الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

وقع خبر موت حافظ الأسد في نفوس المعتقلين السياسيين بسجن تدمر

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:12:42:22

كنا 30 شخصًا، المعتقلين الذين أخذونا من سجن عدرا إلى سجن تدمر، كنا 30 شخصًا، ويوجد من ضمننا أشخاص من حزب العمل الشيوعي، والحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي، وبعث العراق، وكنا 8 أشخاص من بعث العراق، و22 شخصًا من الشيوعيين، وربطونا بجنزير واحد مصطفين معًا، ووضعونا في باص (حافلة) نقل داخلي، وأخذونا في الطريق إلى تدمر، وهذا كان في يوم الأربعاء بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير 1996.

الطريق إلى تدمر كان طريقًا طويلًا ومتعبًا جدًّا، ووصلنا إلى تدمر الساعة 2:00 تقريبًا بعد الظهر، وطبعًا بمجرد أن تدخل إلى سجن تدمر سيختلف الوضع. في سجن تدمر كل الاحتمالات أمر وارد، وبمجرد أن يدخل الشخص معتقلًا إلى تدمر فهو مجرد رقم، دمه مهدور، فأنت في يد السجان ويستطيع أن يفعل بك ما يشاء، والمعاملة تختلف اختلافًا كبيرًا جدًّا بين سجن تدمر والسجن المدني(سجن عدرا)، وعندما أصبحنا في تدمر، أصبحنا نشعر فعلًا بأننا كنا في فندق، ولم نكن في سجن قياسًا بسجن تدمر.

في اليوم الأول فقط أخذوا أسماءنا، وجردونا من أغراضنا التي نحملها إلا الثياب، وأدخلونا إلى المهاجع، ويبدو لأن الوقت كان متأخرًا لم يقوموا بأي عملية استقبال، وفي اليوم الثاني كان الاستقبال، وطبعًا الاستقبال هو الدولاب -ما يُسمى في سجن تدمر-، أول ما يصل المعتقل يقومون باستقباله بحفلة تعذيب، ولكن بمجرد أن وصلنا إلى تدمر، عزلونا يعني نحن 8 أشخاص من بعث العراق، وضعونا في مهجع، وبقية الشباب الشيوعيين من حزب العمل والمكتب السياسي، وضعوهم أيضًا في مهاجع مع بعضهم.

في اليوم الثاني بدأت حفلة الاستقبال، وأخذونا إلى الدولاب وبدأت المعاملة، وكنا نشعر بأن المعاملة في غاية السوء، يعني مفردات التعذيب والشقاء في سجن تدمر، هي أكثر مما تحصى؛ ليس فقط عندما يضربك السجان ويعذبك، وإنما التعذيب هو في المنامة والمأكل والمشرب وفي كل شيء، ويكفي حالة الخوف؛ أنت تعيش دائمًا في حالة خوف إلى درجة أنك تتنفس الخوف!

طبعًا المجزرة كانت في حزيران/يونيو عام 1980، ونحن ذهبنا في عام 1996، فكان هناك مسافة زمنية؛ لأن النظام بعد المجزرة قام بمحو آثار المجزرة من الشقوق في الجدران وآثار الرصاص ومضى عليها سنين طويلة.

الذي يجب أن نقوله: أنه بالنسبة للشباب الشيوعيين تركوهم لوحدهم، بينما نحن الثمانية معتقلين من بعص العراق أبقونا تقريبًا 8 أشهر لوحدنا، ثم دمجونا مع الإسلاميين -مع المعتقلين من الإخوان المسلمين-؛ لأن المعاملة هناك بعث العراق والإخوان المسلمون هم نفس التصنيف تقريبًا، والمعاملة الأسوأ (لهم)، بينما الشيوعيون كانت معاملتهم أفضل نسبيًّا، وعندما دمجونا مع الإخوان المسلمين، في مهاجع كبيرة، وأصبحنا نخضع لنفس المعاملة ونفس التصنيف، وطبعًا نسمع من المعتقلين القدامى القصص المروعة، ومنهم من كان شاهد عيان على المجزرة ويتحدثون بتفاصيل دقيقة.

