الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

قضايا خلافية في "الطاولة المستديرة"، تأسيس القيادة العسكرية الموحدة والهيئة العامة

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:31:19

كان يوجد باستمرار قضايا جديدة في عملنا، ولم تعد القضايا التي تشغلنا في عملنا ثابتة على الدوام، على سبيل المثال على الصعيد الطبي: كان من القضايا الخلافية التي تحدثنا عنها سابقًا فكرة الشراء وتهريب المواد عبر الأنفاق، وآلية الشراء، ولجنة مركزية أم غير مركزية، ولماذا اللجنة مركزية ولماذا هذه السلطوية ولماذا هذا الحصر بأفراد، الأمر الذي يمكن أن يدخلنا في الفساد؟ وتلك كانت من القضايا التي تتسبب باحتكاك فيما بيننا ككوادر طبية في اجتماع "الطاولة المستديرة"، وكانت في الحقيقة تخلق خصومًا وأعداء، وأنا كنت أؤمن بأننا لا نريد أن نستنسخ الطريق الذي أنتج فساد النظام. وبالتالي إذا أردت عبر موقعي كون الظروف قد ساعدتني في أن أكون رئيس مؤسسة ما، اتخاذ قرارات ووضع محددات للعمل بحيث أقبض على كل شيء، فهذا التصرف سيخلق ردات فعل، ويمكن أن يؤدي إلى تشظي العمل الطبي وتفككه بعد أن سعينا إلى توحيده من جهة، كما سيخلق فسادًا ماليًا للجنة وحيدة لا أحد يسألها ولا أحد يستطيع أن ينافس إن تمّ الشراء بسعر أقل أو أكثر، لذلك كنت ضد فكرة حصرية اللجنة وحصرية الأشخاص، تلك الحصرية التي سعت إليها إدارات لاحقة جاءت إلى المكتب الطبي وكانت هذه منهجيتها.

في مرحلة عام 2014 واشتداد الحصار، وكنا قد تحدثنا عن العام 2013 وكيف كانت إحدى وسائل كسر الحصار، إلى جانب الاعتماد على الذات، هي معارك كسر الحصار، حيث خيضت "معركة المطاحن" ومعركة فتح طريق العتيبة ومُنيت بالفشل، وفي عام 2014 كانت "معركة الدخانية" (بدأت المعركة في 5 أيلول/ سبتمبر واستمرت حتى 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2014– المحرر)، واقتحمت الفصائل منطقة الدخانية، وهي منطقة ما بين المليحة ودمشق، ومجاورة لمنطقة الدويلعة والطبالة، ودخلت الفصائل وأخذت المنطقة، وهي منطقة بناء مخالفات ويبدو أنه يوجد فيها مستودعات غذائية، فتمّ سحب مواد غذائية من الدخانية، وكانت الفصائل نفسها في ذلك الحين تعاني من جوع عناصرها، أي كانت الفصائل والشباب الذين يرابطون على الجبهات، وأنا أذكر من خلال ما أعرفه في المنطقة أنهم [كانوا يقولون:] "لانعرف ماذا سنطعم الشباب [المرابطين] غدًا"،  وأنه "إن شاء الله نستطيع تأمين سندويشة، أو بعض البرغل المسلوق". خاضت الفصائل معركة الدخانية، ومن جهة قرأناها أنها تقدم باتجاه دمشق، وكان دائمًا المزاج العام في الغوطة أن الغوطة هي بوابة دمشق، وأي تقدم باتجاه العاصمة هو فتح لمرحلة لاحقة ويمكن أن يترتب عليه (...)، فاليوم الدخانية وغدًا الدويلعة وبعدها ساحة الأمويين، وهكذا كنا نتخيل أننا يجب أن نوحد الفصائل وأن تخوض المعارك باتجاه إسقاط النظام، وهذا ما كنا نؤمن به، وليس نحن فقط كأفراد، وإنما عموم المجتمع في الغوطة هكذا كانوا يفكرون.

