دخول القوافل الأممية للغوطة، وانتخاب أماني بلور لإدارة مشفى الكهف
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:31:56
العام 2016 شهد دخول القافلة الأممية، القوافل الأممية دخلت منها قافلتان في العام 2016، حيث دخلت قافلة باتجاه منطقة كفربطنا، وقافلة باتجاه حمورية. في الغوطة كنا متفقين على أن ما يدخل إلى منطقة يجب أن يكون لكل [المناطق]، والقافلة الأولى التي دخلت توزعت مناطقيًا، حيث دخلت قافلة إلى دوما وقافلة إلى كفربطنا وقافلة إلى منطقة المرج، ولكن بعد ذلك أخذنا قرارًا أن ما يدخل للغوطة ولأي منطقة يجب أن يُوزع على الغوطة بأكملها، بحيث تبقى الغوطة متضامنة ونثبت وحدة الغوطة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية في لقاءاتنا مع وفود القوافل الأممية فهمنا منهم أن مناطق التماس يعتبرونها جبهات؛ وبالتالي لا يدخل على اسمها قوافل، فمثلًا زملكا أو عربين لا يدخل على اسمها قافلة؛ لأن هذه تُعتبر خط جبهة وخط معركة وخط اشتباك، وليست خط مدنيين وإغاثة.
خلاصة الوضع، وعلى الصعيد الطبي، حصل اجتماع في دوما لكل جهات العمل الطبي؛ جماعة الطاولة المستديرة والمستطيلة والمربعة، وكذلك مديرية الصحة والمكتب الطبي، وكلنا مع بعضنا عقدنا اجتماعًا، وعملنا شيئًا اسمه الملف الموحد لاحتياجات الغوطة الطبية، وهذا الملف طبعناه بشكل ورقي، وحفظناه على شكل نسخ PDF، بحيث يكون خطابنا موحدًا في أي منطقة تدخل إليها قافلة، وعندما تطلب الاحتياجات الطبية هذا هو ملفنا الموحد، حتى لا يكون هناك تباين، وتكون هناك مصداقية، فكلنا صنعناه معًا، حتى لا يقولوا: "يا أخي، هناك جهة هي التي حددت وجهة أخرى لم تساهم"، فهذا الملف الموحد توافقنا عليه؛ إذًا هذا الذي نخاطب به. وكنا في كل القوافل الأممية نخاطبهم بهذا الملف، فاستلموا (أي الوفود الأممية – المحرر) نسخة، أنا سلمتهم نسخة من احتياجات الغوطة في قافلة كفربطنا، وسلمتهم نسخة أيضًا في قافلة حمورية.
ما يهمنا في القوافل الأممية أنه عندما دخلت أول قافلة كانت لدينا أزمة ثقة بالنظام كبيرة، وكنا نسمع عن هذه القافلة من شهرين أنها ستدخل، ولكنها لم تدخل، بعد ذلك فهمنا منهم أن القافلة كانت جاهزة، ولكنها في النهاية تنتظر إذن الدخول، فإذن الدخول هو قضية أمنية، وهو ليس قرارًا أمميًا، وإنما هو القرار الأمني للنظام بأن يسمح بالدخول أو لا يسمح، وكان مرافقًا للقافلة وفود المنظمات الأممية مثل: "دبليو إتش أو" (منظمة الصحة العالمية – المحرر) و"اليونيسيف" و"منظمة الغذاء العالمي"، وكان هناك من مكتب دي ميستورا (ستيفان دي ميستورا – المحرر) أذكر أن اسمها رنا زقول، وكان هناك شخص آخر لم أعد أذكر اسمه وهو سوداني وهو أيضًا من مكتب ديمستورا، ونحن كنا قد رتّبنا أن تدخل الوفود، وكان هناك ترتيب لوجستي وهو تأمين المستودعات وإفراغ محتويات القافلة، وبالتوازي اجتماعات مع مندوبي المنظمات ومندوبي مكتب دي ميستورا، وإطلاعهم على حقيقة الاحتياجات في الغوطة.
