الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

الحراك المدني والسياسي في الغوطة الشرقية عام 2014

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:29:04

بدأنا بالعام 2014، وإذا أردنا توصيفه نقول إنه عام ولادة الكيانات الكبرى وتداول الإدارة وبداية الحراك السياسي المجتمعي المحلي تحت وطأة الحصار الذي كان يتصاعد ويتنامى، وكانت الأعباء تزداد على مختلف قطاعات العمل، وجاءت كارثة الكيماوي التي تركت نتائجها وآثارها على المجتمع، وشعور الخذلان العام بسبب الحصار، وبداية انفتاح منظمات دعم العمل الإنساني على الغوطة سواءٌ في الجانب الإغاثي أو التنموي أو الطبي أو أو (...). وبتنا أمام واقع الحصار القائم، فدخلت رشقة جديدة إلى العمل الثوري والمؤسسات، وهي رشقة الرماديين الذين كانوا يترقبون الأحداث، وجزءٌ منهم مع الثورة، ولكنهم لم يفعلوا شيئًا وكانوا فقط مترقّبين، والجزء الآخر كانوا يأملون بالدخول والخروج من الغوطة دون أن تتأثر حياتهم، ولكن عندما أطبق الحصار أصبح الخيار البقاء في هذا الواقع، وهكذا دخلت عيّنة ورشقة جديدة من هذا الصنف إلى عمل المؤسسات. ومع اشتداد الحصار ازدادت الأعباء  والمسؤوليات والمتطلبات التي كانت تلقي بنفسها على المؤسسات الثورية القائمة التي تأسست عام 2011 و 2012 و 2013 بشكل متدرج، فعلى صعيد الإدارة المحلية مثلاً المجلس المدني المحلي الثوري كان مؤسسًا حسب الواقع الثوري من قبل الأشخاص الذين بادروا على الأرض منذ العام 2012 وتحرير الغوطة، ونظموا عملهم وحفروا الآبار ونظموا العمل الإغاثي ورتبوا أمور المدارس وحصّنوها ورمموها وإلخ، ولكن مع اشتداد الحصار أصبحنا أمام واقع [فقدان] رغيف الخبز والعلاج ووو(...)، وكانت الأعباء ترمي بثقلها علينا، وهذه الأعباء عندما بدأت ترمي بثقلها على المؤسسات الثورية القائمة بدءًا من المحلي الصغير وصولًا للعام، كانت هي المادة التي استثمرتها الرشقة الجديدة التي دخلت إلى مؤسسات الثورة، وبدأ يخلق شيء من معارضة الوضع القائم. وإذا أردنا أن نقول: لقد تنظّم العمل في البلدة الفلانية أو على مستوى الغوطة أو في القطاع الفلاني، سواءٌ على المستوى المحلي في البلدة فهناك الأشخاص الذين عملوا وبادروا وأسسوا أول مجلس مدني في كل بلدات ومدن الغوطة، ولكن مع اشتداد الأزمات ودخول رشقة الأشخاص المحايدين أو من نسميهم "الرماديين" كانت مادة الصراع أو المادة الخام التي تمّ اللعب عليها في الرأي العام هي قضية الاحتياجات والمستلزمات: "هل تأمّنت [الاحتياجات] أم لا؟ هل لديك القدرة على (...) أم لا؟"، الأمر الذي بدأ يخلق نوعًا من الحراك السياسي المحلي وأصبحنا نرى في كل بلدة ومدينة أشخاصًا هم المجموعة الحاكمة في المجلس المحلي وفي الفعاليات التي تأسست وعملت، كما بدأت تصعد الأصوات الأخرى التي تقول: "نحن نريد الدخول والعمل وأخذ الدور"، وخصوصًا مع انتظام الدعم فقد بدأ الناس يسمعون أنه سيكون هناك دعم للقطاع الفلاني بالمبلغ الفلاني من قبل الجهة الفلانية، وتلك كانت مغريات لدخول الكثير من الأشخاص لهذه المؤسسات الثورية.

