محاولات اختراق الحراك، تأسيس مشفى "الكهف" والمكتب الطبي الثوري الموحد
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:32:10
يحضر في ذهني مثالان [عن محاولات اختراق الحراك في الغوطة]: أنا أذكر في أواخر عام 2011 وعام 2012 التقيت بشخصين قادمين من دمشق، أنا لا أعرفهما سابقاً ومن لهجتهما واضح أنهما فعلاً من أبناء دمشق ويتكلمان باللهجة الشامية، وأذكر أنه جاء شخص اسمه أبو أحمد وكان يقول إنه يحب أن يجلس معي ويتكلم بحديث، فقلت له تفضل، فقال: أنا أرى أن الشباب يشكّلون كتيبة والكتيبة تحتاج لدعم كما تعلم، وتحتاج لتسليح، ويبدو أن التوجه الآن في كل الثورة والعالم نحو إسقاط النظام، ونحن يجب أن نعمل على دعم الجيش الحر، فقلت له: هذا كلام جميل جدًا، فقال: أنا أقترح أن يسموا الكتيبة باسم صحابي لا أذكر اسمه، وكان الشباب في البلد لم يعلنوا بعد اسم الكتيبة، فقلت له: على حد علمي أن الشباب عددهم محدود ويقومون بتجميع بعضهم وأعتقد أنهم يلتقون بشباب المناطق الثانية، ويهمنا أن يكون "جيش حر" بمعنى الكلمة وأن يكون على مستوى الحدث وعلى مستوى مواجهة النظام وحماية المنطقة، فقال: حسناً ولماذا لا يكون الاسم كذا؟ فقلت له: الاسم ليس [مهمًا جدًا]، وعلى حد علمي لم يعتمدوا بعد على اسم معين، ولكن الاسم أياً يكن نحن يهمنا الفعل وفكرة الجيش الحر. فلمست أن لديه إصرار على هذا الاسم، وهو اسم صحابي يغيب عن ذهني حاليًا، فقلت له: إذا افترضنا أن هؤلاء الشباب جلسوا وتناقشوا، وتم طرح هذا الاسم من بين الأسماء التي سيختارونها عنوانًا للكتيبة، ولم يتوافقوا على هذا الاسم، هل تُحجم عن دعمهم؟ فقال: نعم طبعًا، [فالأمر مرتبط] بالاسم الذي سيختارونه، [فتفاجأت]، وهنا بدأنا نتحدث وقلت له: عذرًا أنا لا أعرفك وأنا أفهم من كلامك أنك تحمل مشروعًا، وهنا بدأ يتحدث لي عن المشروع الإسلامي، فقلت له: إذا لم تتم تسمية [الكتيبة] بهذا الاسم هل سيغير ذلك من هوية الشباب؟
نحن في الغوطة كان الحصار يتنامى وحالة الحرب والتعبئة في المجتمع عام 2012 أصبحت أمرًا واقعًا، صحيح أن الغوطة محررة من الداخل، ولكن يتمّ التضييق عليها من الخارج، ويوجد قصف وهناك مآسٍ تحدث بسبب القصف، ويوجد احتياجات غذائية وطبية وخدمية، وكل هذه الأزمات بدأت تعيشها الغوطة، وبالتالي كانت محتاجة لمن يستطيع المساعدة، ولم يعد مال التبرع المحلي من أشخاص ميسورين أو أشخاص مؤمنين بفكرة الثورة يحلّ الأزمات. وبدأ يأتي [أشخاص] ليساعدوا بالمجال الطبي والإغاثي، ولكن هؤلاء يأتون بالأسماء الحركية، وبالنسبة لنا نحن كأبناء غوطة أي شخص قادم بداية قد يكون خرقًا أمنيًا، ولكن بعد ذلك نرى العمل ونرى شبكة علاقات يبنيها على الأرض، وأغلب هؤلاء الناس والمال الذي أتى كدعم أنا أصبحت على قناعة بأنه جميعه مرتبط بأجندة، ونادر جدًا [أن تجد من يقول لنا:] أنتم اعملوا بحسب أولوياتكم وطرحكم وابقوا على طرح الثورة والتغيير والحرية وأنا سأدعم عملكم، كان [هذا الأمر] قليلًا جدًا في الحقيقة، وربما رأيناه نوعًا ما في [المجال] الطبي كونه عملًا إنسانيًا تخصصيًا. وأما في الجوانب الإغاثية والتنموية والتعليمية، كان يأتي[شخص] (...)