الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

إرهاصات الربيع العربي واستنفار الأمن في دعوات يوم الغضب السوري

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:14:16:00

"إعلان دمشق" كان يتابع باهتمام شديد ما حصل مبدئياً في تونس، وكيف أن الثورة في المجتمعات المحتقنة، في دول "الربيع العربي"، تأتي حادثة عابرة تشعل شرارة؛ فيتفجر مجتمع. بالنسبة لنا يجب أن نتوقف عند هذه الظواهر. حصلت أولاً: في تونس، ولاحقاً: في مصر، ومن ثم في ليبيا، وانفجرت المجتمعات التي تعاني من حكم استبدادي طويل، استبداد يترافق مع ظواهر: الفساد، والتهميش، والبطالة، والتأخر الاقتصادي، والهجرة. كانت كل هذه الأمور سمات عامة في المجتمعات، في الدول العربية ذات الأنظمة الاستبدادية التي لا يوجد فيها وفرة اقتصادية.

فكنا نتابع هذه القضايا التي حصلت في تونس. وطبعاً، نجاح الثورة بإسقاط زين العابدين بن علي [خلال عدة] أيام، ومن ثم [إسقاط] حسني مبارك. وهنا يجب أن نتوقف عند ظاهرة: أن النخب السياسية أو الثقافية ليست هي من عملت على تفجير هذه الثورات؛ وإنما كانت هذه المجتمعات محتقنة، وخرجت شرارة من قلب المجتمع بشكل غير محسوب وغير مدروس وغير متوقع عند أحد. مثلاً: حادثة بوعزيزي وهو يحرق نفسه، ثم تنفجر الثورة، وتخرج دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في القاهرة، ولا أذكر حادثة معينة، ولكن أذكر أنه تم طرح: أن تونس [دولة]صغيرة استطاعت أن تغير نظامها، ومصر لا تستطيع أن تغير!

كانت كلها من أوساط الشباب الغير مؤدلج، سواء كان في تونس أو في مصر، شباب غير مؤدلج لم يرفع شعارات أيديولوجية؛ وإنما أغلبهم رفع شعارات يمكنني أن أقول: إنها ذات سمة ليبرالية، بمعنى: قضايا الحريات، وقضايا محاربة الفساد، وقضايا دولة القانون، ودور المواطن، وقوانين المواطنة. كان الناس يشعرون أنه ليس لديهم حقوق أساسية كمواطنين في هذه الدول.

هذه التساؤلات، والمتابعة من قبل "إعلان دمشق"، بدأت تخلق مناخاً من الترقب: أن سوريا لن تكون متأخرة عن ثورات "الربيع العربي ". كان هذا الحدس السياسي، وهذا الترقب والرصد لكل شيء ممكن أن يحصل في سوريا كان الشغل الشاغل بالنسبة للأمانة العامة" لإعلان دمشق" في تلك المرحلة.

توقفنا كثيراً عند المقالة أو المقابلة التي أجراها بشار الأسد مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، أجراها في نهاية الشهر الأول من عام 2011. سأل الصحفي بشار الأسد-ولاحقاً اجتمعت مع الصحفي نفسه في إسطنبول-: ألا يوجد لديك مخاوف من انفجار الشارع السوري، كما انفجر في مصر وليبيا وتونس، وأطاح بهذه الأنظمة؟ أعتقد أن بشار الأسد حاول أن ينفي، ولكن كانت لديه هذه المخاوف، ولديه هذه الهواجس، ولكن من حيث الخطاب الذي يصدره[للخارج] كان يقول: لا، أنا متماه مع شعبي ومع قضاياه، وأمثله تمثيلاً صحيحاً، وليس عندي هذه المخاوف أبداً. ولكن بنفس الوقت من يبدأ برصد الوضع السوري في الشهر الأول والثاني، يبدأ برؤية أوضاع أمنية، وأخبار تتسرب عبر الأجهزة الأمنية: أنه يوجد حالة حذر شديد من أن تنطلق شرارة غير متوقعة.