في الاجتماع معهم طبعًا كان هناك شق سياسي كنا نتحدث فيه عن حالة الحصار والنظام والقصف واستهدافه وأفق الحل السياسي والانتقال السياسي وكذا، وهم كانوا يتحدثون تبعًا لسقف التوافقات الدولية، فالقضية لم تكن قضية أن تقنعه ويقنعك، وأن يأتي ويطلع على الحقيقة لأن هذه الحقيقة سوف يبني عليها شيئًا، فصحيحٌ أنهم شاهدوا واقعًا صادمًا ومؤلمًا، وعلى الصعيد الشخصي بعض أعضاء هذه الوفود بكوا من الذي شاهدوه، وبكوا من حجم المعاناة والجوع، وكنت قد وضعت لهم جولة على المشافي، وأخذتهم إلى مشفى فشاهدوا مرضى ومصابين، وشاهدوا البؤس الحقيقي، وشاهدوا مركز توليد، وشاهدوا عملنا وشغلنا ومعاناتنا، وشاهدوا البؤس الحقيقي، شاهدوا الجوع، شاهدوا الناس، والبعض من أعضاء هذه الوفود في الحقيقة بكوا، سواءٌ كانوا عربًا أو أوروبيين، وتأثروا كثيرًا، وحتى السياسي، ولكن في النهاية الجميع يتحدث حسب السقف المتاح وسقف التوافقات الدولية، وهذه هي القناعة والنتيجة النهائية التي وصلنا إليها معهم. أي أن الآن أفق الحل هكذا، وهذا ما توافقوا عليه، وبما معناه [ولسان حالهم يقول:] "أنا على المستوى الشخصي مقتنع معك، فهذا سفاح ومجرم (المقصود بشار الأسد – المحرر)، وأنتم مظلومون وهناك حصار، ولكن هذا الذي نقدر عليه، فعلى صعيد القافلة جهزناها منذ زمن، وهي محملة في السيارة منذ 20 أو 30 يومًا ونحن ننتظر الإذن"، ولاتزال هناك تفصيلات سأتحدث عنها بعد ذلك في وقتها، فهم هذا الكلام كانوا مسلّمين به تمامًا.
الفكرة التي أريد قولها أنه وبحكم مسؤوليتي كشعبة صحة (شعبة مديرية الصحة في الغوطة – المحرر) لم تكن لنا ثقة بـ [النظام]، كنا نخاف أنه من الممكن أن تمرر مواد مثلًا مسمومة بعد أن تعرضنا للكيماوي (الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية الذي حدث في 21 آب/ أغسطس 2013 – المحرر) وتعرضنا لكل شيء، وكان عندنا حذر، فبعد أن استلمنا المواد أخرنا توزيعها لمدة 48 ساعة، وأخذنا عينات من المواد كلها، وأرسلناها إلى المخبر المركزي الذي كنت قد أنجزته بوثيقة التفاهم مع المخبر والجهة الداعمة له، حيث اختُبرت على أنها صالحة للاستخدام وبعد ذلك وُزعت، وهذا أولًا.
النقطة الثانية: دخلت القافلة الثانية أيضًا إلى حمورية، فواجهناهم أيضًا بحقيقة أننا نشاهد قافلة كبيرة، ولكن احتياجاتي في الغوطة هي غذاء ودواء، وليست احتياجاتي أدوية بق وجرب وقمل وكالونات (عبوات) فارغة، فمثلًا عندما تشاهد 3 أو 4 سيارات وهي محملة خيامًا، فيا أخي أنت لم تأتِ لإغاثة منطقة ضربها زلزال والناس الآن في الخارج فأحضرت لهم بعض الخيام وبعض الكالونات، وإنما أنت قادم إلى منطقة محاصرة مجوّعة تكاد تهلك، والقصف عليها لا يتوقف، فإن احتياجاتها غير احتياجات أولئك. كان فعلًا منظر القافلة في الإعلام (...)، وعندما تشاهد أن هناك قوافل ويقولون: "أدخلنا عدة أطنان"، فتظن أنها أمر كبير، ولكنك عندما تجد أنها تحتوي كونتينرات (حاويات) كلها أدوية جرب وقمل وكونتينرات أخرى هي عبارة عن كالونات (أوعية) فارغة كي تملأ الماء، وقد كان الكالون (الوعاء) جميلًا وقابلًا للطي والفتح، ولكنه في النهاية مجرد بيدون (وعاء لتخزين السوائل)، فليس هذا ما أبحث عنه. وفي الوقت نفسه تلك الخيام التي عليها شعارات خاصة بالأمم المتحدة و"اليونيسيف"، ليس هذا ما نحتاجه.
