الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

تجربة تداول الإدارة في مشفى الكهف والمكتب الطبي الموحد والمجلس المحلي

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:26:17

دخلت رشقة الرماديين الذين كانوا مترددين بالانخراط بالعمل الثوري، وعلى سبيل المثال أنا سأتحدث عن تجربة المشفى، مشفى الكهف الذي أسسناه، وكان الكثير من الكوادر الطبية والأطباء يتجنبون العمل فيه كي لا يُقال إنهم عملوا في مشفى ميداني، فهم كانوا يذهبون يخرجون ويدخلون إلى الغوطة قبل أن يطبق الحصار، أو كان بعضهم لا يريد أن "يحترق كرته"، وأنا أذكر عندما كانت تحدث مجازر في البلدة في كفربطنا وكان عبء الإسعاف يقع على المشفى، وكنا لا نلحق (كان هناك ضغط وقت وحالات - المحرر) بسبب الإسعاف، وكنت حينها أرى البعض من هؤلاء وأقول لهم: "أرجوكم على الأقل يوم المجزرة تعالوا وضعوا يدكم معنا، فالجريح والمصاب الذي يأتي إلى المشفى هو ابني وابنك ومن أقاربك وأقاربي، فقط أعينونا"، ولكن كان البعض يعتذر حينها  ويقول: "اعذرني، لا أريد أن يحترق كرتي"، كان يوجد أشخاص بهذه العقلية. وبعد آب/ أغسطس عام 2013، وبعد أن أصبح هناك منظمات تدعم العمل الطبي وو، هنا دخلت تلك الرشقة (من الرماديين - المحرر) وهم يقولون: "هذا المشفى هو مشفى البلد ومن حقنا جميعًا أن نعمل فيه"، [قلت لهم:]  "نعم، تعالوا".

 في العام 2013 كان دعم عملنا يعتمد على المبادرات الفردية والبذل من مالنا الخاص، وفي عام 2013 الأطباء الأحرار (اتحاد الأطباء السوريين الأحرار - المحرر) قدموا دعم كوادر للمشفى، وجاءني الشيخ أبو أنس رحال وكان يستلم الملف المالي وكان عضو مكتب تنفيذي في الطبي الموحد (المكتب الطبي الثوري الموحد - المحرر) وكان معنا في إدارة المشفى، وقال إنه سيرفع الأسماء وإنه قد وضع اسمي أول اسم، فقلت له: "اشطب اسمي، أنا لا أريد [راتبًا]، أنا الآن والحمد لله قادر على أن أكتفي، ولا أريد راتبًا" لأنني بصراحة كنت أعتبر أنني إذا أخذت راتبًا فهو عيب، وأنا لا ألوم [من يأخذ] فهناك ظروف صعبة وحصار. وجاءني حينها الدكتور عاصم الباشا الذي كان رئيس منظمة الأطباء الأحرار (اتحاد الأطباء السوريين الأحرار - المحرر) وقال لي: "يا دكتور صخر (الاسم المستعار للشاهد – المحرر) أنت مؤسس ورئيس مكتب طبي ومشفى، والعبء والأشغال، ونحن لا نقبل، وأنت أقدم جرّاح، ونحن قررنا أن نضع لك أعلى راتب وهو 500 دولار"، فقلت له: "أرجوك، أنا لا أريد راتبًا"، وجاءني في الشهر الذي يليه أبو أنس وقال إنه رشّح الأسماء بدون اسمي كما طلبت، ولكن عاد الجدول مع اسمي وراتب 500 دولار، وإنهم مصرون على أن يبعثوا لك راتبًا، فأجبته: "وأنا مصرّ على أنني لا أريد راتبًا، اترك المبلغ لديك في الصندوق". بعد ذلك مرت فترة كان فيها المكتب الإغاثي المحلي تنقصهم النقود لشراء الطحين وبعض المواد، فكنت أقول لأبي أنس: "أعطهم من الرصيد الذي خصصتموه راتبًا لي [مبلغ] كذا للإغاثة وكذا للشباب للموضوع الفلاني". في فترة من فترات عام 2013 كان الراتب الوسطي للممرض 100 دولار، فقال لي: "يريدون تخفيض رواتب الممرضين لتصبح 85 دولار"، وأنا هنا نظرت إلى أبي أنس، وهذه الحادثة أحب أن أذكرها، وقلت له: "هذا الممرض الذي يقبض 100 دولار، والـ15 دولارًا ستكسر خاطره، فالغلاء فاحش. أعطهم 100 دولار ومن الرصيد الذي يرسلونه على أساس أنه راتبي تحسم الفروقات، فتعطي الجميع 100 دولار"، وتم الموضوع بهذا الشكل، وشرح لهم (للممرضين - المحرر) أن المنظمة (المنظمة الداعمة - المحرر) أرسلت [لكل منهم] 85 دولار وأن "الدكتور (سليم نمور - المحرر) فعل كذا"، وأنا بصراحة كنت مؤمنًا بفكرة أنني إذا لم أكن مَثَلًا لن يسمعني أحد.