، وكانت مدارسنا مخربة فالنظام قد خرّبها، ولدينا شح كوادر لأن جزءًا كبيرًا من الكوادر التي كانت تعمل لم يأتِ، وجزء من أهالي الغوطة ركضوا وراء الأمان وذهبوا إلى دمشق، ومنهم المعلمون والأطباء والكوادر الطبية، وخصوصاً هم من اللون الرمادي الذي [يقول:] نحن نذهب للأمان وهناك من يقوم بالمهمة، وكانت هناك [فكرة] أن القضية في سورية ليست طويلة. فكان هناك شحّ، ونحن مثلاً في الغوطة محتاجون لمنشأة تعليمية أو ترميم منشأة تعليمية، ويدخل أحد الأشخاص من هذا العنوان ولديه مال ويضع مناهج سعودية أو أو، وكان لدينا مشكلة بأن التعليم بالذات يحتاج إلى تحديد المناهج من قبل أبناء الثورة، فمناهج النظام مثلًا في المواد العلمية والأدبية هي مناهج تعليمية لا نحتاج إلى تغييرها، ومادة الثقافة القومية أُلغيت وصور "الرئيس" وكل ذلك أُلغي، ولكن من غير الممكن أن أخترع منهاج رياضيات جديد لواقع ثورة أو أُعيد قراءة التاريخ، أو مثلاً أثقّل مواد على حساب مواد، فأنا يهمني تأهيل طالب المدرسة لثانوية عامة حتى يدخل جامعة، وأنا لا أريد تأهيله لحالة حرب. كانت بعض المشاريع التعليمية التي تأتي وكأنها تعدّ جيلًا مؤدلجًا، وهذا الكلام كنا نلمسه، والذي كان يقول نحن قمنا بمشروع في قبو آمن تحت وطأة الجوع، ونقدم للطلاب كأسًا من الحليب التي كانت في ذلك الوقت شيئًا عظيمًا، وأنا إذا أردت إرسال ابني إلى مدرسة في قبو وأمان وفيها كأسًا من الحليب فلن أجد أفضل من ذلك، ولا أشتري له الدفتر حيث هناك من يعطيه الدفتر، وأنا هنا أتحدث عن [المجال] التعليمي. في [المجال] الإغاثي بدأنا نرى هذا الكلام وحتى في الطبي، ولكن في الطبي كان يوجد نضج بالموضوع، وسأتحدث عنه.
أنا أتحدث عن مرحلة عام 2012 وعندما يأتيني شخص ويقول أريد أن أساعدكم، أقول له: كثّر الله خيرك، وعندما يبني فريق عمله يتبين لونه، وكذلك عبر طرح النقاش الاجتماعي، وأنا شخص من الناس كان لدي حساسية تجاه هذه [الأمور]، ومن أراد أن يأتي [ويدعم] عليه أن يأتي تحت إطار المؤسسات القائمة، فإذا أردت أن تدعم عملًا إغاثيًا مثلاً ويوجد مكتب إغاثي في هذه المدينة وتلك البلدة وتلك البلدة، حسناً ادعم هذه المكاتب الإغاثية التي تعين الأهالي، أما أن تأتي وتقوم بمشروع خاص بك بـ "لوغو" وشعارات وعنوان. بدأ ذلك في [المجال] الإغاثي، ولكن بعد ذلك ومع تطور الحراك أصبحنا نراه في [الجانب] السياسي.في العام 2012 الغوطة بدأت تعاني، وكانت بحاجة لدعم سواءٌ في [المجال] التعليمي أو الإغاثي أو الطبي أو المسلح، وفي كل القطاعات، وفي الخدمي.