وأنا أعطي [هذا الحراك] صفة السياسي لأن سورية التي حلمنا بها [أردنا أن] يكون فيها حكومة ومعارضة، وأن يكون هناك حق المعارضة، لذلك نظرنا له من باب أنه حراك سياسي محلي مجتمعي على السلطة المحلية القائمة، وحصل هذا الشيء ضمن المؤسسات أيضًا، وخصوصًا المؤسسات ذات الطبيعة الانتخابية مثل المكتب الطبي [الثوري] الموحد، بينما هناك مؤسسات كبيرة في الغوطة لم تُخلق على [أساس] القاعدة الانتخابية والهيئة العامة وتداول الإدارة، وإنما خُلقت من قبل أشخاص مؤسسون وقائمون عليها وكأنها وكالة حصرية لمؤسسة أو منظمة في الخارج، أما المكتب الطبي الذي صُنع على الأرض وفيه هيئة عامة وآلية انتخابية، خلق بشكل طبيعي (...). وطبعاً ما يحرك الناس كان مزيجًا ومروحة واسعة جدًا من نقاء العمل الثوري والمصلحة والمناصفة بينهما، فالأمور بدأت تأخذ شكلها المجتمعي وشكل الحراك السياسي المجتمعي المحلي، وفي كل منظمة أو مؤسسة من المؤسسات الثورية القائمة حسب مستواها، فمستوى المجلس المحلي كان له طريقة وآلية وخطاب، ومستوى المكتب الطبي [الثوري] الموحد كان له أيضًا طريقة وآلية وخطاب آخر، ومستوى إدارة المجالس المحلية التي تأسست في العام 2013 (تأسست في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 – المحرر)، وبدأنا نسمع حينها بإدارة المجالس المحلية (المقصود وحدة المجالس المحلية – المحرر) التي تشكّلت في الخارج (تشكلت في شباط/ فبراير 2013 – المحرر)، وكان هناك ما صُنع في الغوطة محليًا من قبل الأشخاص المبادرين واسمه إدارة المجالس المحلية والتي ضمت المجالس التي صُنعت على الأرض واستطاعت أن توحّد نفسها بإدارة موحدة أيضًا على الأرض، وهذا خلق فكرة صراع الداخل والخارج أو فكرة مشروعية ما يُصنّع على الأرض أم مشروعية ما يُصنع في الخارج. وأنا لم أكن في صلب إدارة المجالس المحلية ولكن جميعهم أصدقاؤنا وزملاؤنا الذين عملوا بها، وكان الشأن العام لا يغيب عنا، [وأذكر أنها تأسست وكانت برئاسة المهندس نزار صمادي وعضوية المحامي سليمان الدحلا والأستاذ محمد بقاعي والشهيد محمود مدلل/ أبو مرشد وأحمد طه وعلي الجدوع وآخرين، وأعتذر منهم إذا لم تسعفني الذاكرة بأسماء الجميع، واعتُمدت الآلية الانتخابية ونشأت الهيئة العامة من المجالس المحلية التي صنعها أبناء الأرض – الشاهد]. وعلى سبيل المثال بأي حق تتشكل وحدة مجالس محلية في الخارج وهي لا تعرف شيئًا عن الداخل، فيالوقت الذي استطعنا نحن أن ننجز مجالس وإدارة موحدة، فالطبيعي والمنطقي أن يُعتمد هذا الشيء الذي صُنع على الأرض لأنه الأقدر على فهم واقع الأرض واحتياجاتها وحلولها، بينما لا أستطيع أن أقبل منظومة صُنّعت في الخارج، وهذا في الحقيقة خلق صراعًا انتهى بفكرة وجود الحكومة المؤقتة ومحافظة ريف دمشق حيث اعتُمدت إدارة المجالس المحلية التي صُنّعت على الأرض لتكون مكتب الغوطة في محافظة ريف دمشق.