طبعاً، قوى المعارضة والأحزاب، بما فيها "إعلان دمشق"، كانت تحت المجهر بالنسبة للنظام السوري، ولكن قدرات "إعلان دمشق" متواضعة جداً، ولا يمكن أن تفجر ثورة على مستوى الوطن السوري، لا يمكن لها ولا لكل أحزاب المعارضة السورية السياسية، ليس إعلان دمشق فقط، وكما حصل في مصر، كان يتم الحديث عن قوة الإخوان المسلمين في مصر أكبر دولة عربية، ودولة "المنشأ" بالنسبة للإخوان المسلمين، لم يستطع الإخوان المسلمون أن يفجروا ثورة في مصر؛ وإنما فجرها شباب وشابات ينتمون إلى العصر، و يرون أنفسهم بدون دور، وليس لديهم مستقبل، وأنهم مهمشون نتيجة أنظمة الاستبداد المستديمة التي تمنع وتحجب أي تقدم وأي تطور في المجتمع، وخاصة جيل الشباب والصبايا، في كل الدول العربية الذين عاشوا، وفتحوا عيونهم على أنظمة، ليست مستبدة فقط بل - بعد توريث النظام السوري ابن حافظ الأسد [السلطة]-بدأت دول عربية أخرى تفكر بالتوريث؛ طالما نجحت التجربة في سوريا، فلماذا لا تتكرر في مصر؟ لماذا لا يكون جمال مبارك هو خليفة حسني مبارك؟ وفي ليبيا سيف الإسلام القذافي يكون خليفة لوالده معمر القذافي، وأصبح هناك مخاوف حقيقية لدى هذه المجتمعات. طبعاً، الحادثة كان لها تمهيد في اليمن أيضاً؛ فأصبح علي عبد الله صالح يمهد لابنه.

هذه الظواهر في سورية وفي "إعلان دمشق" تحديداً، بدأنا نرصد[الواقع]، وكأنه عمل استخباراتي، ولكن هو عمل اجتماعي أكثر، أن نرصد واقع المجتمع السوري والتحركات، وكانت تتسرب أخبار من قبل الأمن يقولون فيها:" إننا لا ننام ليلاً أو نهاراً، نحن مستنفرون بشكل دائم، لا نذهب إلى منازلنا!" أجهزة الأمن كلها [كانت كذلك].

بعد مقابلة بشار الأسد، أعتقد أن المهندس الأستاذ غسان نجار في حلب أطلق دعوة أيضاً عبر "الفيسبوك"، وحاول فيها الدعوة إلى اعتصام في ساحة سعد الله الجابري في الخامس من شباط، وانتشرت الإشاعة، ولكن الناس لم يستطيعوا -وخاصة في حلب-الخروج من حالة الخوف المختزن في نفوسهم من أحداث الثمانينات، ولا يرون أن أحداثاً كهذه من الممكن أن تحرك المجتمع السوري. هذا السؤال كان مطروحاً دائماً، ولكن لا يوجد إجابة قاطعة أو حاسمة له: هل سيحصل في سورية انفجار اجتماعي أم لا، أسوة بما حصل في مصر وليبيا وتونس؟

في الخامس من شباط-من باب الفضول كما ذكرت سابقاً- في بداية عام 2005، أصبحت متفرغاً للشأن العام، لم يكن لدي أي شيء. خرجت من منزلي بحدود الساعة العاشرة أو الحادية عشرة، ركبت سيارتي، وذهبت باتجاه المقهى السياحي التابع للفندق السياحي، الطابق الأول. كانت واجهته كلها من الزجاج تطل على ساحة سعد الله الجابري. وهي من الساحات الكبيرة المعروفة والمشهورة والتي كانت تحصل فيها فعاليات سياسية دائماً. قررت أن أجلس في المقهى ومعي أصدقائي، ونرصد إن كان سيحصل شيء ما في ساحة سعد الله الجابري، هل سيأتي الشباب والصبايا الذين يتواصلون[عبر] وسائل التواصل الاجتماعي، ويعرفون أكثر عنها.