في شتاء عام 2013 وعام 2014 وفي البرد القارس، كنت أبقى 12 ساعة في المشفى، منذ الصباح وعندما أسمع أذان العشاء أتنفس الصعداء، فأخيرًا بإمكاني الذهاب إلى بيتي وآكل وأشرب. وفي هذا البرد القارس والزمهرير جاء أحدهم وقام بتركيب مدفأة، فقلت له: "عندما نتدفأ سيرتخي جسدنا ونصبح تنابل، دعنا نحسّ بالبرد فهو ينشطنا أكثر". كما تم تركيب مدفأة في [الطابق] الأسفل في قسم الإسعاف للتمريض، والحطب غالٍ، واتفقنا على جلب الحطب، وتسليم وسطياً كذا كيلو في اليوم ليوقدوا [المدفأة]، وكانت هي مصدر الطاقة الوحيد لتسخين الماء والتدفئة. وعندما أحضر لي [أحدهم الحطب] لمدفأتي قلت له: "لن أوقد المدفأة ولن يخرج من مدخنتي الدخان ما لم توقد مدفأة الإسعاف في الطابق السفلي، وصحيح كما تقول لي إنهم يداومون 8 ساعات فقط بينما أنا أداوم 12 ساعة، ولكن هذا الأمر لا يناسبني"، وكيف أقول لهم "تحمّلوا البرد وهم يرونني متدفئًا؟! وكيف أقول لهم علينا أن نقتصد في الحطب بينما مدفأتي تعمل". أنا بصراحة كنت مؤمنًا بهذا المثل، وبأن أعيش حياة الحصار بكل تفاصيلها، فمن ناحية الراتب عانيت وبالفعل لم أستلم الرواتب، ومن ناحية طريقة الحياة تعلمت أن أخبز وتعلمت طريقة الاقتصاد المنزلي الذي عاشوه الناس، وكانت تجربة ونحن نقول "ثورة". والإشكالية بيني وبين الرماديين ورشقة المنتفعين الذين تاجروا مرةً بالخطاب الإسلامي ومرةً بغير الإسلامي وبكل جشع صراحًة، بينما نحن عندما نقول "ثورة" علينا أن نقدم النموذج بأنفسنا للناس، فأنا لا أقبل أن تقول لي "إنني مدير، إذن يجب أن يكون راتبي عاليًا، ومدفأتي تعمل، وآكل الخبز في الوقت الذي لا يستطيع فيه الناس أكله". أنا أريد أن أعيش تفاصيل حياة الواقع كجزء منه، وليس تمثيلًا، فإذا وضعت قدمًا على قدم وقلت: "هي ثورة ولله"، يجب أن أعيش ذلك، وهو ليس كلامًا نظريًا. هذا الكلام كنت مؤمنًا به، وكان يزورني أشخاص مصادفًة في البيت، وكان منهم من كانت صورتي مشوشة بالنسبة لهم، وبعضهم يتخيلونني ديكتاتورًا يحرك البلد بجهاز التحكم، والبعض الآخر يتخيلونني أبا لهب، أو أنني أمثّل عليهم، وهذا الكلام كنت أسمعه، ولكن عندما يأتي أحدهم ويراني جالسًا على السطح وأخبز وقد لففت سندويشة الزعتر، حينها يقول لي وهو يشتم معارضينا، المعارضة المحلية، ويقول: "يخرب بيتهم ماذا يقولون عنك، أنا أتيتك صباحًا وفي آخر المساء ورأيتك تركب الدراجة الهوائية، فأنت تعيش حقيقتك"، فالحمد لله هذا الجانب الشخصي أنا فخور به ولست نادمًا على شيء أبدًا، ولم أندم على أنني لم أستفد مادياً وأنني بذلت، ولست نادمًا على كل تضحية لأن ذلك في النهاية أعطاني مصداقية.

