اعتقال محمد حاج بكري وتحويله إلى فرع الأمن السياسي باللاذقية
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:17:10:20
بالعودة إلى تلك المرحلة، في الفترة التي جاء فيها غازي كنعان من لبنان، قبل خروج جيش الأسد من لبنان، نُقل غازي كنعان إلى وزارة الداخلية، فذهب غازي كنعان ليأتي برؤساء أفرع الأمن السياسي باعتباره تابعًا لوزارة الداخلية، وذهب ليأتي برؤساء أفرع الأمن السياسي، والذين كانوا مقربين منه، وكان قد أحضر أقرب شخص له، ووضعه في مدينة اللاذقية، و الذي هو العميد نبيل مشرف الدندل أو العميد نبيل الدندل، كان شخصية عشائرية من كبار شيوخ العكيدات في مدينة البوكمال، في منطقة دير الزور، وشخص صاحب سطوة، وكان رئيس فرع الأمن السياسي في اللاذقية، هذه الأمور حدثت في عام 2002 – 2003 .
فرض نبيل الدندل هيمنة واسعة في اللاذقية، وأعطى دورًا لفرع الأمن السياسي الذي كان هو أضعف الفروع الأمنية، على اعتبار أنه مرتبط بالداخلية، فكانت سلطته غير منفردة، فجاء نبيل الدندل، وأعطاه بعدًا كبير من خلال دعمه الذي تلقاه من غازي كنعان. وكنت أبرز الشباب الذين احتكوا بنبيل الدندل، أو الذين تعاملوا مع نبيل الدندل، وحاول أن يطاردهم في مدينة اللاذقية.
كان هناك شيء مهم يحدث في اللاذقية: حرب العراق تشتعل، ويوجد حراك لأصحاب الفكر الراديكالي، ويوجد بعض الشباب الذين بدؤوا ينشرون هذا الفكر، ويهتمون به، وجيران في الحارة وشباب أعرفهم من أيام المدرسة، كنت أسمع مثلًا: حسان أندرون ذهب إلى العراق، ولم يرجع، وأحمد شما ذهب إلى العراق، ولم يَعُد، ووسيم عطور اعتقل بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة، عامر دباليز اعتقل بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة. والوضع في اللاذقية غير مستقر، وبدأ نبيل الدندل يحاول أن يعتقل مجموعة كبيرة من الشباب الموجودين في اللاذقية.
كنت صاحب توجّه مختلف، أنا بفكري يساري علماني قريب لحزب الشعب، ولم أكن منتسبًا لهم، وبدأ نبيل الدندل يطاردني، وبدأت المشكلة مع نبيل الدندل من خلال استدعائي لمفرزة الحفة التابعة لقريتي، وكان يوجد نقيب من قرى طرطوس، اسمه محمد كسر، كان في وقتها نقيبًا، ولا أعرف، ولم أستطع أن أفهم ما يريده محمد كسر، كان دائمًا يستدعيني، ويحاول أن يلتقي بي، ويتحاور معي، ويسألني: ماذا تريد؟ ولماذا تذهب باتجاه المعارضة؟ وماذا تنتظر؟ وإذا كنت تحتاج لأي شيء فإني أستطيع مساعدتك. ومن هذه التفاصيل، وفي يوم من الأيام، كنت عائدًا من دمشق، في صيف 2003، وكنت قد التقيت بمجموعة، ومنهم حسن عبد العظيم، اتصل بي محمد كسر، وقال لي: يا محمد، نحن سوف نأتي، يوجد قرية مرشدية (مذهب سكانها مرشدي) قربنا. قال لي: عندهم عيد. وعلى اعتبار أنه مسؤول مفرزة أمن فهو سيذهب للمعايدة عليهم، وتبعد حوالي أربعة أو خمسة كيلو مترات، فقال لي: إذا أنت موجود فإنني أريد أن أراك، وأشرب عندك فنجان قهوة في المنزل. فقلت له: أهلًا وسهلًا. وطبعًا، حتى تلك اللحظة لم يكون أهلي قد رأوا طريقة تعامل الأمن معي، كانت تحدث استدعاءات، ويعرفون أنني أذهب، اعتقلت في دمشق أكثر من مرة، ولم يروها، واعتقلت في حلب أيضًا، ولم أكن أحدثهم كثيرًا عن هذه التفاصيل، كنت أحدث أصدقائي المقربين فقط.