بدأ النظام يستهدف عام 2012 المشافي القائمة سواءٌ كانت حكومية أو خاصة، وبدأ باستهداف المدارس والأسواق، وأنا كتجربة شخصية [أتحدث] بدأت أقول أنه لا بد من العمل على المشفى الثابت الذي يمتلك القدرة على استقبال إصابات حالة الحرب التي أصبحت قائمة وخدمة الناس. وفي الشهر العاشر (تشرين الأول/ أوكتوبر) من عام 2012 على ما أعتقد، ونحن كان يوجد لدينا في مدينة كفربطنا مبنى كبير وهو مبنى مشفى إسمنت مسلح أنشأته جمعية أمراض السل، وفي عام الثورة 2011 كانت الجمعية قد استكملت البناء والإكساء وبدأت تدخل بطور إنهاء الإكساء وطور التشغيل، ونحن كنا نبحث عن مكان آمن من حالة القصف والاستهداف، وهذا مبنى كبير يوجد به طابق -1 (تحت الأرض)، وقلنا فلنفعّل المشفى الميداني هنا، فهو من جهة كبناء آمن وكبير ولدينا مساحة، ولكن كان تأهيل المكان (...) فهو كان مكبًّا لكل مخلفات الإكساء والبناء من إسمنت وتراب وجرذان وفئران وخشب مكسر، وأذكر في وقتها أن جميع [العاملين في المجال] الطبي فزعنا (تعاوننا) وحتى أيدينا أصابتها الجراح من كبيرنا إلى صغيرنا، وحتى في بعض الأعمال شاركتنا البنات اللواتي كنّ يعملن في النقطة الطبية، وأزلنا الأنقاض وشطفنا، وجهزناه وأهلناه كمكان ليكون مشفى. مستلزماتنا الطبية التي كنا نستخدمها سواءٌ في الحقيبة المتنقلة أو في النقطة الطبية المخفية، أو ما كنا نخزنه في مستودع من مواد طبية وبعض التجهيزات، بدأنا بتجهيزها بحيث أصبح لدينا قسم إسعاف،وجهزنا غرفة عمليات، وبعض أسرة الاستشفاء بحيث أصبح لدينا القدرة على القيام بعلاج كامل ومتكامل لأي إصابة، وهنا أسسناه وسميناه ترميزًا مشفى "الكهف"، وهذا المشفى بعد ذلك تطور وأصبح مشفى تخصصيًا، وأصبح مشفى مركزيًا في الغوطة.
وأنا أذكر كان يوم خميس في آخر الليل الساعة 12 أو 1 ليلًا وكنا نجهز غرفة العمليات وكنا نختبر السرير فهو كان "شيزلونج" فحص (مقعد طويل للتمدد والاسترخاء)، وهو كان سرير العمليات وليس طاولة عمليات نظامية، وكان لدينا ضوء متحرك ساهمالشباب بتصنيعه، وكان يعطي إنارة لساحة عملية جراحية، وطبعاً مواد التخدير و"الأمبوباج" (وحدة الإنعاش اليدوي)، وطبعًا كان كله تنفيسًا يدويًا ولم يكن لدينا المنفسة الآلية، ولكن المهم أنه إذا كان لدي إصابة أنا قادر على حل مشكلتها.
سبحان الله كان يوم خميس الساعة 12 أو 1 أو 2 تقريبًا، انتهينا وارتحنا واستعددنا للنوم، وفي اليوم الثاني بعد صلاة الجمعة ضربت [طائرة] الميغ عند جامع (جامع النور في كفربطنا – الشاهد) في أثناء صلاة الجمعة وسقط مصابون وشهداء بشكل مباشر، وفعلاً في وقتها حمدنا الله أننا قد أنجزنا عملنا قبل يوم، وجاء الإسعاف إلينا وحتى أحد المصابين كان من الكادر الذين يعملون بشكل تطوعي في العمل الطبي والإسعاف، (وهو الممرض المتطوع ابراهيم رحال – الشاهد)، ووصل إلى المشفى بحالة توقف قلب، فأنعشناه وكان لديه إصابة طحال وحجاب حاجز، والحمد لله تم الأمر والله وفقنا وتحسن وخرج وهو الآن موجود في الشمال الله يحميه.