بقينا في سجن تدمر حتى حزيران/يونيو 2001، لأنه عندما مات حافظ الأسد، نحن كنا في تدمر في السجن، وأنا أذكر النبأ، وكيف علمنا علمًا بأن هناك في سجن تدمر لا يوجد أية وسيلة إعلام، فأنت تعيش في عالم آخر، والشيء الذي كنا نسمعه فقط، هو أذان المساجد؛ يعني عندما كان يرتفع صوت الأذان في المدينة، كنا نسمعه في السجن، لأن الهواء أحيانًا يأتي بالصوت.

الليلة التي مات فيها في 10 حزيران/يونيو -التي مات فيها حافظ الأسد-، نحن كنا الساعة 5:00 مساءً، وأنا كنت في المهجع 19 في الباحة الرابعة، وكانت العادة في تدمر -أو النظام كما يُسمونه-، أنه في الساعة 6:00 مساءً يجب أن يكون الجميع نيامًا في المهجع، ويجب عليك وضع الطماشة (قطعة قماش تُوضع بإحكام على العين) والنوم، ولا تستيقظ حتى الساعة 6:00 صباحًا، وأي شخص يجدونه مستيقظًا في الليل سوف يخضع إلى العقوبة، ومن بقي مستيقظًا هو الحرس الليلي؛ يعني أحد السجناء يسمونه حرسًا ليليًّا، يبقى مستيقظًا حتى يحرس زملاءه وإذا جاء الرقيب وتحدث معه، أو السجان تحدث معه فإنه يرد عليه، يعني يسأله: هل يوجد أحد نائم؟ يعني هو نوع من العقوبة، وهي مهمة شاقة، وأحيانا الحرس الليلي يتبلاه ( يفتعل مشكلةً) فقط حتى يعذبه أو يعلمه وفي اليوم الثاني يضربه.

الساعة 5:00 مساءً وقبل أن ننام بساعة، نبدأ -نحن المعتقلون- كل شخص يجهز نفسه؛ يعني يقضي حاجةً، لأنه في الليل ممنوع أن تستيقظ حتى تقضي حاجةً، وهذه كانت عقوبة كبيرة ومخالفة كبيرة ويجب أن تنام ولا تتحرك حتى الساعة 6:00 صباحًا، ومن الطبيعي على كل شخص من الساعة 5:00 أن يبدأ بتجهيز الطماشة، ويجهز المكان الذي سينام فيه ويقضي حاجته، وفي ذلك الوقت وقبل نومنا بنصف ساعة، رأينا حركةً غير طبيعية في السجن، بالإضافة إلى صوت قراءة قرآن من جوامع المدينة، والشيء الذي تبادر إلى أذهاننا، أنه يمكن أن يكون مسؤولًا أو ضابطًا قد مات، لأنهم يقرؤون القران، ثم نام الجميع، وأنا كان دوري في الحرس في تلك الليلة الساعة 1:00 ليلًا، يعني من الساعة 1:00 حتى الساعة 3:00، ويجب علي أن أستيقظ وأبقى في الحرس، واستيقظت الساعة 1:00 ليلًا، وأيقظني زميلي الذي قبلي ونام هو، وأنا وقفت في المهجع وأحسست أنه يوجد على السطح حركة غير طبيعية، وبالعادة لا نسمع إلا صوت حرس واحد أو صوت تبديل الحرس، وفي تلك الليلة سمعنا حركةً غير طبيعية من سطح السجن، ويوجد في وسط المهجع مكان متر في متر، يعني فتحةً ونحن نسميها الشراقة، وهذه لا يمكننا النظر من خلالها، فقط الحرس، وعندما يتحدث معنا الحرس أو السجان نحن يجب أن نكون منكسي الرؤوس ولا ننظر إليه لأنه ممنوع، فأنا ذهبت إلى إحدى زوايا المهجع، ونحن كان عندنا زاوية في المهجع، وإذا وقفت فيها ونظرت فأنت تراه ولكنه لا يراك، ويمكنك أن ترى الموجود على السطح، فذهبت إلى إحدى زوايا المهجع، ونظرت إلى الحرس، فرأيت أنه يرتدي اللباس الميداني الكامل؛ بما فيها الخوذة، ويحمل السلاح، وبالعادة هناك الحرس أو الشرطة العسكرية لا يلبسون الثياب الميدانية، ففي الحراسة يكون لباسهم عاديًّا، ولا يحمل شيئًا سوى البندقية، ولكن الحرس الذي رأيتهم كانوا أكثر من شخص، وكانوا مدججين بالسلاح واللباس الميداني والخوذ، فعرفت أنه يوجد شيء غير طبيعي في السجن، فأخذنا نفكر وتأخذنا الظنون، وعند الساعة 6:00 صباحًا -لحظة الاستيقاظ-، وطبعًا الساعة 6:00 يجب على الجميع الاستيقاظ، ولا يجوز أن يبقى أحد نائمًا، وفي لحظة الاستيقاظ سمعنا صوتًا عاليًا منبعثًا من الجوامع، يقول بالحرف: بأن جميع العسكريين في مدينة تدمر إلى الساحة العامة، من أجل مسيرة حداد على روح فقيد الوطن والأمة -الرئيس حافظ الأسد-، وعند ذاك علمنا أن حافظ الأسد قد مات.

