الاعتقال الثاني في شباط 2012
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:15:13:21
عندما اعتُقلت للمرة الثانية كنت قد بدأت العمل مع الدكتور جلال نوفل، وكنا نزوره أنا وأنس عمارة في العيادة، وبدأنا العمل ضمن تنسيقية أطباء دمشق، وبدأنا نعمل، فنجهّز نقطة طبية هنا أو نؤمن مواداً طبية، وقمنا بتأمين عدة مستودعات طبية في مخيم اليرموك، وكنا نأخذ المواد الطبية إلى الحجر الأسود، وفي الحجر الأسود، في تلك الفترة، بدأت أوائل المجموعات [العسكرية]، وعندما يأتي يوم المظاهرة لا يستطيع الأمن الدخول إلى الحجر الأسود، وأصبحت المظاهرات كبيرة جداً، ويُقال: إنه يوجد، ولكن لم يحصل هذا الاشتباك، يعني هكذا يقال، يأتي الأمن، ويحيط بها.
وكان هناك مستودع للأجهزة المستخدمة في حرستا، وفي حرستا، أقام الجيش والأمن حواجز على مداخلها، وكنت أعمل في تلك الفترة من أجل أن أُخرج قسماً من هذه الأجهزة المستعملة؛ لأنها أرخص، وعرّفني الدكتور جلال على دكتور الأسنان مهند درخباني من برزة، وأصبح التنسيق الذي ذهبت به إلى دير عطية، والتقيت مع فراس بيطار من أجل إقامة مستشفى هناك، فكنت أريد أن أرى مهند، ونلتقي أنا ومهند، ونجهز قائمة المعدات والأدوية التي نحتاجها هناك؛ كي نبدأ بتوريدها إلى جراجير (المكان المخصص لإقامة المستشفى). اتصلت بمهند، طبعاً، الأرقام مضروبة، ومهند لا يعرف اسمي، ولكنه يعرف أنني أبو الحكم، واتصلت بمهند، ولم يرد، واتصلت به بعد قليل فكان خارج نطاق التغطية، ولم يخطر في بالي -لا أعرف لماذا- أن يكون معتقلاً، وتكلمت معي صديقتي، وهي علوية ووالدها كان مخطوفاً ، خُطف لعدة أيام، وأعتقد أنهم كانوا قد ضربوا له أحد أصابعه، ولكن رغم ذلك كانت روحها ثورية، ولكن في ذلك اللقاء بيني وبينها، كانت كأنها تعلن أن هذه هي حدود علاقتنا، وكان هناك مشروع ارتباط بيننا في الأصل. ربما أصبح هناك إدراك لديها بأنها، حتى لو كانت معنا -طبعاً، في بداية الثورة هي معنا وجاءت في الاعتقال الأول، وكانت تنتظرني- لن تستطيع الاستمرار أكثر، يعني أصبحت الأمور على ما يبدو بالنسبة لها... أصبحت ترى الطرفين، وأصبحت ترى واقعها هناك، حتى لو كانت مع الثورة. طبعاً، فيما بعد، كان الحل عندها هو الهروب وحتى القبول بزواج كي تخرج من هذا الذي فُرض عليها بأنه ينبغي أن تكون مع الجهة الفلانية أو المكان الفلاني. والتقينا، واشترت لي بنطالاً، وأنا أذكره؛ حيث كانت له ذكرى في السجن، ورجعت، وأثناء رجوعي، ألغيت لقائي مع مهند، وكنت راجعاً إلى المخيم، وكان معي مفتاح بيت متولي أبو ناصر، وذهبت حتى أعيده، وفي طريقي، اتصل بي مهند، فقال: مرحباً، كيف حالك أين أنت؟ فقلت له: أين أنت؟ لقد اتصلت بك. فقال: كانت صاحبتي معي، وأنا آسف، ولكنها الآن ذهبت، وسنلتقي في موعدنا. فقال: أين سنلتقي؟ فقمت بتحديد مكان اللقاء، وقلت له في "الروك"، وهو "كافيتريا" ومطعم عند مدخل "دويلعة"، عند باب شرقي، باتجاه "دويلعة"، على اليمين. فقال لي: حسناً. وقلت له: بعد ربع ساعة أو نصف ساعة سأكون هناك. فقال لي: حسناً. وذهبت مشياً، وقبل أن أصل إلى "الروك"، تذكرت أنه لا يوجد معي سجائر، فعدت، وكان هناك كشك، ويوجد تكسي (سيارة أجرة) متوقفة لونها أصفر، يعني لا أعرف لماذا لم أنظر إليها، وكانت بجانب الكشك، ولم أنظر إليها، واشتريت علبة سجائر، ومررت من جانب التكسي (سيارة الأجرة)، ودخلت إلى "الروك"، وجلست وفي مقهى الروك، توجد أماكن للجلوس في الخارج والداخل ومكان علوي، وصعدت إلى الدور العلوي، وجلست، وطلبت "سفن أب" أو شيئاً آخر، وحينها جاء شخص، وجلس بجانبي، وقال لي: هل أنت أبو الحكم؟ فقلت له: لا. فقال: أعطني هويتك. وعندما رأى هويتي، وقرأ الاسم: عبد الله الحريري. مباشرة، قال لي: تعال معي. وطبعاً، يوجد في المحل الكثير من الناس، فقال لي: لا تتكلم، ولا تقم بأي حركة، وقبل يومين، كانوا قد اعتقلوا أخوي ياسين ونصر في درعا.
كان[ذلك] في17 نيسان 2012، في عيد الجلاء، فأخرجني، ومشينا بشكل طبيعي وبدون أن يمسك يدي، ولكنني أثناء خروجي كنت أنظر وكان شخصان هنا وشخصان هناك، واضح أنهم يغطون [المنطقة]، وكانت هناك سيارة نوع "توسان" على الطرف المقابل، وحتى نقطع الطريق لنصل إلى هذه "التوسان" انتبهت على حركة في التكسي، ورأيت أن مهند فيها، وكنت قبل قليل قد مررت من جانب التكسي، ولم أنتبه لها، وأخذوني بسيارة "توسان" لونها زيتي، وكانت سيارة أخي ياسين "توسان" لونها زيتي، وكان نصر لديه سيارة "توسان" لونها زيتي نوع "جيب"، وياسين لديه سيارة "توسان" زيتية، فأحسست أنها واحدة منهما، وهذه إحدى سيارتيهما، وكانت بدون نمرة.
ركبت في الخلف، وأنا لا أعرف ما هي الطريقة التي يتعاملون بها في البداية، وضعوا قطعة قماش لينة جداً مثل الشاشة [على عيوني]، وقالوا لي: أنزل رأسك. ولم يفعلوا شيئاً في السيارة، وكانوا يستمعون إلى أغنية كانت منتشرة في يومها، وهي لممثل غنى أغنية عن الشام، وكانوا يستمعون إليه.
عندما ركبت بالسيارة في البداية، قال لي: أعطني سلاحك. فقلت له: أي سلاح؟ وفتشني، وقال: ألا يوجد معك سلاح؟ فقلت: لا يوجد معي سلاح. وأكملت السيارة طريقها، وحاولت أن أعرف إلى أين نحن ذاهبين، ولكنني لم أعرف، وفي نقطة واحدة، شككت أنها قد تكون البرامكة من الضجة التي كنت أسمعها. ودخلنا من باب، وأنزلوني، ومازالت الشاشة على عيوني، وهو يمسك بيدي، ونصعد على درج، وفجأة، وضع شخص يده على بطني، وقال لي: أهلاً أبو الحكم، أراك سمنت. فقلت في نفسي: هذا جيد، لأن [المخابرات] الجوية كانت [تسبّب] لي خوفاً كبيراً وقلقاً، ولكن يبدو أنني الآن في [فرع] أمن الدولة، فقلت في نفسي: من يعرف أنني أبو الحكم؟ ويقول: لقد سمنت، فهؤلاء الذين سُجنت عندهم أول مرة. فقام بوضع يده على بطني، وقال: لقد سمنت، الآن ستنحف. وبعد أن قطعنا الدرج أزال عني عصابة العينين، ورأيت درجاً للأسفل ودرجاً للأعلى وممراً، ومباشرة وضع لي طماشة (عصابة) جديدة، وأدخلوني على مكتب، ولكن المنظر ليس منظر فرع، يعني المنظر الذي رأيته كان هناك بلاط يلمع ودهان، وليس مثل الذاكرة التي رأيتها في [فرع] أمن الدولة، وحتى أنه ليس كما هو الحال عندما استدعوني في فرع المنطقة لمكتب الطلبة. وأدخلوني إلى مكتب، وأنا معصوب العينين، ورموني على الأرض، وبدؤوا يضربونني، وأنا حينها كنت ألبس النظارات قبل أن أجري العملية، وكنت أضع نظارتي في جيبي، ولا يزال جزداني (محفظة نقود) في جيب البنطال، [شعرت بأنه يضربني بواسطة] شيء قاس، كنت أظن أنها عصا، ولكن فيما بعد عندما أعطوني أوراقاً، كان في يده الأنبوب الأخضر الخاص بالتمديدات الصحية، وتعرّضت للكهرباء كثيراً بواسطة عصي الكهرباء، وضربوني بكبل يعني شيء يلسعني، ولم يتحدثوا معي، يضربونني فقط، كانوا يشتمونني بشتائم الأمن: يا حيوان، يا أخ ... يا ابن الكذا . ويضربونني، ويكهربونني، حيث وضع الكهرباء على لساني، وعلى أعضائي التناسلية، يعني في كل مكان، وأنا لا زلت ألبس ثيابي وأماناتي معي، ونظارتي في جيبي ولم يأخذوا مني شيئاً.
كان موعدي مع مهند الساعة 4، وبدأت هذه الحفلة الساعة الرابعة والنصف. في البداية، كان مجرد ضرب، ثم بدأ يسألني: من يعمل في تنسيقية أطباء دمشق؟ [فأقول]: والله، لا أعرف يا سيدي. ثم تعرّضت لكثير من الضرب، وبدأ يذكر لي أسماء: هل تعرف فلان؟ وتوجد أسماء لا أعرفها يعني عبادة الدهنة ومحمد زريق، أنا لم أكن أعرفهما، ولا أعرف أنهما يعملان في التنسيقية، ولكن على ما يبدو أنهم عذبوا مهنداً، ولكنه سألني عن اسم صديقي إبراهيم المصري، وهو ابن دفعتي في الجامعة، فقلت له: لا أعرفه، ولا يعمل معنا. وسألني: أين هو؟ فقلت: إنه كان معي؛ لأنه من دفعتي، ولكنه لا يعمل معنا. وسألني: أين يسكن؟ فقلت له: لا أعرف. وفعلاً أنا لا أعرف.
اعترف علي مهند، يعني أتيت جاهزاً، ويعرفون أنني أبو الحكم وفلان، وأصلاً، أمسكوا معي الهاتف الذي يوجد فيه الرقم المضروب، يعني أمسكوني متلبساً، ولكن بعد ساعتين من الضرب بدؤوا يتكلمون معي، فضربوني جداً، ليس الضرب المميت، ولكن كان غلاً، يعني أفخاذي... وسأذكر ذلك بعد قليل عندما دخلت كان المنظر غريباً جداً.