نحن أسسنا هذا المشفى في الشهر العاشر (تشرين الأول/ أوكتوبر) عام 2012، وأنا الآن أتكلم عن التجربة المحلية، ولكن في الوقت نفسه كانت كل مناطق الغوطة تعيش التجربة نفسها، وكنا ككوادر طبية منذ العام 2011 و2012 قد بدأنا نتواصل مع بعضنا ونقدم خدمات لبعضنا، فمثلاً عندما يكون هناك ضربة (قصف) في سقبا فأنا أذهب إلى سقبا وأعمل مع أطباء سقبا، وعندما تكون الضربة في المرج فتجد جرّاح سقبا وجرّاح كفربطنا مع جرّاح المرج يذهبون للعمل سوية، فكانت هذه روح الفزعة الإيجابية المناطقية، إضافة إلى وعي الكادر الطبي الذي كان قائمًا.
الطريقة نفسها كانت في مختلف مدن وبلدات الغوطة لأن الظروف الموضوعية واحدة، وأصبح هناك شيء اسمه المشفى الميداني والمكتب الإغاثي، وتجتمع هذه الفعاليات وتشكّل المجلس المدني الثوري، وكانت وقتها عبارة المجلس المدني الثوري، وبما أن النظام حرمنا من كل الخدمات سواءٌ البلدية أو الصحية فنحن نريد وبشكل عفوي [أن يصبح] الناس الفاعلون على الأرض هم نواة المجلس المدني، يعملون ويحاولون سد الخدمات التي حرمنا منها النظام. وفي وقتها سرت ثقافة المجلس المدني المحلي الذيأسسه الناشطون الثوريون القائمون بقطاعاتهم التخصصية التي تجمع الطبي والإغاثي والإعلامي، وهي بنية المجلس المحلي الذي بدأ يضع خدماته ويدير الأمور الإدارية والخدمية في البلدة [على أساس] واقع ثورة طبعًا.
كيف كانت مشاركة المرأة؟ كانت مشاركتها في العملية التعليمية والمكاتب التعليمية، وطبعاً المشاركات بين بلدات الغوطة بالنسبة لدور المرأة كانت متفاوتة حسب الظروف الاجتماعية الخاصة بكل بلدة، هذا أولًا، وكذلك حسب الكفاءات الموجودة في كل بلدة، فإذا كانت البلدة لا يوجد بها كفاءات فهو أمر طبيعي ليس فقط ألا تجد نساء، ولكن من الطبيعي ألا تجد بها حتى رجالًا يعملون. هذه الظروف الموضوعية التي هي الحالة الاجتماعية لكل بلدة طبعاً كانت موجودة وتترك بصمتها، وأنا الذي أذكره أنه في المشفى كان المتطوعون الذين يأتون ليقوموا بعمل تمريضي وحينها لم يكن هناك شيء اسمه وظيفة ولا راتب، وكان العمل طوعيًا، ونصف الكادر الذي لدي كان من البنات ونصفه من الشباب، وهم إما طلاب تركوا جامعاتهم وبدؤوا بالعمل [معنا] أو بعضهم كانوا موظفين وموظفات قد تركوا وظائفهم، وكذلك مهنيين.
في حالة روح الفزعة أبناء المنطقة بدؤوا يشعرون بأنهم في حالة حرب، وهناك عدو كان محتلًا وخرج، وشاهدوا "رزالته" وكل القذارات التي تجعل الصورة واضحة جدًا لديهم، واستمروا بحالة الفزعة، وكان هناك دور واضح للمرأة في ذلك العام في العمل الطبي، وخصوصًا الطبيبات والممرضات أو المتطوعات، وفي العملية التعليمية كان لهن حضور، وفي باقي الجوانب تطور [حضورهنّ] لاحقاً وسوف نتحدث عنها طبقًا لفترتها التاريخية.