وحدث أبعد من ذلك حيث نُظّمت انتخابات وكنت أنا في اللجنة المشرفة عليها في مكتب الغوطة، [وكانت لجنة ثلاثية برئاسة المحامي محمد الحلبي/ أبو صبيح وعضويتي أنا وبسام البرزاوي/ أبو رامز - الشاهد]، وكانت انتخابات مجلس محافظة ريف دمشق (تأسس المجلس في 1 نيسان/ أبريل 2014 – المحرر) وكنت أنا في اللجنة المشرفة على صندوق الغوطة،وتمّ الموضوع عن طريق "السكايب"، و[صُوّرت] بالفيديو ونُقلت عملية التصويت وفرز الأصوات، وخرجت تشكيلة أول مجلس محافظة، واعتُمد شيء اسمه مكتب الغوطة الشرقية.

لذلك عندما أقول إن العام 2014 هو عام ولادة الكيانات الكبرى في الغوطة، هذا مثال على صعيد الإدارة المحلية حيث أصبح لدينا مكتب الغوطة ومحافظة ريف دمشق، ونحن في ذلك الوقت، في العام 2014 كنا نؤمن ونصدق فكرة أن علينا أن نقدّم النموذج البديل للنظام، سواءٌ لأناسنا على الأرض، وسواءٌ للخارج الذي يتفرج ويراقب هذه التجربة السورية ويراقب المآسي التي تحدث، وأنه لدينا القدرة على أن نصنع النموذج البديل، فكنا نعمل بكل حماس لفكرة سورية وحكومة مؤقتة وإدارات موحدة، وكنا نعمل بهذا النَفَس. هذا فيما يتعلق بالإدارة المحلية.

بالنسبة لوحدة المجالس المحلية في الخارج وتوافقنا معهم، كانوا معلومين بالنسبة لنا، ففلان الفلاني اسمه يظهر في الأخبار وفي تركيبة الائتلاف (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية - المحرر) والحكومة (الحكومة السورية المؤقتة - المحرر)، أما كأشخاص هل كانوا فاعلين ولهم أثرهم على الأرض عندنا؟ كلا، وهذا الأمر خلق صراعًا بين مشروعية الداخل والخارج، بين ما يُصنع على الأرض وما يأتي من الخارج، وكانت لدينا حساسية كبيرة في الغوطة - وأنا هذا الكلام ذكرته في توصيف عام 2013 – وهي حساسية أنني أنا من أصنع تجربتي على الأرض ولا أقبل بالأجندة التي تأتيني مخفية، سواءٌ من الخارج وأنا لا أعرف كيف تُصنع وعلى أي أساس هذا "الخارج" يمتلك القدرة على أن يسمي فلانًا مسؤولًا أو المجموعة الفلانية وأنها هي التي يجب أن تدير عمل الأرض، على أي أساس؟ ولطالما استطاعت "الأرض" أن تحدد أشخاصها الذين يديرونها، وأن تنتخب، فتلك هي المشروعية الحقيقية، والإنسان الموجود على "الأرض" هو الذي يعرف احتياجاتها ومسلتزماتها والطرق والحلول لها، ولا يأتي بطريقة التنظير- كما كنا ننظر للأمر - وهو جالس في الخارج ويقوم بتنظيم وتشكيل قطاع إدارة محلية أو إغاثي أو طبي أو تنموي، فهذا الشخص ما أدراه باحتياجات الأرض؟ وكيف يعلم ما هي الحلول الممكنة وغير الممكنة؟ كنا نسمع أحياناً طرح حلول من قبل أشخاص من الواضح أنهم غير فاهمين لتجربة الأرض بشكل صحيح.

