الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

واقع العمل الطبي في شعبة ومديرية الصحة وتجربة "الطاولة المستديرة"

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:24:52

عندما أسسنا شعبة الصحة كان الكلام حينها أنه يوجد مبلغان سوف يتم إرسالهما إلى الغوطة، أخبرني المدير وقال لي:"في البداية أريد دراسة عن الواقع الطبي في الغوطة واحتياجاتها"، وهذه الأمور كانت موجودة لدي، وقدمت الدراسة والمقترحات، ومن بينها: اعتماد دعم مشافٍ مركزية بمختلف القطاعات، دعم المحروقات، مستودع مركزي للمديرية  لديه قدرة على التدخل، فمع بداية الأنفاق بدأت تدخل المواد الطبية وبدأت التجارة بها، وأصبحت الأسعار ترتفع تارةً وتهبط أخرى، وهذا الكلام كان يؤرقنا كثيرًا، لذلك وضعت خطة من 7 أو 8 نقاط وأرسلتها. بعد ذلك قال لي [المدير]: "سوف نرسل دعم تشغيل إحدى المشافي المركزية الكبيرة في الغوطة، وفي وقتها اخترنا مشفى دوما، رغم أننا من قطاع [آخر]، ولكن مشفانا كان قد بدأ يأتيه الدعم، [وفي مشفى دوما] كان هناك ضغط في العمل، وأردنا أن نعطي المثل على أننا لا نشدّ الدعم بشكل مناطقي، وأنا إذا كنت ابن هذه المدينة فلا يعني ذلك أن آتي بدعم المديرية إليها. ووضعنا حينها دعم تشغيل لمدة ثلاثة أشهر بقيمة 50 و 50 و50 ، أي بقيمة 150 ألف، وفي مشفى دوما يوجد جراحات تخصصية وجراحة صدرية وجراحة أوعية، ويوجد ضغط عمل، وكانوا قد جّهزوا العناية المشددة، فقلنا إنه علينا أن ندعم هذا العمل الكبير، وفي النهاية كل مراكز ومنشآت الغوطة تعمل لبعضها البعض، ولا أحد يغلق بابه ويقول: "أنا أعمل لهؤلاء دون أولئك".