جاءت "معركة الدخانية"، وانفرجت الفصائل إلى حدّ ما بخصوص المخزونات الغذائية عبر ما استطاعت السيطرة عليه من المعركة، ولكن النظام كعادته أحال هذه المنطقة التي سقطت إلى ركام، وفي النهاية انسحبت [الفصائل] منها. وفي ذات الفترة سقطت المليحة (سقطت في 14 آب/ أغسطس 2014 – المحرر)، وكانت "معركة المليحة" على أشدها، وكانت المليحة تشكل الامتداد الجنوبي والغربي المتاخم للعاصمة، وكان لسقوط المليحة آثار سلبية على الغوطة، فمن جهة خلقت موجة نزوح داخلي بكل متطلباته وأعبائه، ومن جهة أخرى خسرنا أراضي المليحة، والأهم أننا خسرنا العمق والامتداد الاستراتيجي في مواجهة النظام.وهنا بدأ يعلو صوت الجميع في المجتمع والنخب المدنية والمؤسسات أنه لا يمكن أن تستمر الغوطة بهذا الشكل، وأن نخوض معاركنا بمئة فصيل وعندما نخسر معركة أو منطقة يبدأ التلاوم، فهذا يقول: "أنت انسحبت قبل"، وذاك يجيب: "أنت لم تغطني"، والآخر يقول: "أنا حملت عبئًا أكبر في المعركة"، وهذا الكلام كنا نسمعه بعد كل معركة فاشلة من هذا النوع، أو بعد كل تراجع، فأنا لا أريد أن أقول معركة فاشلة، بل أريد أن أفترض لغاية الآن أن الجميع قد قدّم أقصى ما يستطيع.

بدأ الكلام بأنه لا يمكن للمعارك أن تُخاض بهذه الطريقة، ولابد من توحيد البندقية، ولابد من قيادة، ولابد من حسابات استراتيجية، فلا يكفي أن أخوض معركة وأصل، بل يجب أن أحسب أبعاد المعركة وارتداداتها ونتائج خسارتها، وأين يمكن للنظام أن ينتقم، فخطة المعركة ليست فقط قرار فتح نار واحتلال مترين من الأرض، وإنما المعركة مصير مئات آلاف البشر في الغوطة، ويمكن أن يصبح في مهب الريح ومعرضًا للخطر عندما تُخاض معارك بشكل طائش أو بشكل غير محسوب.

من المعارك التي خيضت في العام 2014 بقصد كسر الحصار كانت معركة عدرا، مدينة عدرا وعدرا العمالية، وأيضًا هذه المعركة خاضتها مجموعة فصائل، طبعًا عدرا هي على الحدود الشمالية لمدينة دوما، وهناك مربع ومركز وجود "جيش الإسلام"، وفي النهاية وضع "جيش الإسلام" يده على عدرا وطلب من الفصائل الأخرى أن تخرج منها، وفي عدرا كان يوجد إمكانيات كبيرة، غذائية ودوائية ولوجستية. والمشكلة في معارك كسر الحصار أن غنائمها تكون دائمًا من حظ الفصيل أو الفصائل التي تخوضها، أي أنها لا تنعكس على السكان، ونحن كسكان مدنيين مثلاً هل نقول: "بعد المعركة الفلانية انفرجت الناس معيشيًا، أو تأمنت المادة الفلانية؟"، كلا، هذا الكلام لم يكن [موجودًا]، وكانوا دائمًا [يقولون] لإقناعنا إن الأولوية للمقاتل الذي يهمنا أن يكون على الأقل شبعان كي يستطيع أن يرابط ويحمينا نحن في الداخل، وهذا المنطق كان إلى حد ما مقبولًا، وكان يلاقي قبولًا في الغوطة أن لا بأس فالأفضلية للثوار والمرابطين على جبهات النظام، وأنه على الأقل يكونون في شبع حتى لو جعنا نحن أكثر.