بالعودة لموضوع المشفى (مشفى الكهف - المحرر)، بدأت مشاريع الدعم من "سامز" وأطباء بلا حدود، وبدأت تُطرح تلك الأسماء التي تدعم المشافي وتعطي رواتب عالية، وهنا بدأت رشقة الناس التي كانت محجمة و"لا تريد أن يحترق كرتها"، وواقع حصار استمر منذ أكثر من عام، فقال هؤلاء: "إن كان لابد من الحصار فلندخل باللعبة"، وأنا هنا قلت: سنستقيل من إدارة المشفى، وندعو المكتب الطبي المحلي لكفربطنا، ونقول لهم: "تعالوا، ألا تريدون جميعًا أن نعمل ونحن في ثورة، فلننتخب إدارة جديدة". في البداية اعتبروني ألعب لعبة مناورة، ولكنني كنت مصرًّا على تحديد موعد اجتماع لنلتقي وأقول: "أنا لن أترشح"، وحينها من كان يقول: "لماذا أنتم؟ وأنتم أسستم و(...)"، و[عندما قلنا لهم:] "تفضلوا"، قالوا: "فلترشّح نفسك"، فقلت لهم: "لا، أنا قراري نهائي، وسأسلم إدارة المشفى لأحدهم، فانتخبوا". حينها صدّروا أحد الزملاء الأطباء واستلم الإدارة، وقمت بجرد الأثاث والتجهيزات ومستودع المشفى وصندوق المشفى لتسليمها، فرغم الحصار سلّمت صندوقًا فيه مبلغ مالي ومستودعًا به مواد طبية وتجهيزات ووو(...)، [وقلت لهم:] "تفضلوا وخوضوا تجربتكم".

وهنا يتداخل المصلحي مع الأيديولوجي مع الاجتماعي، فهي لعبة تداول بين حرس قديم وحرس جديد، وتم هذا الأمر، ولكنني في النهاية كانت لدي القناعة أنه بمجرد أن ثبتنا فكرة الانتخاب والتداول ستحكم الناس في النهاية، سواءٌ ككادر طبي في المؤسسة الطبية أو كأهل بلدة في المجلس المحلي أو كقطاع طبي على مستوى الغوطة والمكتب الطبي الموحد، وأحيانًا يقولون إنك لا تعرف قيمة الأبيض إلى أن تضع بجانبه الأسود، وأنا إذا اعتبرت نفسي لست أبيض، بل رماديًا باهتًا فإذا وضعتني بجانب الرمادي الغامق ستظهر نصاعتي، وأنا كنت مؤمنًا بأن التجربة عندما تصبح على الأرض سيكون هناك مقارنة، ولكن عندما لا تتيح المقارنة فنحن إذن نستنسخ نظام بشار الأسد.

أنا فعلًا أسمي عام 2014 (...)، كل ما أسسته خرجت من إدارته: المشفى والمكتب الطبي الموحد والمجلس المحلي المدني، وكان كثيرون من فريق عملنا يقولون لي: "أنت أسست واشتغلت ثم تقدم ذلك على طبق من ذهب لهؤلاء المنظرين أو لهؤلاء أو هؤلاء (...)"، وأنا أجيبهم: "ليس لدي خوف، فأنا في النهاية لم أحكم عبر القرار والأمر الإداري إذا كنت تعتبرني حاكمًا، وإنما حكمت بالتجربة والواقع والمثل، ولم أكن أصدر أمرًا إداريًا وأقول: يجب أن يتمّ الأمر هكذا، وإنما كنت أخوض التجربة وأدع الناس تمشي ورائي، لذلك [سواءٌ] كنت خلف الطاولة أو تحت (في الطابق الأسفل - المحرر) في النهاية قوة فكرتك ومصداقيتك هي دورك، وليس دورك أن تكون صاحب قرار أو صاحب توقيع وختم والآن خرجوا من يدك". أنا هذا الكلام كنت مؤمنًا به، وكنت أمرره بصعوبة لمجموعتي من أهلنا وأصدقائنا الذين عملنا وأسسنا مع بعضنا البعض.