انفتحت منظمات دعم العمل الإنساني والتنموي والمحلي على الغوطة، وفي الوقت نفسه بدأت تتشكل هذه الكيانات في الخارج بينما نحن موجودون على الأرض، ولدينا إيماننا بوجوب صناعة النموذج الموحد لكل سورية، فالغوطة ليست "كانتونًا" (إقليمًا منفصلًا - المحرر)، وعلى سبيل المثال عندما تأسس المكتب الطبي [الثوري] الموحد أو إدارة المجالس المحلية في الغوطة لم تتأسس على أساس أن الغوطة كانتون نهائي له نظام حكمه وطريقة إدارته، كلا، وإنما على أساس أننا جزء من هذا المحرر الذي يكبر في سورية، وعلى هذا المحرر أن يكون مرتبطًا، وعلينا في النهاية أن نقدم النموذج البديل. لذلك عندما ظهرت فكرة حكومة مؤقتة ومحافظات محررة وانتخاب، كانت الفكرة من حيث المبدأ مطلبًا، ولكن يبقى أن أعتمد الإدارة المحلية للغوطة إذا تمكّنت من صناعتها، ولا أقبل أن يقوم من هو في الخارج بتصنيع إدارة والقول: "تلك هي إدارتك المحلية في الغوطة"، إضافة إلى كوننا قد سلّمنا بمبدأ الانتخاب، وعندما حدث التفاهم بين إدارة المجالس المحلية والمحافظة التي تتشكل من الخارج وطالما اعتمدنا المبدأ الانتخابي فمن انتخب هذه الإدارة سينتخب مكتب الغوطة، وهذا ما حصل. وفي النهاية تغير المسمى فقط كي يدخل في الإطار الوطني، ولم تكن الفكرة أننا كانتون ولنا نظامنا وطريقة حكمنا.

الجهات الداعمة في الخارج عندما بدأت تتقدم لها المحافظات، أعتقد أن هذا الأمر شجعها على أن تتعامل مع جسم مركزي لديه القدرة على الضبط والشفافية ووضع الخطط التنموية اللازمة لكل منطقة  وإلخ، وكنا مؤمنين بهذا الكلام في ذلك الوقت، وبعد ذلك مع السنوات كفرنا بكل هذه الهياكل الكرتونية واكتشفنا أنها هياكل وهمية أنتجت فسادًا، ولكن في عام 2014 وفي بداية ميلاد هذه المشاريع كنا نؤمن بها وندفع بها، ورغم ذلك أنا لم يكن لي دور فاعل في إدارة المجالس المحلية وطريقة تفاهمها مع المحافظة، وإنما قربي من الناس (...)، ففي النهاية كنا نقول إننا إذا أردنا إحصاء عدد الناشطين الذين لديهم المبادرات وقدرة صنع المشاريع وإدارة الأزمة، في النهاية كنا نحصي عددهم بحدود 50  شخصًا، هم نفسهم، سواءٌ كان عنوانهم إدارة مجالس أو محافظة أو حكومة مؤقتة أو هيئة عامة بعد ذلك أو قيادة ثورية. في النهاية هناك تجربة تطورت وأصبح هناك حراك سياسي حقيقي، رغم أن المشهد من الخارج قد يبدو أنه "لماذا هذا الصراع أو الحراك السياسي"، بمعنى "ناس مع وناس ضد"، بينما بالنسبة لنا هذا هو النموذج الذي نسعى إليه، وإذا بقينا على كلمة "ثورة واحدة وصوت واحد وحزب حاكم في الثورة وحزب حاكم لدى النظام"، إذن كان حرامًا أن نقدم كل هذه التضحيات وكنا بقينا على الأقل دون أن نخسر شبابنا وتُدمّر بلادنا. ففكرة الثورة هي الدفاع عن حق الاختلاف وليس قبول الاختلاف وإنما حق الاختلاف، وكذلك حق التداول وليس قبول التداول، وحتمية وجود المعارض.

