الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

مواجهة المعتقلين السياسيين للقاضي فايز النوري رئيس محكمة أمن الدولة

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:12:42:20

طبعًا كان واضحًا من خلال التهم التي وجهت لنا، أن المحاكمة هي محاكمة صورية (شكلية)، وكانت الأحكام تأتي جاهزةً من مكتب الأمن القومي، وتُحدَد الأحكام بناءً على تصور رجال الأمن، أو ما يقترحه رجال الأمن، وعندما يُحال المعتقل من فرع التحقيق إلى المحكمة، ينظر القاضي إلى رأي ضابط الأمن بهذا المعتقل، فإما يأخذ بالتشديد أو بالتخفيف، بغض النظر عن مجريات التحقيق، وعن أي شيء، والقاضي كان هو فايز النوري، ومحكمة أمن الدولة كان يوجد فيها غرفتان؛ الغرفة الأساسية والأهم: هي التي يرأسها فايز النوري، وطبعًا هو رئيس المحكمة ككل، وكان هناك غرفة ثانية، يرأسها عادل مينا، وهو قاض آخر، وطبعًا الأحكام التي وُجهت لمعظم المعتقلين متشابهة، يعني هي إما مناهضة أهداف الثورة، والمادة 306 من قانون العقوبات المعطوفة على المادة 304، وكذلك مخالفة تطبيق النظام الاشتراكي، وهذه المواد التي كانت بمثابة المقاصل.

تم إحالتنا إلى المحاكم، وكان عددنا 600 شخصًا في عام 1991 في بداية المحاكمات، وطبعًا المحكمة تستغرق أحيانًا سنتين حتى يصدر الحكم، ما بين جلسات وما بين تأجيل.

بالنسبة لمحامي الدفاع، أنت متاح لك أن توكل محاميًّا إذا أردت، ولكن معروف أن المحامي لا يستطيع أن يفعل شيئًا، لأن الأحكام جاهزة، والمحامون الذين تبرعوا للدفاع عن المعتقلين السياسيين، قدموا ما بوسعهم، وكانت مرافعاتهم عن المعتقلين هي نوع من الحقيقة، ونضال كبير لأنه في ذلك الوقت لم يكن أحد يتجرأ على عمل كهذا، وبكل بسالة! وهذه شهادة أدلي بها، وللإنصاف هناك العديد من المحامين، وأذكر المحامي المرحوم محمد سلام والأستاذ حسن عبد العظيم والأستاذ حبيب صالح وحبيب عيسى، أدوا دورًا رائدًا، وموقفًا لا نستطيع أن نقول عنه إلا أنه في غاية النبل.

بإمكان الموقوف أو المعتقل أن يوكل محاميًّا، ولكن على كل الأحوال لا يُؤخذ بما يقوله المحامي ولا بدفاعه، وإنما الحكم كان جاهزًا.

طبعًا عندما نتحدث عن رحلة الاعتقال داخل سجون الأسد، والمواجهة الحاصلة بين النظام وبين المعتقلين، هناك مرحلة تقريبًا لم يتحدث عنها أحد، وأنا أراها مرحلةً هامةً جدًّا، وهي مرحلة المحاكمات؛ أي كيف واجه المعتقلون السوريون، الذين قُدموا إلى المحاكمات، كيف واجهوا هذه المحكمة؟

واقع الحال أنه ليس فقط قضاة المحكمة -أو ما يسمون بالقضاة-، فحتى السلطات الأمنية تفاجأت كثيرًا، وأذهلها موقف المعتقلين، فعلى الرغم من أن معظم المعتقلين الذين تقدموا إلى المحاكمات كانوا قد أمضوا سنين طويلةً في السجن، إلا أنهم واجهوا هذه المحاكم بكل صلابة وبكل بأس، وكان موقفهم موقفًا صلبًا جدًّا، وبدلًا من أن تقوم المحكمة بتوجيه الاتهامات، كان المعتقلون هم الذين يوجهون التهم إلى النظام، وطبعًا هذا الموقف المتشدد -أو الذي كان يُسمى متشددًا من قبل النظام-، هو موقف أخلاقي -أنا أسميه موقفًا أخلاقيًّا صلبًا جدًّا-، كان الناس يتساءلون، سواءً المحايدون أو حتى أزلام النظام، أنكم -أنتم- ماذا سوف تستفيدون الآن؟ والمعركة غير متكافئة، وأنت معتقل لا تملك شيئًا، وهجومك على النظام وتصديك وتمسكك بهذا الموقف الصلب، وعدم تنازلك أمام المحكمة واتهامك للنظام، إنما يعرضك لأحكام قاسية، ومع ذلك كان معظم المعتقلين، يعني أنا الآن ربما يصعب علي حصر الأسماء التي كان لها موقف مشرّف وبطولي من المعارضة أمام المحكمة، وكان موقف المعتقلين هو أن المواجهة صحيح هي غير متكافئة، من حيث موازين القوى -كما يقال-، ولكن هناك موقف أخلاقي، وصحيح أن حافظ الأسد، استطاع أن يسحق ليس المعارضة السورية فقط، وإنما الشعب السوري بأكمله، بوحشيته وجبروته، ولكن يجب أن يبقى صوت للضمير السوري يقول لنظام الأسد المجرم: لا، ويصر على القول بأنك أنت مجرم، وأنت قتلت السوريين، وأنت قمعت السوريين، وأنت سرقت منا كل شيء، ولم تسرق السياسة فقط، وإنما سرقت منا حياتنا وحيوية المجتمع السوري، وسرقت كل شيء في سورية، وكل ما هو جميل في سورية سرقته.

