنا نفكّر حينها أن أي جهة من المنظمات التي تعمل على دعم العمل الطبي إن كان لديها مستودع أو إمكانيات موجودة في الغوطة، يجب ضخّها مباشرة ضمن خطة إذا تعرضنا لضربة كيماوية.

في الضربات [الكيميائية] السابقة كان عدد الشهداء محدودًا لأن نطاق استعماله كان محدودًا، ولكن الأعراض التي كنا نراها هي وصفية تمامًا [لإصابة المواد الكيميائية]، وحتى الرائحة فأنا رائحة السارين لا أنساها، وإذا شممت الآن رائحة السارين أرجع بذاكرتي إلى العام 2013 وشهر آب/ أغسطس عندما تعرضت للإصابة الثانية، وإلى ما قبل آب/ أغسطس عندما تعرضت للإصابة الأولى، فلقد كانت له رائحة حفظتها بعد أن تعرضت لها.

كنا قد بنينا خططنا على [أساس] أنه رغم الحصار، ورغم وجود إمكانية التهريب تحت الخطر عبر البادية (...)، ونحن كنا نسمع بأن هناك خطة للبعض للخروج وكانوا يتعرضون لكمائن، وكان يُدفع دم في كل مرور أو عبور من البادية في اتجاه الغوطة لأنه كان حصارًا محكمًا، وكان النظام يستخدم الطائرة المروحية في إحكام الحصار من الجهة الشرقية، أي من جهة العتيبة والبادية ومابعدها. هذه كانت هواجسنا وخططنا في العمل.

[بالنسبة للتجاوب مع مطالبنا] كنا نسمع وعودًا وكلامًا إيجابيًا، ولكن في النهاية بصراحة على الأرض لم نرَ شيئًا، وكان جزءًا من الحجج أنه "لم نستطع (...)، فنحن في الحصار نعاني من صعوبات في إيصال هذا الدعم". ونحن كان لدينا يقين أن الغوطة كمنطقة جغرافية، وبما فيها من منشآت طبية ومستودعات، ومن بين المستودعات التي كانت قائمة في الغوطة كان يوجد مستودعات طبية لمؤسسات كبيرة، وإذا كانت هذه المنظمات لا يوجد لديها القدرة على إدخال المواد من خارج [الغوطة]، إذن دعونا نستثمر بما هو موجود في الداخل، فأنتم قبل الحصار ألم تبنوا مخازنكم؟ تفضلوا نحن بنينا المستودع المركزي للمكتب الطبي الموحد، وكانت الفكرة منه سدّ الاحتياجات وأن يكون الدعم الطبي متوازنًا، أي نخرج من العقلية المناطقية، فالعمل الطبي ليس عمل حصة إغاثية، ونحن في ميثاق عملنا في المكتب الطبي الكل يعمل للكل، وهكذا تجاوزنا المناطقية والتصنيف: مدني/ مسلح، وتجاوزنا به أيضًا التصنيف واللون السياسي، بمعنى أنت مهما كنت، طالما كنت محاصرًا في الغوطة، فأينما ذهبت إلى أي نقطة وأي مشفى ستأخذ علاجك. كان المستودع المركزي بحاجة كذا ألف أمبولة أتروبين، وكذا ألف (...)، وطبعًا دُعمنا في البداية قبل الحصار وقبل إطباق الحصار وعبر المسارب، حيث بنينا بعض المخزون، ولكنه لم يكن كافيًا لما كان ينتظرنا والذي هو يوم كارثة  21 آب/ أغسطس [2013]، وكنا نسمع وعودًا، وكانت الوعود أكثر بكثير من الواقع.

[أما بالنسبة لمن كان لديهم في مستودعاتهم تلك المواد] كانوا يقولون: "إن شاء الله، نحن لدينا هذه الكمية من الأتروبين، وسنوزع ونعمل وننسق (...)"، ولكنني كنت أحس أننا نحن نعمل على خطة طوارئ لضربة كيماوية، بينما كانت المنظمات وغيرها بأعماقها لا تصدق أو لم يتوقع أحد أنه من الممكن أن يُستعمل الكيماوي بالطريقة التي استُخدم بها، وكان المتوقع [أن تكون الضربة] على طريقة الضربات التي كنا نسمع بها بشكل متفرق، أي الضربات المحدودة على بعض النقاط التي [تسقط] فيها 100 أو 200 إصابة، وأعتقد أن المنظمات كانت قد بنت خططها أو الإمكانات المتاحة لديها على [أساس] أن استخدام الكيماوي سيكون وفق هذا المستوى من الضربات، وهذا المستوى من الضربات نحن قادرون على استيعابه والسيطرة عليه. والحقيقة أن الاصابات التي وقعت بهذه الضربات لم يكن بينها ضحايا قاتلة، أي كان لدينا الإمكانية سواءٌ من حيث عدد الكادر أو من حيث إمكانات المواد الطبية أننا استطعنا تقديم شيء حيث نقول: "أنقذناهم من الموت"، وكانوا قد وصلوا لحالات اختناق، ولكن استطعنا تقديم شيء، وتمّ إنقاذهم من الموت. ولكن ما حدث في 21 آب/ أغسطس (...)، وأنا أقول إن الغوطة عاشت مرتين تجربة يوم القيامة وأهوال يوم القيامة: يوم 21 آب/ أغسطس [2013]، وخلال الحملة الأخيرة التي أدت الى سقوط الغوطة وتدميرها والتهجير حيث عاشت الغوطة فيها كل تفاصيل أهوال يوم القيامة.

