في عام 2010، كنا نراقب التلفاز، وكان الشباب مشدودين إلى ما يحدث في تونس من ثورة، دعنا نقول إنها "ثورة الزهور" في تونس، وشاهدنا الناس يخرجون في الشوارع، والبوعزيزي حرق نفسه من ظلم السلطات ومن الاضطهاد والجوع الذي كان يمارس ضد التوانسة (التونسيين). البوعزيزي كما نُقل لنا أنه طالب مثقف جامعي، ولم يجد فرصة عمل ولم يجد طعامًا، والكثير من الشباب السوريين كانوا يعيشون هذه الحالة، والكثير من شباب البوكمال كانوا يعيشون هذه الحالة، فأخذ الناس يهمسون فيما بينهم، ثم علا الصوت بعض الشيء بأننا نحن نعيش نفس هذه الحالة، وفي البوكمال، يعيش شبابها نفس هذه الحالة، وحدثت حالة فريدة في البوكمال، ولا أظنها حدثت في منطقة أخرى، أن أحد الأشخاص وهو بلال الدبس قال في المسجد: ومتى يأتي دورنا نحن؟ ومتى نصبح مثل تونس ونسقط الحاكم في سورية؟ وقال: متى يأتي دورنا؟ وعلى إثرها كُتب فيه تقرير من ضمن المسجد، واعتقل بلال الدبس، وهذا كان محفّزًا لنا على أن أحد الأشخاص ضحى بنفسه من أجل أن يقول كلمة الحق، وكلنا كنا نعتبر ما قاله بلال حق، وما قاله بلال بصراحة كله كنا نقوله فيما بيننا وبين أنفسنا، الشارع بدأ صوته يعلو، والطبقة العامة أو الشعبية أخذت تُسمع صوتها، وأما ما يسمون بالنخب والمثقفين أخذوا يهمسون؛ لأنهم يدركون أكثر من غيرهم ظلم هذا النظام وقسوته، وأخذنا نتحدث فيما بيننا في مجالسنا عما يحدث في تونس، ثم بدأت الثورة في مصر، وكذلك شاهدنا المنظر الرائع عندما اجتمع مئات الألوف في ميدان التحرير في مصر، فأدركنا أن التغيير قادم، وأن سورية لابد لها من أن تلتحق بركب هذه الثورات.

والحديث كان يجري في جميع التجمعات للشباب، ولا يوجد مكان يلتقي فيه الشباب إلا التجمعات، مثل: سهرة عائلية أو عرس أو تعزية، ونفتقر في البوكمال كما تفتقر جميع مناطق سورية إلى مكان يجمع الشباب، ولا يوجد مكان يجمع الشباب، وكنا نلتقي في السهرات الخاصة للشباب، فنتحدث فيما بيننا أنه لابد أن يأتي التغيير إلى سورية، ومتى سوف يكون دورنا؟ ومتى سنخرج، ونغير هذا الظلم الذي سكت عنه آباؤنا وأجدادنا؟ وكنت أتذكر أنني ألتقي بكبار السن من أقربائي، فأقول لهم: إن خطيئتنا برقبتكم؛ لأنكم سكتم عن هذا النظام 40 عامًا. فيقولون لنا: أنتم لا تعرفون ما وراء هذا النظام، والله سوف يحرق البلد، ولا يسلم الحكم. ولكن همتنا كانت تناطح السحاب على أن التغيير قادم في سورية.