هناك أمر مهم جدًا، نحن تحدثنا أنه أصبح لدينا في الغوطة الكتائب في الجانب المسلح، ألوية وازنة، وبدايات المال المشروط بأجندة للدعم هنا أو هناك، وهذا كنا نلمسه (...)، يعني مثلاً روح الفزعة العفوية التي وُجدت والتي سميناها المناطقية الإيجابية، بحيث عندما كان النظام يهاجم اليوم المنطقة الفلانية فـ "يفزع" شباب الكتائب المسلحة في المناطق الثانية، والجميع يفزع لبعضه، ولكن عندما بدأ يدخل هذا الدعم المشروط فهنا بدأنا نلمس تراجع روح الفزعة العفوية ويتقدم عليها قصة الأيديولوجيا أو الأجندة، فأصبحنا نرى كتيبة في المنطقة الفلانية يمكن أن تدعم كتيبة في المنطقة لأنهما تتبعان للداعم نفسه أو تحملان الفكرة نفسها، وبدأنا نرى هذا [الأمر]، وكان هذا جزءًا من الحراك، وفي ذلك الوقت طبعًا هذه التجربة لم تكن في الغوطة فقط، فالذي كنا نسمعه من الناشطين مثلاً في المناطق الثانية أنه فعلاً روح الفزعة العفوية بدأت تتراجع لأنه بدأ يتقدم عليها الشيء الذي سميناه الأجندة أو المال أو الدعم المشروط .
على مستوى عام 2012 أصبح لدينا مشفى ميداني في البلدة، وكان هناك لقاءات مستمرة للكوادر الطبية، وبما أن النظام حرم الغوطة من خدمات مراكز وزارة الصحة وغير وزارة الصحة واستهدف هذه المراكز واستهدف المشافي الخاصة، فلا بدّ من أن نخلق الإدارة البديلة التي تنسق العمل الطبي وتديره. وفي وقتها كانت قد بدأت جهات الدعم الطبي [تقول:] نحن نريد أن نعرف مع من نتكلم، ولا نريد أن تتغلب القصص الصغيرة، فمثلًا عندما نتكلم على مستوى نقطة طبية أو مشفى ميداني صغير في منطقة مع جهة داعمة [يختلف الأمر عن أن] تكون كل احتياجات الغوطة معروفة، والغوطة هي تختار الآلية التي تخاطب بها الجهات الداعمة وتفرض عليها أنه مثلاً لدينا عدة مشافٍ ميدانية واحتياجاتنا كذا وإحصاءاتنا كذا، وهكذا يختفي الهدر منجهة ويكون الدعم معروفًا لكل الغوطة ولا يذهب في زواريب القنوات المخفية، فكانت هذه إحدى الأفكار التي نتداولها حول الموضوع. ونحن عندما نستطيع أن نجد طريقة وآلية للتنسيق، فنحن كوادر من مختلف التخصصات، ونستطيع حتى أن نستفيد من طاقاتنا لبعضنا البعض، بينما إذا بقيت كل منطقة لوحدها فالمنطقة التي يوجد فيها جرّاح يمكن أن تقوم بعملية [جراحية]، بينما المنطقة التي لا يوجد فيها جرّاح لا تستطيع أن تقوم بها، وكذلك تلك التي فيها جراح عظمية تستطيع القيام بعملية [جراحية] عظمية، وتلك التي لا يوجد فيها لا تستطيع القيام بها، وهذا الكلام مرفوض.