وأعتقد أن المعركة الوحيدة التي كانت غنائمها عامة لمن هبّ ودبّ هي "معركة المطاحن" لأجل كسر الحصار (وقعت أحداث المعركة بين 29 تموز/ يوليو و2 آب/ أغسطس 2013 – المحرر)، وحينها فعلًا أكلنا رغيفًا بالدم حيث كانت أكياس الطحين التي شاهدناها في الغوطة عليها آثار الدم، أما باقي المعارك فكانت كل غنائمها تذهب إلى الفصائل، ولكن في الوقت نفسه جميعنا [كنا نقول] إننا قد خضنا عدة معارك، وفُتحت الأنفاق، والأنفاق يمسك بها أحد الفصائل ويفرض رسومًا على إدخال المواد، ونحن بهذه الطريقة لا يمكن أن نقاوم الحصار، بل لابد من وجود حسابات استراتيجية وشراكة وقيادة عسكرية مدنية مشتركة للغوطة فقط كي نعبر مرحلة الحصار، وهذا الأمر بدأ يصبح ثقافة ومطلب لكل نخب الثورة في مختلف الغوطة.

على وقع ذلك تشكلت القيادة العسكرية الموحدة (تشكلت في 28 آب/ أغسطس 2014 – المحرر)، ونحن في عامَي 2012و2013 كنا نحصي 60-70 فصيلًا، وفي العام 2014 ومع اشتداد الحصار، بدأت تذوب الفصائل الصغيرة في الأجسام الأكبر التي لديها دعم، ولديها إمكانية البقاء والاستمرار، سواءٌ لديها دعم لوجستي أو تسليح أو غذائي أو رواتب، وبدأت تكبر، فمثلًا أول أمس كان لدينا "كتيبة الإسلام" ثم في الأمس "لواء الإسلام"، واليوم [أصبح] "جيش الإسلام"، وكذلك أول أمس كان لدينا "كتيبة البراء" وفي الأمس "لواء البراء" ثم أصبح غدًا "فيلق الرحمن"، وطبعًا حدث هذا الأمر كون المجموعات الصغيرة بدأت تذوب في المجموعات الكبيرة. وهذا الكلام بالنسبة لنا كان مطمئنًا، وكنا نقول إنه يجب على الجميع أن يكون في جيش حر واحد مثل كل الدول، والنظام يخوض حربه معنا بجيش واحد وحكومة واحدة، فماذا لا يكون لدينا نفس النموذج الذي يستطيع أن يقف في وجهه. وإذا لم نستطع أن نوحّد البندقية والقرار السياسي، وأن يكون لدينا حسابات للمرحلة، لن نستطيع أن نقدم النموذج البديل وأن نصمد وأن نسقط النظام، لذلك كان هذا المطلب ضاغطًا على الجميع، وكان يحضر في كل الجلسات والنقاشات التي كانت تجري مع قادة الفصائل.

قادة المجموعات والفصائل أغلبهم من أبناء الغوطة، أو من المنشقين الذين أتوا بشكل مبكر إلى الغوطة وأسسوا فصائلهم، وعلاقتنا معهم كمدنيين ونخب كانت تعتمد على العلاقات الشخصية، مثلًا نحن كأطباء في المشافي كنا نراهم وكانوا يأتوننا بجرحى، وكنا نفتح الأحاديث والنقاشات، وبدأنا نقول لهم: "لماذا لا تفعلوا هذا الأمر؟" وكانت هناك تجربة المجلس العسكري الثوري في العام 2013 وكنا متفائلين أن يضم الجميع، ودخلت فيه الكتائب والفصائل غير المؤدلجة، وأما المؤدلجة فلم تنضم له واعتبرته علمانيًا.  [وكنا نقول:] "الآن في الواقع الحالي، وعندما بدأ كل واحد يكبر فصيله وتذوب فيه الأجسام الصغيرة، لماذا أنتم ككبار جميعكم لا تشكّلون كيانًا اسمه الجيش الحر؟". هذا الكلام كنا نقوله في نقاشات وحوارات مع العسكريين في مختلف المناسبات، وكان يلقى آذانًا صاغية في مكان، ولا يلقى آذانًا صاغية في مكان آخر، وإنما كل المنظومات الإيديولوجية المؤدلجة كانت [تضع] كلامنا هذا خلف ظهرهم لأنها ترى الوحدة هي المبايعة لقائد الفصيل، ثم تعمل تحت عباءته، والباقي يعملون لديه بمثابة استشاريين.