جئت لأرى الطبي مثلًا: أنا في الغوطة في جو حرب وحصار وكذا، أنا بحاجة إلى سيرومات، وأنا بحاجة إلى مواد التخدير، ولكنهم لم يُدخلوا لنا مواد جراحية، ولم يُدخلوا لنا سيرومات، مثلًا: [كان هناك] بعض المضادات الحيوية ولكنها منوعة بطريقة وكأنه يحضر تشكيلة لضيعة، أي بعض القطع من الحبوب، مثلًا: 100 علبة من "الأوغمنتين"، فهذه كيف أوزعها على الغوطة؟! إذا وضعتها في مركز واحد فإنها تُصرف في يوم واحد. أحضروا أيضًا البعض من زبدة الفستق والبسكويت عالي الطاقة، فهذه أدخلوها، وطبعًا الفاصولياء اليابسة والطحين والحمص والزيت النباتي والزيت الذي يُستخدم للقلي، فهذه كانت هي القوافل.
القوافل من حيث المبدأ أن أي شيء يدخل هو مكسب بالنسبة لنا أمام الجوع العام، فنحن الآن نتحدث عن أحداث الغوطة، ولكن الحصار لم يتوقف، ولم يكن لدينا سوى مسرب الأنفاق بكل تعقيداتها وأسعارها، أسعار المواد التي تدخل إلى برزة ومحدوديتها، وبعد ذلك كيف ستهربها وتدخلها؟! فالغوطة طوال هذا الوقت كانت تعاني من واقع حصار ومجاعة، وتحاول أن تتغلب بوسائلها، سواءٌ بالزراعة أو بطريقة الاقتصاد المنزلي أو بطريقة حفظ الأطعمة، في الحقيقة لقد عشنا حياة رجعنا فيها 100 سنة إلى الوراء من حيث طريقة حفظ الأكل وطريقة الزرع، حيث كنا نزرعها في قطع الزريعة، فهناك ثقافة مجتمع مقاوم يقوم بتربية الدجاج وتربية الأرانب، بمعنى أنه مجتمع يبتدع أساليب من أجل الحفاظ على الذات والحفاظ على البقاء والحفاظ على الحياة.
كانت هذه القوافل تأتي كدفعة صغيرة [نحو الأمام]، ولكنها محدودة أمام احتياجات المجتمع ولا تكفي، فإذا وُزعت لا تكفي احتياجات يوم واحد إذا وُزعت على الغوطة بأكملها، وإذا وُزعت على المنطقة التي أحضرتها فقط فإنها تكفي احتياجات الأسرة لمدة أسبوع، وماذا بعد؟ كان هذا هو سقف التغطية باحتياجاتها، ومع ذلك نحن تحدثنا وقدّمنا احتياجاتنا الحقيقية، شرحنا لهم الواقع السكاني والمعيشي والصحي والغذائي، طبعًا كل شخص شرح بمجاله، فلا أدعي أنني شرحت [كل شيء]، كانت هناك روح العمل الجماعي، وشرحنا لهم احتياجاتنا، وكنا نلمس عندهم تعاطفًا كبيرًا، وبالفعل لدرجة أن بعضهم كان يذرف الدموع من هول ما يرى، ولكن في النهاية هم محكومون، فحتى هم لا يقدرون أن يقدموا أكثر مما يُسمح به، سواءٌ من النظام أو توافقات الدول والمسارات التي كانت تسعى بالحل السياسي. هذه القافلة الأولى والقافلة الثانية كانتا في العام 2016، ولدينا صور وتوثيقات لها، وكنا نتحدث معهم وكانوا يخاطبوننا بهذا السقف.