عندما قال لي النقيب محمد كسر: إنني سآتي إليك، إلى البيت. وأنا كنت في البستان أسقي، وجاءت سيارة باتجاه البيت "تكسي فيرنا" لونها أخضر، فذهبت باتجاه مدخل البيت. وطبعًا، هي وصلت، وكان منزلنا منزلًا عربيًا كبيرًا، ويوجد ساحة أمامه، فوصلت للساحة، وكانوا قد وصلوا، ودخلوا إلى المنزل، وسمعت صوتًا عاليًا، واقتربت، ووصلت إلى جانب السيارة، وقلت: مرحبا يا شباب. وفورًا، صاحوا بأعلى صوتهم: هذا هو. كانوا ثلاثة أشخاص في السيارة، ويوجد شخص دخل إلى المنزل، وأمسكوا بي، وجاء الذي كان داخل المنزل، وكان يصرخ في أهلي- بعد أن دخل بوقاحة- ويتكلم معهم، وخرج أهلي إلى الخارج خلفه، وشاهدوني في هذه الحالة، وقلت لهم: ماذا تريدون؟ قال لا تتكلم أي كلمة، اصعد معنا السيارة. فقلت لهم: أريد أن أعرف ماذا تريدون؟ فقالوا لا يوجد شيء، أتينا لنأخذك فقط بكل وضوح. ومن أنتم؟ فقالوا ألم يتكلم معك النقيب محمد؟ فقلت لهم: إنه تكلم معي، وقال: إنه سيأتي ليشرب عندي فنجان قهوة. فقالوا: هذا فنجان القهوة الذي سنسقيك إياه.
طبعًا، أخذوني حتى لا أخلق حالة توتر كبيرة، ولاحظت أن أمي انهارت تمامًا، أخذوني، وقلت لهم: إنني لن أغيب كثيرًا. فقد كنت أعرف القرار السياسي باعتقال أي أحد في هذه الظروف، وأخذوني في البداية إلى مفرزة [منطقة] سلمى، طبعًا، كنت بنفس الثياب، وبعدها، ذهبنا إلى فرع الأمن السياسي في اللاذقية، وأدخلوني الزنزانة، وبقيت لوقت لا أعرف كم هو، وأنا شخص عندما أتعب أنام، فنمت نومًا عميقًا في ذلك اليوم، ولم أعرف كم مضى من الوقت، هل مضى أربع ساعات أو خمس ساعات، لا أعرف، وجاؤوا لأخذي، والتقيت بالعميد نبيل الدندل لأول مرة، دخلت، وجلست بهذا المنظر طبعًا، فقال لي: هل أنت محمد حاج بكري؟ فقلت له: نعم. فقال لي: كنت أتوقع أن أرى شخصًا عمره خمسون عامًا أو أربعون عامًا، من خلال المكتوب والمعلومات التي لديّ فأنت معارض شرس. فقال لي: أنا أرى شابًا في بداية عمره، وكان عمري خمسًا وعشرين أو ستًا وعشرين سنة. وقال: لقد غيرت نظرتي لك. فقلت له: أولًا- أنتم لم تتركوا معارضة حتى يُحكى بسياق المعارضة. وثانيًا- أنا شاب حالم، وأتمنى أن تحدث تغيرات كثيرة في البلد، هل أنت معي أم أنك لست معي؟ فقال لي: إن البلد فيها فساد، ويجب أن تتغير. فقلت له: في اللاذقية تحديدًا يوجد الكثير. فقال لي: أنا أعاني من هذا الأمر، وأعيش وضعًا مأساويًا معهم. رنّ هاتفه الأرضي، وتكلم على الهاتف، فقال: إنه يشرب الشاي معي؛ لأنه في ذلك الوقت، عندما دخلت قال لي: هل تشرب الشاي أم القهوة؟ فقلت له: أشرب القهوة. فقال لي: لا سوف نشرب الشاي. فقلت له: لماذا الشاي؟ فأنت تسألني ماذا أريد أن أشرب. فقال لي: لأننا نحن الشوايا (أهالي ريف دير الزور) نحب الشاي، وأنتم من أصول كردية، أنتم جماعة جبل الأكراد يجب أن تشربوا الشاي. وقلت له: حسنًا، الشاي. يعني "ربك وحاكمك"، وأنت تفرض الذي تريده. ورنّ هاتفه كما قلت، وقال: إنه يشرب الشاي معي. وقال: الآن تشرب الشاي، ثم تذهب. وخرجت من عنده من الفرع، وأنا لا أعرف إلى أين سأذهب، الحقيقة أنه ليس معي شيء في جيبي، لا يوجد نقود أو جزدان، وليس معي شيء. وأصبحت أفكر بأهلي: كيف سيتصرفون؟ وماذا بإمكانهم أن يفعلوا؟ ولم يكن معي هاتف، و[سألت نفسي]: ماذا سيفعل أهلي؟ وكيف سيتعاملون؟ فتذكرت أنهم يجب أن يكونوا قد تكلموا مع محمد حاج بكري الذي هو المتنفذ في العائلة، والذي له سطوة وصولة وجولة، وخطر لي للحظات أن محمد هو الذي اتصل بالهاتف بنبيل دندل، وأخذت الهاتف، واتصلت بابن عمي الذي استشهد- رحمه الله- تحت التعذيب، اسمه أيمن حاج بكري، صديق الحياة الطويلة، وكان يعمل لدى محمد في محل ألبسة، فاتصلت بأيمن، كان رقمه محفوظًا بالنسبة لي، واتصلت على رقم المحل، اتصلت من عند شخص، وقلت له: أنا بحاجة لأن أتكلم على الهاتف. فقال لي: تفضل. فاتصلت بأيمن على المحل، وردّ عليّ، وقلت له: حدث معي كذا، وأنا الآن خرجت. وقال لي: لقد ضجّ الناس وأهلك. فقلت له: أنا خرجت. فقال لي: إن محمد ذهب هو وأبوك، ولا أعرف ماهي التفاصيل. فقلت له: اتصل به، وأخبره بأني أقف أمام باب جامعة تشرين (الباب الرئيسي). فقال لي: حسنًا، وقلت له: سأتكلم معك بعد دقيقتين. فقال: حسنًا، واتصل بمحمد على هاتفه، كان معه جوال في ذلك الوقت. اتصل به، وعدت من جديد، واتصلت به مرة ثانية، فقال لي: إن محمد يحتاج إلى أربع أو خمس دقائق حتى يصل إلى اللاذقية. فقلت له: حسنًا، وقال لي: انتظر عند باب الجامعة. وذهبت، وانتظرت محمد، وجاء محمد ومعه والدي، ومعه شخص من أقاربنا، وكان القريب الثاني من أصحاب محمد كسر (النقيب). وصعدت السيارة، وعاد محمد باتجاه الفرع، ودخلوا إلى الفرع من الباب الخلفي، ودخلوا، وبقينا في السيارة أنا ووالدي وابن عمي، وذهب محمد قليلًا لرؤية العميد، وعاد، ولا أعلم ما الذي دار بينهم من حديث. وفي طريق العودة صمم محمد أن يرجعني إلى مفرزة الحفة؛ ليقول لمحمد كسر: لماذا فعلت هكذا؟ أو ليقول: أنت تريد خطفه، وأنا أعدته. وأدخلوني إلى المفرزة، والتقيت بمحمد كسر، وجاء محمد ليسلم عليّ، ومد يده، وأنا لم أسلم عليه. فقال لمحمد (ابن عمي): انظر، كيف يعاملني. وقلت له: كما تعامل الناس سأعاملك، الند للند، وأنت ضابط أمن، هل لك شيء عندي لتأخذه؟ وليس لديّ أي شيء غير هذا الكلام، وسواء سلمت عليك أم لا فهذه خياراتي. فقال لي: يا محمد، يجب ألا تتعامل هكذا. فقلت له: لا، هكذا سأتعامل، ولا أحد ينبهني كيف يجب أن أتعامل، وأنا سأتعامل معه هكذا، ورجعنا إلى البيت.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/07/08
الموضوع الرئیس
النشاط قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/49-06/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2003
updatedAt
2024/04/17
المنطقة الجغرافية
محافظة اللاذقية-سلمىشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
تنظيم القاعدة
حزب الشعب الديمقراطي السوري
وزارة الداخلية - النظام
فرع الأمن السياسي في اللاذقية