عندما ظهرت فكرة القيادة العسكرية الموحدة، و[ظهرت] كفكرة في البداية، ارتحنا جميعًا، وللوهلة الأولى كنا نظن أنها ستضم كل الفصائل الكبرى، ولكن كان لنا مآخذ خلقت لدينا الهواجس، وهي: نعم، قيادة عسكرية موحدة ودخلت إليها الفصائل الثلاثة الكبرى، ولكن يوجد فصائل أخرى كبرى لم تكن موجودة فيها، ولم نكن نعرف لماذا؟ والفصائل الكبرى [الموجودة فيها] هي"جيش الإسلام" و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" و"فيلق الرحمن"، ونحن نعلم أنه في معادلة الغوطة يوجد قوتان أخريتان لهما تمثيل وحاضنة شعبية، وهما "فيلق المرج" (يقصد الشاهد "فيلق عمر" – المحرر) فـ "لواء الإمام الحسين" كبر وأصبح في مستوى "فيلق المرج" (يقصد الشاهد "فيلق عمر" – المحرر) في منطقة القطاع الشرقي من الغوطة والمرج، و"جيش الأمة" الذي يمثل الطيف الشعبي لمدينة دوما وله امتداد في الغوطة. الأمر الآخر، أنا عندما أريد أن أعلن قيادة عسكرية موحدة لماذا يتم الإعلان بغياب علم الثورة؟ أيضًا هذا الأمر تسبب لنا بهواجس ومخاوف، فهل من المعقول، وخلال [إعلان] قيادة عسكرية موحدة أن يظهر فقط ثلاث قيادات، وكل قائد يضع راية فصيله؟ وماذا لو كانوا 10 فصائل، هل كنا سنرى 10 رايات فصائل؟ فمن جهة جيد أنهم قد توحدوا، ولكن من جهة أخرى يهمني العنوان، توحدوا تحت سقف ماذا؟ وكانوا مثل هيئة الأمم المتحدة التي ليس لها علم، فهي مجموع أعلام الدول المنضمة لها، ونحن قرأناها أنهم ثلاثة فصائل بثلاثة أعلام بمعنى أن كل فصيل لديه كيان لوحده، ولكنهم اجتمعوا في مجلس الجامعة العربية. نحن نؤمن بعلم الثورة، وهو كان بمثابة الإجماع الشعبي العام في الثورة. فهذه هي الأمور التي خلقت لدينا الهواجس والمخاوف، ومن الأمور الثانية التي رأيناها مطمئنة من جهة، وفي الوقت نفسه أيضًا خلقت لدينا الهواجس، أنه بالتوازي مع القيادة العسكرية الموحدة أعلنوا حينها وفي نفس بنيتها عن شيئين مدنيين، وهما القضاء الموحد (المجلس القضائي الموحد - المحرر) والهيئة الاستشارية.

القضاء الموحد كان مطلبًا عامًا في كل الغوطة، فلابد من وجود مرجعية قضائية تُحترم ويكون الجميع تحت [سقفها]،هي فكرة مبدأ سيادة القانون وأن يكون الجميع تحت [سقف] القانون، بدلًا من أن يكون لكل شخص مرجعيته القضائية الخاصة به يحاسب على أساسها بطريقة الكانتونات الصغيرة في الغوطة. كانت تشكيلة مجلس القضاء الموحد (...)، وأنا من الأشخاص الذين لديهم ملاحظات عليها، فالمجلس خالٍ من الحقوقيين، وهو مجلس مشايخ. والقيادة العسكرية الموحدة كان قائدها الشيخ زهران علوش وهو يمثل التيار السلفي، ونائبه الشيخ أبو محمد الفاتح (ياسر القادري – المحرر) ويمثل التيار الإخواني (التابع لجماعة الإخوان المسلمين - المحرر) أو كانوا يسمونه حينها الصوفي، والعضو الثالث هو الضابط العسكري قائد الفصيل ذو اللون الشعبي غير المؤدلج، وهكذا كانت القيادة بيد سلفي إخواني، بينما في القضاء كان القاضي العام محسوبًا على [التيار] الإخواني والمجلس القضائي شكّلوه بالمحاصصة حسب التركيبة المشايخية. وأنا أحد الأشخاص الذين كانوا يقولون: "أمر جيد [تشكيل] المجلس القضائي، ولكن لماذا المشايخ؟ لدينا محامون وحقوقيون أبناء ثورة، ويمكن أن نحتاج المشايخ في المجلس القضائي، ولكن ليس مجلس مشايخ"، وحينها كانت تلك هي التركيبة.