قدّمنا الاستقالة من إدارة المشفى  (مشفى الكهف - المحرر)، ورفضت أن يكون لي أي دور في الإدارة القادمة، وفي المكتب الطبي الموحد وعلى مستوى المكتب التنفيذي أخذنا قرار الاستقالة وعدم الترشح، ودعونا الهيئة العامة للمكتب، وكان اجتماعها فيه الكثير من العصف الذهني، وفيه أعباء ومشاريع وبداية منظمات داعمة وشخصيات طموحة وشخصيات تريد الحفاظ على نقاء خط الثورة وشخصيات تريد الدخول بأجندة أو تيار، وكان هذا الحراك موجودًا حتى داخل الهيئة العامة للمكتب الطبي، كما كانت الكثير من الدعوات لنا أن نعيد ترشيح أنفسنا، ولكن كان يوجد رفض قطعي [من قبلنا]. انتهى حينها هذا الاجتماع بانتخاب مكتب تنفيذي جديد لفترة ثلاثة أشهر ومهمة تطوير النظام الداخلي وإصدار نظام داخلي تفصيلي بما يتناسب مع متطلبات المرحلة، وتمّ هذا الأمر. ونحن كنا نجلس في اجتماعات الهيئة العامة السابقة على الطاولة هناك ونقدم تقريرنا إلى الهيئة العامة ونناقش به، والآن أصبحنا نجلس في الطابق السفلي مع الهيئة العامة، ولم أكن أرى أنه قد تغير شيء، فقد كنت مؤمنًا أن من يعطيك القوة هو المنطق والمصداقية، لذلك أي كلمة تقولها سواءٌ كنت جالسًا خلف الطاولة أو على كرسي حمام في النهاية هي تتبع للمنطق والمصداقية، وهنا تجد صداها لدى الآخر أو لا تجده.

على صعيد المجلس المحلي اجتمعنا أيضًا، وقالوا لي: "أنت بسبب استقالاتك من الطبي (مشفى الكهف والمكتب الطبي الثوري الموحد - المحرر) ستضعفنا في المجلس"، فقلت لهم: "لا، لن أضعفكم، ولكن ما أودّ اقتراحه أنه من الأفضل للأشخاص المعارضين لنا أن يخوضوا تجربتهم وأن نعرّيهم، فإما أن يكونوا صادقين في عملهم ونحن ندعمهم طالما أن ما يهمنا هو العمل والأمانة والمصداقية وخط الثورة، وبالتالي نكون معهم، وأما إذا بانت عورتهم فهذا يخدمنا كي نعود بقوة، واستطعت أن أقنع المجلس المحلي بأننا لا نريد أن تعيش البلد حالة صراع بيننا وبينهم، فنحن سنستقيل و[نقول لهم:] "تفضلوا وشكّلوا المجلس المحلي الخاص بكم". وفعلًا عندما قلت إنه عام تداول الإدارة على مستوى المؤسسات التي كان لي تجربة فيها، وكنت من الدافعين في اتجاه الاستقالة وتمكين الآخر على مستوى المجلس المحلي والمشفى والمكتب الطبي الموحد.

بخصوص المجلس المحلي تشكّل مجلس جديد، وجاء بعض الدعم الإغاثي، وبدؤوا في اجتماعاتهم يتحدثون عن تحديد رواتب لأنفسهم، ولكن نحن لم يكن لدينا رواتب، بل كنا نجمع من بعضنا البعض كلفة حملة جمع القمامة في البلد. جاءت توزيعة إغاثية، وأول من تم التوزيع لهم هم أعضاء المجلس ومن حولهم، وهذا الكلام الناس تقرؤه ويخرج للعلن، وهنا بدأت تخلق المقارنات: هناك (في المجلس القديم - المحرر) كنا مثلًا كل يومين أو ثلاثة أيام نقوم بحملة نظافة، أما هنا (في المجلس الجديد - المحرر) تراكمت القمامة 10 أيام وأسبوعين، بينما نحن كنا نستعجل في جمع القمامة ولو اضطررنا أن نحملها، وهنا (في المجلس الجديد - المحرر) أرادوا تقديم مشروع اسمه النظافة والقمامة ومشروع اسمه سعر لتر المازوت كذا ومتوسط الاستهلاك كذا، وكأننا أمام مؤسسات القطاع العام عند النظام والغاية منها خدمة المواطن ولكنها في النهاية أصبحت مفرخة ترهل وفساد. وبدأ يدبّ في المؤسسات القائمة هذا المرض عبر تلك البوابة ودخول "الرمادي" وموضوع الدعم والدعم المرتبط بأجندة، وكان هذا دائمًا يقوم بتنقية الناس، وكانت بعض الجهات الداعمة تتجنبنا، وليس فقط تتجنبنا، بل كانت تعادينا وتدعو إلى إسقاطنا في الموقع الفلاني، فتلك التي تحمل أجندة لا يناسبها طريقة تفكيرنا أو طريقة طرحنا. ولم يتمكّن المجلس المحلي الذي [جاء] بعدنا من إتمام دورته، فبعد 4 أو5 شهور وكانت قد بدأت الأنفاق التابعة لحرستا بإدخال بعض المواد، وبدأنا نسمعهم [يقولون:] "المادة الفلانية أنا سأحضرها"، ولكن أنت عندما تكون في موقع سلطة لا يمكنك أن تستلم مشروعًا ماليًا تقوم من خلاله بشراء وإدخال مواد وتسليم التجار، فأنت هنا أصبحت مستثمرًا ولم تعد تحمل مسؤولية وأمانة أناس جياع ومحاصرين. وبدأت تتجلى هذه الظواهر، وفي الحقيقة كان هناك عجز، ولم يكن هناك رغبة (...) وكأن فلسفة المجلس الذي أتى بعدنا التنظير واستغلال الأزمة، ولم يكن لديه القدرة على المبادرة والعمل بدون مقابل، ولذلك فشل ولم يكمل دورته.

