الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

انطلاق أول مظاهرة باللاذقية في جمعة العزة

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:17:20:04

أنا لم يصلني دعوات من سياسيين أو من أطراف، ولكن سُمِعت أخبار أنه يوجد مظاهرة لأهالي معتقلين أمام مبنى للدولة [مبنى حكومي]، أمام وزارة الداخلية (16 آذار/مارس 2011 - المحرر)، إذًا أصبح لدينا حركة. ولاحقًا شرطي مرور تعدى على أحد المواطنين (17 شباط / فبراير 2011 - المحرر) فقال له: نحن في بلد حرية، ولماذا تضربنا وأنا مواطن وعندي كرامتي؟ ولاحقًا تدخَّل وزير الداخلية -أعتقد الشعّار- وهو من مواليد وأبناء مدينة اللاذقية منطقة الحفة (الصحيح سعيد محمد سمور -المحرر) وجاء بسيارته وقال: حقكم علينا، ونحن نعتذر، وسيأخذ الشرطي جزاءه. وهذه الأصداء بدأت تأتي إلى المدينة، على الأقل بدأنا نسمع بها.

هل كان لدينا يقين أنه سيتحرك شيء في سورية؟ لم يكن لدينا هذا اليقين. وهل كان لدينا هذا الأمل؟ نعم كان هذا الأمل. وهل كان يوجد هذا التمني والرجاء؟ نعم كان موجودًا، ولكن موضوع التحرك كان شيئًا بعيدًا جداً، وفي لحظة حدث وأصبح الموضوع مفاجئًا جدًا.

مع بداية الحراك في درعا لم نصدق أنفسنا، يعني في بداية الحراك، موضوع الأطفال وموضوع الرد الذي جاء عليه، وموضوع المظاهرات وأول المظاهرات، ومظاهرة دمشق بتاريخ 15 آذار، وعندما رأينا أول فيديو لها بعد يومين أو ثلاثة -ونحن لم نره في نفس اليوم- وبعد يومين أو ثلاثة عرفنا أنه كان يوجد مظاهرة منذ ثلاثة أيام في دمشق، واليوم يوجد مظاهرة في درعا، وعندما بدأت المظاهرات كانت في يوم الجمعة بتاريخ 18 آذار، وبدأت تخرج الفيديوهات بواسطة الهواتف القديمة على قناة الجزيرة تتوارد فيديو بعد الفيديو، وأول طلقة رصاص تسمع على التلفزيون، في وقتها كنا عائدين في فترة العصر، وكنا مع الوالد في المنزل، وعندما رأينا سقوط أول شهيد يعلم الله قال لي الوالد: سقط الأسد. قلت: من الأسد؟! يومها نسيت شيئًا اسمه بشار الأسد. يعني كان يوجد شيء غريب عندما حصلت الأحداث، ولكن الآن أصبح الأمر جديًا، وأصبحت عندنا، وسقط أول شهيد، ولا يوجد مزح، وكبرت المظاهرات، وانتهى يوم الجمعة الأول، هذا الأسبوع يعني مدينة اللاذقية على الأقل المجتمع الذي حولي لا أحد يتحدث والجميع مترقب.