الهيئة الاستشارية أعلنوا عنها [مؤلفة من] من 15 عضو سمّوهم من المدنيين، وتبين لنا بعد ذلك أن جزءًا منهم يكون مدنيًا في موقع وفي موقع [آخر] يكون عضو مجلس شورى لأحد الفصائل، هناك تلك الازدواجية، ثم وجدنا بعد التحليل أن هؤلاء الـ15 أيضًا كانوا مقسمين قسمة سلفي/ إخواني، ففي الاستقطابات السياسية التي حدثت بعد ذلك في الغوطة لم يخرج أحد من أعضاء الهيئة الاستشارية الـ 15 عن تصنيف تيار سلفي سعودي أو إخواني قطري، [تبيّن] ذلك في النهاية. بينما حينها كنا نرى أن هناك 15 اسم، وبينهم فاعلون وناشطون فعلًا على المستوى المدني، فالفكرة ليست الاعتراض على أشخاصهم، فبينهم ممن عملوا وتركوا بصماتهم في الغوطة، ولكن لماذا حصر الموضوع بلونين؟ وماذا عن اللون الثالث، اللون العادي الذي لا لون له، وهو ليس مضطرًا لأن يكون في أحد الحزبين؟

وهنا بدأ الحراك المدني، وكنا قد قرأنا الرسالة، [واعتبرناه جيدًا تشكيل] القيادة العسكرية الموحدة والمجلس القضائي (المجلس القضائي الموحد الذي تشكّل في 24 حزيران/ يوليو 2014 - المحرر)، وترتيب كل ذلك من قبل الفصائل بين بعضهم البعض، فأكثر ما تعاني منه الغوطة هو مشاكل الفصائل، ومن الجيد أن يرتبوا المجلس القضائي الذي يحكم بينهم ، وأن يضعوا أنفسهم تحت سلطة قضائية، ولكن ما هو دور الهيئة الاستشارية؟ إذا كانت غطاءً للسيطرة على المدني فهذا أمر، وإذا أرادت أن تكون الرديف المدني الذي يشارك في صنع القرار فهو أمر آخر، ولكن المسمى، كلمة "هيئة استشارية" يوحي بأنني أناديك وأسألك وآخذ رأيك وأقول لك "الله معك" ثم أقرر ماذا أريد، هكذا تعني كلمة "استشاري". وليست تلك هي الشراكة التي كنا نطمح إليها، وكذلك آلية انتقاء العنصر المدني في الشراكة مع العسكري لا يجب أن تكون بآلية التعيين، حيث يأتي العسكري فيعين مستشاريه وهو يعرف مسبقًا بالأمور التي سيوافقونه أو يخالفونه فيها، وهكذا في النهاية تصبح القصة مجرد ديكور.