بقيت في هذه الغرفة، وهم يأتون، ويذهبون، ثم جاء شخص، وأزعجني جداً، وعلى الأغلب هو ضابط، وضع رأس حذائه في فمي، وقال لي: ستتكلم، ودعس بقوة على فكي، وأنا انزعجت كثيراً بسبب هذه الحركة، واستمروا في ضربي، وأصبح الوقت بعد منتصف الليل، وأنا في نفس الغرفة، وكنت مكلبشاً (مكبل اليدين للخلف) ومطمشاً (معصوب العينين)، وأتعرّض للضرب، ثم أخذوني إلى نفس الممر الذي أتينا منه، ونزع عني عصابة العين، ووضع أمامي طاولة، وكنت منهكاً جداً، ووضع كرسياً، وأعطاني أوراقاً، وقال لي: اكتب اعترافاتك. فقلت له: أي اعترافات؟ فقال لي: اكتب اعترافاتك، وإلا ستعود، وتتعرض للتعذيب .. وأتذكر أن أمامي حوض زريعة، وفيه شجرة للزينة، وأشعل لي سيجارة حمراء، وقدمها لي، وأصبحت أدخن، وأكتب: أنا عبد الله الحريري كذا كذا كذا، واعتُقلت في 1 نيسان، يعني الأشياء المعروفة عني كنت أكتبها، وعندما رآني أكتب قال: جيد. ثم أشعل لي سيجارة أخرى، وأنا في هذه الأثناء أسمع صوت أشخاص يتعرضون للضرب، وأيضاً جاؤوا بهم حتى يكتبوا، وشخص يقولون له: زريق. من هو زريق؟ ومن هو الأصلع؟ هكذا يقولون، وكان أحد الشباب حليق الرأس، ويقولون: من هو الأقرع أو الأصلع؟ ومن هو زريق؟ بقيت هكذا، وكتبت، وأنا لم أنتبه أنه يقف خلف رأسي، وكان يقرأ ما أكتب، وكانت السيجارة بيدي، وأخذها، ورماها وضربني، ثم أنزلوني، فعادوا، وطمشوني (عصبوا عيني)، وخرجنا من باب، ومشينا بشارع مزفّت، وأخذوا حذائي، أصلاً، في كل المرات التي اعتُقلت بها قاموا بأخذ حذائي؛ ولكن هذا الحذاء كان لمتولي (ضاحكًا). وكنت أمشي على طريق مزفّت، وتعرّضت للضرب كثيراً على قدمي، وكأننا خرجنا من بناء إلى بناء آخر، كان بينهما شارع مزفّت، وفتح باباً أسود، وعندما فتح لي الباب أزال عصابة العين، وهنا أخذوا أماناتي، يعني يبدو أن هذا هو السجن، والبناء الآخر شيء مختلف، وأدخلوني، ورفع الطماشة (العصابة)، وكان هناك مهند درخباني وكان هناك شخصان لا أعرفهما، وهما محمد زريق وعبادة الدهنة، وقاموا بتجريدنا من ملابسنا، وقمنا بحركات الأمان، ثم عادوا، وطمشونا (وضعوا عصابة العين) من جديد، وأخذوا الحزام، و كنت ألبس بنطالاً بنياً وقميصاً، وكان معي البنطال الذي أهدتني إياه صديقتي، وقال لي أحد السجانين: هل ستضعه في الأمانات أم تتركه معك؟ فقلت له: لا توجد مشكلة. فقال: سأتركه في الأمانات. وهذا السؤال طمأنني عن شيء يخصني، وكان البنطال جديداً، ووضعه في الأمانات، يعني أنني سأخرج، وحتى الآن كنت أظن أنني في [فرع] أمن الدولة. عادوا، وطمشونا (عصبوا أعيننا)، وأخذوا كل شخص مننا في اتجاه، وأثناء المشي قال لي الذي يمشي: مهما يسألوك عن سعر الدولار وماذا حصل ومظاهرات وغيرها لا [تعترف] بشيء، وإذا قلت كلمة سترى ما يحصل لك. هكذا قال لي السجان، وهو إما يحذرني فعلاً، أو أنه ممنوع فعلاً، وينبغي أن يقول هكذا، أو أن أحداً ما يعطيني إشارة من السجانين لأنه لاحقاً عندما نتكلم عن السجانين نكتشف أن هناك حالات إنسانية ضمن السجانين أنفسهم، أو ربما كان ينبهني، فربما يعطيني شخص نصيحة، ولكن بهذا الشكل الترهيبي، وربما يريد أن يقول لي: لا تتكلم، هذا أفضل لك.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/10/23
الموضوع الرئیس
الاعتقال خلال الثورةكود الشهادة
SMI/OH/53-31/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
النصف الأول من العام 2012
updatedAt
2024/05/06
المنطقة الجغرافية
محافظة دمشق-مدينة دمشقمحافظة ريف دمشق-الحجر الأسودمحافظة دمشق-مخيم اليرموكمحافظة دمشق-الدويلعةمحافظة ريف دمشق-دير عطيةمحافظة ريف دمشق-حرستا القنطرةشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الجيش العربي السوري - نظام
إدارة المخابرات الجوية
إدارة المخابرات العامة / أمن الدولة
تنسيقية أطباء دمشق