وهنا بدأت سلسلة اجتماعات انتهت بتأسيس شيء اسمه المكتب الطبي الثوري الموحد، وهذا الأمر تم من خلال سلسلة هذه الاجتماعات التي بدأت من الشهر 10 و11 (تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر) [عام 2012]، وطبعاً كان هناك دعوات للاجتماع [مثلًا] اليوم في المنطقة الفلانية واليوم في المكان الفلاني، وكان [حاضرًا] كل شخص يعمل في المجال الطبي وكان نصف الموجودين من الناشطين الطبيين وليسوا أبناء الكادر الطبي، والنصف [الآخر] كان من الكوادر الطبية التي كانت تعمل من البداية وآمنت بالثورة ولم تبقَ على الحياد في العام الأول والثاني. كنا في الاجتماع الواحد نرى شرائح اجتماعية مختلفة من أعمار مختلفة ومن ثقافات مختلفة، فأحدهم مثلاً جامعي أخصائي والآخر مهني ولكنه عمل وبروح الفزعة وتدرّب وأسس أيضًا، ففي بعض المناطق في الغوطة الذين أسسوا العمل الطبي والنقطة الطبية فيها ليسوا أبناء المهنة الطبية، بل هم مهنيون ولكنهم عملوا.
في وقتها كنا في هذه الاجتماعات [نقول:] كم نقطة طبية لدينا في الغوطة؟ 10 أو 15 [نقطة]، ونجلس، وكان هناك دور لطريقة إدارة الجلسة ونتائج الاجتماع وتثبيت نقاط حتى نبني عليها، وكان هناك دور لشخص اسمه بسام البرزاوي المعروف بأبي رامز وهو كان يعمل في مكتب التواصل والتنسيق، [وكان يقول:] أنا لا أريد شيئاً منكم، فأنا مهمتي أن أسهّل لكم هذه الاجتماعات، ونحن بدايةً عندما تعرفنا عليه نظرنا له بريبة، بمعنى أنه: أنت ماذا الذي أتى بك؟ وما هي خلفيتك؟وهل تحمل أجندة؟ والمساءلات في البداية كانت هكذا وهو تعرّض لها، ولكن بعد ذلك وجدنا أن أداءه ساعدنا أحيانًا في طريقة تنظيم الحوار. فنحن في الثورة فيما عدا فكرة الثورة والنظام والحرية، تعلمنا كيف هو واقع الغوطة، وتعلمنا كيف ندير اجتماعاتنا الكبيرة وألا تكون [مثل] "الحمام المقطوعة ماءه" (تعمّها الفوضى)، وتعلمنا بأنه يوجد مدير لهذه الجلسة، وتعلمنا فكرة أن تسمع وتنظم دور المداخلة، كل هذه الأمور [تعّلمناها من خلال] الواقع، وهذه تجارب أنا أقول إنها أُضيفت للوعي الجمعي والنضج، [تلك التجارب] التي خاضتها الغوطة.
ومشينا في سلسلة تلك الاجتماعات، وكانت مطروحة فكرة أنه [هل نعتمد على] الأطباء أم الناشطين أم الأطباء والناشطين؟المنطقة الفلانية أم المنطقة العلانية؟ أنا مدينة وأنت قرية صغيرة، فما هي حصص التمثيل؟ وكل هذه [الأمور] كانت تأخذ جلسات ونقاشات طويلة. وفي النهاية وصلنا للصيغة الأبسط لأبسط منظمة مجتمع مدني والتي تقول إن كل "طبية" - هكذا كانت تُسمى - لها عضوان، ونشكل ما أسميناه هيئة عامة، والهيئة العامة تنتخب مكتبًا تنفيذيًا من 7 أعضاء: 4 منهم يجب أن يكونوا أطباء و3 ناشطين، وذلك أيضًا من أجل [الحفاظ على] دور الناشطين والطبيين الذين عملوا، وهم في الحقيقة لم يعملوا فقط، فهناك من يأتي ويعمل في مشروع قائم وهناك من يصنع مشروعًا من العدم، الثاني لديه قدرة عمل ومتابعة ولديه فكر خلاق ويجب أن يكون [في المكتب التنفيذي]. وفي وقتها اتفقنا على هذه النقاط: عضوان لكل طبية، واسمها الهيئة العامة، ودورها رقابي على المكتب التنفيذي الذي تنتخبه والمكون من 7 أعضاء، وتعريف المكتب الطبي أنه منظمة أو مكتب لا يتبع لأي تشكيل سياسي أو عسكري أو أو، ويقدم خدماته للجميع، [وانتُخبت حينها رئيسًا لهذا المكتب وكنت الرئيس المؤسس له – الشاهد]. وبدأ يتبلور من خلال هذه الاجتماعات فكرة أن كل الكادر الطبي يعمل لكل الغوطة.