قسم كبير من ناشطي الغوطة، وأنا منهم، قرأنا الموضوع أنه طريقة لاحتواء الحراك المدني، واكتساب مشروعية أن تكون القيادة العسكرية (القيادة العسكرية الموحدة - المحرر) هي القائد العام ولها هيئتها الاستشارية المدنية، إذن الغوطة ستخضع لهؤلاء. وهذا الكلام في النهاية يولّد لدينا الهواجس، [فالقيادة العسكرية الموحدة] هي ليست الغوطة، ولا تمثل الغوطة، وليس هكذا يُقارب مصير الغوطة، فمصير النظام متوقف على صمود هذا النموذج (نموذج الغوطة - المحرر) وتقدمه في اتجاه إسقاط النظام. وهنا بدأت سلسلة اجتماعات بين القيادة العسكرية والهيئة الاستشارية وبين فعاليات، مثلًا [كانوا يقولون:] "نريد أن نلتقي مع فلان من القطاع الطبي، وفلان من الإغاثي"، وكانت الاجتماعات تبدأ بكلام إداري عن طريقة تنظيم وصنع قرار، وتنتهي ببحث فقهي حول الشورى الملزمة والشورى المعلمة والمبايعة وغير المبايعة، ولكننا لسنا في كلية شريعة ونبحث بحثًا فقهيًا عن الشورى الملزمة والشورى المعلمة، وإنما نحن نريد إيجاد طريقة لإدارة أمورنا بشكل صحيح، هكذا بالمختصر. أما [أن تكون الأحاديث عن] الشورى الملزمة والشورى المعلمة بين مؤيد ومعارض، وهناك من يطالب بالشورى الملزمة وهناك من يطالب بالمعلمة، و[قولهم:] "لا يوجد شيء اسمه انتخاب، بل توافق ومبايعة"، وهكذا بدأت تظهر مصطلحات غريبة تعيدنا إلى ما قبل مرحلة النظام. وهذا الكلام كان يسبّب لنا القلق، فنحن مسعانا في الغوطة أن نتمكّن من خلق نموذج بديل، نموذج لديه القدرة على الصمود، وأخطاؤه قليلة حتى يتمكّن من الصمود، ولديه قدرة التمثيل الحقيقي.

بدايات الحراك الذي بدأ عام 2012 بفكرة الإدارة المدنية وتوحيد المكاتب الموحدة وإدارة المجالس والمحافظة، ثم ظهرت القيادة العسكرية الموحدة، وكأن جميعها إرهاصات ليولد بعد ذلك مشروع جديد، وكنا نسميه مشروع القيادة العامة، فهناك قيادة عسكرية وهذا أمر جيد، ويجب أن نمتلك القدرة لإنتاج شيء مدني، ومع بعضهما البعض يصنعان قيادة عامة، ولكن هذا الأمر كان في إطار التداول فحسب. وهنا حصل اجتماع في دوما اسمه "اجتماع الخمسين"، ودعوا له أعتقد  50 شخصية من الغوطة ومن مختلف القطاعات، وكان الاجتماع وليد فعاليات نشطة في دوما، وفي الاجتماع طُرحت أفكار كثيرة، وكانت مروحة الأفكار والخيارات واسعة جدًا إلى درجة أن الاجتماع كاد أن يصبح مائعًا، فقد كانت هناك آراء [تقول:] "لقد ظهرت القيادة العسكرية الموحدة، وعلينا جميعًا أن نمشي خلفها، وهذا هو القائد، والمبايعة ووو"، بينما كانت خيارات أخرى [تقول]: " طالما العسكر توحدوا وحدهم، فنحن يجب أن نوحّد صوتنا كمدنيين ونفرض أنفسنا عليهم"، وخيارات [تقول:] "إن العسكر لا يوجد منهم أمل، وسيستمرون بمحاولة التغلّب علينا، فنحن علينا أن نصنع مشروعنا ونمضي به، ونعطيهم ظهرنا ونعتبرهم وكأنهم لم يتوحدوا"، وكان هناك آراء تتحدث عن إيجاد صيغة توافقية إن استطعنا أن نصنع شيئًا توافقيًا.

