مظاهرة الحريقة واعتصام السفارة الليبية في دمشق
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:12:35:12
حدثت هناك نقاشات كثيرة ولقاءات كثيرة. في [مدينة] سلمية عقدنا لقاء، أظن في الثامن عشر من شهر شباط/ فبراير، كان بعد حادثة الحريقة في دمشق مباشرة
في 17 شباط/ فبراير، وقعت الحادثة الشهيرة، حادثة ابن التاجر، عماد نسب في سوق الحريقة، في دمشق، والشرطي الذي ضرب هذا التاجر لسبب ما من الأسباب (مسائل حياتية عادية يومية) من الممكن أن تحصل، وتضامن الناس مع هذا الشاب ضد عناصر الشرطة، وتضامن التجار المحيطين به من زملائه وجيرانه، وبالنهاية، التضامن الشعبي للناس الذين كانوا موجودين في السوق، وهتافهم الشهير المهم الذي يعبر عن احتقان هائل لدى الشعب السوري ضد هذا النظام الذي يذلهم. وكان الهتاف: "الشعب السوري ما ينذل".
شكلت هذه الحادثة في الحقيقة دافعاً قوياً جداً لدى الناشطين والمعارضين السوريين؛ لاختبار أو لمعرفة مشاعر حقيقية عند الشارع السوري، والتأكد من أن هذا الشارع يمكن أن يتحرك في حراك شعبي ضد النظام فعلياً.
ردة فعل وزير الداخلية سعيد سمور، وكيف تعامل مع هذا الحراك، وكلمته الشهيرة التي قالها: "هذه ستحسب عليكم مظاهرة". بمعنى أن النظام عنده قلق حقيقي من أن أي تحرك في الشارع قد يتحول في لحظة ما إلى مظاهرة. والتصرف الاحتوائي، ومحاولة احتواء وزير الداخلية (النظام)، لهذا التحرك الشعبي العفوي الذي حدث نتيجة سبب غير محضّر له أبداً، ومحاولة احتواء هذا التحرك ضد النظام في ذلك الوقت بطريقة لينة وبطريقة فيها الكثير من التساهل الذي لم نكن نعهده من النظام على الإطلاق في تلك الفترة، كان يدل على أن النظام مرتبك فعلاً، وليس لديه خطة للتعامل مع الحراك الشعبي، وهذه النقاشات دارت في اجتماع، كنا موجودين فيه في مدينة السلمية، في منزل أحد الناشطين هناك، وتحدثنا كثيراً عن انتشار مقطع الفيديو الذي وثق حادثة الحريقة.
التداول الكبير لهذا الفيديو فتح آفاقنا لأهمية وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف يمكن أن نستثمر هذه الوسائل. وبمجرد عودتنا آنذاك لمدينة حمص، أنشأ أبو جعفر المغربل صفحة على الفيسبوك فوراً، وسماها: تنسيقية الثورة في حمص. مع أنه لم يكن هناك ثورة، وكنا قد أخذنا كلمة تنسيقية من الناشطين في تونس بشكل عفوي، وضحكنا كثيراً على الكلمة، على هذه التسمية التي سماها أبو جعفر لصفحة الفيسبوك. وحاولنا أن نعمم رابط هذه الصفحة على عدد كبير من الأصدقاء، وكنا نسمع كلاماً [مضمونه] كيف تكون تنسيقية ونحن مجرد خمسة أو ستة أشخاص؟ وأين الثورة؟ لماذا تسمون تسميات كبيرة؟ وفعلاً كانت وكأنها حالة من الطموح والأمل بأنه فعلاً في يوم ما سيصبح هناك ثورة.
وطبعاً، الحادثة الأخرى التي كانت محفزة في تلك الفترة لنفوس الشباب على التحرك، وكان فيها الكثير من المؤشرات أيضاً، هي حادثة اعتصام ناشطين سوريين أمام السفارة الليبية، في 22 شباط/ فبراير عام 2011. وتعامل النظام مع هذا الحراك كان نوعياً؛ لأنه جمع عدداً كبيراً من الناشطين، وكان يوجد تنظيم، وكان يوجد إصرار على المواجهة؛ لأننا نقف في الشارع في مواجهة قوات الأمن، وأيضاً كان فيه اختبار لردات فعل قوات الأمن وأجهزة أمن النظام على حراك لا يستهدفهم بشكل مباشر. ولكن في الحقيقة، هو في مضمونه استهداف مباشر لأي نظام قمعي أو استبدادي، وفي طليعتها (الأنظمة) النظام السوري.
هذا الاعتصام، لم أكن موجوداً فيه؛ لأنه تم تبليغي في وقت متأخر فعلاً، وصلني الخبر في وقت متأخر، ولم يكن هناك مجال للذهاب، وقوات الأمن أصلاً لم تمهله كثيراً، فبمجرد أن صار الوقت ليلاً، تحركت قوات الأمن فوراً، وفضت هذا الاعتصام بعنف، والاعتصام حمل رسائل متبادلة بين الطرفين: طرف الناشطين الذين تجمعوا في الاعتصام، ووجهوا خطاباً واضحاً للشعب السوري وللنظام أيضاً، بأنهم قادرون على حشد أنفسهم؛ من أجل نشاط في الشارع. والنقطة الأخرى: هي الشعار الذي كان أحد أبرز النقاط المضيئة في هذا الاعتصام، وهو الشعار الشهير الذي خاطبت به جموع المعتصمين النظام السوري في رسالة غير مباشرة، وإن كانت الكلمة أو هذا الشعار موجهاً لنظام القذافي، وهو: "اللي يقتل شعبه خائن" وكان شعاراً في غاية الأهمية، وكان يستبق [الأحداث]، على ما يبدو، وكان الناشطون يعرفون تماماً ما هو المصير الذي ينتظرهم فيما لو خرجوا على هذا النظام؛ فكانوا يوجهون له رسائل قبل التحرك الاحتجاجي الذي كان موجوداً في ضمائر وفي نفوس معظم الناشطين السوريين.