وهنا كان لنا تجربة سباقة جدًا وهي الدعوة العامة لأهالي البلدة إلى صالة أفراح كبيرة [على أساس] أننا نريد أن نواجه الحصار، وخلقت فكرة العمل على الهيئة التأسيسية التي تنتخب 30 عضوًا ليكونوا هيئة ناخبة ورقابية للمجلس المحلي القادم، وفي الوقت نفسه هم الهيئة التي تحل المشاكل الاجتماعية للبلدة، أي مثل مجلس الأعيان، وأذكر في وقتها في الاجتماع حضرت كتلة من شباب حزب التحرير والكتلة المعارضة لنا، ونحن كنا موجودين، وكذلك عموم أهل البلد من الكبار والصغار جميعهم كانوا موجودين، وبدأ الحديث، وأنا كنت مصرًا حينها على بعض الأسماء من الذين كانوا يعارضوننا وكنت أدعوهم للترشح، وتم انتخاب أول هيئة تأسيسية، وكان 70٪ منها وبالانتخاب المباشر من الناس، هم من هؤلاء الذين يسمونهم "جماعة فلان" (يقصد الشاهد الجماعة المحسوبة عليه – المحرر)، وهم تيارنا، وأنا هنا ارتحت ونظرت لزملائنا في العمل والذين كنا معًا منذ البدايات، و[قلت لهم:] "أرأيتم، الآن عدنا أقوى، والآن عدنا عبر الشرعية الانتخابية التي خضناها مع خصومنا". وشكّلنا المجلس المحلي، وحرصنا في تشكيلة المجلس على إدخال بعض الناس من المعارضين لنا، ولم نجعل منه مجلس اللون الواحد، ولم نقصهم بالمطلق، وبدأنا بفكرة الهيئة التأسيسية والمجلس الأول والثاني. وفي الحقيقة كانت لنا تجربة محلية في كفربطنا أنه في كل سنة كان لدينا انتخاب مجلس محلي، وبدأنا بانتخابه عبر الهيئة التأسيسية وانتهينا بالانتخاب المباشر، وأصبح لدينا انتخابات عامة خضناها، وأيضًا كنا نحصد فيها الأغلبية عبر الانتخاب العام. وفي دوما (مدينة دوما - المحرر) كان هناك تجربة انتخابية، وكان يوجد صراع، ولكنه أخذ شكلًا آخر بين الشورى (مجلس الشورى - المحرر) التابع للسلفية وجيش الإسلام وبين مجلس الأمناء الذي كان متعدد الأطياف وبعد ذلك أُقصي أحد الأطراف، وهذه تجربة دوما وأهل دوما يستطيعون شرحها أكثر، وفي مناطق ثانية كان يوجد مجالس لم تخض الانتخابات، وبقي المجلس الذي تأسس منذ البداية واستمر 3-4 سنوات حتى تغير، وفي بلدات ثانية خاضوا الانتخابات وشكلوا شيئًا، نحن أسميناه الهيئة التأسيسية، وهم سموه الهيئة العامة المحلية أو مجلس الشورى، وهكذا كان لكل بلدة تجربتها، ولكن كانت السمة العامة في العام 2014 أن الإدارات المحلية التي تأسست بحكم منطق الثورة ومنطق المبادرة منذ البدايات دخلت بعد ذلك في طور التداول وأصبح هناك تداول، ومنظمة المجتمع المدني التي تأسست على الأرض والوحيدة وأول وحدة كان فيها استقالة هي المكتب الطبي الموحد، وأكثر مؤسسة تم تداول الإدارة عليها خلال سنوات الثورة في الغوطة هي المكتب الطبي الموحد، وتداولت عليه 5 إدارات ومن أطياف وألوان كانت في بعض الأحيان متناقضة بين إدارة سابقة وإدارة لاحقة، وأنا أعتبرها في المحصلة إنجازًا نفتخر به. وفي المقابل كنت أرى في منظمات أخرى مثلًا أنه يتم تفصيل النظام الداخلي على مقاس المؤسسين، فيوجد في العديد من المنظمات بند في نظامها الداخلي أن المؤسسين والإدارة الأولى هم [بمثابة] القدر، وسيبقون وإن اضطررنا أن نوسع قاعدة المنظمة وأن ندخل في شيء انتخابي، ولكن يوجد شيء اسمه قدر محتوم بأن يفصّل [النظام الداخلي] على مقاس المؤسسين، ويوجد عدة تجارب كانت تخوض ديمقراطيتها بطريقة التفصيل مثل الجبهة الوطنية التقدمية. 