وفي وقتها اقترحت فكرة دعم محروقات عاجل لأن كل مشافينا تعتمد على طاقة المولدات الكهربائية، وكنا في ظل الحصار والمازوت البلاستيكي، وكان هناك "عصّة" (حاجة ملحة - المحرر) وهي تنعكس مباشرة على حياة الناس، ومنظومات الإسعاف تحتاج أيضًا إلى محروقات، فقدمت له خطة دعم محروقات وخطة دعم منظومات إسعاف، تلك كانت المشاريع الرئيسية الثلاثة، وكذلك خطة إنشاء مستودع مركزي لديه القدرة على التدخل ودعم المناطق التي تتعرض لنكبات وكوارث وفق خطط نحن نضعها. كل هذه الخطط عملنا عليها، وكنت قد عملت في الطبي الموحد (المكتب الطبي الثوري الموحد - المحرر) على مستودع مركزي ومنظومة إسعاف مركزي، والآن هنا في المديرية (مديرية الصحة في دمشق وريفها - المحرر) عندما يكون لدي القدرة على التدخل، وبالصيغة التكاملية مع المكتب. وأذكر حينها جاءتني دفعة إسعافية لدعم المحروقات، وكانت أول تجربة لي مع أنفاق حرستا وكانوا قد شكّلوا لها مؤسسة أسموها مؤسسة الفجر، فذهبت إلى مؤسسة الفجر وقلت لهم: "نحن في المديرية لدينا مبلغ ونريد أن نشتري به محروقات، ونوزعه على المشافي"، وكانت غايتي من هذا الكلام أنني أريد من تلك المحروقات التي يدخلونها عبر التهريب، وأن ما سنأخذه سيوضع في الخدمة العامة لكل أهالي الغوطة، وبالتالي لا نريد أن [يفرضوا علينا] رسومًا، فقد كانوا حينها يأخذون رسومًا على إدخال المواد. قالوا لي: "اذهب الى أبو فلان"، وذهبت إليه وكان يقول لي: "أهلًا وسهلًا حكيم، سوف أحسب لك اللتر بهذا السعر، وكم المبلغ الذي لديك لأعطيك وصلًا به، فقلت له: "لا، أنا لا أريد أن أجلس وإياك على بازار، وأقول لك: هكذا قليل وهكذا كثير"، وكان قد بدأ معي حينها من سعر 3 دولارات، فقلت له: "كثير، فأنا [أحتاج المحروقات] لعمل عام". قلت له: "من هو مدير المؤسسة؟"، فقالوا: "أبو عمر صقر/ مصطفى صقر"، وذهبت إليه، وكنت أعرفه حيث كان في الإدارة المحلية والمحافظة، وقلت: "الحمد لله، أصبح الأمر أسهل"، فقلت لأبي عمر: "لدي مبلغ كذا، أريد أن أشتري به محروقات لأوزعه على المشافي والنقاط الطبية"، فقال: "ليس هناك مشكلة، ماذا قالوا لك؟"، فقلت له: "قالوا لي أن أقطع وصلًا، وأنا لا أريد ذلك. أنتم ألستم مؤسسة؟ "، أجاب: "نعم"، فقلت له: "وأنا مديرية، [فلنوقّع على] مذكرة تفاهم بيننا كجهتين رسميتين: مديرية الصحة شعبة الغوطة الشرقية ومؤسسة الفجر، ونذكر فيها سعر الشراء والكمية وكل التفاصيل، والمبلغ موجود معي كاملًا، ونحسم نسبة التحويل، وعلاوة على ذلك علينا نضع خطة التوزيع على ورقة نموذج، وصهريجكم هو الذي يوزع، فأنا أريد أن تصل المحروقات التي سأشتريها مباشرةً إلى المشافي والمراكز. بمعنى آخر، أزودك بالخطة، [مثلًا] المشفى الفلاني تضخ له 1500 لتر، وبعدها يوقع هنا ويختم و[يسجّل] التاريخ". ونحن هنا راعينا إن كان المشفى عليه ضغط عمل كبير أم قليل، وراعينا تعميم ذلك فحتى المناطق التي فيها نقطة طبية ولا يوجد بها مشفى أيضاً أرسلنا لها [المحروقات] لأنها نقاط طبية لا أحد يهتم بدعمها، وأنا كنت أنظر [لأهمية] دعم هذه النقطة الطبية لأنها تقدم خدمة إلى الناس في مكانهم، مثل مريض يحتاج إلى ضماد ومريض يحتاج إلى معاينة أو ارتفعت حرارته، وهذا الأمر أدى بعد ذلك إلى سجال بيني وبين الآخرين في القطاع الطبي الذين كان لهم رؤية أخرى ومختلفة سنتحدث عنها.

أنجزت مذكرة التفاهم، واستلموا المبلغ، [وحددنا] الكمية وخطة التوزيع، وقلت له: "خلال يومين يجب إنجاز [المذكرة]، ولا أعترف أنني استلمت شيئًا ما لم أرَ ختم استلام كل مركز وكل نقطة على كميتها"، وفعلًا تم هذا الأمر، ووثقت [العملية] ورفعتها إلى المديرية.  وقال لي الدكتور يزن (يزن خليل وهو الاسم المستعار للدكتور فايز كربوج مدير صحة ريف دمشق – المحرر) "إن هذه أول خطة توثيق تأتي من الداخل دون مصاريف إدارية، وأول خطة توثيق بهذا الوضوح بخصوص الكميات والمناطق والاستلام، وأرخص سعر توثيق محروقات يأتي من الداخل السوري أتاني من الغوطة المحاصرة حيث من المفترض أن تكون الأسعار فلكية"، ونوّه لي: "إن هناك توثيقات خرجت من الغوطة من البعض بأسعار مضاعفة عن التي حصلتم عليها، وهذا الكلام سنعمّمه على الداخل كي يكون عملهم كعمل الغوطة"، وأنا هنا اعتبرت هذا الكلام نجاحًا، وأننا والحمد لله استطعنا أن نترك بصمة.