من الأمور التي حدثت في العام 2016 على الصعيد الطبي، سأعود إلى سابقة وأنا أفتخر بها، وأعتبر أنها بصمة حققناها في مشفانا مشفى الكهف، والتي هي أننا في البداية ثبّتنا مبدأ تداول الإدارة، وتبدّلت إدارتان في المشفى بعد أن كنت أنا المدير المؤسس، وجاءت بعدي إدارتان، بعد ذلك أصبحنا أمام استحقاق الإدارة الثالثة؛ فعندها قلنا: دعونا نقدّم الوجه النسائي، فقد كانت معنا طبيبة شابة من جيل الشباب، وهي الدكتورة أماني بلور، وهي طبيبة كانت مقيمة أطفال، وضحّت باختصاصها كي تبقى في الغوطة وتشتغل مع أهلها وناسها، وكانت معي في فريقي منذ البدايات، وهي طبيبة جادة واعدة متفهمة، لم يحدث في يوم من الأيام خلال فترة عملي أن كان لديها أي مشكلة أو أي إشكال مع أحد، في الحقيقة أنا فخور أنها كانت جزءًا من فريق عملي منذ البدايات، طبعًا هي وهناك آخرون في الكادر.
وصلنا إلى استحقاق أننا نريد المكتب الطبي الخاص بنا في كفربطنا، والآن أصبح وقت تجديد الإدارة؛ وعندها دخلنا في لعبة التوازنات الانتخابية، وأقنعتها [حيث قلت لها]: "دكتورة ما رأيك أن تتقدمي وأن تكوني مرشحة؟"، وكانت عيني على أماني لأنني أريد عودة لون الثورة الحقيقي وبصيغة امرأة وشابة. ومن خلال تجربتنا حتى في الهيئة العامة (الهيئة العامة في الغوطة الشرقية – المحرر)، كنت من أنصار أن يكون هناك تمثيل نسائي معنا. فدار حديث بيني وبينها، [وقلت لها]: "يا دكتورة، ما هو رأيك؟"، فقالت لي: "أنا أجدها صعبة ولم أجربها سابقًا، وأخاف (...)"، [فقلت لها]: "لا تخافي، سنكون إلى جانبك"، و[سألتني]: "هل ستكون معي؟"، [فقلت لها]: "سأكون معك لا تهتمي".
في الحقيقة خاضت الدكتورة تجربتها، وكانت التجربة الأولى في العام 2016، وأثارت استغرابًا حتى في الغوطة، وهذه التجربة هي الأولى في الغوطة بأن تُنتخب أنثى على مؤسسة أسسها الذكور، وذلك بالتداول والانتخاب، فقد كنا نرى في الغوطة مثلًا: مؤسسة تنموية ومؤسسة تُعنى بشؤون المرأة وبشؤون الطفل وبشؤون كذا، فتكون مؤسستها امرأة، وهي في الأصل هذا جانبها، فكيف للذكر أن يكون أيضًا على رأسها؟! أو مثلًا: مكتب المرأة في المجلس المحلي انتخبوا امرأة، ولم يكن ينقصنا سوى أن ينتخبوا رجلًا لمكتب المرأة! أما في مؤسسة فيها "هوارين" (كبار – المحرر) مؤثرون في السياسة والعمل الطبي وذكور، وفي التداول وفي الانتخاب نحن نرجع خطوة إلى الوراء، ونقدم فيها هذه الطبيبة الشابة (...).
انتخبنا الدكتورة أماني، طبعًا كانت إدارتها هادئة متوازنة، لم تكن إقصائية لأحد، كانت خطواتها محسوبة في الشغل، طبعًا أنا كنت إلى جانبها في كثير من قضايا المشفى، حتى في قضايا العلاقة مع الجهات الداعمة للمشفى، كنت إلى جانبها تمامًا، أحيانًا كانت تحدث بعض الإشكالات في العمل كأن يُعاقب ممرض، أو ممرضة فعلت كذا، فهي كانت تتعامل بهدوء وحسن الإدارة.