كان هناك زاوية في المشفى وكنا  يوميًا في الصباح نجتمع أنا وكل الكادر، وكان سؤالي التقليدي الذي كانوا ينتظرونني لأسألهم إياه بعد أن يجلس الشباب والبنات: "ماذا أكلتم البارحة؟"، هذا السؤال على بساطته وبالنسبة لي كان يعني لي كثيرًا، كان يعني لي أن أعرف في كل بيت كيف تمشي الحياة، ويعني لي أنني مدير مشفى ورئيس مكتب طبي [واسمي] صخر (الاسم المستعار للشاهد – المحرر)، وصخر هذا يجلس معهم، وكنت أقول لهم ماذا طبخت وأكلت البارحة، والثانية تقول ماذا أكلت وكذلك الثالث، وهذا الأمر يعطيني القدرة على أن أكون قريبًا منهم وهم قريبون مني، وكانوا يقولون لي: "لقد تأخرت علينا ولم تسألنا"، فقد كانت هذه الجلسة كما أعتقد هي التي تخلق الثقة وتلغي الحواجز، لذلك عندما كنت أصرخ وأنا غاضب، فأنا لا أصرخ من نَفَس سلطوي، وإنما من نَفَس أبوي، وكانوا يفهمونني. كنت قائدًا لهذه المؤسسة بهذه الطريقة، وليس بطريقة إصدار أمر أبدًا، ولا بطريقة أنني مدير وأجبر [العاملين معي] على طرق الباب، ولا بطريقة مدير مدفأته تعمل بينما العامل في الطابق السفلي لا تعمل مدفأته، وهم كانوا يرون أنه لدي مدفأة ولكن لا تخرج منها الدخنة، [وكنت أقول لهم:] "نعم، لا تخرج الدخنة من عندي، وعندما تخرج من عندكم سأدعها تخرج من عندي".

[كانت الحركة التصحيحية للإدارة الجديدة] باتجاه أن هذه الزاوية التي كنا نجلس بها في الصباح حوّلوها إلى مسجد، ولغوا فكرة الجلسة الصباحية من منطلق أنه الإدارة إدارة، والجلسة الصباحية يوجد فيها اختلاط وهذا "العلماني" يقوم بها، وكانوا يتحدثون بهذه الطريقة، وتم تحويلها إلى مسجد المشفى [قائلين:] "الآن تشعر أنك تدخل إلى بلد إسلامي"، وكأننا نحن جعلنا منها لاس فيغاس.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/08/02

الموضوع الرئیس

حصار الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية عام 2014واقع الغوطة الشرقية عام 2013

كود الشهادة

SMI/OH/52-27/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2013-2014

updatedAt

2024/12/02

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-مدينة دومامحافظة ريف دمشق-كفر بطنامحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقية

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

مشفى الكهف في الغوطة الشرقية

مشفى الكهف في الغوطة الشرقية

المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية

المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية

اتحاد الأطباء السوريين الأحرار

اتحاد الأطباء السوريين الأحرار

الجمعية الطبية السورية الأمريكية - سامز 

الجمعية الطبية السورية الأمريكية - سامز 

أطباء بلا حدود

أطباء بلا حدود

المجلس المحلي الثوري لمدينة كفر بطنا

المجلس المحلي الثوري لمدينة كفر بطنا

الشهادات المرتبطة