سنتحدث عن21 آب/ أغسطس [2013] والذي كان يومًا فارقًا سواءٌ إنسانياً واجتماعياً وسياسياً وطبياً وبكل المعايير أنا أعتبره يومًا من الأيام الفارقة والفاصلة في الثورة السورية وليس فقط في الغوطة. في 21 آب/ أغسطس كان الحصار مطبقًا على الغوطة، والجوع كان يعاني منه الجميع، ودخلنا [مرحلة] الحصار ولا يوجد لدينا البدائل ولا وسائل التغلب على الحصار، فهذه كلها خُلقت في الحصار، وعلاوة على ذلك كان شهر آب/ أغسطس شهر الصيف، وفي حوالي الساعة 2 ليلًا، بين الساعة 1 و2 ليلًا حصلت الضربة على زملكا في منطقة المزرعة على ما أعتقد وأطراف عين ترما. ونحن كان لدينا غرفة عمليات بالنداء اللاسلكي، وفورًا [سمعنا من خلاله من يقول:] "تصلنا إصابات اختناق كيماوي، و[يجب] التعميم واستنفار الكوادر"، نحن جميعًا كنا بشكل مسبق نتحضر لشيء، ولكن لم نتخيل أن يُستخدم الكيماوي على هذا النطاق.

حصلت الضربة، والفصل هو الصيف، والناس نائمون وجائعون، وكان الناس بسبب خوفهم من القصف الذي لا يتوقف على الغوطة كانوا ينامون ويجلسون في الطوابق السفلية لأنها أكثر أمانًا، ولكن عندما يأتي الكيماوي فهو يستهدف المنطقة القريبة من الأرض، وكان الأمر مدروسًا جيداً من ناحية الطقس والتوقيت ومن كل النواحي. وحصلت الضربة، وجميعنا توجهنا إلى المشافي، وأنا أذكر عندما وصلت للمشفى (...)، وكان مشفانا هو مشفى "الكهف" وهو من الحزام المحيط بزملكا، وأول مشفى يصلون له من جهة الشرق هو مشفانا، وكان هناك من جهة ثانية مشفى في عربين، ومن جهة ثالثة مشفى في عين ترما. مشفانا كان بمثابة مشفى مركزي فيه عمل بشكل مسبق، وكان هناك توجه شديد نحو إخلاء الإصابات باتجاه كل المشافي، ولكن الذي رأيته في مشفانا عندما دخلت إلى المشفى (...)، وفي باحة المشفى كانت تأتي السيارات وتنزل [المصابين] وتذهب، كانت تنزل على سبيل المثال عائلة [بكاملها]، شخص يختلج وآخر يختنق والآخر متوفي وشخص يصرخ وشخص يبكي وشخص يضحك، كان المنظر مرعبًا.

عندما انتشر النداء عبر الاتصالات والطبية ومجموعات الاتصال الخاصة بالإدارة المحلية والفصائل، وخلال نصف ساعة كانت الغوطة قد استنفرت وفزعت باتجاه الضربة الكيماوية والإسعاف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وعندما تشاهد الطرقات ترى الناس وقد فزعت [بكل آليات النقل المتاحة] "الطرطيرة" و"الطنبر" والسيارة، وكانوا يقومون بإخلاء الإصابات ويأتون بها إلى المشافي، وأرسل حينها المجلس المحلي صهريج مياه [إلى المشافي] فهناك مئات الإصابات، ولا نتحدث هنا عن إصابة أو اثنتين أو 10 أو 20، وأنا لدي في الباحة الخارجية في حرم المشفى مئات المصابين على الأرض نغسلهم بواسطة الصهريج لإزالة التلوث. وترى الناس يأتون للفزعة، فبعد غسيل [المصاب] بالماء وإزالة التلوث، بدأ المتبرعون يأتون بالملابس من بيوتهم [ليرتديها المصابون]، وكان في ذهن بعض الناس فكرة الخل، فكل شخص لديه مؤونة خل في المنزل ركض ليأتي به إلى المشفى حيث كان الخل يُستخدم للوقاية من الغاز المسيل للدموع، وكان هذا الأمر من ثقافة أيام المظاهرات والتعرض [للغاز المسيل للدموع في] المظاهرات، بدأ الناس بجلب كل وأي شيء من منازلهم قد يساعد في الإنقاذ، ومن استطاع [ساعد] بجهده الشخصي، ومن استطاع [باستخدام] سيارته، ومن استطاع عبر الحمل والعتالة.