وأنا حقيقةً في موضوع المصاريف الإدارية، ومنذ أيام المكتب الطبي (المكتب الطبي الثوري الموحد - المحرر) كنت ضد أن يُقتطع أي شيء من أي مبلغ دعم يأتي، سواءٌ باسم المكتب الطبي ولاحقاً باسم المديرية، للمصاريف الإدارية لأننا إذا فتحنا هذا الباب ولو على شكل طاقة صغيرة سنجد أنفسنا بعد ذلك غارقين في المصاريف الإدارية، وكل هذا يدفع ثمنه العمل الطبي. وعلى سبيل المثال، كنت أقول: "لماذا هذه المصاريف الإدارية؟ دعونا نتغلّب عليها عبر التسهيلات اللوجستية الخاصة بالمشافي والمراكز التي نعمل بها، وعلى سبيل المثال كوني رئيس المكتب الطبي أستطيع أن أضع بند محروقات ومواصلات لأعضاء المكتب، وأستطيع عندما يكون لدينا عمل أن أقول لمن اضطر منكم أن يستخدم سيارة المشفى. أما الورقيات فأمورها سهلة، عندما أقوم بتجهيز المكتب يمكن أن آخذ من خط الكهرباء التابع للمشفى ولا أسجّل على اشتراك كهرباء [آخر]، وعندما يتم تزويدي بخط انترنت (...)". وبالتالي كنا نعتمد على التسهيلات اللوجستية انطلاقًا من مبدأ أننا أينما جلسنا "نولول" (نشكو - المحرر) ونقول: "هناك أزمة"،وعندما أقول: "هناك أزمة" فهذا يعني أنه ليس وقت القصص الإدارية، [حتى أن] مكتبي كان مترين في مترين، وطاولة تشبه السحارة، فالمهم أنني قادر على العمل، ولولا مجيء منظمة سراج والدكتورة منال الفحام وكانت منفتحة ومتعاونة مع النشطاء في الداخل، [وقالت:] "هذا الأمر ليس معقولًا، أحضروا له مكتبًا"، فجّهزوا لي مكتبًا وطاولة اجتماعات للمكتب الطبي. وعندما أتينا إلى المديرية (مديرية الصحة - المحرر)، كان يلزمنا مقرًا لها، وكانت [منظمة] سراج قد أخذت مكتبًا في منطقة كبيرة فقلنا لهم: "اعطونا غرفة، نريدها هكذا "سلبطة" (تعسّفًا - المحرر)"، وأجابوا: "[خذها] علـى حسابك"، وكان معي من كادر المديرية شخص يعمل معهم فقلت له: "أريد خط انترنت من عندك"، قال: "أمرك"، وأضفت: "كذلك الكهرباء، أنتم لديكم اشتراك كهرباء وبإمكانكم أن تمدوها لتشغيل البطارية". في الحقيقة هكذا أدرنا مكتب المديرية، واضطررت أن أضع خدميًا في حال كنت خارج المديرية لأخذ وجلب بعض الأمور، وكان راتبه 100 دولار وكنا نتقاسم [تأمينه] نحن الكادر الإداري للمديرية ونضع من جيوبنا كي نعطي أبا طارق مبلغ 100 دولار في أول الشهر، وكان شابًا متفانيًا جدًا في العمل وفي النهاية يريد أن يعيش وخلفه عائلة، فكانت هذه المئة دولار ندفعها من جيوبنا. بهذه الطريقة عملنا، وبهذه الطريقة ركبنا الدراجة الهوائية، وبهذه الطريقة نقص وزننا وخبزنا على يدينا، وكنا نتلفح بالسُلك، ولكن كان لدينا تشكيلة ألوان فنضع الكحلي مع الكحلي، ومع البني نضع البني، والتصقنا بالأرض حتى بشعارها، وكنا حريصين على إظهار الهوية الوطنية بتلك الأشياء، وليس بالأشياء المستوردة التي كانت تأتينا.