كان البعض يأتون إليّ أحيانًا، ويقولون: "الدكتورة فعلت كذا، وأنا أريد أن أفعل ذلك"، فكنت أغلق في وجههم (أمنعهم من التمادي - المحرر)، و[أقول لهم]: "الدكتورة مديرتنا كلنا، وكلامها سيمشي"، تلك هي المنهجية التي كنت أسير وفقها، كنت أتعمد عندما أدخل - هي تحترمني كثيرًا - صرت أتعمد [أن أقول]: "مرحبًا، كيف حالك معلمتنا؟ نعم، الدكتورة أماني الآن هي معلمة الجميع"، وبدأت المخاوف التي عندها تتبدد وعملت.
الفرق (...)، هناك نقطة مهمة ولا أعزوها لرجل أو امرأة بقدر ما أعزوها لنضج ونوع الشخصية، مثلًا: كانت هناك إدارات سابقة في المشفى، ومرت سنة كاملة ولم يترك بصمة إلا أنه زاد الدعم وازدادت الرواتب وجعل الكادر أكبر، فهذه ليس بصمة. أنا كنت أتناقش معها، وأقول لها: "أنا مثلًا تركت بصمة التأسيس، أحضرت جهاز الأشعة مثلًا في الوقت الذي سيستثمره من سيأتي بعدي، ولكنني أحضرته"، والدكتورة أصبحت تريد أن تقوم بـ (...)، لم تكن هناك هذه النظرة المادية التي تتركز على الرواتب والمكافآت، فهذا لم يكن موجودًا، ولكنها أيضًا تركت بصمة مثلًا: طورت قسم الاستشفاء، وجهزته من حيث البنية التحتية الخاصة به ومن حيث الأسرّة، كما أقامت قسم جراحة تنظيرية بولية وقسم جراحة تنظيرية، وبالتالي تركت بصمات بمعنى أنه [عند المقارنة بين] مرحلة ما قبل أماني وما بعد أماني هناك هذا الأمر الذي أُضيف وبقي في المشروع. هذا النوع من الإدارات هو الذي أعتبره من الإدارات الناجحة.
أذكر مثلًا أن أول اجتماع لها كان يضمّ مدراء المشافي، وكانت مترددة وقالت لي: "هل ستكون في الاجتماع؟"، فقلت لها: "نعم، سأكون على اعتباري مديرية"، فقالت لي: "هل تتحدث أنت؟"، قلت لها: "لا"، فقد كانت متهيبة كونها لأول مرة ستذهب إلى اجتماع كله ذكور، كانوا جميعًا مدراء مشافي وأطباء، ونصفهم ملتحون، حتى إنهم قد لا يتقبلون وجود طبيبة شابة جاءت كأي طبيب منهم. ذهبت وحضرت، وبعد ذلك أصبح لها رأيها، وحدث الكثير من المواقف التي وقعت صدفة وكانوا يقولون لي: "في الموقف الفلاني كانت الدكتورة (...)، هل تحدثت معها في الموضوع الفلاني؟"، فأقول لهم: "لا أبدًا"، فيقولون لي: "نحن تخيلنا رؤيتها أو حلها وكأنك أنت من [تقترحهم عليها]"، وفي الحقيقة أنا كنت أراها وكنت أرى نمط تفكيرها والمسألة المادية غير موجودة لديها أبدًا، وهي تريد أن تترك بصمة، وهي متابعة مواظبة، فهذه شخصية الإدارة الناجحة، سواءٌ كانت ذكرًا أو أنثى، وهذه المواصفات تحققت فيها. لقد أخدت فرصتها، ويُسجّل لنا كأطباء ذكور ومدراء ومؤسسين أننا عدنا خطوة إلى الوراء وقدّمناها، ويُسجل لها أنها نجحت في التجربة، ويُسجل للغوطة أول مؤسسة يأتي على رأسها أنثى بالتداول، وليست أنثى [أتت] على [أساس] كوتا (تخصيص حصة من المقاعد للنساء – المحرر) مكتب المرأة أو كوتا شؤون المرأة وشؤون الطفل، وإنما إلى مكان يشغله الذكور عادةً، فهذه أعتبرها تجربة سبّاقة.