بتاريخ 21 آذار في درعا، وبتاريخ 22 و23 و24 وجاء يوم الحسم في اللاذقية، ونحن لا أقول: تأخرنا، ولكن حتى جاء المد الثوري أو الروح الثورية أو النفَس الثوري الذي سرى في سورية من جنوبها إلى شمالها، وحتى يصل لنا إلى مدينة اللاذقية استمر سبعة أيام، وفي ليلة 25 آذار، في يوم الخميس مساء في الليل، أنا كنت أضع رأسي على الوسادة، وصدقًا كنت لا أتمنى أن يأتي يوم الغد، يعني أن لا يأتي يوم الجمعة، وأنا شخص في هذه اللحظات -وحتى أكون صريحًا مع نفسي- أنا كنت أخاف من لحظات التغيير في بدايتها في شرارتها، ولكن عندما تطلق الشرارة أنا أول الناس. فكنت خائفًا وقلقًا ومترقبًا وسعيدًا ومتشوقًا ومتحمسًا وكلها مع بعضها، وكل شعور أنسبه إلى شيء لسبب، يعني متحمس للمشاركة في شيء شبابي يوجد فيه صراخ، ومتشوق للانضمام إلى المدن التي ثارت وأثبتت رجولتها، ومترقب لما سيحصل بيننا وبين العلوية، وقلق على مستقبلي إذا انتسبت إلى هذه الثورة ماذا سيحصل؟ وقد أموت! وكنت خائفًا على والدي الذي كان أحد خطباء مساجد اللاذقية، وهو كان خطيب جامع عبادة بن الصامت، ونحن رأينا في أول أسبوعٍ المظاهرات تخرج من المساجد من التجمعات البشرية، وأنا لا أقول: من المساجد، وإنما من التجمعات البشرية. ونحن كان لدينا في سورية تجمعات يمكن أن يجتمع فيها الناس، يعني لو كان لدينا تقليد في سورية -وإذا نسينا موضوع الدين- يعني مثلًا لو أنه في كل يوم ثلاثاء الساعة الثالثة سنجتمع في الكنيسة ونلعب كرة القدم فنحن كنا سنخرج بالمظاهرات من الكنيسة، فهل ستنسب المظاهرات أنه نَفَسها مسيحي؟ لا. وكانت المساجد هي مناطق تجمع الناس، يعني أنا كان عندي هذا اليقين، يعني الموضوع لم يكن أنه نحن نريد الدفاع عن الدين، لا، الأمر لم يكن بهذا الشكل، ولكن الدين أضاف لنا عاملًا حتى نصبح أقوياء، ولكن نحن لم نخرج من أجل الدفاع عن الدين، والذي يدّعي ويقول نحن خرجنا في البداية من أجل الدفاع عن الدين كانوا قلة، ولكن الشعب خرج لأنه يريد حرية، ويريد أن يخرج ضد النظام ويسقط الاستبداد والفساد، وإذا جاءنا إلياس خوري فنحن ليس عندنا مشكلة.

أنا كنت خائفًا على والدي، وهل ستخرج مظاهرة من جامع عبادة بن الصامت أم لن تخرج؟ وأنا لا أدري كيف نمت في تلك الليلة، استيقظت وذهبت إلى الجامع في صباح 25 آذار 2011، ولهذا اليوم شجون وحنين وجمالية رائعة.

لا أذكر أي كلمة عن الثورة قبل 25 آذار، يعني لا أذكر أي كلمة في هذا الأسبوع وليس قبل، ولا أي كلمة عن الانخراط في هذا اليوم أبدًا، وكان ذاكرتي ممسوحة، ولكنني لا أذكر أي حوار، وأنا ذكرت أنه في البداية كان الناس صامتة، ولا أحد يستطيع فتح الموضوع، فكيف أسأل هل تشارك أم لا تشارك؟ وقد يقول لي: نعم. ويخوفني، وأنا لا أريد أن أسأله حتى لا أخاف، وكذلك الأمر مع والدي، ونحن تجاهلنا الحديث عن أي موضوع حتى لا نحمل الهم قبل وقوعه، لأنه كان يكفينا القلق الذي نعيشه، فلم يكن يوجد أي كلام في العائلة أبدًا، وأكثر شخص كان قلقًا هو الوالدة، لأن عندها ثلاثة شباب أنا وأخي وأخي الآخر تقبله الله ووالدي، وهي كانت تعرف أنه سيأتيها مصيبة بسببنا، وكانت تدعو باللطف بنا، وهي تعرف أننا سنأتيها بوجع الرأس.