وبالعودة للمديرية (مديرية الصحة - المحرر)، كانت تلك الخطة موفقة، وفي الغوطة المحاصرة التي يخرج منها نداءات استغاثة نحن استطعنا أن نأخذ من مؤسسة فيها (...)، وحينها قالوا لي في مؤسسة الفجر حينها، قالوا لي: "هذه أول مرة تأتينا جهة وتعمل معنا بهذه الآلية، آلية مذكرة تفاهم وهذا الوضوح"، وقلت لهم: "هذه طريقتنا منذ البداية، ولن نتعامل معكم إلا بها، وفي المستقبل قد نحتاج موادًا طبية".

وبعد أن نفذنا خطة المديرية [قلنا:] "تعالوا يا منظمات ومكتب طبي ومديرية، تعالوا نؤسس لطاولة مستديرة حيث لا أحد منا رئيس على أحد، وكلنا بقدر بعضنا"، وهكذا خرجنا بفكرة "الطاولة المستديرة" وكانت نتيجة نقاشات طويلة بيننا وبين المكتب (المكتب الطبي الثوري الموحد - المحرر) والأطباء الأحرار (اتحاد الأطباء السوريين الأحرار - المحرر) ومنظمة "سامز" وبلا حدود (أطباء بلا حدود - المحرر) و"أوسوم" وسراج، دعونا نقول إنها طاولة مستديرة تضم المديرية والمكتب الطبي والأطباء الأحرار وهذه المنظمات، عضوًا من كل منها، ومهمتها أن نجتمع كل مرة في مقر أحد الأعضاء، وتعالوا لننسق العمل فيما بيننا. وأذكر حينها أول اجتماع، ومشروع الطاولة المستديرة لم يستطع أن يرفضه أحد، ولكن ما هي غاياتنا منها؟ هناك من كان مؤمنًا بأنه ومن خلال الطاولة المستديرة يستطيع أن ينسق العمل الطبي، وهناك من كان مؤمنًا بأنه من خلال الطاولة المستديرة يمكن أن يهيمن على العمل الطبي، وهناك من كان مؤمنًا أنه من خلال الطاولة المستديرة يمكن أن يطلع على خطط الآخرين ليستطيع أن يقوي منظمته، ففي الحقيقة نحن لم نكن ملائكة، ولكننا خضنا تجربة أن ننقل خلافاتنا بحيث لا نصل إلى حالة التناقض في العمل على الأرض، وأن نضع ملفاتنا على طاولة ونتكلم بخصوصها، وما نتفق عليه نلتزم به.