من عمل الدكتورة في المستشفى، ويهمني هنا أن أوضح شيئًا، بدأت تُعرف وبدأت تدخل في الشأن العام، وأصبح لديها ظهور إعلامي، وأصبحت تشرح قضايا الغوطة وقضايا المرأة، ونحن بالتوازي كنا في مشروع الهيئة العامة [في الغوطة الشرقية]، وكانت هناك كتلة كبيرة ترى أنه يجب أن يكون هناك تمثيل للمرأة أيضًا، فليس من المعقول أن تكون هناك هيئة عامة وغوطة وثورة وحرية بينما نغيّب دور المرأة، فالمرأة لا يكون تمثيلها فقط في مكتب المرأة ومزهرية وموجودة فقط عن المرأة، وإنما لها دور وهناك ناشطات مؤثرات وهناك ناشطات كنّ معتقلات، وهناك ناشطات (...)، ولكن ذلك كان يُقابل عمومًا من قبل التيار المشيخي بقولهم: "لازال الأمر مبكرًا، وسنعمل على ذلك، وأجّلوا ذلك للمستقبل". تحدثنا على صعيد إدارة المستشفى وتجربة التداول وانتخاب طبيبة من جيل الشباب في مشفى الكهف.
مع سقوط داريا وسقوط حلب وتهاوي هذه المناطق، خلق ذلك عندنا شعورًا أن الغوطة لن تكون استثناء، وسيأتي يوم ونُستهدَف، وحينها تداعينا جميعًا، كما كنا نتداعى لوأد الصراع الفصائلي الذي خسرنا بنتيجته أراضي، وكما كنا ندعو لـ "جيش إنقاذ وطني" وتوحيد البندقية بالاتجاه الصحيح، فإننا أيضًا دعونا لاجتماع وقلنا: "يجب أن نضع خطة طوارئ مركزية، والتي تتضمن أنه قد يأتي يوم ونتعرض فيه إلى ما تعرضت له حلب"، فقد كانت صورة الحرب والدمار وطريقة التهجير وصدمة حلب صدمة كبيرة (سقطت أحياء حلب الشرقية وخرجت آخر مجموعات الثوار منها في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2016 – المحرر)؛ لأننا كنا نعتبر أن حلب ودمشق عندما تكونان معاقل ثورة قوية ومناطق محررة يختلف الوضع عن خروجهما من المعادلة لتتحول القصة إلى مناطق نائية ومتفرقة ونظام حكم مركزي.
هنا دعونا إلى اجتماع، وكانت هناك فعاليات من مختلف التخصصات، سواءٌ من الإدارة المحلية أو المحافظة أو الطبية أو الإغاثية، أي مختلف التخصصات، و[قلنا] إنه يجب أن نضع خطة طوارئ مركزية نبني فيها مخازن استراتيجية، أي مقومات الصمود، ودعونا نتخيل أننا الآن سنتعرض لما تعرضت له أو الذي تتعرض له حلب؛ لذلك يجب أن تكون لدينا مقومات الصمود، وهي مخازن استراتيجية، سواءٌ كانت غذائية أو طبية أو لوجستية. وطبعًا الفصائل كانت لها خطتها، وهذا ليس عملنا من ناحية تأمين مستلزماتها العسكرية، مثلًا: مترسة، تجهيز الأقبية، ملاجئ في حال تعرضنا لفترات قصف طويلة وكثافة غارات وطيران، وثقافة الأنفاق التي نشأت في الغوطة منذ بداية الحصار كانت تتطور، وبدأنا بفكرة الربط تحت الأرض حتى في البلدات.