في النهاية أنا كنت أؤمن بنظرية الخيل البري، فإذا اعتبرنا الفصائل خيلًا بريًا، وأنا أخاف من جموحه، ولكن في الوقت نفسه أنا حريص عليه وأريده، وأريد أن أبني وإياه ثنائية، لذلك سأنظر كيف كان تأهيل الخيل البري؟ أول شيء كانوا يحددون له حظيرة حدودها واسعة جدًا، حيث يدخل إليها قطيع الخيل البري ولا يشعر أنه مقيد، ومجرد أن تستطيع عقد اتفاق معه فأنت بالحد الأول بدأت تحد من جموحه، وبدأت تخلق الشراكة. هذه الحظيرة الواسعة التي يدخلها الخيل تضيق شيئًا فشيئًا، وفي النهاية يتأهل، ونصل إلى الخيل المؤهل الذي يتغنى الشعراء به، ونحن نريد أن نصل إلى اليوم الذي نتغنى بهم (بالفصائل - المحرر) كما تغنى الشعراء [بالخيل]، ولكن نريدهم أن يكونوا مؤهلين، وألا تبقى الأمور جامحة. وأنا كنت أؤمن بنظرية الخيل البري، وأنك مجرد أن تبني لو بإطار واسع، وتبدأ بتضييقه تدريجيًا، فأنت تجرّهم إلى التأهيل، وفي النهاية تصل إلى نموذج الفرس التي تراهن عليها العالم أجمع. ومع الأسف هذه الفكرة أنا كنت قد تكلمت عنها في بعض المجالس الخاصة، فحملها أحدهم ووضعها في أذن إحدى [الفصائل]، "إن فلان يعتبركم خيلًا، ويريد ترويضكم"، وعرفت [بالأمر] لاحقًا وبدأت أفسر نوعًا من التوجس والعدائية المسبقة خلال لقاءاتي مع بعض الناس منهم و لم أكن أفهم سببها.  

نتيجة "اجتماع الخمسين" والنقاشات التي جرت فيه، تشكلت لجنة من ثلاثة أشخاص، وعلى هامشها مجموعة أوسع، والأشخاص الثلاثة هم أنا وأبو رامز بسام البرزاوي وطبيب اسمه أبو كنان وهو من الأطباء الذين جاؤوا إلى الغوطة باسمه الحركي، كنا نحن الثلاثة لجنة، وأنشأنا المكتب الإداري، وبدأنا بفكرة تشكيل "الهيئة العامة" (الهيئة العامة للغوطة الشرقية - المحرر)، وهي هيئة جامعة للفعاليات الثورية المدنية في الغوطة، و[تحديد] تعريفها وصفاتها ومحددات عملها وآليتها ومستوياتها الإدارية وصولًا إلى إنجاز شيء مشترك مع العسكريين، فنحن نؤمن بوجوب عدم إقصاء العسكري عن القرارات وحتى عن القرار السياسي، ولكن في الوقت نفسه لا يُترك الشأن المدني للعسكري، ولا يُترك القرار السياسي للعسكري، والثورة هي ثورة الجميع، ولذلك على الجميع أن يصنعوا مؤسستهم القيادية التشاركية. تلك هي الفكرة التي كانت تحركنا في مشروع بناء (...)، ووُلدت فكرة الهيئة العامة من "اجتماع الخمسين" وتكليف هذه اللجنة على أن تعمل، وبدأنا بعد ذلك في نهايات عام 2014 وبداية عام 2015 سلسلة اجتماعات مع المؤسسات والفعاليات الثورية (عُقد الاجتماع الأول في 29 كانون الثاني/ يناير 2015 وأُعلن فيه عن تشكيل الهيئة العامة للغوطة الشرقية – المحرر)، وبدأنا نخلق شكلًا من أشكال التفاهم مع القيادة العسكرية الموحدة، فنحن لم نرد أن نطرح أنفسنا لا ندًّا منافسًا ولا بديلًا إلغائيًا ولا تابعًا، تلك الحالات الثلاث كنا نتجنب أن نضع أنفسنا فيها مع القيادة العسكرية، بمعنى لسنا ندًّا منافسًا ولا تابعًا ولا نريد إلغاءكم، بل نريد أن نفرض أنفسنا بالشراكة معكم شئتم أم أبيتم.