هذا الكلام أنا أراه من المنظور الثوري شيئًا مطمئنًا، وأراه مطمئنًا عندما كنا نجد أن هناك معارضة لنا كانت تزعجنا وكنا نتوتر منها، ولكن في النهاية هذا هو النموذج الذي نبحث عنه، وعبر الآلية الديمقراطية استطعنا أن نقول "نستقيل هنا وتقدّموا هناك وفشلوا هنا" وعدنا بقوة بعد ذلك، فهذه التجربة خضناها محليًا على مستوى المجلس المحلي لبلدتنا، على الرغم أنه عندما خضناها كان هناك من يعتبر [قائلًا:] "يا دكتور أنت أسست مشفى (مشفى الكهف – المحرر) وأسست مكتبًا (المكتب الطبي الثوري الموحد – المحرر) ثم تتركهما؟! [وجوابي:]: "نعم، أتركهما، فأنا مؤمن بذلك ولندع مجموعة ما نسميها بالمعارضة في مختلف القطاعات، سواءٌ إدارة محلية أو مكتب طبي أو إدارة مجالس (...)، فلتجرّب فرصتها، وإن نجحتْ نجحتْ، وإن لم تنجح سنعود بقوة عبر الانتخاب ومشروعية الأرض. وطبعًا كانت لدينا تجارب في هذه الفكرة وعلى أكثر من مستوى، وسأتكلم هنا عن موضوع المجلس المحلي الذي أسسناه عام 2012، وبدأ يحمل مسؤوليات إدارة الأزمة ومسؤوليات النظافة وحفر الآبار وتنظيم العمل الإغاثي، وهنا نتحدث عن مجلس محلي كفربطنا فهذه التجربة خضناها على عدة مستويات، وأنا كنت في [المجلس] المحلي والمكتب الطبي (المكتب الطبي الثوري الموحد - المحرر)، وبعد ذلك كنا في موضوع عام على مستوى الغوطة، ولكننا خضنا تجربة ولدينا قناعات وعقلية نؤمن بها وخضنا التجربة بموجبها. وبعد كيماوي عام 2013 (مجزرة الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية في 21 آب/ أغسطس 2013 – المحرر)، وبعد انتظام الدعم باتجاه قطاعات عمل المؤسسات الإغاثية والطبية والمحلية، ودخول رشقة جديدة في المؤسسات وتوسع عملها وأعبائها، بدأت تظهر [الأصوات التي تقول:] "أنتم كفاكم، نحن أيضاً نريد أن نكون في المجلس"، ويوجد أشخاص كانت فعلًا عينهم على فكرة أنه أصبح هناك مجلس ودعم، ولم تعد القصة طوعية، وأصبح هناك راتب ومشاريع وعمل و"بزنس"، بينما هناك أشخاص يقولون لنا "أنتم عملتم، وجيد جدًا والله يعطيكم العافية، ولكن ألم يصبح الآن دورنا؟ [وأنا أقول:] "نعم صار دورك، تفضل ".