خرجنا بخطة طوارئ مركزية، وكل قطاع أخذ ما يخصه منها، مثلًا: المحافظة والإدارة المحلية أخذت فكرة الملاجئ ووصل الملاجئ بين بعضها، وبالنسبة للمحافظة التعاون مع الجانب الإغاثي وقصة بناء المخازن الغذائية واللوجستية مثل المحروقات، وما يتعلق بنا كعمل طبي كانت هناك نظريتان: نظرية أن نقوم بدراسة عن مخزون استراتيجي كبير للغوطة ومستودع مركزي حسب الاحتياجات، ويتم صرف المواد فيه، بينما أنا كنت مع الرأي الذي قال: لا، ليكن عندنا تعدد بؤر، فالغوطة بحالة حرب، وقد تسقط منطقة، وقد تسقط أكثر من منطقة، وقد يحدث نزوح داخلي، وهذا كله يجب أن نأخذه بعين الاعتبار، بالإضافة إلى أن أي مستودع مركزي رأس ماله قذيفتان أو 3 ونخسر كل شيء، فمن الخطأ أن نضع كل البيض في سلة واحدة.
في النهاية اعتمدنا خطة الطوارئ التي تقول: كل المشافي المنتشرة في قطاعات الغوطة الجغرافية، كل مشفى حسب ميزانيته وجهته الداعمة يقدم دراساته لجهات دعم العمل الطبي، بحيث يكون هناك بناء مخازن استراتيجية تكفي للعمل 6 أشهر أو سنة، ومترسة وتحصين، وهناك شيء اسمه النفق والمخارج بعد ذلك، والأماكن البديلة ووصل الأماكن مع بعضها، هذه الخطط كان فيها مرونة التطبيق المناطقي وفق المنطقة ووفق كثافتها السكانية ووفق الإمكانية المادية، ومن الخطأ الفاحش أن موضوعًا كهذا يُقارَب بعقلية المركز الواحد والمستودع الواحد؛ لأنني عندما أخسره سأخسر كل شي.
فعلًا حينها انطلقت كل المؤسسات الطبية التي كانت قائمة، وكلها كان دعمها منتظمًا، وكان هذا الهاجس الموجود لدينا موجودًا في الخارج أيضًا، وبدأت المشافي والمراكز بخطة استجرار المواد، وكنا نستفيد من وجود الأنفاق في برزة والقابون في بناء هذه المخازن، ولم يكن تعويلنا أبدًا على القوافل الأممية؛ لأن القوافل الأممية محتوياتها مختلفة كليًا عن احتياجات الغوطة. هنا بدأ كل مشفى (...)، وعندها ستلاحظ الفرق بعقلية إدارة المشفى، فعقلية إدارة المشفى عندما يكون فيها وعي والتزام ونزاهة تجد أن الكتلة المالية الكبيرة التي جاءت بُني على أساسها مخزون جيد، كذلك تحصّن وتمترس وتجهزت أماكن بديلة، بينما المؤسسة الأخرى التي قد لا تكون إدارتها على مستوى كبير، فربما كتلتها المالية تذهب إلى الرواتب والتعيين وقصص أخرى لا فائدة منها، وهذا الكلام كله رأيناه في الحملة الأخيرة، ورأينا الكثير من المشافي والمراكز من أول الأمر قالوا فورًا: "نحن انتهى أمرنا، ولم يعد عندنا شيء".
هناك مشافٍ ومراكز تعرضت لضربات، وكلنا استُهدفنا وضُربنا، ولكن البعض كان يقول من أول الضربات: "أنا انتهيت"، بينما مثلًا أنا أقول: في هذا المشفى الذي كانت تديره تلك المرأة الشابة، خرجنا وكان عندنا مخزون استراتيجي، طبعًا كان مخزونًا بسياسة عمل التقنين والأولويات، فلا يوجد بذخ باستهلاك الخيطان، وهو مخزون يضعني بأمان، فأنا لدي القدرة ولفترة 6 أشهر أو 8 أشهر على أن أعتمد على ذاتي ولا أقول: "لم تعد عندي إمكانية العمل".
هذا المخزون وحفر الأنفاق وتجهيز الأماكن البديلة تلك كلها كلف مادية، وهي كانت دائمًا وهي أصلًا فلسفة الخلاف التي كنا نثيرها على الطاولة المستديرة، عدنا بعد ذلك ووجدناها على أرض الواقع مثلًا حيًا، فإذا كانت كتلتي [المالية] 100، وإذا حولتها إلى أجور ورواتب، فلن أقدر أن أبني المخازن، ولم يعد يحق لي أن أصرخ وأقول: "هناك حصار"، بينما إذا كانت كتلتي 100 وصرفت نصفها رواتب ونصفها الآخر أبني به مخزونًا فهذا جيد، وإذا صرفت ثلثها رواتب وبنيت بثلثيها مخزونًا فإنني أكون إنسانًا مثاليًا جدًا، فهنا المعايير الحقيقية تظهر عند التطبيق.