 وطبعًا كانت لحظةً مؤثرةً جدًّا على كل المعتقلين، وحتى من الفرح بعض المعتقلين بدأ يبكي، لأن كل الناس -وأكثر الناس- وخاصةً المعتقلين من الثمانينيات، الذين أصبح لهم 20 سنةً، قد فقدوا الأمل حتى بالخروج من السجن وسنموت ونحن في السجن، فتجدد الأمل، وبموت حافظ الأسد قالوا: الآن ممكن أن يصبح لدينا أمل، لأنه يمكن أن نخرج؛ يعني ممكن أن يأتي نظام جديد ورئيس جديد -يعني شيئًا ما- ويمكن أن نخرج من السجن، فأصبح هناك فعلًا نوع من تجدد النفوس، يعني الوجوه تغيرت وأصبح يوجد أمل لدى الناس، وأنه يمكننا أن نكون أحياءً خارج السجن، ونعيش مهما كانت المدة ولا نموت في السجن.

تقريبًا بعد أسبوع من موت حافظ الأسد، جاءت لجنة إلى سجن تدمر لجنة من الضباط أيضًا وكان أحدهم هو هشام بختيار، وهذه اللجنة أيضًا قابلت -وبقيت يومين في السجن أو 3 أيام- وقابلت أيضًا كل السجناء، وفي تدمر القسم الغربي كله للسياسيين، وكان حديثهم بأنه مات الرئيس حافظ الأسد، ونحن اليوم في عهد رئيس جديد -رئيسنا بشار-، ونحن مقبلون على عهد جديد، والبلد لنا ولكم، بمعنى أنكم ستخرجون، وسوف نفتح صفحةً جديدةً ومن هذا الكلام، وطبعًا بعد المقابلة كان هناك نوع من الفرح ونوع من الغبطة في نفوس الناس وأننا سنخرج، وسوف يتم الإفراج عنا، وتقريبًا في هذه الفترة -الهدنة- بقي السجن تقريبا 15 يومًا، توقف الضرب فيه، وهذه أعتقد أنها أول مرة في تاريخ تدمر يتوقف الضرب، ولا نسمع صوت الكبل والصراخ والدولاب والتعذيب لمدة 15 يومًا، وبعد 15 يومًا رأينا بأنه قد عاد الضرب وعادت الممارسات بالتدريج، وعادوا لممارساتهم القديمة ولكن بالتدريج، فأحسسنا أنه يوجد شيء، وأن النظام كان ينوي على شيء، ويوجد شيء تغير، فخفت الأمل في نفوسنا، وطبعًا نحن عرفنا فيما بعد، وبعد أن خرجنا من السجن، أنه كان يوجد نوع من المماحكة أو الصراع، بين ما يسمى الحرس القديم والحرس الجديد؛ يعني أحدهم مع الانفتاح، والآخر ضد الانفتاح، ويبدو هذه كانت هي الدلائل عليها. بقينا على هذه الحالة حتى تاريخ 27 تموز/يوليو [2001].

معلومات الشهادة

الموضوع الرئیس

أوضاع ما قبل الثورة

كود الشهادة

SMI/OH/18-04/

أجرى المقابلة

سامر الأحمد

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

سياسي

المجال الزمني

1996/01/01

updatedAt

2024/03/22

المنطقة الجغرافية

محافظة حمص-سجن تدمر

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

جماعة الإخوان المسلمين (سورية)

حزب العمل الشيوعي في سوريا

حزب العمل الشيوعي في سوريا

معلومات الشاهد

الموضوعات المرتبطة

الكلمات المفتاحية

الشهادات المرتبطة