عندما تأسس المكتب الطبي (المكتب الطبي الثوري الموحّد)، وفي خلاصة كل هذه الاجتماعات والتفاهمات، صغنا الوثيقة التأسيسية [وقلنا فيها] أن المكتب الطبي لا يتبع لأي (...) [وليس له أي] انتماء سياسي أو فصائلي، وهو يقدم خدماته للجميع، وفعلاً هذا الأمر كان واسمًا جدًا في الغوطة أن العمل الطبي قدّم خدماته للجميع سواء مناطقيًا، فلا يوجد مشفى أو نقطة طبية تغلق أبوابها على ابن منطقة أخرى من الغوطة، سواءٌ مدني أو مسلح، وحتى المسلحين مهما يكن لونه فهو مصاب وبحاجة لرعاية طبية وخدمة طبية فكانت تقدم له.
الأمر الأهم أنه حتى في إحدى الفترات كانت الفصائل تأتي بأسرى جرحى، ويأخذون حقهم بالعلاج كاملاً ولم يتعرضوا للأمور التي كنا نسمعها ونشاهدها في مقاطع الفيديو أنه حتى إذا كان مصابًا فهو عدو ويعذبونه، بينما نحن أبداً وكانوا يأخذون حقهم، وأنا أذكر أنهم جاؤوا بأسرى إلى المشفى وأخذوا حقهم العلاجي كاملًا، وكنا نحرص، وخصوصاً الكوادر الطبية الكبيرة الواعيين أن لا يتعرض هؤلاء حتى للأذى النفسي من شتيمة أو إهانة أو ضرب كفّ. الحقيقة وبخصوص هذا الأمر أقول إنه بفضل الله، وهو ليس فضل لشخص دون آخر، وإنما كان يوجد وعي جمعي في العمل الطبي والكوادر الموجودة في هذه النقطة، وهي تربّت وأخذت مسارها في العمل بهذا الموضوع.
يوجد نقطة مهمة جدًا، أنا أتحدث عن بعض التفاصيل التي تتعلق بأجسام، ولكنني أقول إن صاحب الفضل الوحيد هو هذا المجتمع بأكمله، بمعنى إذا أنت ترى من بعيد أن الكرة الأرضية تدور حول الشمس ولكن في داخلها ترى المتصارعات، وفي النهاية تصل للذرة التي تحتوي على الكترونات تدور ونترونات تدور، فأنا أعطي المشهد العام في الغوطة الذي هو حصيلة كلشيء وصاحب الفضل فيه المجتمع المقاوم، وأنا أصرّ على تسميته المجتمع المقاوم.
في عام 2012 كان يتنامى انشقاق الضباط العسكريين عن جيش النظام، وبدأنا نرى وجوه الضباط المنشقين الذين يأتون إلى الغوطة، فبالتوازي مع تشكيل الكتائب وبالتوازي مع دخولنا إلى ثنائية: الإسلامي/ العلماني، وهذا النوع من التصنيفات التي كانت تأخذ [حيّزًا] في النقاشات، أيضاً كنا نرى هؤلاء الضباط. وماذا يقول هنا المنطق؟ أنه أنا إذا كان لدي فصائل وكتائب صغيرة ومجموعات تتكوّن، وأنا أقول جيش حر، فيجب في هذا العمل أن يكون القائمون عليه، مثلما الطبيب هو الذي يؤسس المشفى الميداني، فمن يعمل على تنظيم وهيكلة الجيش الحر هم الضباط المنشقون.