كان المشفى (مشفى الكهف – المحرر) من المشافي الناجحة التي استطاعت أن تبني مخزونًا، واستطاعت أن تمترس، وتعرضنا لضربات ولو كان المبنى محصنًا، ولكن كانت المترسة والأنفاق ومخارج الطوارئ والأماكن البديلة والربط مع مراكز الاستشفاء الأخرى تحت الأرض، فقد كان لدينا نفق طوله كيلومتر تقريبًا، وكنا نربط مع مشفيين آخرين.
هذا الكلام أراحنا كثيرًا في فترة الهجمة الأخيرة (بدأت الحملة الروسية الأخيرة على الغوطة الشرقية في 18 شباط/ فبراير 2018 – المحرر) التي لم نكن نقدر خلالها أن نخرج فوق الأرض، حيث قضينا شهرًا ونصفًا تحت الأرض، فهذا كله وجدناه. صحيح أن المنطقة سقطت، وكانت قد سقطت غصبًا عنا، وصحيح أنهم دخلوا ووجدوا مستودعاتنا مليئة، وهم وجدوا مستودعاتنا مليئة؛ لأننا لم نأخذ العائد المالي لنحمله بشكل مدخرات، وإنما العائد المالي الذي كان يأتي للمشفى كنا نضعه هنا، هذا الذي ظهر، وهذا الذي كنا نعول عليه كي نصمد.
هذه الجوانب كلها يهمني أن أركز وأضيء عليها كي أثبت أمرًا أنا مقتنع به، وهو أن قضية نجاح الإدارة وقضية النزاهة والأمانة لا تعرف ذكرًا أو أنثى، هي على السواء بين الاثنين.
انتهت سنة 2016 بمجمل هذه الأحداث، وهذه كلها كانت تؤسس للشيء القادم في العام 2017، والذي كان عام استحقاقات كبرى وأمور فارقة في مسيرة الثورة في الغوطة، فعام 2017 كان غنيًا جدًا، وكان يتضمّن الكثير من الإرهاصات و المعارك والخيارات الفاصلة، فكان هناك سقوط برزة والقابون، وكان هناك اقتتال ثانٍ واقتحام الغوطة، وكان هناك انقسام الفعاليات المدنية والهيئة العامة ما بين الطوباوية والواقعية، وهذه لها بحثها الخاص بها، وكانت هناك اتفاقيات خفض التصعيد التي وقعها "الجيش" ("جيش الإسلام") و"الفيلق" ("فيلق الرحمن")، وكانت هناك القيادة الثورية الموحدة التي لم ترَ النور؛ فقد كانت في شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2017 وكان السقوط في شهر حزيران/ يونيو [2018]، وكانت هناك معارك جوبر التي لم توقف التصعيد الكبير الذي كان يتبعه النظام باتجاه معارك جوبر ومعارك نسمي منها معركة الكمائن والأنفاق، وحتى النظام صار يحارب بنفس الطريقة، وانتهى العام 2017، وبعد ذلك دخلنا بالعام 2018 وبدأ التصعيد باتجاه الغوطة، وبدأت الحملة الأخيرة التي انتهت بالتهجير، طبعًا كل حدث وكل نقطة من هذه النقاط لها حقائقها التفصيلية، وبإمكاني الحديث عنها.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/08/23
الموضوع الرئیس
واقع الغوطة الشرقية عام 2016حصار الغوطة الشرقيةكود الشهادة
SMI/OH/52-37/
رقم المقطع
37
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2016
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
منظمة الصحة العالمية
مديرية الصحة الحرة في دمشق وريفها
منظمة الأمم المتحدة للطفولة / اليونيسف - الأمم المتحدة
مشفى الكهف في الغوطة الشرقية
برنامج الغذاء العالمي