هناك أمران، أولًا دخلنا في الحصار عام 2013 وكان عدد سكان الغوطة 800 ألف نسمة، وخلال فترة الحصار منذ العام 2013 وحتى نهايات عام 2014 وقعت عدة أحداث في الغوطة أثّرت على التركيبة السكانية وعدد السكان. الأمر الأول هو سقوط بعض المناطق مثل المليحة حيث تسببت بموجة نزوح داخلية بأعبائها وكل خساراتها، وفي الوقت نفسه عندما فُتحت الأنفاق مع منطقة برزة كان هناك دخول مواد وأيضًا خروج أشخاص عبر الأنفاق إلى منطقة برزة، ومنها إما هروبًا إلى الشمال وإلى تركيا، أو إلى مناطق النظام لمن لا يوجد عليه خطر أمني. نحن يهمنا أن العينة التي تبقى هي الحاضنة الحقيقية للثورة حتى لو قلت لي إنه يوجد أشخاص رماديون ولا يؤمنون بالثورة، فأنا [أقول]: "الله معهم، ولماذا أحجزهم هنا؟". كان يوجد مرور أو خروج من الغوطة عبر الأنفاق باتجاه برزة، ومنها إما إلى مناطق النظام أو إلى مناطق الشمال المحرر أو الجنوب المحرر ومنها إلى الأردن أو إلى تركيا، فأصبح لدينا نقصان [في عدد السكان] حيث دخلنا الحصار بعدد 800 ألف [نسمة]، ولكن عندما خرجنا عام 2018 كان عدد سكان الغوطة 400 ألف ونيف، أين ذهب العدد؟ ذهب في النزوح والشهداء والأشخاص الذين خرجوا عبر الأنفاق خلال سنوات الحصار.

في الغوطة هناك مناطق وبلدات القطاع الشرقي، وباستمرار كانت تسقط بلدات ويتم استردادها ثم تسقط من جديد، وكل سقوط كان يخلق دائمًا موجة نزوح داخلي على واقع حصار، وكانت هناك حالات إنسانية يوجد بها الكثير من البؤس، فقد كان النزوح من منطقة محاصرة إلى منطقة معدمة، والجميع كان يعاني من الحصار، وعلاوةً على ذلك من يخسر بيته كان يضطر إلى اللجوء إلى منطقة ثانية ليؤسس حياته من جديد، وكل ذلك في جو الحصار والجوع. موجة النزوح الداخلي تركت أثرًا عميقًا جدًا، وحتى سكان جوبر في العام 2013 و2014 [نزحوا] جميعهم إلى داخل الغوطة، وأصبحت جوبر خط نار ومنطقة جبهة، والمليحة خسرناها، وبعد ذلك منطقة القطاع الجنوبي بعد العام 2016 ، وأيضًا المناطق التي سقطت كان جزء من سكانها يبقى مع النظام بعد السقوط، والجزء الآخر ينزح، بالإضافة إلى خروج بعض الحالات إلى مناطق المحرر أو إلى مناطق النظام عبر الأنفاق. لذلك وبخصوص التركيبة السكانية وعدد السكان، بدأنا برقم وانتهينا برقم، وكان لذلك ظروفه الموضوعية التي شرحتها بمجملها. وهنا أستطيع القول إن العام 2014 بمعاركه الكبيرة وكياناته الكبرى التي تشكلت وحراكه وجانب القطاع الطبي الذي عملنا به، وأغلب قضاياه أعتقد أننا استعرضناها، ويبقى عام الحراك السياسي الحقيقي هو العام 2015.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2019/08/02

الموضوع الرئیس

حصار الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية عام 2014

كود الشهادة

SMI/OH/52-30/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

2014

updatedAt

2024/12/02

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-مدينة دومامحافظة ريف دمشق-عدرا العماليةمحافظة ريف دمشق-عدرامحافظة ريف دمشق-المليحةمحافظة ريف دمشق-الدخانيةمحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقية

شخصيات وردت في الشهادة

لايوجد معلومات حالية

كيانات وردت في الشهادة

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جيش الإسلام 

جيش الإسلام 

فيلق الرحمن

فيلق الرحمن

فيلق عمر

فيلق عمر

الهيئة العامة في الغوطة الشرقية

الهيئة العامة في الغوطة الشرقية

المجلس القضائي في الغوطة الشرقية

المجلس القضائي في الغوطة الشرقية

القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية

القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية

جيش الأمة

جيش الأمة

الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام - قطاع الغوطة الشرقية 

الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام - قطاع الغوطة الشرقية 

الشهادات المرتبطة