المشكلة أننا كنا في بعض الأحيان نُسمّى بسمة "إنكم جماعة فلان"، مثلًا "جماعة صخر (الاسم المستعار للشاهد –المحرر)، وهؤلاء علمانيون"، وكان هناك من يطرح فكرة أنه يريد الإسلامي، ولكن [مثلًا] ماذا سيكون الفرق في حفر البئر بين العلماني والإسلامي؟ هل الإسلامي يسمي بالله قبل الحفر ونحن نسمي بالشيطان مثلاً؟ فهناك نوع من الطروحات هي لركوب موجة وخداع المجتمع والعوام والبسطاء. نحن مثلًا عندما كنا نعمل في اجتماع المجلس (مجلس محلي كفربطنا)، وكنا مثلاً نحسب أن جمع القمامة في البلدة والآليات التي نحتاجها للعمل تحتاج إلى تنكة أو تنكة ونصف من المازوت، وكان سعر لتر المازوت حينها ألف ليرة سورية، كنا لا نخرج من الاجتماع حتى نجمع حق المازوت من جيوبنا نحن، بينما عندما أتت رشقة المزايدين بعدنا - وهذه تجربة أنا أحب أن أشرحها – كانوا [يقولون:] "نحن المجلس وهناك امتيازات يجب أن نحصل عليها كي نستطيع أن نخدم"، وأصبح هناك فكرة "أننا نريد معاشًا على الأقل"، فالمجلس الذي أتى بعدنا طرح فكرة الرواتب بينما نحن كنا نعمل طوعيًا وكنا ندفع [من جيوبنا]. وإذا أردت أن أفصّل التجربة أقول: خُلق في كل بلدة ومدينة (...)، وطبعاً تجربة كفربطنا هي تجربة مستنسخة، وهي مزاج شعبي عام لأن الظروف الموضوعية نفسها مرت بها الغوطة، والظروف نفسها تأسس فيها مجلس مدني هنا ومجلس مدني هناك، ومشفى ميداني هنا ومشفى ميداني هناك، وهي نفسها [ظروف] ما بعد آب/ أغسطس عام 2013 وما بعد انتظام عمل المؤسسات وما بعد صعود الخطاب الجهادي بسبب الإحباط من نتائج صفقة الكيماوي (التفاهم الأميركي الروسي إثر مجزرة الهجوم الكيميائي - المحرر)، كل هذه الأمور أرخت بثقلها على عملنا كناشطين على مختلف المستويات، ونضيف إليها التهديدات وظاهرة الخطف التي حصلت عام 2013، سواءٌ الدكتور أحمد الحر (أحمد البقاعي - المحرر) أو رزان (رزان زيتونة - المحرر).

مع ارتفاع الخطاب الجهادي أصبح التصنيف عندما يُقال عن شخص أنه علماني هو ليس تصنيفًا سياسيًا، بل كنا نقرؤه تصنيفًا أمنيًا، وأنت عندما توضع في خانة وعندما يسِمون مجموعة بكلمة "علماني" يعني أنك أصبحت تحت خطر التصفية، ومع ارتفاع الخطاب الجهادي أصبح هناك فرز أن هذا [الشخص] ضد المشروع الإسلامي. وأنا على سبيل المثال كان لي تجربة في هذا الأمر حيث كان هناك شباب من عمر أولادي، وكانوا أصدقاء أولادي، وكنت أهتم بهم كأب في الغوطة، ولكن مع ارتفاع وتيرة التصنيف الجهادي وما بعدها أصبحت أشعر أن هذا الشاب بدأ يتجنب إلقاء التحية علي، وبعد ذلك علمت أنه يقول إنه "حزين على عمو فلان (والمقصود أنا) لأنه علماني"، [وأنا أقول:] يا ابني هل رأيت تغيّرًا ما؟ مثلًا هل كنت أخاف الله ولم أعد أخافه؟ هل كنت أصلي وتركت الصلاة؟ هل كنت أصوم وتركت الصيام؟ فكان هناك نوع من "غسيل دماغ" الشباب يستخدم الأزمات وخذلان العالم.