وهذا الموقف بصراحة، كان دائمًا يذكرني بالموقف البطولي ليوسف العظمة، عندما واجه الفرنسيين، وكان يعلم أن المعركة خاسرة، ولكنه أصرّ على المجابهة للتاريخ، حتى لا يقول التاريخ بأن الفرنسيين دخلوا دمشق دون مواجهة، ودون موقف يعبر عن رفض السوريين للاستعمار، وكذلك هذا موقف أخلاقي يُسجل للمعتقلين السوريين، وللمعارضة التي تُسمى معارضةً تقليديةً، وصحيح أنها ربما لم تكن تنجز أو أن منجزها لا يوازي تضحيات السوريين، أو حتى تضحياتها هي بالذات، ولكن هذا الموقف الأخلاقي، هو موقف في غاية النبل وغاية الإخلاص.

يعني ربما أنا لا أختلف عن بعض -أو الكثير- من الأصدقاء، الذين رفضوا أي تنازل أمام المحكمة؛ يعني أنا حتى التهمة لم أنفِها، فعندما قال لي: أنت متهم بالانتماء إلى اليمين المشبوه، قلت له: أنا يشرفني الانتماء إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وأنا أتهم النظام وأتهمك، وأنا قلت لفايز النوري: أنا أتهم النظام بأنه هو غير مخلص لقيم البعث، وهو الذي خان هذه القيم، وخان هذه المبادئ، قلت له بالحرف الواحد: بأنكم أنتم الذين تزعمون أنكم في ريادة العمل القومي، وأنتم من قاتل مع الأمريكيين في حفر الباطن أثناء العدوان على العراق، وطبعًا هذا الموقف مثله مثل بقية المواقف، التي سبقني إليها المناضلون من الحزب الشيوعي السوري، وحزب العمل الشيوعي أيضًا والتنظيم الشعبي الناصري، وطبعًا الرد كان استهجانًا، وكل هذه المواقف التي كان يبديها المعتقلون، كان يواجهها فايز النوري باستهجان شديد، وكانت الأحكام والفاتورة معروفةً؛ يعني من 10 سنوات إلى 15 سنةً.

نحن الذين كنا في سجن عدرا، كان السقف (الحد الأقصى) 15 سنةً، وطبعًا أنا تم الحكم عليّ [استنادًا] لمادتين، المادة الأولى: مناهضة أهداف الثورة، وأخذت عليها (حُكِم عليّ بسببها) 8 سنوات، والمادة 306 من قانون العقوبات 15 سنةً؛ يعني مجموع الحكم كان 23 سنةً، ولكن وفق التخريجة القانونية التي كانوا يعتمدونها، بأنه تُدمج العقوبتان، ويؤخذ بالأشد، فكان الحكم هو 15 سنةً، وأمضيت منها 9 سنوات، وبعد انتهاء المحاكم، ونحن كنا في سجن عدرا، وواقع الحال أن سجن عدرا كان سجنًا مثاليًّا من حيث الراحة؛ يعني كانت الزيارات مفتوحةً، والكتب متوفرةً، وكان يوجد راحة نسبية جيدة في السجن، وهذا ما خفف عنا أعباءً كثيرةً.

استمر الحال هكذا حتى عام 1995، وفي كانون الأول/ ديسمبر 1995 جاءت لجنة أمنية إلى سجن عدرا، وهذه اللجنة مشكّلة من ضباط -مجموعة ضباط-، وكان منهم العميد محمد سيفو، وكان يوجد ضابط اسمه وليد طه في الأمن السياسي، والضابط -الذي قُتل في خلية الأزمة- اللواء هشام بختيار، بالإضافة إلى رئيس فرع[التحقيق العقيد] عدنان محمود، وهذه اللجنة جاءت لمساومة المعتقلين من جديد؛ يعني كان كل المعتقلين الذين كانوا موجودين في سجن عدرا لا يتجاوز عددهم 70 شخصًا، وكانوا يدخلون ويسألون كل معتقل: يعني أنت هل ستنسحب من الحزب أم لا تنسحب؟ يعني مثلها مثل المساومات الأمنية السابقة، ويبدو أنه كان الانطباع العام لهذه اللجنة، هو انطباع سيء، وقالوا: أنت الآن معتقل بتهمة الانتماء إلى اليمين المشبوه، ومعتقل لمدة 15 سنةً، وما رأيك؟ وهل لا تزال متمسكًا بموقفك أم أنك نادم؟ فقلت لهم: أنا لست نادمًا، وأنا لست مخطئًا، وطبعًا كان انطباعهم سيئًا، وبعد المساومة بقينا لمدة شهر تقريبًا في سجن عدرا، وبعد شهر كان القرار قد اتخذته هذه اللجنة بالذات، بنقلنا إلى سجن تدمر، لأن هذا السجن مريح، ولا يليق بسجناء عاقين.

وبعد شهر بالضبط الساعة 4:00 صباحًا، فوجئنا بقرع السجانين الأبواب، وأيقظونا من النوم، وقالوا لنا: هيا تحركوا، وطبعًا لم يقولوا إلى تدمر، ونحن أيضًا أخذنا نفكر -ولكننا كنا نشك بشكل كبير-، أننا سنذهب إلى تدمر، ولم يسمحوا لنا بأخذ أغراضنا، وذهبنا بثيابنا فقط.

معلومات الشهادة

الموضوع الرئیس

أوضاع ما قبل الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/18-03/

أجرى المقابلة

سامر الأحمد

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

1992- 1995

updatedAt

2024/03/22

المنطقة الجغرافية

محافظة ريف دمشق-سجن دمشق المركزي (سجن عدرا)

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

محكمة أمن الدولة العليا

محكمة أمن الدولة العليا

فرع التحقيق في الأمن السياسي

فرع التحقيق في الأمن السياسي

الشهادات المرتبطة