 كان المنظر في الحقيقة مرعبًا، وأنا الآن عندما أتخيله وكأنه يوم القيامة والناس تخرج من قبورها، ومظاهر ما بين الحياة والموت، مظاهر الاختناق والهيستيريا، وجميعنا ركضنا إلى العمل، وكان لدينا خططنا السابقة، ولكن لم نكن نتوقع هذا الحجم من الإصابات، فعدد كوادرنا والمتطوعين والمسعفين كان أقل بكثير من أن نحيط بكل هذه [الإصابات]، ووسائل الوقاية الشخصية أيضًا لم تكن موجودة، و[كنا نقول:] يا شباب البسوا الكفوف "الدسبوزيبل" (التي تُستخدم لمرة واحدة)، والبسوا "الجاونات" (اللباس الطبي المعقم والعازل)، وضعوا الماسكات، ولكن عندما كنا ننهمك في العمل لا نهتم لأنفسنا ولا ننتبه إذا وقع الماسك أو انزاح، فمنظر الموت [هو الطاغي] وعلينا إنقاذ [المصابين]. كانت روح الفزعة [منتشرة] في الغوطة، ويومها لم تنم الغوطة.

وبعد ساعات من العمل بدأنا نرى أن البعض من الكادر [الطبي] أصابتهم أعراض الاختناق والتسمم، فلم تكن متوفرة لدينا وسائل الوقاية، وبعد ساعات أنا أيضًا ضاق نفسي و[أُصبت] بنفس أعراض الاختناق التي مررت بها في إصابتي السابقة،وركض الدكتور صلاح الحلبي وأمسك بي وأعطاني 3 أو 4 أمبولات أتروبين، وأحسست بنفسي [أفضل]، وحملوني وأخذوني، وفي ذلك الوقت وهَول الموقف يجعل أي شخص منا ينسى نفسه، أنا وكل الكوادر جميعنا كنا وكأن هناك شيئًا مجنونًا أو شيئًا على هامش الحياة والموت ونريد فقط أن نشدّه من الموت بأي طريقة ولأي درجة، فالمهم أن أشدّ هذا الإنسان أو الطفل أو المرأة التي أمامنا، أن أحاول فقط شدّه قليلًا من الموت، وبعد ذلك أشد الشخص الذي يليه، في الحقيقة كان عملًا جبارًا.

وفي اليوم نفسه، وإذا أردت الحديث عن تجربتي الشخصية، تعرضت لمراحل الاختناق نفسها، ولكن كان لدي إصرار أن أعود [لعملي]، والذي أسعفني – ذكره الله بالخير – قال لي: "سنأخذك (...)"، فقلت له: "لا تأخذني، أعدني"، وبدأت أبكي قائلًا لهم: "أعيدوني، أريد العودة إلى المشفى"، وأبكي بلا دموع لأن الأتروبين يعمل على تجفيف المفرزات بشكل فظيع. وأخبروني لاحقًا أنني لم أعد متزناً حتى بطريقة كلامي وتعبيري، وفي الحقيقة أنا هذا الشيء شاهدته، ومن تأثيرات هذه المادة أنا رأيت الكثير  بهذا الموقف، فترى أناسًا يصرخون للا شيء، وآخرين يبكون للا شيء، وآخرين يضحكون للا شيء، في الحقيقة لقد رأيت كل هذا الطيف. كان عالمًا مجنونًا ما بين الحياة والموت.

جاء الصباح، وبالطبع نحن وفي ثقافة التدريب نأخذ من المصابين عينات دم وبول وشعر وملابس، ونحفظها، فهذه العينات تُظهر آثار التلوث لأجل إثبات المادة المستخدمة التي تعرّضوا لها، فإضافةً للإجراءات العلاجية التي تُقدم للمريض ينبغي أخذ عينة كذا وكذا وكذا، وحفظها جانبًا كونه يهمّنا حينها [إثبات] الجريمة، ونحن في قضية وطنية وثورة، وأنا يهمني أيضًا ألا تمرّ هذه الجريمة بدون إثبات، وكنا بهذه العقلية نفكر ونحضّر.

عملنا على جمع العينات، وفي وقتها قلت في نفسي يجب أخذ العينات التي لا تقبل مجالًا للشك، وذهبت إلى الصالة التي يوجد فيها جثث الشهداء.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/07/26

الموضوع الرئیس

مجزرة الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية عام 2013حصار الغوطة الشرقية

كود الشهادة

SMI/OH/52-22/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

آب/ أغسطس 2013، 21 آب/ أغسطس 2013

updatedAt

2024/09/10

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-عين ترمامحافظة ريف دمشق-زملكامحافظة دمشق-جوبرمحافظة ريف دمشق-العتيبةمحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقية

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية

المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية

مشفى الكهف في الغوطة الشرقية

مشفى الكهف في الغوطة الشرقية

الشهادات المرتبطة