وهنا بصراحة، ومع بداية الأجندة والنقاشات الاجتماعية العامة وأصداء ما يحصل في مصر من إخوان [مسلمين] وغير إخوان وحزب النور والمجلس العسكري، بدأ الفرز [على أساس]: هل المشروع إسلامي أم علماني؟ فكنا نجد الكتائب التي تتأسس وعلى رأسها مشايخ وكانوا بشكل قطعي يرفضون الضباط، وطبعًا الحجج التي كنا نسمعها [عندما نسألهم:] لماذا لا تستفيدون من هذه الطاقات؟ ودعونا نعمل عملًا منظمًا، فالنظام لا يدير جيشه المشايخ ولا ناشطون متطوعون، بل يديره الضباط، ونحن جيش حر دعوا الضباط يديرونه. فكانت [الحجج] تارةً تحت عنوان أننا نخاف من الخرق الأمني، وتارة أنهم (أي الضباط) تربية الأسد ولن يتبنوا مشروعنا، ومن هذا الكلام. وهذه كانت من الأعباء التي كنا نجد فيها عبئًا عند محاولة الإقناع والإنضاج، وطبعًا هذا الكلام كان عامًا وفي مختلف المناطق، فأنا عندما أتحدث من وحي تجربتي، ولكن بالوقت نفسه نعتبر هذه التجربة مكررة تقريبًا في كل مدن وبلدات الغوطة، وكل شخص يمكن أن يتحدث عن تفاصيل ما شاهده. وهنا نحن بدأنا نلمس من جهة أجندة ودعمًا مشروطًا، ومن جهة [أخرى] تبلور المشروع الإسلامي، وفيما بعد هذا المشروع الإسلامي فرّخ متناقضات وأوصلتنا للصراع. نحن هنا نتحدث حسب التسلسل الزمني، ولكن بعد ذلك سيتبين لنا أن هذا الأمر عاشته مختلف المناطق الثائرة في سورية.
في نهاية عام 2012 تأسس المكتب الطبي الموحد، وتكلمنا عن وثيقته، وتمّ ترشيح عدد كبير من الناشطين والأطباء، وأنا كنت أحد الأشخاص في أثناء النقاشات كنت أضع رأيي، وأنا كنت مؤمنًا بالفكرة والمشروع ولم يكن لدي طموح أبداً أن أكون في المكتب التنفيذي. وفي يوم انتخاب المكتب التنفيذي أنا أحجمت عن الترشيح، ولكن أحرجني البعض [وقالوا:] نرشّح الدكتور صخر (الاسم المستعار للدكتور سليم نمور – المحرر)، وجرت عملية التصويت وأخذت أعلى الأصوات وأصبحت أول رئيس مكتب طبي موحد، وهنا بدأنا. وكان المكتب التنفيذي مكوّنًا من 4 أطباء و3 ناشطين، وهنا بدأنا أول عمل جماعي على مستوى منظمة مجتمع مدني أو جانب تنظيم قطاع عمل الذي هو القطاع الطبي، وكانت هذه التجربة الأولى في الغوطة والتي صُنعت محليًا وأخذت وقتها بالنقاش وأُنتجت محليًا، ونحن كان لدينا حساسية في الغوطة أنه يجب علينا أن نصنع تجربتنا بأنفسنا، فمجالسنا المدنية – وكان حينها اسمه المجلس المدني ولم يكن قد أخذ بعد عنوان المجلس المحلي – أيضًا صُنعت محليًا من قبل الناشطين القائمين وبدأت تضع لمساتها بإدارة هذا الواقع، واقع الحرب والأزمات في مرحلة وجود الجيش (جيش النظام) وانسحابه.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/07/12
الموضوع الرئیس
حصار الغوطة الشرقيةواقع الغوطة الشرقية عام 2012كود الشهادة
SMI/OH/52-17/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2012
updatedAt
2024/12/06
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-كفر بطنامحافظة ريف دمشق-الغوطة الشرقيةشخصيات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية
كيانات وردت في الشهادة
مشفى الكهف في الغوطة الشرقية
المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية
إدارة المخابرات - الجيش السوري الحر