وطبعاً، لاحظت لأنه بدأ يتكون عندي خبرة سياسية في طريقة التعامل و معرفة رجال الأمن الذين كانوا يترددون إلى المقهى أيضاً. وعندما دخلت إلى المقهى رأيت أنه بالفعل توجد تجمعات، تشير كلها إلى أن هؤلاء ضباط أمن وعناصر أمن، ويراقبون الساحة، وكان لهم طاولتان أو ثلاث عند الواجهة، وعيونهم على الساحة؛ ليترقبوا هل سيطرأ أي تحول.

عندما جلست في المقهى كنت أجول في نظري من المقهى إلى الساحة، وساحة سعد الله الجابري كانت كبيرة، وأصبحت أرى دوريات الأمن وسيارات الأمن موزعة على جميع الطرقات والشوارع المحيطة بساحة سعد الله الجابري، عند الزوايا والمحطات ومواقف السيارات، فكنت أرى هنا دورية وهناك دورية عدا عن الدوريات الراجلة، يعني كل ثلاثة أو أربعة من رجال الأمن كانوا يذهبون ويأتون إلى ساحة سعد الله الجابري، ولا يغادرونها. كانوا يراقبون إن كانت ستأتي مجموعة معينة مثلاً، وتقف في ساحة سعد الله الجابري.

في ذلك اليوم لم ألاحظ حصول أي شيء، على الرغم من بقائي حتى الساعة الثانية ظهراً، ولم يحصل أي تجمع، ولكن لاحقاً سمعت أنه جرت محاولات فردية، حيث جاء بعض الأشخاص؛ حتى يقفوا في الساحة، ولكن الأمن كان قد أحاط بهم فوراً، وسألهم عن سبب الوقوف، وربما تم اعتقال بعضهم، ولكن بشكل [سريع] مثل لمح البصر؛ بحيث لا يشعر أحد بهم إن حصلت اعتقالات، أو تشكلت حالة[ما] في الساحة. هذا كان في الخامس من شباط، وأعتقد أن شهر شباط كله كان عبارة عن متابعة لثورات "الربيع العربي". والسؤال الكبير: هل هذه الثورات العربية سوف تنتقل إلى سورية أم أن سورية عصية على التغيير؟ وخاصة في ظل القمع الذي يعرفه السوريون. وأنا كمهتم ومتابع أجزم بأن القمع الموجود في سورية لم يكن له مثيل لا في مصر، ولافي ليبيا، ولا حتى في تونس.

خرجت بعض الاعتصامات، مثلاً: أمام أحد السفارات والقنصليات العربية، وكان يوجد هتافات ترامت [إلى أسماعنا]، بمعنى أننا سمعناها وعرفناها في سورية، ولكن على نطاق ضيق قليلاً، وليس على نطاق واسع، وهي:" من يقتل شعبه خائن"، وهذا الهتاف سمعت أنه خرج في اعتصام أو مظاهرة مسائية، باتجاه أحد السفارات، في شارع أبو رمانة، إلى السفارة الليبية، وحصلت اشتباكات.

ولاحقاً، ما كاد أن يفجر الثورة هو حادثة "الحريقة" (سوق الحريقة في دمشق). في شهر شباط حصلت حادثة "الحريقة"، وشدت إليها أنظار سورية كلها، بمعنى أن حادثة "الحريقة" يمكن أن تكون هي الشرارة، وذلك عندما هتف السوريون بسبب حادثة سير أو تعدي شرطي، صفع وجه أحد المواطنين، وخرجت هتافات: "الشعب السوري ما بينذل"، وهذه الكلمة تحمل من المعنى والمغزى السياسي أكثر بكثير من أن نأخذها بنصها الحرفي، وخاصة في الوضع السوري الذي كان كأنه يجلس على برميل بارود. سورية كانت تجلس على برميل بارود، ولكن متى ينفجر هذا البرميل لا أحد يعرف.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2020/10/27

الموضوع الرئیس

النشاط قبل الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/86-01/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

2011

updatedAt

2024/04/07

المنطقة الجغرافية

محافظة حلب-مدينة حلب

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي

إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي

معلومات الشاهد

الموضوعات المرتبطة

الكلمات المفتاحية

الشهادات المرتبطة