أنا أذكر أنني في أول اجتماع تقدّمت بمداخلة وثبتت فيها عدة نقاط: هنا في الطاولة المستديرة يمكن أن نعتبر أنفسنا بمثابة المجلس الطبي الأعلى للغوطة، وبالتالي إذا استطعنا أن نتفاهم بخصوص كل قضايا العمل الطبي على هذه الطاولة أو وضعنا خطة العمل الطبي للغوطة على هذه الطاولة، تصبح لدينا القدرة على وضعها وتنفيذها، لماذا؟ لأن كل الأذرع التنفيذية المالية والإدارية موجودة على هذه الطاولة، هذا أولًا. ثانيًا، نحن نريد أن نتفق على أننا هنا ضمن هذه الطاولة، وعلى الرغم من أن كل شخص منا أتى باسم جهة، مثلًا شخص جاء باسم حكومة مؤقتة، وكان البعض يتهمني كوني أتبع للمديرية والحكومة المؤقتة بأنني من "جماعة العلمانية" والائتلاف وقد يصل ذلك إلى المؤامرة الكونية على الثورة السورية، وكان هنا كمن يأتي من بوابة "هوية المجتمع" ويأتي بنقاشات ليست ذات قيمة وليس هذا مكانها، وفي نفس الوقت كانت هناك المنظمات ذات الصناديق المالية القوية والقادرة على أن تضع بصمتها وربما لديها القدرة على خطف العمل الطبي، فكنا مزيجًا من كل هؤلاء، وكان هناك السؤال الأهم: نحن دخلنا من بوابات مؤسسات، فهل نمثل مؤسساتنا في الغوطة أم نمثل الغوطة في مؤسساتنا؟ إذا كنا نمثل مؤسساتنا في الغوطة فنحن هكذا لا نخدم الغوطة، ولكن عندما نقول إننا نمثل الغوطة في مؤسساتنا فهذا يعني أننا نريد أن نعمل على اتجاه البر الثاني، بمعنى أننا نضع خططنا ثم نلزم منظماتنا التي نمثلها أو مؤسساتنا أو حكوماتنا، نلزمها بما تضعه الغوطة على الأرض، وأعتبر هذا الأمر فلسفة ثورة. وبعدها بدأنا نطرح قضايا الساعة، وكانت حينها وجوب تحديد سلم رواتب تلتزم به كل المنظمات هذا أولًا، وثانيًا تفاوت الرواتب بين أخصائي ومقيم، والآلية الانتقائية في الدعم حيث يدعمون شريحة ولا يدعمون أخرى، وكذلك وجود مشاريع ليست ذات أولوية، كل ذلك يجب أن نطرحه هنا.

فكرة الطاولة المستديرة وأولوية الغوطة وضرورة العمل التكاملي هذا الكلام لا يستطيع أحد أن يعترض عليه، يمكن أن نتفق على معايير، ودعونا ننسق، دعونا ننسق عمل مستودعاتنا، فنحن قد قدّرنا احتياجات الغوطة، وعندما أقول إن المستودع المركزي للمكتب الطبي يحتوي كمية استراتيجية من المضادات الحيوية، وبالتالي أنا كمديرية والآخر كمنظمة لم نعد بحاجة لمضاد حيوي، ونقول إن احتياجات الغوطة والعجز الحقيقي الآن فرضًا في المستهلكات الجراحية، وعندما تكون متوفرة وموجودة (...). فكرة الطاولة المستديرة: حافظ على خصوصيتك و"أنزوعتك" (ميزتك - المحرر) وسياستك، فأنا لست ضدها، ولكن دعونا نعرف المخزون الاستراتيجي في الغوطة، أي لا يجب أن يكون هناك تكرار لبعض المواد، على سبيل المثال أن نهجم جميعنا على مواد التخدير وفي النهاية جميعنا تنقصنا المضادات الحيوية والمسكنات.

وفي الطاولة المستديرة [نقول]: "أنت ما هي خطتك وخطة تمويلك أو خطة مستودعك وما هي محتوياته؟ أكياس الدم مثلًا، عندما يأتي أحدهم ويقول إن لديه 10 آلاف كيس دم، فلم يعد هناك داعٍ لأن يعمل الآخرون على [تأمين] أكياس الدم، بينما يعملون على العجز. وهكذا كانت فكرة الطاولة المستديرة أنه بإمكاننا اعتبارها بمثابة مجلس طبي أعلى، ويمكننا من خلالها [تنسيق عملنا] دون أن نلغي [المنظمات]، لأن فكرة الدمج والتوحيد صعبة فكل منظمة لها هوى ولون ولها دولة [داعمة] ولها أجندة، وهذا واقع، ولكن دعونا ننسق عملنا بحيث لا يكون هناك جهد ضائع. تلك واحدة من القضايا التي كنا نتحدث عنها.