نعم أصبح هناك انقسام مجتمعي أو تبلور تيارات سياسية لدى المتشددين وصلت إلى درجة تجنّب [الآخرين]، وهم لديهم عقلية "الولاء والبراء"، وأنا لمستها على مستوى أشخاص، وبعد ذلك بعض الشباب الذين كانوا من جماعة حزب التحرير وكان قد عاد التواصل بيني وبينهم في العمل، أقروا لي وقالوا: "يا دكتور لقد كانوا يرسمون عنك صورة وكنا نتخيلك أبا جهل أو أبا لهب"، وفي الحقيقة أنا سمعت هذا الكلام، وسمعت بعض الشباب يقول لي [أحدهم]: "سامحني دكتور أنا اغتبتك كثيرًا، ولكنني لم أكن أعرف (...)"، وأحدهم قال لي "إنهم كانوا يحرّمون علينا أن نجلس معك، وكانوا يقولون لنا: احذروا النقاش معه لأنه إذا تناقشتم معه سيقنعكم"، وهكذا كانوا يهربون من المنطق كي يحافظوا على شبابهم، فالمطلوب منك تصديق رواية الشيطنة وما يترتب عليها من حقد ومقاطعة، وذلك كي يستخدموا الشباب كأدوات. والكثير من هؤلاء الشباب جاؤوا بعد ذلك وقالوا لي: "والله يا دكتور نحن ظلمناك فقد رسموا صورة عنك مختلفة عن حقيقتك، ثم رأيناك في العمل والبيت وكيف تشقى وتتعب وتبذل". الموجهون [لهؤلاء الشباب] كانوا يحملون فكر "جبهة النصرة" وحزب التحرير وفكرهم هو فكر داعشي، وكان جزء منهم من الذين عملوا واستقووا ببندقية "جيش الإسلام" أثناء الصراع على الغوطة، فهم أبناء هذا الفكر [هؤلاء] الذين كانوا يمنعون ويحظرون على شبابهم مجرد الجلوس والنقاش، فهم لا يخجلون، وأنا أقول إنهم بسذاجتهم وغبائهم لم يخجلوا أن يقولوا: " لأنه إذا جلستم معه سوف يقنعكم، وكي لا تتشوشوا ويتشوّه فكركم عليكم ألا تجلسوا معه". على هذا المستوى كانت عملية التعبئة.

هذا الطيف المتشدد بمجرد أن يسمع أحدًا يتحدث بكلمة "حرية وانتخاب وديمقراطية" هو بالنسبة لهم بعبع، وفي هذه النقطة أنا لا أراهم يختلفون عن بشار الأسد ونظامه، وعلى سبيل المثال وفي نقاشاتنا معهم بدأنا نسمع مصطلحات لم نكن نسمعها، كان يقول مثلًا "الأخ المجاهد"، ولكن نحن ثوار، وأنا مثلًا أفتخر أنني أجاهد ضد النظام، ولكن ليست تلك الصفة التي أريد حملها، وبدأنا نسمع كلمة "نبايع"، "ستبايع من"؟ كلا، نحن نختار إدارتنا وقيادتنا، أما أن يهبط علينا أحدهم فجأةً مثل القدر وعلاوة على ذلك مطلوب منك أن تبايعه وتملكه مصيرك؟! هذا النوع من المصطلحات توصلنا إلى عصر القبائل في صدرالإسلام، وكأنهم يتخيلون الثورة عبارة عن دعوة إسلامية من جديد بين كفار قريش وصحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام،ولكن موضوعنا ليس بهذا الشكل، أنا وأنت مسلمون، فلا تصدّر لي هذه الصورة. وفي الوقت نفسه فكرة "[نحن] مجاهدون"،نعم نحن مجاهدون ولكن اسمنا ثوار، وكأنه يريد أن يعود بي إلى أجواء أفغانستان والمجاهدين الأفغان ومجاهدي الغوطة، كلا، أنا لا أقبل أن تضعني مع هؤلاء، وهم ليسوا مَثَلي ونموذجي. كنا نعيش هذه الحالة، وكنا نخشى ونخاف من أعمال طائشة من قبل هؤلاء.