جمعة العزة في 25 آذار 2011، (مضى على هذا التاريخ عشرة سنوات وأربع شهور تقريبًا)[لحظة تصوير الشهادة]، وفي جمعة العزة خرجنا إلى مسجد عبادة بن الصامت في مدينة اللاذقية، بالقرب من سوق القزازين في منطقة العوينة، وسميت بالعوينة لكثرة عيون الماء فيها كما قيل لنا من كبار المنطقة، ويقابل المسجد على بعد عرض الطريق فقط الذي كان بعرض -تقريبًا- عشرة أمتار من باب المسجد إلى باب الكنيسة، وهي أحد المناطق التي ينتشر فيها الأرمن المسيحيون في مدينة اللاذقية، وجو المنطقة مثل كل المناطق المسيحية في سورية أو كل العالم، يوجد نوع من الهدوء، هل هو نوع من التقاليد الدينية؟ لا أدري، ولكن مناطقنا كانت حيوية ويوجد فيها صراخ، والمناطق المسيحية هادئة ومرتبة وشوارعهم واسعة، وهذا الموضوع له أثره لاحقًا.

انتهى الوالد من خطبة الجمعة، وعندما نزل إلى الصلاة سلم وانتظر الجميع لثوانٍ، وكانت لحظات هدوء، وهل سيصدر صوت من المسجد؟ لم يصدر. فقال المؤذن الأذكار بعد الصلاة، وسلمت الناس على بعضها وخرجنا، وبحكم أن الوالد هو الخطيب كان ينزل إلى الغرفة السفلية ويغير ثيابه ويتحدث مع المؤذن ويشرف على موضوع التبرعات ويوقع على شيء معين، ونحن نخرج آخر الناس مع الوالد، وكنا واقفين أنا وأخي والسيد الوالد أمام المسجد، وكنا واقفين على شكل نصف حلقة، وإذ سمعنا صرخات غير مفهومة من الشارع الخلفي.. ضجيج.. وكان يوجد خوف ورعب وقلق وسعادة وعنفوان وحماس والأدرينالين مرتفع جدًا، وكانت أول مواجهتنا مع الثورة -الثورة بشكلها الحقيقي- وأصبحت الثورة شيئًا أمامنا ونحن أمام مواجهة فعلية لتطبيق كل ما ذكرناه في كلامنا السابق، أو كل ما ذكرناه في مقدمتي الماضية، وجاء الوقت الفعلي لتطبيق كل الكلام النظري الذي تربينا عليه وأُسسنا عليه وعشنا معه، وجاء وقت المواجهة، وأعتقد هذه من الأمور القليلة أو المرات القليلة التي يتواجه فيها الشخص مع مبادئه في بدايتها، يعني مثلًا نحن نتواجه مع مبادئنا وتعاليمنا الدينية، ولكن لا أعرف متى بدأت أواجه؟ لأنني ولدت مسلمًا، وقد أكون تواجهت وأنا عمري 7 سنوات بدون أن أشعر، لأن الإسلام قديم معي، وتواجهت مع مبادئي في المدرسة وأنا منذ زمن في المدرسة، وفي لحظة من اللحظات في منتصف الطريق تواجهت مع مبدأ دراسي: أنه هل أنا سأدرس أو ألعب؟ بينما هذا النوع من مواجهة المبادئ من ولادة المبدأ، من ولادة الثورة: كان غريبًا، وأنا الآن صدر عني هذا التوصيف، والآن أمامنا كل الأفكار وتجمعت في كرة أمامنا، وعندما تضع يدك عليها لا أقول: تلوثت أو تلطخت، وإنما أنت تشرفت بها، وأنت لا يمكنك سحب يديك، وإذا لم تسحب يديك فهي لا تقترب منك وتعيش بخط مستقيم في حياتك ودراستك، وعندما تضع يدك عليها علقت، وهل ستضع يدك عليها أم لا تضع؟ ونظرنا أنا وأخي إلى الوالد أنه: سنذهب. هل كان يوجد في ذلك الوقت وعي ثوري أو وعي ديني؟ ولكن شيء ما وضعَنا في تلك المظاهرة، ونظرنا أنا وأخي بسام تقبله الله إلى السيد الوالد وقلنا له: نريد أن نلتحق بهم. والوالد من عاداته في هذه اللحظات يبتسم ابتسامة صفراء بسيطة وقال: الله يحميكم، انتبهوا على نفسكم وابقوا بجانب بعضكم. وخلال ثوانٍ معدودة كنا مبتعدين عن الوالد ركضًا حتى نلتحق بالمظاهرة الأولى مكررة، يعني كما يوجد ناجح أول مكرر هي مظاهرة أولى مكررة، خرجت من جامع البازار في سوق أوغاريت، وهو مسجد في منطقة سوق مشهور في مدينة اللاذقية، في منتصف المدينة، في منتصف شارع القوتلي، وخطيب المسجد في ذلك الوقت كان شيخنا وحبيبنا وإمامنا الشيخ أيمن الراعي، أوجه له تحية وهو موجود الآن في إسطنبول وهو أحد مشايخ اللاذقية القلائل، وأنا أذكره ليس لأنه شيخي وأستاذي، وأنا أشكره لموقفه الثوري -ولا أشكره لمكانته الدينية بالنسبة لي- وإنما أذكره لأنه أحد المشايخ القلائل الذين رفعوا اسم اللاذقية في حين أن مشايخ اللاذقية الذين وقفوا في وجه النظام، بينما تقريبًا 98% من مشايخ اللاذقية وسورية بشكل عام خذلونا، والشيخ أيمن موجود في إسطنبول بعد التحاقه بالثورة واعتقاله ومشواره طويل ثوريًا، وهو كان خطيب جامع البازار، وخرجت المظاهرة الأولى من عنده وملأت شارع القوتلي، ملأته عن بكرة أبيه، لأن شارع القوتلي هو أحد الشوارع الرئيسية في مدينة اللاذقية، وشريان الحياة الذي يصل ساحة الشيخ ضاهر مع الكورنيش الجنوبي، وهو شارع طويل طوله تقريبًا 12 كيلومتر.