نحن كمديرية كان مطلوبًا منا كسلطة رسمية موضوع معايير الترخيص حيث أصبح لدينا زحمة مشاريع، فكل 10 أشخاص كانوا يؤسسون مشروعًا طبيًا، إن كان صيدلية أو مخبر، ثم بعد ذلك يطالبون بدعم، وهذا الأمر مرفوض، لذلك يجب أن نضع المعايير. ومن الأمور التي عملنا عليها في المديرية أن ننشئ لجانًا نحن والمكتب الطبي لبحث مسودة ترخيص المشافي، واطلعنا وأقمنا ورشة عمل في المديرية ودرسنا النظام الصحي التابع للنظام ولوزارة الصحة (وزارة صحة النظام السوري - المحرر) وشروط ترخيص مشفى وشروط ترخيص مركز صحي، ودرسنا أنظمة دول أخرى، ثم درسنا واقع الغوطة، وأنا هنا أغض النظر مثلًا عن فكرة المساحة لأن عملي كله تحت الأرض والمساحة مقيدة، وأغض النظر عن فكرة السيراميك فأنا أعيش ظروف حصار، واستطعنا أن نضع مسودة، ولكن للأسف في النهاية تسارعت الأحداث ولم نتمكّن، ولكن كانت لدينا خطتنا، وحتى خطة ترخيص المنشآت الصحية في الغوطة وفي واقع الحصار وحسب متطلبات الأرض. وعلى سبيل المثال المشفى في النظام الرسمي، ودون وجود حالة حرب، يجب أن يوجد فيه أخصائي جراحة وعظمية وتخدير، ونحن في مسودة نظام التراخيص التي وضعناها يجب أن يكون في المشفى فني تخدير مؤهل وصاحب شهادة، وتنازلنا عن شرط أن يكون أخصائيًا.

وضعنا مسودة نظام داخلي ونظام ترخيص المنشآت الطبية، ومن منجزات المديرية أيضًا العمل على صيغة التشبيك والاستفادة اللوجستية، كيف؟ نحن نريد أن نراقب مياه الشرب ومحطات تحلية المياه، وأنا ليس لدي قدرة لا مادية ولا كمديرية على أن أجهز مخبرًا مركزيًا، ولكن هناك مخبر مركزي لمنظمة مدعومة، وبالتالي أقول [للقائم عليها]: "أريد أن أعتمدك في أخذ العينات العشوائية الدورية لمحطات تحلية مياه الشرب"، وهو يرحب [بذلك]، لماذا؟ لأنه عندما يثبت لجهته الداعمة أن المديرية تعتمد عليه، فهذا يعطيه مصداقية، وأنا في الوقت نفسه هناك خدمة يجب أن أقدمها وهي من مسؤولياتي. وهكذا كان التشبيك بهذه الطريقة: اعتمدنا مركزًا، وذهبنا إلى المحافظة، وقلنا لهم: "عبر الإدارة المحلية، كل مجلس محلي [يحدد] منشآت تحلية المياه الموجودة، ونحن نسمي لجنة لأخذ العينات، ويُنجز التقرير هناك ويأتينا مع الملاحظات الفنية، ثم نقول: "أنت مطابق [للمواصفات المطلوبة]، وأنت لا يُسمح، وأنت يجب عليك التعديل". وهكذا كنا نعمل ضمن هذه الهوامش بحيث نستثمر ما هو قائم، ولا نريد ذلك الهدر بأن يكون لكل [مجلس محلي] مخبره المركزي وشرطته، فقد كان من بين الطروحات العمل على دائرة رقابة، وحينها يلزمنا كادر موظفين وشرطة وقضاء ومخبر، بينما طالما هناك مخبر مركزي وسلطة إدارة محلية وشرطة، وأنا قادر على تشبيك الثلاثة معًا، نستطيع حينها القيام بتلك الرقابة. وعندما دخلت أول قافلة من القوافل الأممية (التابعة للأمم المتحدة - المحرر)، نحن بصراحة كان لدينا شك بأن يكون النظام قد سمّم المواد الغذائية، فعندها حرّزنا المواد وأخذنا عينات عشوائية من المواد كلها، من الطحين والعدس والحمص والفاصولياء والزيت، وأخذناها إلى المخبر المركزي، وأوقفنا توزيعها يومين ريثما أخذنا نتائج المخبر المركزي. وأنا كنت أطلب ما هو أبعد من ذلك في الخطط [التي وضعتها]، حيث كان لدينا تخوّف من التلوث الإشعاعي في مياه الصرف الصحي التي كنا نروي بها الغوطة، وأنه يجب أن نجد طريقة لكشف هذا التلوث.