طبعاً، ردة فعل النظام كانت رسالة واضحة أيضاً، وكنا نتناقش فيها. ما حصل في اعتصام السفارة الليبية أيضاً شكل مادة للنقاش بيننا كناشطين لأيام طويلة، قبل انطلاق الثورة، حول كيفية التعامل مع أجهزة الأمن، وما هي الشعارات التي يجب أن تكون أساسية في حراكنا فيما لو حصل هذا الحراك؟ والنقطة الأخرى أيضاً: كيف ستكون استجابة قوات الأمن للحراك في الشارع؟
هذه المرحلة أتت بعد مجمل هذه الأحداث تقريباً: حادثة عماد نسب في حي الحريقة، في سوق الحريقة (مظاهرة الحريقة)، وحادثة اعتصام الناشطين أمام السفارة الليبية، وتسرب الأخبار التي بدأت تتوارد عن اعتقال بعض الأطفال في درعا. فمجمل هذه الأحداث شكل دافعاً عند السوريين باتجاه -وهنا سأشير إلى نقطة أيضاً، كانت مثار نقاش- التدخل الدولي في ليبيا أعطى رسائل تطمينية إلى حد ما: أن الشعب السوري لن يكون بمفرده فيما لو تحرك في الشارع، وقرر النظام أن يتعامل معه بعنف وقسوة، أو أن يرتكب جرائم بحقه. وقرار مجلس الأمن الذي صدر بمساعدة الثوار في ليبيا، وحماية المدنيين من قصف نظام القذافي إلى حد ما أشاع شيئاً من الطمأنينة، والتضامن الدولي الكبير [الذي أبداه] زعماء العالم والمنظمات الدولية والرأي العام العالمي مع حراك الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر أعطى دافعاً كبيراً لدى الناشطين السوريين المعارضين أيضاً، بأنهم لن يكونوا بمفردهم في مواجهة هذا النظام، على غرار ما حصل في الثمانينات، عندما استفرد النظام بالشعب بكامله، بحجة ضرب فصيل مسلح تابع لجماعة الإخوان. وطبعاً، كل هذه التقييمات كنا نتحدث عنها في اجتماعات المعارضة، وفي لقاءات مع الناشطين، وفي غرف التواصل الاجتماعي مع الناشطين.
في مطلع شهر آذار، بدأت تحسم المواقف باتجاه تبني حراك في الشارع ضد النظام، بمعنى أن الجميع أصبح جاهزاً للمشاركة في هذا النشاط. وفي نهاية شهر شباط، ظهرت صفحة: "الثورة السورية ضد بشار الأسد" على" الفيسبوك"، وانتشر حضورها في أوساط الناشطين السوريين، وحتى على شكل شعبي (في الأوساط الشعبية). في الحقيقة، كان ملفتاً العدد الكبير من السوريين الذين انضموا إلى هذه الصفحة، أو شاركوا فيها لمتابعة نشاطاتها، ومتابعة الأخبار التي كانت تبثها. وشكل مقطع فيديو مظاهرة الحريقة مادة أساسية شبه يومية كانت تنشرها صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد في آنذاك، تعيد نشر هذا الفيديو، والتفاعل، والتعليقات عليه، كانت توحي بأن هناك جهة ما تحاول أن تنظم حراكاً ما. وأنا شخصياً حاولت التواصل مع إدارة الصفحة، ولم أتلق رداً، وأرسلت لهم رسالة على" الإيميل" الذي كانوا يضعونه على الصفحة، ولم أتلق رداً أيضاً. وبكل الأحوال، كانت نقاشاتنا كأصدقاء وناشطين هي أن نتابع هذه الصفحة، وننتبه؛ فربما كان هناك اختراق ما. وبعد أيام، عرفنا أن أحد المديرين في هذه الصفحة هو فداء السيد، فشعرنا شيئاً ما بالاطمئنان من أنها ليست صفحة مخترقة من قبل قوات الأمن، وأصبحنا نتابع ما تنشره هذه الصفحة؛ لأنني كنت أعتقد أن جبهة الخلاص التي كانت تضم في ذلك الوقت....، وربما على علم بنشاط هذه الصفحة، وربما هناك جهة ما على الأقل تحاول أن تنظم حراكاً ما. فصرنا نتابع هذه الصفحة، وأنا شخصياً كنت حذراً من الجهة التي تقف وراءها، ولكن على الأقل هي ليست جهة تابعة لقوات أمن الأسد.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/07/29
الموضوع الرئیس
إرهاصات الثورة السوريةكود الشهادة
SMI/OH/4-04/
أجرى المقابلة
سامر الأحمد
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
شباط 2011
updatedAt
2024/08/14
المنطقة الجغرافية
محافظة دمشق-الحريقةمحافظة دمشق-مدينة دمشقشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
لايوجد معلومات حالية