المظاهرة الأولى مكرر، أقول: مكرر، لأن المظاهرة الأولى الثانية مكرر، لأن المظاهرة الأولى المكررة الأخرى خرجت من جامع خالد بن الوليد الذي كان يخطب فيه في ذلك الوقت المدعو محمد عليو، وهو أحد مشايخ مدينة اللاذقية، وهو الآن في وقتنا الحالي هو مدير أوقاف اللاذقية، وهو أحد مساعدي وزير الأوقاف السوري محمد السيد الذي دائمًا يظهر معه حتى الآن على التلفزيون والمقابلات وصلاة العيد مع المجرم بشار الأسد والاحتفالات بتجديد البيعة وغيرها.

في خطبة الجمعة والدي كانت المرة الأولى التي يكسر فيها الأمر الأمني بالدعاء لبشار الأسد في الخطبة، وكان موضوع الدعاء لبشار الأسد شيئًا مفروضًا على خطباء المساجد، ولا يمكننا أن نتهم أحدًا به قبل الثورة، وقبل الثورة شيء وبعد الثورة شيء آخر، يعني لأنه إمام يدعو لبشار الأسد على المنبر فهو مع أو كذا، هذا كان بروتوكول: اللهم وفق الراعي والرعية.. اللهم وفق رئيس الجمهورية. وهذه الجملة تمر وكذا والوالد بتاريخ 25 آذار كسر هذا الموضوع، وأنا فاجأني ولم يتكلم معنا أبدًا في هذا الموضوع، وهو أوقف الدعاء لبشار الأسد في أول خطبة له بتاريخ 25 آذار، وكذلك الأمر مع بقية المشايخ المحترمين.

محمد عليو أسهب في الدعاء لبشار الأسد في خطبة الجمعة الأولى في جامع خالد بن الوليد.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2021/06/23

الموضوع الرئیس

البدايات الأولى للثورة السوريةجمعة العزة

كود الشهادة

SMI/OH/59-05/

أجرى المقابلة

يوسف الموسى

مكان المقابلة

اسطنبول

التصنيف

مدني

المجال الزمني

آذار 2011

updatedAt

2024/04/22

المنطقة الجغرافية

محافظة اللاذقية-مدينة اللاذقية

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

قناة الجزيرة

قناة الجزيرة

وزارة الداخلية - النظام

وزارة الداخلية - النظام

وزارة الأوقاف السورية (نظام)

وزارة الأوقاف السورية (نظام)

الشهادات المرتبطة