كان وجود [هؤلاء] محدودًا، ولكن كما سبق وذكرت، هو جوّ الخذلان العالمي، وأنا أعتبر موضوع كارثة الكيماوي (مجزرة الهجوم الكيميائي على الغوطة - المحرر) نقطة فاصلة في أمرين: طريقة [عقد] الصفقة (الصفقة بين روسيا وأميركا – المحرر) بأن "نصادر سلاح الجريمة ونترك المجرم"، وخذلان العالم لنا هذا أمر. والأمر الثاني انتظام الدعم ومال الأجندة وأصحاب الأجندة الذين دخلوا علينا بأسماء حركية، وتبين بعد ذلك أن كل شخص منهم يملك صندوقًا ماليًا ضخمًا يضخّ إن كان في مجال تنموي أو تعليمي أو طبي، وتركوا بصمتهم في مجتمع محاصر وجائع ومرهق، لذلك كان بحاجة لأي شخص كي يقدم له القشة التي يتعلق بها الغريق، وهذه القشة كانت مقرونة بأجندة. كل هذه العوامل مع بعضها البعض لعبت وخلقت هذا التمايز والتبلور، وخلقت التربة الصالحة لهذا النوع من التفكير، وهذا في الحقيقة كان يضعنا بين نارين: خطر النظام وخطر هؤلاء.

وبالعودة للمجلس المحلي، مجمل هذه العوامل بدأت تخلق معارضات داخل المجالس المحلية، وكانت تجربتنا كإدارة مشفى (مشفى الكهف - المحرر) أنه قد آن أوان التغيير وأن نستقيل وأن ينتخب المكتب الطبي المحلي التابع لنا مديرًا جديدًا، وأن نترك رشقة الناس المعارضة لنا يستلمون المجلس المحلي، وإما أن ينجحوا ويستمروا على خطانا فنضع ذلك في رصيدنا، أو أن يفشلوا فنعود بقوة وأيضًا هذا في رصيدنا، وفي النهاية لا بدّ من التداول، ولا يوجد شيء اسمه "أنا أسستها وأنا الذي يجب أن أبقى فيها دائمًا"، فنصبح حينها مثلنا مثل حافظ الأسد وبشار الأسد وجميع الديكتاتوريين. وفعلًا على الصعيد المحلي استقلت من إدارة المشفى، واجتمعنا كمكتب طبي محلي في كفربطنا، وانتخبنا إدارة جديدة من هؤلاء [الذين يقولون]: "انتهينا من الطور العلماني، فلنبدأ بالطور الإسلامي"، وعلى هذا المستوى كان [الطرح]، وكانوا من [أصحاب] مشروع الخلافة، وأنا لا أعرف كيف يكون ذلك في [مجال] الطب، فهل هناك مشفى إسلامي ومشفى علماني؟ أحدهم يسمي باللهقبل أن يضع يده على المريض، [والآخر] (...)، ولكنهم كانوا يلعبون بعقول الشباب والكادر على هذا المستوى.

أنا بصراحة لم أكن أشعر بالخطورة، وكان لدي اليقين منذ ذلك الحين أنني سأخرج الآن من إدارة هذا المشفى، ولكن دوري لن يختفي، فدوري ليس مرتبطًا بأن أمسك ورقة وقلم وأن يكون لدي القدرة على إصدار القرارات، وأصلًا في فترة إدارتي كلها لم أعتمد أسلوب إصدار القرارات.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/08/02

الموضوع الرئیس

حصار الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية عام 2014

كود الشهادة

SMI/OH/52-26/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2014, 2012

updatedAt

2024/10/12

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-كفر بطنامحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقية

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

جبهة النصرة

جبهة النصرة

جيش الإسلام 

جيش الإسلام 

حزب التحرير الإسلامي

حزب التحرير الإسلامي

المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية

المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية

الحكومة السورية المؤقتة

الحكومة السورية المؤقتة

مشفى الكهف في الغوطة الشرقية

مشفى الكهف في الغوطة الشرقية

المجلس المحلي الثوري لمدينة كفر بطنا

المجلس المحلي الثوري لمدينة كفر بطنا

إدارة المجالس المحلية في الغوطة الشرقية

إدارة المجالس المحلية في الغوطة الشرقية

تحالف أُسر المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش

تحالف أُسر المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش

وحدة المجالس المحلية

وحدة المجالس المحلية

الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية

الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية

الشهادات المرتبطة