في الحقيقة تجربة الغوطة هي تجربة إبداعية وتجربة مجتمع مقاوم، وفعلًا مجتمع بأكمله، بكتلته البشرية و"عجره" وعيوبه وأمراضه، وبإبداعاته وناسه المخلصين، خاض تجربة فريدة لم تعشها أي منطقة في الثورة السورية، وهذا مستوى التفكير الذي كان يحركنا، سواءٌ في "الطاولة المستديرة" أو المديرية أو المكتب الطبي. وأنا هنا لا أدّعي أنه شيء شخصي، لا،أنا لست شخصًا مبدعًا، وإنما أنا واحد من الأشخاص الذين كانوا يفكرون بهذه الطريقة، وأنا واحد من الأشخاص الذين كان لهم بصمة أن يحفروا الحفرة، ونظرية الحفرة تعني: تخيل أنك تريد أن تزرع شجرة مثمرة هنا أو شجرة ورد، ثم تخيل أنك تريد أن تبني قصرًا هناك، فالفكرة موجودة والبذرة موجودة، ولكن تلزمنا المبادرة لحفر الحفرة، وهكذا والحمد لله قمت بدور المؤسس الذي ركض وحفر الحفرة وأثمرت، وبقي الطريق مفتوحًا لمن يريد أن يكسو ويوسع، ولكننا دائماً نحتاج إلى المبادرة والشرارة الأولى، وهذه تحتاج إلى الناس المبادرين والذين يمتلكون رؤية، والحمد لله كان هؤلاء الناس موجودين في الغوطة، وعملنا بهذه العقلية، واستطعنا أن ننتقل من مشروع إلى مشروع، وأن نرتقي بعملنا من المحلي إلى العام، ومن التخصصي إلى الإداري الكبير، فتجربة الغوطة كانت تقتضي إيجاد الحلول لهذه المواضيع، وكنا نجد ذلك الفريق من الأشخاص المبادرين.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/08/02

الموضوع الرئیس

حصار الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية عام 2014

كود الشهادة

SMI/OH/52-29/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2014

updatedAt

2024/10/12

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقية

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

اتحاد الأطباء السوريين الأحرار

اتحاد الأطباء السوريين الأحرار

الجمعية الطبية السورية الأمريكية - سامز 

الجمعية الطبية السورية الأمريكية - سامز 

منظمة السراج للتنمية والرعاية الصحية

منظمة السراج للتنمية والرعاية الصحية

اتحاد منظمات الرعاية الطبية والإغاثة - UOSSM

اتحاد منظمات الرعاية الطبية والإغاثة - UOSSM

أطباء بلا حدود

أطباء بلا حدود

المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية

المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية

الأمم المتحدة

الأمم المتحدة

مديرية الصحة الحرة في دمشق وريفها

مديرية الصحة الحرة في دمشق وريفها

الحكومة السورية المؤقتة

الحكومة السورية المؤقتة

الشهادات المرتبطة